التدخل الروسي في سورية: آثاره وتداعياته –ملف يحتوي علي أكثر من مئة مقال-
قربة بوتين المثقوبة/ صبحي حديدي
ثمة تفصيل، يخصّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لم يتنبه الكثيرون إلى أهميته، وسط الانشغال بأخبار بتصعيد التواجد العسكري الروسي في الساحل السوري: أنّ بوتين اختار، للمرّة الأولى منذ سنة 2005، أن يشارك شخصياً في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأن يلقي خطاباً من المنبر الأممي. في عبارة أخرى ـ وبالنظر إلى أنه لا يفتقر البتة إلى اهتمام وسائل الإعلام الدولية بحركاته وسكناته؛ ولا تعنيه، كثيراً، حكاية الذكرى السبعين لتأسيس الهيئة الدولية ـ يلوح أنّ الرجل يعتزم إيصال رسالة ذات صبغة عالمية، تتوجه إلى الغرب أولاً بالطبع، ولكنها أيضاً تخاطب العالم بأسره أيضاً.
الأرجح، إذاً، أن يكمل الخطاب، عبر اللغة الدبلوماسية هذه المرّة، ما قالته موسكو على الأرض، عسكرياً، في أوكرانيا منذ أشهر، وفي سوريا منذ أيام: أنّ روسيا ليست بصدد استئناف أي طراز جديد من الحرب الباردة القديمة، حتى بمعنى الحروب المتخيَّلة؛ وأنها ترى في الغرب، والولايات المتحدة خاصة، شركاء في ما يتوجب صياغته من سياسة وأمن واقتصاد على مستوى العالم؛ ولهذا فإنّ تصعيد الوجود العسكري الروسي في سوريا يذكّر بدور موسكو هذا، ويفتح باب التفاوض حول ملفات أخرى تخصّ هموم روسيا، وفي طليعتها العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو، وكذلك حروب أسعار النفط.
هي مبادرة تسعى إلى التفاهم، إذاً، وليس إلى التخاصم؛ حتى إذا كانت الوسيلة هي التصعيد، وبعض الاستفزاز، وخلط الأوراق (في الأجواء السورية، على الأقلّ) إلى درجة تُنذر بالأخطار واللعب بالنار، وكانت دافع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الهرع إلى موسكو وتشكيل لجان أمنية روسية ـ إسرائيلية مشتركة لتفادي أي «سوء فهم» محتمل. يبقى، في المقابل، أنّ مستقبلي هذا العرض للتفاهم قد يغويهم طرح السؤال الرديف التالي: ولكن… ما المقابل، ولماذا، وعلام، نتفاهم مع بوتين: على مأزقه في أوكرانيا، الآخذ في التفاقم والتحوّل إلى عبء على روسيا؟ أم رهانه على نظام، خائر القوى، منعزل، منهزم، تابع لإيران، موشك على السقوط… هو خلاصة حال بشار الأسد؟ وإذا صحّت النظرية التي تقول إنّ روسيا تنتشر عسكرياً في الساحل السوري، لكي تناور على انتشار إيران في وادي بردى ودمشق، فما الذي يوجع الغرب وأمريكا في هذا؟
وما خلا اتصال هاتفي من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، مع نظيره الروسي سيرغي لافروف؛ واتصال ثانٍ، من وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر، مع نظيره الروسي سيرغي شويغو؛ لم تذهب ردود أفعال الولايات المتحدة إلى أيّ مستوى أعلى، أو نوع مختلف، من ردّ الفعل الاحتجاجي على الخطوة الروسية في الساحل السوري. صحيح أنّ اللقاء، المزمع، بين بوتين والرئيس الأمريكي باراك أوباما، على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، قد يسفر عن نمط آخر من التعاطي مع المسألة؛ إلا أنّ تباشير مواقف البيت الأبيض لا تشير إلى نقلة نوعية، حتى على مستوى التشدّد اللفظي.
وهكذا، فإنّ بوتين يبدو اليوم مخلصاً لأسلوب اعتمده منذ انتخابه رئيساً للاتحاد الروسي، أواخر العام 1999، مفاده التذكير بأنّ موسكو في عداد جبابرة الكون عسكرياً (وهذا صحيح، بالطبع)؛ ثمّ جيو ـ سياسياً (وهنا مصدر الشك، لأنّ تكبيل روسيا اقتصادياً، وتخبطها في مغامرات عسكرية قصيرة الأجل والأغراض، أبعد نفوذها الكوني إلى الصفوف الخلفية). وما دام المرء بصدد الحديث عن بوتين، الخطيب من سدّة الأمم المتحدة، ما الذي منع روسيا من استخدام الفيتو ضدّ أمريكا في أفغانستان، ثمّ العراق، ثمّ ليبيا؟ وكم ستتغير المعادلات إذا تابع بوتين النفخ في هذه القربة المثقوبة، من مطار حميميم أو شواطىء طرطوس، في سوريا؟
القدس العربي
صمت دولي مريب حيال ما تفعله موسكو/ عمر قدور
بينما انشغلت وسائل الإعلام في الأسبوعين الأخيرين برصد وقائع دخول القوات الروسية سورية، غاب المستوى السياسي الدولي عن الحدث، باستثناء زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي سريعاً موسكو، والتنسيق معها للحفاظ على قواعد الاشتباك التـي فرضها سابقاً سلاح الجو الإسرائيلي. غابت المواقف الأوروبية على إيقاع تراجع الموقف الأميركي، بدءاً من تعبير شكلي عن القلق وصولاً إلى إبداء الاستعداد للتنسيق العسكري مع القوات الروسية القادمة، ومن العلامات البارزة هذه الأثناء أن يتراجع الموقفان الفرنسي والبريطاني في ما يخصّ اشتراط تنحية الأسد في تسوية مقبلة.
الدول الإقليمية المنخرطة في الملف السوري لم تصدر عنها ردود فعل تواكب الحدث، الصمت الإيراني يقابله صمت في المعسكر المقابل، لم يصدر تعليق تركي أو خليجي بارز، مع أن الفترة التي سبقت إرسال القوات شهدت كثافة في التواصل الروسي الخليجي، وجرى الإفصاح عن الاختلاف في وجهات النظر بين دول الخليج الفاعلة وتصورات موسكو عن الحل. وما لا يخلو من دلالة في الوقت نفسه، تقدّم مفاوضات الهدنة، التي تعرقلت سابقاً، بين إيران و «حركة أحرار الشام» لمقايضة الزبداني بالفوعة وكفريا، وعدم ظهور تصلّب من الحركة يعرقلها.
داخلياً، باستثناء المعركة التي يشنّها جيش الإسلام لفك الحصار عن مواقع سيطرته في الغوطة، لم تشهد الساحة معارك تنبئ بتصعيد دولي أو إقليمي «ترحيباً» بالقوات الروسية، وإذا كانت الجبهة الجنوبية ممسوكة جيداً من الإدارة الأميركية، فالجبهة الشمالية التي تصل خطوط تماسها إلى منطقة الغاب بقيت هادئة أيضاً. في أحسن الأحوال، يمكن وصف الوضع بأنه نوع من انتظار ما ستُقدم عليه القوات الروسية وقواعد الاشتباك الجديدة بدل استلام زمام المبادرة. المستجد الوحيد هو من جهة النظام الذي لا يخفي تبجّحه بالمعدات والذخائر الحديثة التي حصل عليها أخيراً، ومع هذا التهديد الموجّه الى خصومه جميعاً، يبدو أنه استهدف قوات «داعش» مرتين، الأمر الذي يمكن تفسيره كرسالة للغرب الذي أسقط حتى الآن شرط تنحّي الأسد مسبقاً.
ما لا يحتاج تخميناً أن دخول القوات الروسية بهذا الزخم لا يلقى معارضة دولية، بل تشير ردود الأفعال إلى عدم كونه مفاجأة، ولا يُستبعد الاتفاق عليه من دون الاتفاق الصارم على حجمه ومداه. سورية ليست أوكرانيا لنشهد تصعيداً غربياً لأجلها، مع التذكير بالنهاية الغربية البائسة في المواجهة الأوكرانية. في الساحة السورية متّسع لالتقاء المصالح الغربية – الروسية، مع هامش ضيّق من تباين وجهات النظر، الأمر الذي صار ساطعاً بتغليب هاجس الإرهاب على جرائم الاستبداد المحلية.
مشكلة الإدارة الأميركية الأولى لم تعد في أن بشار الأسد هو أصل الإرهاب، صارت في كذبه في التعاطي مع مكافحة الإرهاب، وإذا كان تدخل الروس كفيلاً بجعله يكف عن المراوغة فأهلاً به. المعارضة لم تكن يوماً محل ثقة الإدارة، وكل ما قيل عن دعم لمعارضة معتدلة تمخّض عن سراب، لأن الإدارة لم تعمل جدياً على إنشاء بديل، عينها كانت طوال الوقت على حل يبقي التركيبة العسكرية والأمنية القائمة. قد يُقال الكثير في أداء المعارضة، لكن أول ما ينبغي أخذه عليها ثقتها بالإدارة الأميركية في مرحلة تجمع «أصدقاء الشعب السوري»، ومن ثم استكانتها إزاء التهميش والإهانات مما تعرضت له من المسؤولين الأميركيين، بدءاً من تصريح أوباما الذي استخفّ بها بصفتها مجموعة من المزارعين وأطباء الأسنان!
إذاً، أحسن التصورات التي قد تبرر الصمت حيال التدخل الروسي، وجود تعهد روسي بإعادة تأهيل النظام للمشاركة في الحرب على الإرهاب، على أمل أن يؤدي ذلك إلى تأهيل بديل للأسد أيضاً. أسوأ التصورات تفسير الصمت بتوريط روسيا في تدخل قد يصل بها إلى ما يشبه الهزيمة الأفغانية، لكن يقلل من وجاهة هذا الافتراض انتهاء مناخ الحرب الباردة الذي رافق التجربة الأفغانية، وتعلّم الإدارة الأميركية من درس التعاون مع المتطرفين، وإن لم تتعلم موسكو من درس التحالف مع الطغاة.
مع ذلك، الخيار الأول لا يبدو ممكناً مع الأخذ بواقع الحضور الإيراني، فالافتراض الذي يُروَّج عن قبول الوجود الروسي كبديل للإيراني لا يقرأ حقاً الوقائع على ما هي بقدر ما يرغب في أن تكون عليه. صحيفة حزب الله بشّرت جمهورها أخيراً بحلف يضمّ روسيا وإيران والعراق والنظام السوري والحزب، وفي ذلك ربما بعض المبالغة للتهويل، ولتفنيد التكهنات عن تنافس روسي – إيراني. هذه قراءة أخرى مغالية، لا تأخذ مثل سابقتها في الاعتبار تكتيكات النظام الذي بذل جهده لاستجلاب التدخل الروسي، وواكبه بحفاوة إعلامية بارزة.
غالبية التصورات مبنية على أن النظام آيل للسقوط، ولم يفلح الطرف الإيراني في إنقاذه فتقدّم الطرف الروسي الذي ربما كان التفاهم معه أسهل على التسوية، طالما وقّع سابقاً على وثيقة جنيف1. النظام منذ ثلاث سنوات آيل للسقوط، والذي أنقذه حقاً ليس الدعم الإيراني، وإنما الاشتراط الدولي الصارم بعدم إسقاطه عسكرياً. من هذه الجهة، النظام مرتاح إلى مصيره، مهما ظهر متهالكاً في الميدان. مصدر دعمه الأساسي الإعلان الدولي المتكرر بألاّ حلّ في سورية سوى الحل السياسي، وأنه لن يلقى مصير شقيقه العراقي.
التدخل الروسي الجديد مطلب للنظام، لا لأن الروس سيغيّرون المعادلة العسكرية على نحو فشل فيه النظام الإيراني وميليشياته، إذ يُستبعد في الأمد المنظور انخراط الروس برياً على الشاكلة نفسها. أهم دعم يقدّمه الحضور الروسي المباشر هو إيجاد فسحة يناور فيها النظام بين حليفين، فالنظام الممتن بعمق للدعم الإيراني لا يريد أن يكون مجرد ورقة تضحّي بها إيران عندما تقتضي مصالحها. بهذا المعنى، النظام بدأ يشتغل على بقائه طويلاً، الأمر الذي يصعب تحقيقه بارتهانه لجهة وصاية واحدة، وسيكون من الخفّة التهوين من شأن الزمرة الحاكمة التي قضت منذ بداية الثورة على الشخصيات كافة ذات الرأي المغاير في معسكر النظام نفسه.
ضمن ما سبق، تعويل النظام على الروس أقرب إلى الواقع من التعويل الذي يضمره الصمت الدولي، ومثلما ورّط النظام حليفه الإيراني ليس مستبعداً أن يتورّط الروس في دعم يصعب الرجوع عنه، حتى إذا تكشف أنه باهظ الثمن.
الحياة
جرعة وهم/ ميشيل كيلو
في الانطباع الأول الذي أحدثه دخول روسيا العسكري إلى سورية، تبدو الأمور وكأن هزيمةً ساحقة نزلت بثورتها، بمجرد أن وطأ أول جندي روسي ترابها. هذا الانطباع عزّزه النظام عبر تصريحات مسؤوليه، وخصوصا المشهورين منهم بالتشبيح الكلامي، مثل وليد المعلم الذي اعترف بعكس ما قاله دوماً سيده بشار الأسد، وهو أن النظام سيقلب توازنات القوى لصالحه بفضل التدخل الروسي، بينما كان فشار يؤكد أن النصر لم يعد غير مسألة أيام أو أسابيع، وربما ساعات.
ليس دخول الروس إلى بلادنا أمراً قليل الأهمية والخطورة، لكنه ليس في المقابل حكم إعدام على ثورة شعبنا التي ليست فعلاً عابراً، يمنحه مواطنونا تأييداً محدوداً. وليست “هوجة”، قام بها عصاة خارجون على القانون، أو إرهابيون يناهضون الإنسان وقيمه التي تضفي السمو والنبل على حياته، بل هي انقلاب تاريخي، عميق الجذور إنسانياً وسياسياً، تؤكد مجرياته أنه من أعظم الثورات التاريخية، سواء من حيث اتساعه ومطالبه وصموده، والانتصار الذي ينتظره. ومن يتابع مساره، وما أحاط بها من تحديات ومصاعب، سيدهشه نجاحه في تخطيها جميعها، وسيعجب من صموده في وجه آلة قتل منظمة، تضم مليون مسلح، ينضوون في جيش النظام وأجهزة قمعه، تمسك بهم يد من حديد تمقت شعب سورية، وتديرهم بطرقٍ لا تسمح لأحد منهم بالإفلات مما يرسمه له “قادة” تخلو قلوبهم من الرحمة والتعاطف الإنساني، ينفذ “عبيدهم” في الجيش والأمن أوامرهم، بما في ذلك هدم بيوتهم على رؤوس أطفالهم وذويهم. من المعلوم أن الثورة بدأت في ظل تفوق عنفي ساحق لآلة القمع والقتل التي يسمونها النظام السوري، وها هو كيس الكذب الذي يلقبونه “المعلك” في سورية يعلن سعادته، لأن ميزان القوى سينقلب لصالح نظامه بعد التدخل الروسي، متناسياً أنه يقر اليوم بما سبق له أن أنكره دوماً، وهو أن ميزان القوى كان لصالح الثورة ، وأن الشعب السوري حقق، بمقاومته، انقلاباً استراتيجياً طاول علاقات القوة بينه وبين سلطةٍ، تعتبر نفسها استعماراً داخلياً، تقتصر روابطها مع “شعبها” على إبقائه خاضعاً ومستسلماً، من خلال اضطهاده وقتله، لأنها ترى فيه عدواً لا ينفع معه لين، ولا يجوز أن تكون في قاموس إذلاله كلمة واحدة عن الحرية.
هذا الانقلاب هو اليوم أيضا سمة الوضع السوري الذي أنتجته مقاومة وطنية/ مجتمعية واسعة جداً، ولن يلغيه مئات أو آلاف الجنود الروس الذين سيرتطمون بسلاحٍ، يدفع أغلبية السوريين إلى معركة المصير الوطني، هو روحهم الثورية المجبولة بالحرية التي مكّنتهم من كسر شوكة مئات آلاف القتلة والمرتزقة المحليين والمستجلبين، المزودين بأفتك أنواع السلاح الروسي، وتحقيق انتصاراتٍ أدهشت العالم أربعة أعوام ونصف العام، على الرغم مما كابدوه من آلام، وتعرّضوا له من خسائر، وعانوه من تجاهل دول كبيرة ومؤثرة لهم، ومن تواطئها ضدهم، مع النظام وشركائه الإرهابيين.
أكرر: ليس دخول الروس العسكري إلى بلادنا حدثاً عابراً أو قليل المخاطر. لكنه ليس أيضاً حكماً قطعياً بالفشل، أو بالإعدام على ثورتنا وحريتنا. إنه تحد آخر يُضاف إلى تحدياتٍ من كل صنف ولون، تخطاها شعبنا. ولن يمر وقت طويل، قبل أن تتكيف الثورة مع التحدّي الروسي وتتخطاه.
استهلك النظام كل ما قدم له من جرعات وهم، بدأت إيرانية وتصير اليوم روسية. وفي الحروب والثورات، لا يقترب من يتجرّع الأوهام من النصر، بل يكون مصيره الهزيمة.
“المفاجأة” الروسية/ سلام الكواكبي
يبدو لوهلة أن التدخل العسكري الروسي في وضح النهار في سورية فاجأ بعض المراقبين، أو الدبلوماسيين الذين انصرفوا إلى تحليل أبعاده وتوقع مآلاته. وبالنسبة للروس، فهم بالتأكيد مستغربون من هذا التلقي الغريب لخطوتهم الجديدة التي تؤكد التزامهم الواضح بالدفاع عن النظام السوري، وحماية حزمة البطاقات التي يلعبون بها، ومن خلالها، على المسرح الدولي.
والتدخل الروسي في الشأن السوري عسكرياً ليس وليد الأمس القريب، وهو ترسيخٌ لـ “صراحة” السياسة الروسية ووضوحها تجاه الملف السوري، على عكس ما قابلها من جرعات النفاق واللف والدوران العربي والغربي تجاه المأساة السورية، منذ يومها الأول. ويبدو أن هذا الموقف الجلي لم يُقنع ساسة المعارضة السورية، أو محاوري الروس من أشاوس العرب، بأن يُعدّلوا في خططهم ومناوراتهم. فلم يبتعدوا عن الغزل الممجوج حيناً، أو نقيضه التام أحياناً، أو في السعي، أحياناً، إلى رشوة “الإمبراطورية” الروسية بما لذّ وطاب استخدامه طويلاً في التعاملات العربية/ العربية. وعزفوا طويلاً عن أن يقتربوا أكثر من الواقعية السياسية التي تحتمها تعاملات بهذا المستوى. وجاءهم بوتين بالخبر اليقين، المدعوم بالحوّامات والدبابات والطيران الحربي والجنود ومستودعات الأسلحة. بل أكثر من ذلك، كرر المسؤولون الروس مراراً وتكراراً، وعلى اللبيب أن يفهم من الإشارة والعبارة، أنهم ماضون في خيارهم “السوري”، ولن تثنيهم عنه لا “زعبرات” الغرب الصوتية، ولا بهلوانيات جون كيري وممثليه، ولا زيارات الوعود والصفقات القادمة من الدول العربية ذات المصلحة، ليس في نصرة الشعب السوري، بل في مواجهة عدو حقيقي، أو متخيّل، على الساحة السورية.
يكاد يكون الموقف الروسي أقرب إلى البداهة، أما المواقف المصدومة أو المستغربة أو المتفاجئة، فهي، وإن أُحسِنَ الظن، أقرب إلى البلاهة. وبما أن السياسة لا تُترَك للبلاهة وأخواتها، فقد مرّ القطار القطبي الروسي، الشبيه بقطارات الموت النازية، بعرباته المليئة بما يُشفي غليل سادة الكرملين، أو سيدهم الأكبر، لاسترجاع مُلكٍ دبلوماسي دولي، فقدته موسكو عن سبق إصرار وتصميم غربي. وها هي عاصمة الفودكا تصحو من سكرتها، وتلوّح، للغرب ولبعض العرب، بما يسميه الفرنسيون “ذراع الشرف”، وهو أقسى علامات الشماتة والشتامة.
عبارة الفهلوة، وكما يذكر المعجم، ذات أصلٍ فارسي، ما يتوافق حتماً مع استخداماتها السياسية الجارية من حلفاء روسيا في سورية الإيرانيين. فهم، وإن شعروا بأن دخول الدب القطبي إلى مجالهم الحيوي “الحصري” قد يكون مؤثّراً سلباً على هيمنتهم الكاملة والمقرّرة، إنْ مباشرة أو
“الروس ماضون في خيارهم “السوري”، ولن تثنيهم عنه لا “زعبرات” الغرب الصوتية، ولا بهلوانيات جون كيري وممثليه” عبر أذرعتهم المليشياوية، فهم يتعاملون مع المعطيات الجديدة، منسقة كانت معهم، أو بقليلٍ من التنسيق، بواقعية شديدة والتفافية أشدّ. وهم يأمرون أذرعتهم، على تلاوينها، بأن تتعاون، أيما تعاون، مع الواقع المُصرّح به. تعزّز موقفهم الدولي باتفاقهم النووي، وسيتحسّن موقفهم الاقتصادي في قريب ليس بعيداً، ما يُساهم في تصليب أدوارهم ومواجهاتهم في المنطقة. فمن يخال أنهم خسروا في اليمن، عليه أن يُعيد حسابات الربح والخسارة، ليرى أن ما صرّح به أحد خبرائهم علناً في مؤتمرٍ دولي، أخيراً، أن اليمن مقابل سورية، يتحقق وبشدّة. وبالتالي، دفع اليمنيون، كما السوريون وغيرهم في هذه المنطقة، ثمن منطق حسابات دقيقة، لم تغب إلا على السُذّج في السياسة، كما ذكرنا، وهم كُثر.
و”الغزوة” الروسية الجديدة تترافق مع ضوء أخضر أميركي حقيقي، لا يشبه ألبتة الخط الأحمر الأوبامي المضحك. كما أن الغرب الأوروبي يتفاعل مع الحدث بإيجابية دبلوماسية ملفتة، وهو إن أراد تسجيل نقاط في جدول حساب المماحكات، يوعز إلى أمين عام الحلف الأطلسي بإبداء القلق. أما التركي المُقدم على انتخاباتٍ دقيقة الحسابات، وحيث تتصاعد الاحتجاجات الداخلية لديه، بالاستناد إلى الموقف من الحدث السوري، فهو يضع بعضاً من الماء في “عصيره”، ريثما تتوضح أمور الموسكوف. وأخيراً، وليس آخراً، يبدو أن المرتاح والمطمئن والمؤمّن، من كل حدب وصوب، هو الإسرائيلي الذي يُنسّق عسكرياً وأمنياً وسياسياً مع الروسي.
في جلسة دبلوماسية عالية المستوى، كان حضورها أميركياً وروسياً وإيرانياً وأوروبياً، وربما إسرائيلياً، توجّه المندوب الأميركي للروسي والإيراني قائلاً: “سورية مهمتكم”. بما معناه أن ساعدوا في إيقاف المعارك، ولن نتجاوز دورنا المرسوم، ولن نطالب بأكثر مما نتفق عليه، أو من هذا القبيل (…). وفي جلسة أخرى، “عالية” المستوى هي الأخرى، قال أحد صانعي السياسة في الكرملين: “غروزني في البال”، وأضاف ببرودة قطبية “غروزني ليست فقط نموذجاً عسكرياً، بل أيضا، نموذج حلٍّ سياسي”.
في هذا السديم الدموي، لم ينبس أحدٌ من معتنقي “الممانعة والمقاومة” الجوفاء ببنت شفة إزاء التحالف الموضوعي الذي تشارك فيه “العدوة” إسرائيل مع “الصديق” الروسي” و”الشقيق” الإيراني. هم منشغلون في صياغة خطابات عصماء، جديدة الشكل والمفردات، يكشفون فيها ربما أن التزامات بوتين تجاه نتنياهو ما هي إلا “حنكة” التفافية لتحرير القدس الشريف.
العربي الجديد
غرام المؤيدين بـ “بوعلي بوتين”/ حمزة المصطفى
غيّبت انتصارات المعارضة السورية في عام 2015 تفاعل مؤيدي النظام في وسائل التواصل الاجتماعي. والمقصود بالغياب، هنا؛ انحسار الشتائم البذيئة، والألفاظ النابية، والقدح، والتخوين، والهجوم المبرمج على صفحات المعارضين، أو استهداف شخصيات عربيّة فكرية، أو سياسية وقفت مع ثورة الشعب السوري، وعرّت نظام القتل والإجرام. حينئذٍ، انشغل قسم من المؤيدين بتبرير الهزائم “خسرنا جولة ولم نخسر المعركة”، وتحميل وزير الدفاع، أو رئيس الحكومة، المسؤولية المباشرة عنها، ودفعها عن رأس النظام “المبجل”، وشرع القسم الآخر بإغلاق صفحته نهائيا، أو استبدال الأسماء الصريحة بأخرى مزيفة. ووصل الإحباط إلى حدٍّ دفع كثيرين منهم إلى ركوب البحر إلى أوروبا مع اللاجئين والمشردين، بحثًا عن أمان واستقرار، عجز ” قائدهم” وحلفاؤه عن تأمينه لهم، وكذلك عن فضاء يمنحهم حرية التعبير، ويمكنهم من ممارسة هوايتهم المفضلة “التشبيح”.
غيابهم الجميل والمريح لم يطل كثيراً، فالتدخل العسكري الروسي أنعشهم، وأخرجهم من إحباطهم، وقلص مخاوفهم، ونزع أقنعة لبسوها أخيراً، فعادوا إلى الفضاء المفتوح، بسلوكياتهم المنفرة وبذاءتهم الفجة، متوعدين من يفترض أنهم “شركاؤهم في الوطن” بالسحق والمحق والإبادة والتهجير. ومع إدراكهم أن الوجود العسكري الروسي لن يحدث فارقًا كبيراً في موازين القوى الميدانية، ولن يسهم إلا في إطالة أمد الحرب، ويزيد الخسائر المادية والبشريّة، فإن ترحيبهم بروسيا تجاوز حد الاحتفاء، ووصل إلى درجة الغرام والهيام. لن تفاجأ بصور الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تملأ الشوارع واللوحات الطرقية في دمشق وطرطوس واللاذقية. ولن تستغرب الدعوات المختلفة إلى تعليم اللغة الروسية في المدارس والجامعات، بل واعتمادها لغة رسمية، كما يطالب بعض المهووسين، وقد تصدم إذا تناهى إلى مسامعك أن مشايخ ومطارنةً دعوا، في صلواتهم، للمخلص الجديد (بوتين)، تزامنا مع حديث وزير الخارجية، وليد المعلم، عن “قلب الطاولة” ضد المؤامرة والمتآمرين. وقد تصبح، إذا كنت متابعاً لتلفزيونات النظام، ومنها سورية دراما، خبيرًا بالميزات الفنية والتعبوية للأسلحة الروسيّة؛ سوخوي، ميغ، T90، إسكندر، إس 300..إلخ.
وعلى طريقة معمر القذافي، والإعلام المصري زمن الانقلاب، تداول مؤيدون رواية كوميدية قديمة، لكنها فريدة من نوعها، فأرجع بعضهم مواقف روسيا الداعمة للنظام إلى الأصول الساحلية “السورية” للرئيس فلاديمير بوتين. وفي تفاصيل الرواية، أن جد بوتين الخامس من جبال الساحل”، وكان اسمه علي، ويحب فاكهة التين كثيراً، فسمي قبل أن يهاجر إلى روسيا علي أبو تين، وأن الرئيس الروسي الحالي أحد أحفاد عائلة بوتين السورية الساحلية (أنظر جريدة الأخبار اللبنانية، العدد 1685). ومع استخفافهم بالرواية وأصلها، ينزع مؤيدون للنظام كثيرون إلى استخدام مسمى “بو علي بوتين”، في تعليقاتهم، وكتاباتهم في تعبير مجازي عن نشوتهم بتدخل الروس، وشروعهم في بناء قواعد عسكرية (جوية، أو برية) في منطقة الساحل، وهو استخدام لا يخلو من نزعة طائفيّة مقصودة، وخلل قيمي واضح.
نسي هؤلاء، أو تناسوا، غرامهم القديم بإيران، وحزب الله، والمليشيات العراقية، وراحوا، كعادتهم، يبحثون عن عشيق، ومخلص جديد لن يوفر لهم ما عجز عنه السابقون. وبناءً عليه، فإن شعور القوة الراهن، والذي يترجم حالياً بأبشع الشتائم، والبذاءات، والتهديد، خادع وآني، تعززه التصريحات الغربية الأخيرة عن بقاء بشار الأسد، وتبدده الهزائم المتتالية التي يتعرّض لها جيش النظام، وحلفاؤه القدامى والجدد في محيط دمشق، والزبداني، وسهل الغاب، وجبال اللاذقية.
العربي الجديد
تدخل بوتين في سوريا… سليماني!/ نجاح محمد علي
ليست «إخفاقاته» على الأرض هي التي «عزلته» عن الملف السوري الذي تسلمه منذ إندلاع «الأزمة السورية»، فقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني الذي لا ينازعه أحد في قربه من المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي، ظل قريباً من هذا الملف بحكم مسؤوليته الجديدة عن «ملف القدس» والصراع مع «النظام الصهيوني» وهي الترجمة الحرفية لـ»ريجيم صهوينيستى»، وهي وظيفته الحالية التي تجعله في خضم ما يجري في سوريا وما حولها.
في الشهور الأخيرة من عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، اتخذت إيران قرارا بحل خلافاتها مع المملكة العربية السعودية، والتعاون معها لحل أزمات المنطقة الراهنة: في العراق ولبنان والبحرين وسوريا، وكانت البداية لاعادة الدفء إلى العلاقات العراقية السعودية، وحل أزمة الفراغ السياسي في لبنان، وإحياء الوفاق في البحرين تمهيداً لإنهاء الصراع الدموي في سوريا.
وعقد سليماني لقاءات سرية مع الأمير بندر بن سلطان الذي كان يمثل الملك عبد الله، بعضها تم في جزيرة «كيش» بحضور مسؤول أمني خليجي بارز وتم الاتفاق حينها على عدم التجديد لرئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي الذي كانت السعودية تتحفظ عليه، وترفض تطبيع علاقاتها مع العراق في عهده.
وكان يُفترض أن ترد الرياض بايجابية على تأثير الجمهورية الإسلامية «الايجابي» في العراق، للمضي قُدما في التعاون نحو إزالة التوتر في علاقاتهما، وتحويل الصراع بينهما على النفوذ إلى تعاون لحل أزمة الفراغ الرئاسي في لبنان والانطلاق منه نحو البحرين وتدشين نوع جديد من الأداء الدبلوماسي في الاقليم بين الرياض وطهران، خصوصاً وأن المرشد خامنئي كان «حوَّل» ملفي سوريا والعراق من سليماني إلى الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي اللواء علي شمخاني «التميمي» وتحت إشراف رئيس المجلس، الرئيس حسن روحاني.
ومنذ منع المالكي من تسلم ولاية ثالثة في العراق، وقد تم ذلك بزيارة لافتة قام بها إلى بغداد والنجف، انحصرت مهمة سليماني بتنسيق الجهد العسكري في سوريا والعراق، فيما بات هامش المناورة السياسي للملفين بيد شمخاني، وبالتالي بيد الرئيس»المعتدل» حسن روحاني، وكلاهما يؤمنان بالحلول الوسط، ويُقران بدور سعودي في حل أزمات المنطقة!.
وبعد وفاة الملك عبد الله، وتدهور العلاقات بين الرياض وطهران أكثر من أي وقت مضى، إنتصرت كما يبدو – حتى الآن – إرادة الأعضاء المتشددين داخل المجلس الأعلى للأمن القومي، وهم القيادات العسكرية البارزة، وعاد سليماني ليقوم بدوره السابق في سوريا والعراق بشكل خاص، لكن دون ضجيج خصوصاً وأن صورته على تخوم تكريت وهو يشرب الشاي، أثارت باتجاه سلبي، خصوم إيران ومنافسيها الاقليميين، رغم أنها كشفت أن الوجود العسكري الإيراني في العراق يجري تحت مرآى الأمريكيين، بل وبالتنسيق معهم في الكثير من الأحيان وذلك عبر الحكومة العراقية.
الكتمان
بدا واضحاً أن المبادرة الإيرانية لحل الأزمة السورية التي قدمتها إيران بعد نجاح «الصفقة النووية» الكبرى، تحفظت عليها سوريا، وأيضاً كان لروسيا رأي فيها برغم أنها قبلتها، خصوصاً في الفقرة الأخيرة التي لم تشر صراحة إلى دور الرئيس السوري بشار، وتردد حينها، من تسريبات خاصة، أن إيران الرئيس روحاني «المعتدلة» لم تصر على بقاء الأسد، كما لم تقترح رحيله كمرحلة أخيرة من الحل الذي يفترض به أن يحصل في سنوات، ما أثار حفيظة الحرس الثوري واللواء قاسم سليماني بوجه خاص، الذي يعتبر ـ ومن فوقه خامنئي ـ أن بشار خط أحمر في أي تسوية سياسية.
وتردد أن سليماني زار موسكو مرتين مبعوثاً عن المرشد خامنئي لبحث تدخل روسي مباشر في الأزمة السورية تحت غطاء الحرب على الإرهاب وتنظيم الدولة على وجه الخصوص، ونفت موسكو الزيارتين، ليس لأنها لا تريد أن تظهر وكأنها غير مكترثة بقرارات مجلس الأمن ولا تقيم وزناً للقرارات الدولية نظراً لوضع سليماني على لائحة العقوبات الدولية، بل لأن سليماني نفسه نصح بابقاء زياراته سرية على قاعدة «واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان».
وأثناء زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لموسكو، لبحث تلك المبادرة، نفى صحة الأنباء التي تحدثت حينها عن زيارة سليماني لموسكو. كما أن الرئيس الإيراني حسن روحاني بدوره وصف تلك الأنباء بالدعاية الأمريكية المغرضة. وقال ظريف حينها: «شاهدنا خلال الفترة الأخيرة نشاطات دعائية مغرضة من الجانب الأمريكي بهذا الخصوص، واعتقد أن هذا بسبب الأوضاع السياسية الداخلية وما يشهده الكونغرس من خلافات حول الملف النووي الإيراني». أما موسكو فانها وإن نفت رسمياً الزيارة، غير انها سربت عبر مقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن زيارة سليماني لها، إن حصلت، لا تتعارض مع القرارات الدولية، من واقع أن «الصفقة النووية» التي شاركت هي في الوصول لها، تقضي برفع هذه العقوبات خصوصاً على الشخصيات المدرجة مثل قاسم سليماني، ولو بعد حين أي بعد تدشين «الاتفاق النووي»!.
ولوحظ في هذا السياق أن موقعاً الكترونياً روسياً دافع عن الزيارة الأولى التي قيل إنها تمت في تموز/يوليو، وبشدة، وقال الموقع «إذا كانت الأنباء التي تم تناقلها خلال الفترة الماضية صحيحة عن زيارة سليماني لموسكو فهي بهدف إقناع القادة الروس بضرورة تسليح نظام بشار الأسد والجيش العراقي».
وجاء في الموقع: «لو فرضا قبلنا بحقيقة أن سليماني قام بهذه الزيارة السرية، ما سبب هذا الكم من الإرباك في الجانب الأمريكي حول هذه الزيارة؟».
وأضاف الموقع: «إن السبب الرئيسي وراء الإنزعاج الامريكي من زيارة قاسم سليماني هو أن الأخير تمكن من إفشال مخططات أمريكا وحلفائها في تقسيم المنطقة. وهم يخشون بأن يتمكن خلال لــقـائه بالـقــادة الــروس أن ينقل تجاربه في مـكــافـحـة الإرهــاب في المنطقة، وقد يخشون من نقل معلومات تتعلق بتحركات الدول الغربية في المنطقة للجانب الروسي».
ويكشف الموقع أيضا: «يحتاج كل من النظام السوري والجيش العراقي في الوقت الحالي لتسلح خاص ومختلف نوعا ما، وقد امتنعت الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة من تزويد الجيش العراقي بها ومنعت كذلك وصوله للجيش النظامي السوري. ومن المحتمل أنهم يخشون من أن سليماني يتمكن من إقناع الروس بضرورة تسليح الجيش السوري والعراقي حتى يتمكوا من إغلاق ملف الإرهاب في المنطقة».
وتجدر الإشارة أيضا أن وكالة «فاكس نيوز» قالت في أب/أغسطس الماضي بأن قاسم سليماني زار موسكو في تموز/يوليو الماضي والتقى بكل من الرئيس الروسي بوتين ووزير دفاعه.
تحالف رباعي
تدرك موسكو أن الولايات المتحدة ليست جدية في محاربة تنظيم الدولة وعموم الإرهاب في المنطقة، برغم أن «الصفقة النووية الكبرى» مع إيران يجب أن تفتح الباب على مصراعيه للحرب على التنظيم وعموم الإرهاب بمشاركة فاعلة من إيران. وحتى لو لم يقم سليماني بزيارة إلى موسكو فان قنوات الاتصال بين موسكو وطهران العسكرية والسياسية حول سوريا لم تنقطع يوماً، ولهذا فهي تلقفت المبادرة الإيرانية بضرورة التدخل المباشر على الأرض في سوريا والعراق أيضاً لمحاربة الإرهاب، لكي تُحرج واشنطن وتكشف نواياها للرأي العام: أما أن تكون واشطن مع تنظيم الدولة والإرهاب، ولا فرق بينها وبين التنظيمات الإرهابية الأخرى مثل جبهة النصرة، أو أن تتعاون مع روسيا وتترك لها ولإيران العمل مباشرة لكنس التنظيمات الإرهابية من سوريا، وكذلك من العراق.
وتنقل مصادر مطلعة أن موسكو مقتنعة تماماً أن إيران بواسطة قاسم سليماني، هي من تدير فعلياً القوى التي تقاتل تنظيم الدولة وجبهة النصرة وغيرهما في سوريا «ولكي تتواجد على الأرض فلابد من التعاون المباشر مع سليماني، فله خبرة طويلة في سوريا».
وفي الاتصالات السرية والعلنية بين واشنطن وموسكو، وبعضها حضرته سلطنة عمان وساهمت فيه، كان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قلقا حيال زيارة سليماني، إلا أن نظيره الروسي سرغي لافروف نفى صحة هذه الأنباء، وعرض في الوقت نفسه عليه فكرة أن تتولى روسيا مع تحالف يضم إيران وسوريا والعراق وأيضا حزب الله، إنهاء تنظيم الدولة في سوريا والعراق في فترة زمنية قياسية. وتسرب أيضاً أن واشنطن أبلغت موسكو أنها مستعدة لمناقشة تنسيق هذه الهجمات على تنظيم «داعش»وباقي التنظيمات الارهابية، مع موسكو في سوريا والعراق، ولم تعارض فكرة تحالف جديد تنضم له هذه الدول مع حزب الله، من واقع أن الحل في سوريا لن ينجح قبل القضاء على هذه التنظيمات، وهذا لن يتم من دون مشاركة سوريا.
تعاون ثنائي
وبالفعل ..يجري في طهران تنسيق عالي المستوى بين رئيس «معتدل» محسوب على الاصلاحيين أكثر مما هو أصلاً في خانة المحافظين، والحرس الثوري حول جميع الملفات الخارجية خصوصاً سوريا والعراق، عشية الانتخابات التشريعية وانتخابات مجلس الخبراء المصيرية، وأوفدت طهران حسين أمير عبداللهيان، نائب وزير الخارجية، إلى موسكو لمتابعة «مبادرة سليماني» حول تكثيف موسكو تواجدها على الأرض في سوريا والحرب على تنظيم الدولة وعموم الإرهاب، وأعلن عبد اللهيان في موسكو الثلاثاء «أن موسكو وطهران ستفعلان كل ما هو ممكن للمساعدة في حل الأزمة السورية» وأن «طهران وموسكو تعتزمان استخدام كل الإمكانات والاحتمالات لمساعدة سوريا على الخروج من هذه الأزمة». وشدد بشكل لافت على أن بشار الأسد «سيكون جزءاً من الحل السياسي في سوريا، في إطار أي مبادرة»، وهذا يعكس بالضبط أن تدخل روسيا في سوريا ليس إلا مبادرة إيرانية، وهو تدخل لا يمكنه أن يخرج عن سياق التواجد الإيراني الفاعل ..على الأرض بقيادة قاسم سليماني!.
القدس العربي
كيف يرى الروس مهمّة قوّاتهم في سوريّة؟/ كامران قره داغي
في ظل التصعيد العسكري الروسي الراهن في سورية تتجه أنظار مراقبين ومعلقين في موسكو الى نيويورك حيث يلقي الرئيس الروسي غداً الاثنين خطاباً مكرساً، وفقاً لوكالة «تاس» الروسية الرسمية للأنباء، لـ «النضال المشترك ضد الإرهاب»، متوقعين، أو لعل ذلك من باب التمنيات، انه قد يطرح رؤية جديدة للكرملين تؤشر الى مزيد من التحدي الروسي لنظام القطب الواحد الذي همّش دور موسكو إثر انهيار الإتحاد السوفياتي. بعض هؤلاء المتحمسين يمضي الى حد التبشير عبر وسائل إعلام روسية بأن خطاب بوتين سيكون بمثابة إعلان العودة الفعلية إلى نظام القطبين!
الوجود العسكري الروسي في سورية ليس جديداً لكنه كان محدوداً، فيما التصعيد الحالي لهذا الوجود ربما ينطوي على نية لامتداد عسكري استراتيجي يتجاوز حدود سورية. روسيا كانت تتمتع بتسهيلات صيانة لسفن بحرية في ميناء طرطوس. لكن الآن يجري توسيع مدرج المطار في اللاذقية الى الضعف لتمكين هبوط طائرات نقل ثقيلة من نوع «أنطونوف» وقاذفات قنابل قتالية فيما ستعزز وسائل الدفاع ضد الجو وتنشر مدرعات ثقيلة. الى ذلك سيزود سلاح الجو السوري بصواريخ جو – أرض. وفي مقال نشر حديثاً (ألمونيتور 11/9/2015) للباحث الأكاديمي الروسي الخبير في شؤون الشرق الأوسط فلاديمير ناومكين، وهو من مستشاري وزارة الخارجية في بلاده والمنسق لاجتماعات جماعات سورية معارضةعقدت في موسكو، نقل معلومات عن الصحافة الروسية مفادها أن زيادة ملحوظة لسفن حربية روسية عبر البحر الأسود حصلت خلال آب (أغسطس) الماضي وأيلول (سبتمير) الجاري، وأنها نقلت أسلحة ومعدات وذخيرة حربية اضافة الى مدربين ومستشارين عسكريين الى سورية.
الى ذلك أشار ناومكين بصورة خاصة الى تزويد سورية ست مقاتلات اعتراضية تفوق سرعتها سرعة الصوت من نوع «ميغ – 31»، لكنه أوضح ان خصائص هذه الطائرات لا تجعلها قابلة للإستخدام في قتال «داعش»، بل انها مؤهلة لحماية الأجواء السورية من انتهاكات خارجية محتملة والسيطرة على خطوط أمامية تمتد الى 800 – 900 كيلومتر. في السياق ذاته يرى ان خبراء روساً يعتبرون ان تأهيل السوريين لاستخدام أي سلاح جديد متطور تكنولوجياً يمكن ان يُنجز بسرعة نسبية لأن الجيش السوري مارس على مدى عقود تدريباً وتأهيلاً متواصلاً على أيدي الخبراء العسكريين الروس في الاتحاد السوفياتي السابق وروسيا لاحقاً وكذلك داخل سورية نفسها.
وتؤكد موسكو أن هدف توسعها العسكري هو «دعم الحكومة السورية في جهودها لمواجهة العدوان الارهابي»، بحسب الرئيس بوتين في كلمة له خلال قمة أمنية مع طاجكستان عقدت في 15 الشهر الجاري. وتضيف أن دحر «داعش» والجماعات الاسلامية الأخرى أهم من إطاحة الرئيس بشار الأسد، لذا يتعين ان يكون النظام السوري جزءاً من أي تحالف ضد هذه الجماعات. وتؤيد موسكو في هذا الصدد تصريحاً للأسد الى صحافيين روس بأن الجيش السوري «أكبر قوة فاعلة على الأرض» داعياً كل «المتمردين» السوريين الى الانضمام اليه في هذا القتال. لكن هذه الدعوة تناقضها تصريحات روسية أخرى بعدم وجود معارضة «معتدلة» وأن «الجيش السوري الحر لا وجود له»، كما قال السفير الروسي لدى المنظمات الدولية في جنيف أليكسي بورودافكين.
ماذا تريد روسيا اذاً؟ مهما حاولت موسكو فإن زعمها ان دحر «داعش» يهمها أكثر من إطاحة الأسد ليس مقنعاً. فحماية نظامه يحتل أولوية في أجندتها. ولعلها تأمل في أن يتمكن تحركها العسكري المكثف في سورية من ان يحمل واشنطن وحلفاءها على قبول اتفاق بالعمل المشترك لهزم «داعش» ثم الاتفاق بعد ذلك على ازاحة الأسد أو تحجيمه مع بقاء مؤسسات النظام قائمة. لكن هذا الطرح لا يتعين هضمه مع قليل من الملح. فلا عاقل يقبل أن خروج الأسد من حرب «داعش» منتصراً سيجعله أكثر تقبلاً للتخلي عن السلطة. مارك بيريني، وهو سفير للإتحاد الاوروبي عمل في دول المنطقة بما فيها تركيا، يرى في مقال له نشرته الاسبوع الماضي صحيفة «حريت ديلي نيوز» التركية الصادرة بالانكليزية، التالي: «بوتين يريد ان ينسف السيناريو الكابوسي الغربي لتدخل محتمل على غرار تدخله في ليبيا في 2011 ورؤية الأسد يواجه مصيراً شبيهاً لمصير (الزعيم الليبي السابق) معمر القذافي»، مضيفاً انه بعد التحرك الروسي الحالي «لم يعد ممكناً لسلاح الجو التركي انتهاك أجواء الرئيس الأسد كما فعل في حزيران (يونيو) 2012»، ناهيك عن أمل أنقرة بإنشاء منطقة حظر جوي على حدودها.
التصعيد العسكري الروسي المستمر بكثافة في سورية يرجّح ان موسكو تنوي البقاء هناك لمدى بعيد، وبناء على «معارك» قريبة خاضتها مع الغرب في أوكرانيا يرجح انها ليست في وارد التراجع خشية مواجهة محتملة مع الولايات المتحدة. في هذا الصدد يقول فيودور لوكيانوف، المطلع على تفكير الكرملين والخبير في العلاقات الخارجية والذي يرأس مجلس السياسات الخارجية والدفاعية، وهو أحد مراكز الفكر في موسكو، إن بوتين استطاع حتى الآن أن يغيّر بصورة جذرية وضعاً كان يعتقد انه غير قابل للتغيير، على رغم ان الأمر لا يخلو من مخاطرة وقوع حوادث من نوع ما تعرض له الطيار الأردني معاذ الكساسبي الذي أسره تنظيم «داعش» وقتله ببشاعة. لكن روسيا ليست الأردن، يضيف لوكيانوف، فهي لن تترك حادثاً كهذا يمر من دون رد. لكنه يتساءل: هل الرأي العام الروسي، الذي لم يظهر حتى الآن أي نفور من سياسة بوتين الشرق أوسطية، يمكنه ان يتقبل أمراً كهذا؟
ويختتم لوكيانوف بأن تخبط الغرب في تعامله مع الأزمة السورية لعب دوره في تغيير قواعد اللعبة، وسمح لموسكو بأن تكشف قدرتها على تخريب خططه في سورية. فالسياسات الدولية تفضل تقليدياً الأفعال على الأقوال لأن الأعمال وحدها تستطيع ان تكسب النقاط وترفع هيبة القائمين بها. لكن الأفعال يمكنها أيضاً أن تؤدي الى نتائج عكسية، بحسب تعبير لوكيانوف.
روسيا في سوريا: حماية الأسد ومصالح الكرملين تحت غطاء محاربة تنظيم الدولة/ إبراهيم درويش
ماذا يعني دخول الروس للحرب الأهلية السورية؟ وما هي أهداف الرئيس فلاديمير بوتين من إرسال ما يقرب من 2.000 جندي روسي، مقاتلات ومعدات عسكرية متقدمة؟ هل يرغب الرئيس الروسي بتعزيز نفوذه العسكري في الشرق الأوسط، حماية نظام الأسد من التداعي أم قتال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام؟
لا تزال الخطوة الروسية في سوريا محلا للتحليل وتثير مخاوف حلفاء المعارضة السورية والولايات المتحدة الأمريكية خاصة أنها ستضع ضغوطا على الرئيس الأمريكي باراك أوباما للإنخراط بشكل أعمق في الأزمة السورية ولأنها تعطي أعداء الرئيس الأمريكي فرصة للحديث عن فشل سياسته في سوريا. ويحمل التورط الروسي الكثير من المخاطر وقد يؤدي لتورط طويل الأمد في حرب طاحنة لم يعد أي طرف فيها قادر على تحقيق النصر الحاسم.
تغير اللعبة
ومن هنا فقد تغير الخطوة الروسية قواعد اللعبة في سوريا أو ربما زادتها سوءا. وعليه يعتبر التدخل الروسي من أهم التطورات على الحرب التي بدأت كانتفاضة سلمية تطالب بالحرية والعدالة ثم دخلت مرحلتها العسكرية وأصبحت سوريا محلا لصراع الإرادات بين داعمي النظام السوري لبشار الأسد- إيران وروسيا، وداعمي تغيير النظام وهم السعوديون والأتراك وحلفاؤهم. وأدت سنوات الحرب الطويلة لتقسيم سوريا إلى دويلات أصبح فيها نظام الأسد مجرد لاعب واحد من عدة لاعبين على الساحة، فهناك الأكراد وتنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة (القاعدة) وجماعات المعارضة السورية الإسلامية وغير الإسلامية. ومع أن النظام السوري يسيطر على ربع البلاد إلا أن غالبية سكان سوريا الذين لم يرحلوا يعيشون فيها. وعانى النظام منذ بداية العام خسائر فادحة أدت لخروجه من إدلب وجسر الشغور وأريحا وتدمر وتراجعه مستمر وهو ما دعا الرئيس الأسد للإعتراف بالخسارة. وأثر حرب الإستنزاف الطويلة واضح على جيشه الذي تناقص عدده من 250.000 إلى 125.0000 جندي، بشكل جعل النظام يعتمد أكثر على قوات الدفاع الشعبي وميليشيا حزب الله والميليشيات الشيعية (من العراق وأفغانستان والباكستان) التي تقاتل في صفوفه. ورغم احتكار النظام للأجواء السورية واستمراره في رمي البراميل المتفجرة إلا أنه لم يكن قادرا على وقف تقدم المعارضة السورية التي وإن عانت ضعفا وتشرذما إلا أن قاعدتها الشعبية السنية الكارهة لنظام الطائفة العلوية منع من هزيمتها. ولم يكن التفوق العسكري الجوي أيضا فعالا في تقديم الدعم التكتيكي للقوات البرية السورية بقدر ما بدت فاعليته بتدمير البنى التحتية وترويع المدنيين وبالتالي خلق موجات من اللاجئين باتوا يدقون أبواب أوروبا. ومن هنا فالمساعدة العسكرية الروسية تأتي في الوقت المناسب حيث يعاني النظام من حالة ضعف معنوي ومادي.
حياة جديدة للنظام؟
ولهذا السبب فالحشود العسكرية التي أرسلتها روسيا من قوات ودبابات وعدد من المقاتلات العسكرية والمروحية المقاتلة «كي إي- 52» وطائرات استطلاع دون طيار وأجهزة إشارات قد تعطي نظام الأسد تقدما في عدد من المحاور العسكرية، خاصة ان الحشد العسكري الروسي مستمر في اللاذقية وطرطوس. وقد يسهم الطيران الروسي المتقدم في وقف تقدم المعارضة في سهل الغاب وكذا تنظيم الدولة في دير الزور ومناطق تدمر، وربما وفر الطيران الحماية لممرات نقل الإمدادات الباقية للنظام. ويرى إميل هوكاييم أن «دخول روسيا قد يغير معالم اللعبة العسكرية على بعض الجبهات» و «لكن هل سيعطي الأسد الفرصة لاستعادة السلطة الكاملة؟ لا». وقد يطيل التدخل الروسي أمد الحرب من خلاله منح حياة جديدة للأسد.
الحرب على الإرهاب
وفي الوقت نفسه يحاول بوتين تحسين علاقاته مع الغرب بعد ضمه القرم واحتلاله شرق أوكرانيا والطريق الوحيد لتطبيع العلاقات هي الظهور بمظهر الشريك الحقيقي للغرب في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وعليه فقد أطر بوتين حشوده العسكرية عبر منظور محاربة الإرهاب الإسلامي وتحدث عن هدف تعزيز الحكومة السورية «الشرعية» وتصحيح أخطاء السياسة الأمريكية «الصبيانية» وحماية المسيحيين الأرثوذكس في سوريا. وهناك دافع آخر يتعلق بالمتطوعين المسلمين من القوقاز الذين تقدر المخابرات الروسية عددهم بحوالي 1.700 مقاتل. ولا ريب فالتدخل الروسي ترك الولايات المتحدة والدول الغربية في حالة من الضعف. فالجرأة التي تميز بها بوتين تتناقض بشدة مع الجهود الغربية المترددة في دعم المعارضة المعادية لنظام الأسد يضاف إلى هذا الفشل الواضح في برنامج البنتاغون لتدريب المعارضة السورية والذي لم يؤد إلا لتخريج عدد محدود من المقاتلين معظمهم سلموا سلاحهم لجماعات موالية للقاعدة أو أصبحوا أسرى أو انشقوا. ويضاف إلى هذا فشل التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الذي لا يزال قويا رغم عام من الغارات الجوية على مواقعه في العراق وسوريا. وما ساعد بوتين في استراتيجيته للتدخل في سوريا هو حالة الإحباط في الغرب من المعارضة ومن سوريا بشكل عام حيث أصبحت مصدرا للاجئين. وترى مجلة «إيكونوميست» (26/9/2015) أن تمسك الروس بالنظام السوري كانت وراء تخفيف عدد من الدول لهجتها من الأسد وهذا ما ورد في تصريحات جون كيري، وتعليقات عدد من المعلقين الذين طالبوا بالتركيز على «العملية السياسية» في سوريا وليس الأسد (جدعون رتشمان/ فايننشال تايمز 22/9/2015) و (كون غولين، ديلي تلغراف- 23/9/2015). ورحب دبلوماسيون أوروبيون، مثل وزير الخارجية الألماني فرانك وولتر شتاينميير بالخطوة الروسية. وأعربت إسرائيل التي ظلت قلقة من التحركات الإيرانية في سوريا عن استعدادها للتعاون مع بوتين وتوصلت معه لبروتوكول تعاون يمنع التصادم بين قواتها والقوات الروسية، وذلك أثناء زيارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لموسكو يوم 21/9/2015.
موقف المعارضة
وبعيدا عن الترحيب الدولي فدخول الروس اللعبة العسكرية سيؤثر على المعارضة السورية التي ستعاني من آثارها. كل هذا في ظل تحولات داخل المعارضة نفسها التي أجرت مفاوضات مع الإيرانيين في الزبداني وإدلب وقامت 29 جماعة معارضة بتوقيع اتفاق في بداية هذا الشهر يدعم خطة الأمم المتحدة لإنشاء مجموعات عمل تبحث عن طرق لإنهاء الحرب. وتعتقد «إيكونوميست» أن بوتين قد يلعب دورا إيجابيا إن قام بالضغط على الأسد للتفاوض بدلا من تعزيز قواه. ويمكن للدول الغربية لعب دور بناء آخر بدلا من ترك بوتين يملأ الفراغ من خلال الضغط لوقف البراميل المتفجرة. وينبع الخطر حال قررت روسيا تأكيد الخيار العسكري مما يورطها في حرب طويلة. وفي المحصلة تهدف السياسة الروسية في سوريا إلى الحفاظ على الوضع القائم في دمشق بشكل لا يمنع من سقوط الأسد وتكرار المشهد الليبي حيث تشهد البلاد حالة من الفوضى العارمة (فايننشال تايمز- 24/9/2015). والإبقاء على الأسد لمدة حتى يجد الكرملين بديلا عنه (نيويورك تايمز 22/9/2015). وتهدف روسيا من عمليتها إلى حماية نفوذها في البلاد والمنفذ البحري الوحيد لها على البحر المتوسط أي القاعدة في طرطوس. كما أن التحرك العسكري هو جزء من محاولة لتعزيز الوجود الروسي في البحار الدافئة. ومن هنا فسقوط القاعدة البحرية في طرطوس سيكون خسارة لبوتين الذي أعلن العام الماضي عن توسيع الأسطول البحري الروسي في البحر الأسود. والأهم من كل هذا فدعم نظام الأسد، بعيدا عن العلاقات التاريخية بين البلدين منذ الحرب الباردة يتناسب مع طموح موسكو لتعزيز موقع روسيا في العالم كقوة عظمى تنافس الغرب (فورين بوليسي، 16/9/2015)، وهناك من يرى في الإندفاع الروسي نحو دمشق محاولة للحد من النفوذ الإيراني هناك (الغارديان- 23/9/2015). وما يهم بوتين في المرحلة الحالية هو تحييد الولايات المتحدة وهو ما دعا الجنرال ديفيد بترايوس، مدير المخابرات الأمريكية السابق للتعليق على النشاط الروسي الأخير بأنه دليل ضعف الجهود الأمريكية والحاجة لبذل المزيد من ناحية تحقيق مناطق آمنة في شمال سوريا ومنع البراميل المتفجرة. وعلق أمام لجنة القوات المسلحة بالقول إن الحشد الروسي «ما هو إلا تذكير بأنه عندما لا تبادر الولايات المتحدة يقوم الآخرون بملء الفراغ بطريقة تضر بمصالحنا».
حليف
وهو ما أعطى الرئيس الروسي الفرصة ليس لتأكيد حضوره بل ومن موضعة نفسه كحليف قوي في محاربة الإرهاب. وتترقب الإدارة الأمريكية الخطاب الذي سيلقيه بوتين يوم 28/9/2015 أمام الأمم المتحدة والذي سيعلن فيه عن خطة «دولية» وتحالف جديد لمحاربة تنظيم الدولة يدخل فيه حليفاه الأسد وإيران. ويرى مدير مركز كارنيغي ـ موسكو ديمتري ترينين إن «بوتين يريد أن ينتهز مبادرة العلاقات العامة/السياسية من أجل إرجاع الموجة في سوريا/ العراق لصالحه ويريد أن ينسى الغرب موضوع أوكرانيا». وفي هذا السياق تشير صحيفة «فايننشال تايمز» (24/9/2015) إلى أن بوتين ربما كان يرغب بالمضي أكثر من هذا وتقديم عرض للغرب: تعاونوا مع موقف روسيا في سوريا مقابل اعتراف من نوع ما لمزاعم موسكو في أوكرانيا. ولم تكن مصادفة أن تتزامن الحشود العسكرية في اللاذقية مع تراجع مد العمليات العسكرية في شرق أوكرانيا. ويبدو أن «مقامرة» بوتين قد نجحت، فعلى خلاف قمة العشرين في استراليا العام الماضي التي وجد بوتين نفسه معزولا فيها فسيحظى بوتين في الأمم المتحدة بلقاء الفرنسيين والألمان، ووافق الرئيس الأمريكي باراك أوباما على لقائه. ودعت صحيفة «نيويورك تايمز» الرئيس أوباما الموافقة على لقاء بوتين لاعتقادها أن حل الأزمة في سوريا يحتاج لتوافق أمريكي- روسي، رغم شكها في نواياه ووصفته بـ «البلطجي» وحملته مسؤولية الدمار وبقاء الأسد في السلطة. وكل هذا لا يمنع من امتحان نوايا بوتين خاصة في ظل فشل الحرب الأمريكية ضد تنظيم الدولة. وسيتم التحاور ضمن «أرضية مشتركة» والتوصل إلى حل سياسي. وهذا يعني نجاح بوتين بتأجيل النقاش حول موضوع تنحية الأسد عن السلطة، وهو مطلب المعارضة والولايات المتحدة وحلفائها الدائم. ولاحظت مجلة «إيكونوميست» (22/9/2015) أن تعزيز حشود موسكو العسكرية جاء في ظل المخاوف من سقوط الأسد ولهذا تريد أن تتفاوض في نيويورك على حل سياسي تكون هي راعيته ومن موقع قوة. وهي بهذه المثابة ليست مهتمة ببقاء الأسد بقدر ما تريد الحفاظ على ما تبقى من الدولة السورية. فالمسؤولون الروس يعرفون أن عودة الوضع لما كان عليه قبل 2011 مستحيل ولكنهم يريدون تحولا في السلطة منظما لا يكرر دروس العراق وليبيا. وتظل مقامرة بوتين في سوريا محفوفة بالمخاطر، فقواته ستقاتل في ارض بعيدة وغريبة ثقافيا وعرقيا على خلاف الحروب التي خاضتها في جورجيا وأوكرانيا والقوقاز، وهناك احتمالات لتورط طويل الأمد يعيد التجربة السوفييتية المهينة في افغانستان عام 1979 وما بعده. وفي غياب الحل السياسي قد تجد موسكو نفسها تتورط أعمق في الشأن السوري، فهل يتحمل الكرملين حربا مكلفة بشريا وماليا في ظل الأزمة الإقتصادية التي تواجهها روسيا بسبب العقوبات الإقتصادية وتراجع أسعار النفط العالمي والغاز؟ سؤال مفتوح على كل الإحتمالات، وما يهم بوتين في المرحلة الحالية ليس سوريا ولكن إقناع الغرب بفتح أبوابه له ومعانقته من جديد كما ورد في تقرير «واشنطن بوست» (25/9/2011) والمفتاح لقاء أوباما وخطاب نيويورك.
روسيا بحاجة إلى استرضاء تركيا لنجاح مهمتها في سوريا/ محمد زاهد جول
لا بد قبل الحديث عن وجهة نظر تركيا من تزايد التواجد العسكري الروسي في سوريا من معرفة الأسباب الحقيقية لزيادة الروس تواجدهم العسكري في سوريا، وهل يستهدف الأمن القومي التركي؟ وهل يتعارض مع السياسة التركية نحو الشعب السوري التي انتهجتها الحكومة التركية منذ أربع سنوات؟
ولعل البحث في توقيت هذا الدعم الروسي يعطي الباحث بعض التقديرات الأقرب للحقيقة. فالصراع في سوريا قارب على إكمال عامه الخامس، وقد مر بمراحل أساسية، حاولت فيه روسيا أن تكون بعيدة عن التورط فيه، إما لأسباب داخلية تتعلق بالشعب والبرلمان، أو لأسباب خارجية، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم ينس هزيمة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، وكان ضابطاً في المخابرات السوفييتية في ذلك الوقت، وكان قريبا جداً من صانع القرار الروسي الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين، وهو الذي اختاره لتولي رئاسة روسيا من بعده.
وأخيراً لا بد من معرفة حقيقة الموقف الأمريكي والإسرائيلي من تزايد الوجود العسكري الروسي في سوريا، وهل تم بالتفاهم معهما حتى في مراحله الجديدة؟ علما بان كل الدور الروسي في سوريا من بداية الصراع كان في حالة تنسيق وتوافق مع الرؤيتين الأمريكية والإسرائيلية لمستقبل سوريا، سواء مع بقاء الأسد أو مع سقوطه، أو مع أخطار إطالة الصراع في سوريا لسنوات عديدة بهدف استنزاف الجيش السوري، ومن تم خداعهم من الإيرانيين والمتشيعين العرب، فتم توريط حزب الله اللبناني في معركة لا يملك فيها إلا تقديم الخسائر البشرية المتوالية، لأنه لا يملك معلوماتها، ولا يسمح له بالانتصار فيها، ولا الانسحاب منها إلا مهزوما وذليلاً ودفع ثمن الهزيمة بنهاية مستقبله العسكري والسياسي في لبنان وليس في سوريا فقط.
وإذا تمت المقاربة الصحيحة مع كل الأسئلة السابقة، فإن البحث في الأهداف الروسية من زيادة تواجدها العسكري في سوريا يجعل الحديث عن مخاوف على تركيا إما مبالغاً فيها، أو انها محقة وتحتاج إلى مزيد من التحليل والبيان عن أوجه الخطر ودرجته. لقد صدرت مواقف أمريكية وألمانية تحذر من زيادة التدخل العسكري الروسي في سوريا، بل شرعت أمريكا بإجراء مباحثات سياسية وعسكرية بين الوزارات المعنية الروسية والأمريكية، ولقاءات وزير الخارجية الأمريكي كيري مع وزير الخارجية الروسي لافروف كانت أقل توترا من الانطباع الذي سبقه من تصريح الرئيس الأمريكي مع عدد من الجنود الأمريكيين بتاريخ 11/9/2015، قال فيه اوباما، ان روسيا تقوم بخطأ استراتيجي إذا ظنت انها بدعمها لبشار الأسد يمكن ان تساعده على البقاء في السلطة، لأن وجهة النظر الأمريكية بان الحل السياسي المنشود لسوريا هو برحيل الأسد ولو بعد زمن معين. ولكن الرأي الأمريكي الأقل رفضاً لزيادة التدخل الروسي في سوريا جاء من وزير الدفاع الأمريكي بعد لقائه وزير الدفاع الروسي الذي جرى بتاريخ 18/9/2015، إذ جاء الموقف الأمريكي مفاجئاً للذين توقعوا الرفض الأمريكي، فقد ذهب البنتاغون إلى مطالبة الروس بتنسيق العمليات العسكرية وبالأخص الطلعات الجوية ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام حتى لا تقع أخطاء فنية مع الطلعات الجوية لقوات التحالف الدولي الذي تتزعمه أمريكا ضد الدولة الإسلامية، اي أن أمريكا لا تعارض التواجد العسكري الروسي، ولا تحركاته العسكرية، بل تريد التنسيق معها في السيطرة على الأجواء السورية، وتنسيق العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الروسي في سوريا، وهذا يتوافق مع التصريحات الأمريكية القديمة التي كانت تناشد روسيا في ان يكون لها دور في محاربة الإرهاب في سوريا، والمشاركة في إيجاد حل سياسي فيها، ولا بد ان الروس قد استمعوا إلى الرسائل الأمريكية وعملوا على برمجة تحركهم العسكري على أساسها. أي ان الأرجح أن يكون التدخل العسكري الروسي تم بالتوافق والتنسيق مع الأمريكان، وضمن خطة عسكرية تسعى لإجهاض كل الميليشيات العسكرية التي تسعى أمريكا إلى إضعاف قوتها العسكرية، وهي التي حالت دون تمكين أمريكا من تدريب قوات عسكرية سورية معتدلة بحسب الأوصاف الأمريكية، أو التي رفضت الدخول في تنفيذ الأوامر الأمريكية الصادرة من قادتها العسكريين من خلال قوات التحالف الدولي، أو الترتيبات السياسية التي تعمل على تحضير أرضية أو بيئة سياسية وديمغرافية لتقسيم سوريا.
ولكن القول بوجود تنسيق وتفاهم روسي وأمريكي على التدخل العسكري الروسي في سوريا لا ينفي أن تكون هناك أغراض وأهداف لروسيا غير التي لأمريكا، قد لا توافقها أو تعارضها، ولكن لا تصل لدرجة الاصطدام بينهما، لأن أمريكا كانت ولا تزال تسعى لإطالة الصراع في سوريا، وبالتالي فإن أي تعارض لها مع الأغراض السياسية أو العسكرية الروسية في سوريا يمكن التعامل معها بنفس طويل، قد تستخدمه أمريكا لتوريط روسيا بخسائر عسكرية وبشرية ترهق روسيا في سوريا، كما أرهقت إيران وحزب الله اللبناني من قبل. فالتدخل العسكري الروسي الذي جاء بترحيب أمريكي هو شبيه بالتدخل العسكري الإيراني الذي جاء أيضاً بترحيب أمريكي وإن كان أكثر سرية من الحديث العلني مع الروس، وبالأخص في الاجتماعات العلنية بين وزراء الدفاع الأمريكي والروسي بهدف التنسيق في الصراع السوري.
لا شك ان هناك مصالح روسية خاصة وإضطرارية دفعت بوتين إلى التدخل في سوريا، ومنها حماية صورته داخل روسيا، حيث أصبح معروفاً للسياسيين والشعب الروسي ان القيادة الروسية تقف وراء النظام السوري وبشار الأسد سياسيا وعسكريا، وان بوتين لا يحتمل الهزيمة أمام المعارضة الروسية، وأمريكا تفتح له أبواب حروب تضعف شخصيته الوطنية، سواء في أوكرانيا أو في سوريا أو على أراضي الجمهوريات السوفييتية السابقة المحاذية لروسيا بما فيها دول الاتحاد الروسي نفسه، مما أضطر بوتين إلى العودة إلى زيادة مستوى التسلح العسكري الروسي في مواجهة أمريكا والغرب، وبالتالي فإن روسيا تدخل سوريا وهي تدافع عن نفسها وليس لانتصار الأسد فقط، ونقطة الضعف التي أضطرت روسيا إلى التدخل هي فشل التدخل الإيراني في إنهاء الثورة السورية وتثبيت حكم بشار الأسد، بل كانت نتائج الاحتلال الإيراني المتعدد الأوجه لسوريا سببا في زيادة خسائر بشار الأسد لمعظم أراضي سوريا، وهو ما تراهن روسيا على تغيير المعادلة فيه، بأطماع أمريكية. أي أن روسيا لا تريد رؤية الاحتمال الآخر يقع وهي مكتوفة الأيدي، وهو سقوط بشار الأسد، ونهاية النفوذ الروسي في سوريا، ولذلك فإنها تريد أن تدخل في معادلة الحل السياسي في سوريا، حتى إذا ما تم انهاء مصير الأسد، فأن ذلك يتم مع الاحتفاظ بالمصالح الروسية مع النظام السوري المقبل، فالمصالح الروسية دافع رئيسي للتدخل في سوريا، فبعد خمس سنوات من الوقوف إلى جانب بشار الأسد لا تحتمل روسيا رؤية الهزيمة تلحق بها وهي مكتوفة الأيدي، هذا لا يعني ان روسيا سوف تنجح في منع الهزيمة ولكنها ستعمل لجعلها بأقل الخسائر الممكنة.
من الممكن أن يكون للأزمة الأوكرانية أثر على القرار الروسي لزيادة تدخله في سوريا، وقد يكون للاتفاق النووي الإيراني الأمريكي أثر أيضاً، لأن الاتفاق النووي سوف يفتح أمام إيران أبواب صداقة وتعاون وأسواق غربية جعلتها القيادة الإيرانية الخامنئية من أولوياتها السياسية والاستراتيجية، وإلا تعرضت للزوال والرحيل، سواء بالضغوط والحصار الاقتصادي الذي لم يستطع الروس ولا الصينيون منعه، مما أضعف الاقتصاد الإيراني، وهذا الاتفاق قد يكون اثره سلبياً على الاقتصاد الروسي بعد تدفق وزراء خارجية الغرب على طهران لإبرام العقود الاستثمارية معها في المستقبل، وبالتالي تراجع حاجة إيران إلى روسيا أولاً، وتراجع حاجتها إلى تركيا أيضاً، والتدخل العسكري الروسي في سوريا قد يكون من أهدافه إطالة أمد التحالف الروسي الإيراني المشترك في سوريا وخارجها، وإبقاء الحاجة الإيرانية إليه في دعم موقفها الدولي في قضايا مشابهة في العراق ولبنان واليمن وما بعدها.
في سياق هذه الرؤى والتحليلات والاحتمالات لا نجد خطورة مباشرة على تركيا، أي أن تركيا غير مستهدفة من التدخل الروسي في سوريا بصورة مباشرة، بل إن السياسة الروسية بحاجة إلى استرضاء السياسة التركية لنجاح مهمتها في سوريا، سواء وافقت عليها تركيا أو لم توافق من حيث الأصل، والدعوة الروسية إلى الحكومة التركية بعودة المباحثات تشير إلى رغبة روسيا في زيادة التعاون الاقتصادي مع تركيا، وهذا يعني ان روسيا لا تضع تركيا في برنامجها العدواني في سوريا، وقد يفسر ذلك قلة ردود الأفعال السياسية التركية على التحرك الروسي في سوريا، بل قد ترى فيه السياسة التركية نوعا من تخفيف الأضرار التي لحقت بالصراع السوري، وبالأخص في ارتفاع وتيرة الحرب الأهلية الطائفية، التي قادتها الميليشيات الإيرانية وحرسها الثوري وتوابعها العربية المتشيعة للمرجعية الإيرانية المذهبية والسياسية والعسكرية.
ومن الأمور الملفتة للنظر أن الحكومة الإسرائيلية هي التي بدأت بتسريب أنباء الإنتشار العسكري الروسي في سوريا، وأعربت عن مشاعر القلق من مدى الدعم العسكري الروسي لنظام الأسد أو للميليشيات المتشيعة التابعة لإيران وبالأخص ميليشيات حزب الله اللبناني. فالحكومة الإسرائيلية تخشى من مستوى الدعم العسكري، فجاءت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى موسكو يوم الاثنين 21/9/2015 لمناقشة التدخل العسكري الروسي في سوريان وجاء في أخبار هذه الزيارة أن الرئيس الروسي بوتين قد:»طمأن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أن سوريا لن تفتح جبهة الجولان، وان الجيش السوري ليس في وضع يسمح له أن يفتح جبهة مع إسرائيل».
أما الحديث عن وجود مخاطر تهدد روسيا من المجاهدين الإسلاميين أو من الدولة الإسلامية في العراق والشام، فإن التقديرات التي تتحدث عنها روسيا مبالغ فيها، فما قيل عن عدد القوقازيين الذين يقاتلون في سوريا هو 2400 مقاتل، وهذا عدد لا يتطلب أن تتورط روسيا في حرب في سوريا، بل ستكون ردود أفعال في تلك المناطق القريبة لروسيا أكبر بعد التدخل الروسي، أي ان الخطورة على روسيا تأتي من التدخل وليس من جود مقاتلين روس أو قوقازيين أو شيشان في سوريا. وقد ظهرت بوادر ذلك بتعرض مقر سفارة روسيا في دمشق إلى قذائف هاون يوم 21/9/2015، أي قبل ان تباشر القوات العسكرية الروسية توجيه ضربات علنية في سوريا.
إن السياسة التركية تنظر بكل إيجابية لأي حل سياسي يمكن ان ينهي معاناة الشعب السوري، وفي هذا السياق ترى ان على روسيا أن تشارك الدول العربية وتركيا في إجراءات الحل السياسي المنشود، والذي تحقق من خلال جنيف1، وعلى ضرورة إيجاد هيئة انتقالية بكامل الصلاحيات دون السعي لإنهاء الدولة السورية ومؤسساتها الحكومية، ولكن دون ان يكون لبشار الأسد وحزب البعث والميليشيات التي دعمتها إيران أي دور في الحل السياسي المقبل، فإذا شاركت روسيا بدعم هذا الحل فإن تواجدها العسكري سيكون مؤقتاً حتى لو جاء بطلب من حكومة بشار الأسد، والتواجد المؤقت الذي يمكن ان ترى فيها السياسة التركية مصلحة للشعب السوري، ينبغي أن يقوم على التوازن الإقليمي والدولي معاً، فالتوازن الإقليمي يمكن ان يحقق توازنا وطنيا داخل سوريا، وهو المـــأمول ان يحقق السلام للشعب السوري، حيث لا يمكن ان يكون هناك شعب سوري منتصر وآخر مهزوم.
بوتين واستثمار الملف السوري
إذا مضى التقارب بين موسكو والغرب بشأن سوريا قدما، سيكون من السهل نسيان أوكرانيا وتقويض العقوبات المفروضة من الغرب والمتعلقة بهذه القضية
إن سوريا يجري تدميرها؛ فقد تركت الحرب الأهلية، المستعرة منذ أربع سنوات، الدولة في حالة من الخراب، وتسيطر جماعة «داعش» العنيدة على مساحات شاسعة من شمال وشرق البلاد، فيما يحافظ النظام البربري للرئيس بشار الأسد على معقله في دمشق.
ومن ناحية أخرى، فإن القوى الغربية – الولايات المتحدة وأوروبا – ليس لديها خيارات جيدة لمكافحة تنظيم «داعش»، لكنها لا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدي. وهي يتعين عليها إما العمل مع نظام الأسد لمكافحة «الجهاديين»، أو أن تتجاهل وجوده وتقوم بعملية عسكرية بمفردها لإبعاد «الجهاديين» وحتى الآن، على الرغم من ذلك، فإن الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد جماعة «داعش»لم تفعل شيئاً يذكر لوقف تقدم الجماعة.
وهذا الخيار الواضح هو نتيجة لفشل السياسة الغربية الأخيرة، وهناك شخص واحد يفهم ذلك بشكل أفضل وهو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. في الرابع من سبتمبر، أعلن بوتين أن روسيا كانت تقدم مساعدات عسكرية لدمشق لمكافحة جماعة «داعش» – وهو الدعم الذي تم تكثيفه مؤخرا. ودعا أيضا إلى «نوع من التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب والتطرف». وهذا يتماشى مع سياسة موسكو بشأن سوريا، والتي ظلت ثابتة منذ عام 2010. وتقضي هذه السياسة بمنع أي خطوة مدعومة من الولايات المتحدة لإبعاد الأسد عن السلطة وإجبار الغرب بدلا من ذلك على احتضانه كشريك.
وقد كانت روسيا معزولة بواسطة الغرب وذلك بسبب أفعالها في أوكرانيا، لكنها الآن تقدم نفسها باعتبارها منقذا مستبعدا وشريكا لا غنى عنه في إطار الجهود التي يبذلها الغرب ضد التطرف الإسلامي.
وقد حدث هذا من قبل، فبعد هجمات 11 سبتمبر 2001، كان بوتين أول زعيم في العالم يتحدث إلى الرئيس جورج دبليو بوش. وبعد أيام، تعهد بوتين بأن تقدم روسيا الدعم للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد «طالبان» في أفغانستان، وحث الآخرين على الانضمام لروسيا في «مكافحة الإرهاب الدولي».
يعد الإرهاب الإسلامي قضية قريبة من قلب بوتين، فقد ساعدته على الصعود إلى السلطة في المقام الأول. وعلى مدى أسابيع عديدة في سبتمبر من عام 1999، أدت سلسلة من التفجيرات إلى تدمير أربعة مبانٍ سكنية في موسكو ومدن روسية أخرى، ما تسبب في مقتل 300 شخص وجرح مئات آخرين.
وقد ألقي باللوم على إرهابيين إسلاميين من جمهورية الشيشان الروسية الجنوبية في تنفيذ هذه الهجمات، ونظراً لهذه الذريعة، قبلت الجماهير الروسية المكلومة طوعا بالحرب الثانية التي بدأتها موسكو في الشيشان.
بيد أن شكوكا بأن موسكو تستغل الإرهاب لأغراضها الخاصة ظهرت مرة أخرى، ففي شهر يوليو ذكرت صحيفة «نوفايا جازيتا» المستقلة أن هيئة الأمن الفيدرالية الروسية تسيطر على تدفق «الجهاديين» من شمال القوقاز إلى سوريا، حيث انضم كثيرون إلى داعش، واكتشفت الصحيفة أن هيئة الأمن أنشأت «ممرا أخضر» للسماح للمتطرفين الإسلاميين بالسفر عبر تركيا، لأن موسكو تريد أن يقاتل هؤلاء الجهاديون في سوريا بدلا من روسيا.
ومع ذلك، وفي نفس الشهر، ذكر أوباما أنه «تشجع» بعد أن اتصل به بوتين لمناقشة قضية سوريا، وأن هذا «يقدم فرصة لإجراء مناقشات جادة»، لكن أوباما لا يجب أن يُخدَع.
إن خطة بوتين الرئيسية بالنسبة لسوريا واضحة وتتمثل في أن الدول العربية والغربية، التي تشكل التحالف الحالي المناهض لـ «داعش»، يجب أن تتكاتف مع الأسد، جنباً إلى جنب مع القوات الكردية والعراقية، كما يمكن أيضا لإيران و«حزب الله» وروسيا الانضمام إلى التحالف. وسيحصل التحالف على تفويض رسمي من مجلس الأمن الدولي ومن ثم هزيمة التمرد الجهادي.
وستجلب روسيا بعد ذلك الأسد إلى مائدة المفاوضات وتشرف على عملية انتقال سياسي تحفظ نظامه، ويعتزم بوتين مخاطبة الجمعية العمومية للأمم المتحدة في وقت لاحق من هذا الشهر بشأن هذه الخطة، ومن خلال التقارب بين روسيا والغرب بشأن جماعة «داعش»، يأمل بوتين في إعادة تأهيل نفسه كما سبق أن فعل بعد 11 سبتمبر.
وإذا مضى التقارب الجديد بشأن سوريا قدما، سيكون من السهل نسيان أوكرانيا ومن ثم تقويض العقوبات المفروضة من الغرب والمتعلقة بهذه القضية، وتقديم لبوتين اعتراف ضمني بضم روسيا للقرم وهيمنتها على شرق أوكرانيا، وبذلك، تكون روسيا قد انتصرت على النظام العالمي الذي فرضه الغرب بعد الحرب الباردة.
ــ ــ ـ ـ
أندرو فوكسال
ـ ــ ـ ــ ـ
مدير مركز دراسات روسيا بجمعية هنري جاكسون المتخصصة في الشؤون الدولية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
“وديعة” الأسد في جيب بوتين… حكومة وحدة وانتخابات برلمانية مبكرة/ إبراهيم حميدي
تبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل لقائه الرئيس الأميركي باراك أوباما الاثنين وإلقائه خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، من دمشق موافقة الرئيس بشار الأسد على تشكيل «حكومة وحدة وطنية» من الراغبين من المعارضة للتمهيد لانتخابات برلمانية قبل شهرين من موعد انعقادها في أيار (مايو) المقبل، في وقت ذكر أن المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا طلب مشاركة ٢٥ ممثلاً للفصائل المسلحة في وفد المعارضة في اجتماعات مجموعات العمل الأربع، الذي يضم حوالى ٦٠ شخصاً.
وكان الأسد استبعد في ظهورين إعلاميين في تموز (يوليو) وآب (أغسطس) الماضيين أي حل سياسي قبل القضاء على «داعش»، غير أن بوتين أعلن من جهته استعداد دمشق لـ «تقاسم السلطة من المعارضة البناءة» إضافة إلى إجراء «انتخابات برلمانية مبكرة».
وأوضحت المصادر أن الاتصالات الأخيرة بين دمشق وموسكو ووصول التعزيزات العسكرية والمعدات المتطورة من ناقلات جنود ومقاتلات وطائرات استطلاع إلى الساحل السوري وإقامة قاعدة عسكرية كي تبقى لفترة طويلة جداً، أظهرت موافقة الأسد على الفكرة الروسية، حيث أبلغ كبار مساعديه في الأيام الماضية نية الاتجاه إلى «الحسم العسكري» (…) بالتوازي مع تشكيل «حكومة وحدة وطنية» الشهر المقبل، إضافة إلى إجراء «انتخابات برلمانية مبكرة». وعلم أن هذه الأفكار أرسلت إلى موسكو وباتت بمثابة «وديعة في جيب بوتين، تتضمن برنامجاً سياسياً وزمنياً يمكن أن يضمنه الرئيس الروسي، كما حصل مع اتفاق نزع السلاح الكيماوي» في خريف العام ٢٠١٣.
وسيجري التأكيد على هذه الأفكار خلال لقاء وزير الخارجية وليد المعلم بالرئيس بوتين في نيويورك، علماً أن المعلم سيلتقي أيضاً رئيس تشيكيا ميلوش زيمان في أول لقاء مع رئيس أوروبي منذ بداية العام ٢٠١١.
وقلل معارضون سوريون ومسؤولون دوليون من أهمية اقتراح تنظيم «الانتخابات المبكرة»، باعتبار أن موعد إجرائها هو أيار أو حزيران (يونيو) المقبلين، غير أن اقتراح الأسد هو لإجرائها في آذار (مارس) أو نيسان (أبريل).
ولم يعرف ما إذا كانت دمشق وافقت على رقابة دولية على هذه الانتخابات، علماً أن مسؤولين سوريين احتجوا لدى طهران لأن مبادرتها المعدلة تضمنت «رقابة دولية» على الانتخابات، إضافة إلى تحفظ آخر يتعلق بـ «الاعتراف بمكونات الشعب» السوري في الدستور الجديد.
وتضمنت المبادرة الإيرانية المعدلة أربع نقاط، هي: وقف إطلاق نار، وحكومة وحدة وطنية، وتعديل الدستور بما يضمن حقوق الأقليات والمكونات وإجراء انتخابات برقابة دولية. وأبلغ مسؤول إيراني مسؤولين غربيين أخيراً، أن طهران ترفض مبدأ «الحكومة الانتقالية» وتقترح «حكومة وحدة وطنية» بمثابة حكومة تسيير أعمال تعد لـ «عملية سياسية» تتضمن مراجعة الدستور وتعديله «بما في ذلك صلاحيات الحكومة وصلاحيات الرئيس بموجب رغبة الشعب السوري» وصولاً إلى إجراء انتخابات بـ «رقابة دولية»، الأمر الذي لا تزال دمشق ترفضه إذ إنه «أقصى ما يمكن أن تقبله رقابة ممثلين من دول «بريكس» التي تضم روسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل. ولم يتضح أيضاً الموقف النهائي من مشاركة السوريين في مناطق اللجوء والنزوح بهذه الانتخابات.
ولم يعرف ما إذا كان اقتراحا «حكومة الوحدة» و «الانتخابات المبكرة» يرميان إلى شراء الوقت قبل احتمال حصول تفاهم أميركي – روسي أو انه بمثابة ورقة تفاوضية قبل المفاوضات بين واشنطن وموسكو. اذ يتوقع أن تكون هذه العناصر ضمن الأمور التي يمكن أن تبحث لدى تشكيل «مجموعة الاتصال» من أميركا وروسيا ودول إقليمية فاعلة في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) باعتبار أن دولاً غربية وإقليمية لا تزال تصر على تأسيس «هيئة حكم انتقالية بصلاحيات واسعة» بموجب «بيان جنيف» مع مرونة بعض الدول في موضوع بقاء الأسد في بداية «المرحلة الانتقالية»، إضافة إلى تمسك دول بـ «رحيل» الأسد.
وكان دي ميستورا اقترح بعد لقاءاته مع دول كبرى وأخرى إقليمية خريطة طريق لتنفيذ «بيان جنيف» عبر تشكيل ثلاثة مجالس: مجلس عسكري مشترك، حكومة انتقالية، المؤتمر الوطني السوري، إضافة إلى احتمال «صلاحيات بروتوكولية» للرئيس السوري.
وستكون هذه الخريطة إحدى الأوراق المرجعية للجان الأربع التي اقترحها دي ميستورا ووافق عليها بيان مجلس الأمن الأخير. وتأكدت أمس مشاركة النظام في هذه اللجان، حيث بدأ باختيار حوالى ٦٠ اسماً لهذه اللجان، بعد موافقة دمشق على اقتراح المبعوث الدولي أن يكون عمل اللجان «متزامناً» و «غير ملزم» مع ترك الخطوط الهاتفية مفتوحة بين جنيف ودمشق خلال «جلسات العصف الفكري» بين أوائل تشرين الأول (أكتوبر) ومنتصف تشرين الثاني، موعد إرسال دي ميستورا تقريره إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.
وعلمت «الحياة» أن دي ميستورا طلب من «الائتلاف الوطني السوري» المعارض اختيار ٢٥ شخصية من فصائل المعارضة المسلحة ضمن قائمة الـ ٦٠ التي ستمثل المعارضة على أن يكون «الائتلاف» رئيساً لوفد المعارضة الذي يضم فصائل سياسية أخرى، ما أدى إلى أن يطلب النظام أن تعقد أعمال اللجنة المتعلقة بشؤون الأمن والعسكر في غرفتين، على أن يقوم مديرو وميسرو العمل بالاتصال بين الجانبين.
إلى ذلك، تأكدت أيضاً زيارة رئيس مجلس الأمن الوطني اللواء علي مملوك القاهرة في آب (أغسطس) الماضي واتفاقه مع الجانب المصري على تعزيز التعاون الأمني بين الجانبين، إضافة إلى قيام مسؤولين أمنيين سوريين آخرين بزيارات إلى القاهرة والجزائر.
ويعمل بوتين على تشكيل تحالف دولي – إقليمي لمحاربة تنظيم «داعش» مع اقتراح دمشق أن يضم هذا التحالف دول «بريكس»، مع خلاف بين أن يتشكل التحالف بعد أو بالتوازي مع العملية السياسية في سورية مقابل تمسك النظام بتشكيل التحالف لـ «القضاء على داعش» قبل بدء هذه العملية السياسية.
الحياة
بوتين استراتيجي على من؟/ غازي دحمان
بحركته أخيراً، يعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن المهمّة الأوكرانية أنجزت، وصارت من التاريخ، ولم يبق منها سوى النموذج الذي يُراد نقله إلى الساحة التي تم افتتاحها في الشرق الأوسط. نموذج جاهز لا يحتاج سوى إلى التركيب، مع بعض التجهيزات اللوجستية، الأدوات نفسها التي جرى استخدامها في أوكرانيا “الفرقة البحرية 810″، والتبريرات الدبلوماسية نفسها، واستحضار المناخ السياسي الذي حصلت فيه الأزمة الأوكرانية. وللمفارقة، الطائرات القادمة من القرم إلى سورية أكثر من القادمة من موسكو.
الملاحظ أنّ بوتين يرسخ نمطاً للنفوذ الروسي، يقوم على اقتطاع حيوزات ذات أهمية استراتيجية، من فضاءات الدول التي يستهدفها، وهي، في الغالب، ذات موقع استراتيجي قارّي وحاكم، بحيث يضمن حصوله على المزايا الاستراتيجية، ويدع للطرف الآخر الغرق في السلبيات، وهو ما يميزه عن أسلافه الذين تورّطوا في فضاءات واسعة، كان من نتيجتها السماح لأعدائهم باصطيادهم بسهولة واستنزافهم.
تتضح معالم تطبيقات نظرية بوتين الجغروسياسية السورية مع هبوط كل طائرة محمّلة بأنماط معينة مع السلاح، وتعكسها لمعات المعاول التي بدأت تقطيع الجغرافية السورية، وحفر حاجز يفصل الأقليات الحليفة للنفوذ الروسي عن الأعداء البرابرة ما وراء الحاجز، وتفصل الساحل بموانئه الدافئة، وغازه الموعود عن الصحارى العربية وفوضاها وعطشها.
في الغالب، تكشف الخبرة التاريخية أن استراتيجيات بوتين لا تلحظ بنداً اسمه التكاليف، أو هو،
“يقفز بوتين إلى قمرة الطائرة التي ستضرب طلقة صوب داعش، وصاروخاً على فلاحي إدلب وحماة، لإنجاز مهمة التطهير العرقي” في الغالب، يحمّلها على فواتير الآخرين، فحساباته دائماً على ربح صافٍ، لأنه يتبع استراتيجية اللعبة الصفرية، والتي تعتبر أنّ خسارة الطرف الآخر نقطة تعني ربحه لها، ما يعني أن ما يخسره من أرصدة احتياطية، على الصعد الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية، يعوضه بفائض نقاط ربح ألعابه الصفرية، وهذه يعاود تدويرها من جديد، لتشكّل محركات مغامراته الجديدة.
لا ينفي ذلك حقيقة أن الرجل صياد ماهر، يعاين بدقة وتمعن مسرح حركة فريسته والظروف المحيطة، ويحدد نوعية الذخيرة التي سيستخدمها، وعدد الخطوات التي تفصله عنها، ولحظة انقضاضه على الفريسة، وشكل ذلك الانقضاض، ويتعمد إرباك البيئة المحيطة به، بحيث يجعلها في حيرة من أمرها: هل صوّب على الطائر أم على الأرنب؟ وهل استخدم سهماً أم طلقة؟ وهل ينوي شواء فريسته أم تحنيطها، هل يريد ضرب داعش أم إنقاذ الأسد من إيران؟ وهل هدفه منع سورية من التقسيم، أم تقاسمها مع إيران؟ هل يريد تعويم الأسد أم جلبه إلى المفاوضات، بعد أن يكون قد جهّز المناخ المناسب، لتشكيل بديل من النظام والمعارضة؟
في وسط بحر من الأسئلة والتكهنات، يتخبط العالم عشية اكتمال بناء المنصة التي يجهزها بوتين، للتحكم برقبة الشرق الأوسط وليس سورية، وفيما تهبط العقلانية على العالم، ويحاول إدراج تصرفات بوتين عنوة ضمن أقفاصها، لا يبدو أن رجل المخابرات السابق يفضل هذا النمط من التفكير، بل يفضل عليه طريقة مد اللسان والاستهزاء، حتى إنه لا يطيق قواعد التفكير الاستراتيجي، وقوالبه اللغوية الجامدة، ولا وقت لديه للانشغال بمثل هذه الترهات التي لا تنتج سوى الحذر والجبن. وحتى حين يضطر، بروتوكولياً، إلى الاستعانة بواضعي التقديرات، من رجال استخباراته، فإنه يفهمهم أن التقدير يجب أن يكون مطابقاً مقاسات رؤاه وتصوراته هو، ويجب ألا يوجه إليه بعد إنجازه، بل لقادة الرأي العام والإعلام دليلاً للترويج.
عملياً، لا يحتاج بوتين إلى اجتراح أفكار خلّاقة للعمل في هذه البيئة الدولية. بالعكس من ذلك، الأفكار والفرص ملقاة على قارعة الطريق، لا يتطلب الأمر أكثر من توليفات بسيطة لها، وشحنها بقليل من جرأة ومكر وخداع، لتتحوّل إلى استراتيجيات ناجحة، في لحظة دولية تبدو فيها القوة الفاعلة لا تملك الثقة بتصرفاتها، ويشل الحذر فعاليتها، وتعجز عن إنجاز مهمة بدأتها
“يناور يوتين ليحصل على إقرار أميركي بأن الحرب على داعش طويلة، وأن الغنيمة بالابتعاد عن سورية” هي بنفسها، من العراق إلى سورية إلى أماكن كثيرة. وفي وقت يستهزئ أشخاص متواضعون في الفكر والممارسة القيادية، أمثال كيم إيل سونغ وبشار الأسد وعبد الفتاح السيسي، من ذاكرة العالم الذي يبدي استعداده الدائم للبدء معهم من جديد، لولا رفضهم هم أنفسهم هذا التسامح الذي يشترطون قبوله بتنصيبهم أبطالاً أنقذوا البشرية!
يتسلل بوتين دروبه إلى تحقيق أهدافه من خريطة إخفاق العالم، ومن الكوارث التي ساهم بيديه في صناعة جزءٍ منها، ينطلق من أزمة اللاجئين، ليزاود على أوروبا بأن تقسيمه سورية واحتلاله الساحل السوري سيساهم في وضع حد لها، وهو الذي دافع عن صانع هذه المأساة، بكل أدواته الدبلوماسية والعسكرية، وأتاح له الفرص والمساحات، ليكمل نسج شبكة الخراب في سورية. ويقفز بوتين إلى قمرة الطائرة التي ستضرب طلقة صوب معاقل داعش التي ساهم في هندستها، مع الثلاثي خامنئي ونوري المالكي والأسد، وصاروخاً على فلاحي إدلب وحماة، لإنجاز مهمة التطهير العرقي، وتزخيم عملية اللجوء، لكي يضمن استمرار غرق أوروبا في هذه الأزمة، ويحصل على إقرار أميركي بأن الحرب على داعش طويلة، وأن الغنيمة بالابتعاد عن سورية.
إذا كانت جملة هذه الممارسات المافياوية يصح تسميتها استراتيجيا، فإنها تليق بهذا العالم أكثر من اعتبارها اجتراحاً تحسب لرجلٍ، لم يبدد فرصة لتدمير مستقبل روسيا، وإغراقها في حقول الشوك التي ستدمي الأجيال الروسية حتى أمد طويل.
العربي الجديد
بوتين يدفن خطة دي ميستورا/ علي العبدالله
لم يكن ينقص المبعوث الدولي إلى سوريا السيد ستيفان دي ميستورا ليطلق خطته إلا الانخراط الروسي في الصراع السوري وإرسال قوات وأسلحة إلى سوريا، وكأن العقبات الكثيرة والكبيرة التي يواجهها ليست كافية لإجهاضها فجاءت ضربة بوتين لتدفنها تحت الركام.
ففي الوقت الذي كان السيد دي ميستورا يخطط لاجتماع افتتاحي للجانه الأربع بعد أن سمى مدراءها وهم: فولكر بيرتس، رئيس ومدير المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية الخبير في الشؤون السورية، ويان أياغالان، رئيس مجلس اللاجئين النرويجي مسؤول تحالف دولي للمنظمات الدولية، و بريجيب هولتس- العاني، السفيرة السويدية السابقة في بغداد (تسلّمت الملف السوري لفترة وجيزة)، ونيكولا شيرا، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون القانونية، وبذل جهودا مضاعفة لإقناع الأطراف المعنية بتقديم أسماء مندوبيها الى هذه اللجان، والاتفاق على ساعة الصفر لبدء جلسات الحوار، باعتماد تكتيك تدوير الزوايا بين المتصارعين لتسويق الخطة وخطواتها الإجرائية ولو عبر تمييعها والتقليل من جديتها بسحب كل نقاط الخلاف لتحاشي التحفظات إلى حد إبلاغه النظام السوري أن مهمة اللجان الأربع التي اقترحها هي “العصف الفكري” وان “نتائجها غير ملزمة إلا أخلاقيا”، كان قد ابلغ المعارضة أن مخرجات عمل اللجان الأربع برامج عمل تطبيق بيان جنيف 1، والتي ستظهر في جنيف 3، وأنها ستعمل بالتوازي، بحيث لا تبقى مشكلة الأولويات تثير الخلاف والتعارض، في هذا الوقت جاء التحرك العسكري الروسي في سوريا ليفرض قواعد جديدة للعبة ويعيد تشكيل المناخ السياسي والعسكري عبر دعم النظام بالتواجد على خطوط التماس في مناطق حاضنته وخزانه البشري في محافظتي اللاذقية وطرطوس، ويمنح النظام حماية إضافية بتعزيزه قدرته النارية برا وجوا بمده بأصناف جديدة من الأسلحة دقيقة وشديدة التدمير(خمس طائرات مقاتلة، طائرات استطلاع ومعدات عسكرية، صواريخ موجهة عن بعد، أجهزة استطلاع جديدة تساعد في تحديد مكان الهدف بدقة متناهية، بالإضافة إلى رادارات مرافقة لها ومناظير ليلية) ما دفع الأخير إلى رفع سقف مواقفه عبر التمسك بأولوية محاربة الإرهاب ورفض أي إجراء يمس بالسيادة السورية، التي تمثلها شرعية رئيس النظام، وفق تفسيره طبعا، وعدم موافقته على المبادرة الإيرانية، والتمهل في الإعلان عن موقفه من خطة دي ميستورا، فلم يقدم أسماء مندوبيه إلى اللجان الأربع أو يحدد موعدا لتقديمها، وساجل حول تفاصيل عمل اللجان، ومعايير اختيار المشاركين، وإدارة الجلسات وجداولها الزمنية، وأهلية المنسقين، والتأكيد على البدء بلجنة الإرهاب، باعتبار محاربة الإرهاب أساس أي مسار سياسي، ما عكس عدم رضاه على الأجوبة التي قدمها دي ميستورا وفريق عمله، هذا بالإضافة إلى الانتقادات الحادة التي وجهها وزير خارجية النظام إلى المبعوث الدولي في اللقاء الذي جمعهما يوم الجمعة 18 الجاري واتهامه بعدم الحيادية(وصف اللقاء بغير الودي، وغير المنتج) وإطلاقه حملة جوية ضد معظم المناطق التي فقد السيطرة عليها دون تمييز بين فصيل معتدل وفصيل متشدد وبين مدني ومسلح فقتل ودمر.
اعتبر النظام التحرك العسكري الروسي إن من حيث السرعة والقوة أو من حيث التوقيت قلبا للطاولة على السيناريوهات المطروحة إن لجهة التوازي في معالجة الملفات بالتأكيد على أولوية محاربة الإرهاب، وهو موقفه المعلن من بداية الصراع، أو لجهة وقف تراجع قواته وتعزيز قدراتها، بحيث تصبح قادرة على الصمود والانتقال إلى الهجوم لاستعادة ما خسرته مؤخرا بحيث تُسيّج مناطق حاضنتها وتبعد الخطر عنها، فتمسك بمواقفه من صيغة الحل السياسي المطروح وجدد رفضه التغيير في طبيعة النظام وهيكله القائم.
أثارت تقلبات دي ميستورا، ردود فعل المعارضة السياسية والعسكرية وقد تجسد ذلك في تحفظ الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة على أجوبته فذهب في بيانه إلى تأجيل إعلان موقفه إلى ما بعد التشاور مع الفصائل العسكرية وأطياف المعارضة السياسية الأخرى ومنظمات المجتمع المدني والرجوع إلى الهيئة العامة لاتخاذ القرار المناسب، في حين تبنت كبريات الفصائل المسلحة، بينها “أحرار الشام” و “جيش الإسلام”، موقفا متشددا من الخطة، وقالت في بيان إن مجلس الأمن دعا إلى “تحقيق انتقال سياسي على أساس بيان جنيف وإنشاء هيئة حكم انتقالية”، داعية المبعوث الدولي إلى “الشروع مباشرة بتنفيذ بيان جنيف محاطا بضمانات إقليمية ودولية من دون اللجوء إلى إجراءات ولجان مسبقة تستغرق فترة زمنية ينتج منها تفريغ بيان جنيف من محتواه”، وجددت تمسكها بـ “شرط رحيل الأسد وكل أركان نظامه”. كما استفز دولا عربية وإقليمية، حيث جددت السعودية رفضها بقاء رأس النظام السوري في السلطة، ربطت بعض التحليلات بين هجوم جيش الإسلام شرق دمشق والرفض السعودي للتدخل الروسي، ودفع الولايات المتحدة إلى التحذير من أن التحرك العسكري الروسي سيؤدي إلى تصعيد النزاع، والذي فسر على انه تلميح إلى تغيير الموقف الأمريكي، سيناريو يذكر بديناميات المواجهة خلال الحرب الباردة، وكل هذا سيقود إلى دفن خطة دي ميستورا ويخرجها من مجال التداول إلى أن يتبين اتجاه التحرك العسكري الروسي ومآلاته العملية وردود الفعل المحلية والإقليمية والدولية وقدرتها على جبه هذا التحرك واحتواء مفاعيله وانعكاساته أو الذهاب إلى مواجهة بالانخراط في حرب بالوكالة في جزء منها، ومباشرة في جزء منها، ما سيحول سوريا إلى ساحة صراع ملتهبة ونقطة جذب لكل القوى النشطة وخاصة الجهادية، وعلى رأسها القوقازية، التي ستجد بالصراع فرصة للاقتصاص من تدمير غروزني من قبل الجيش الروسي بقيادة فلاديمير بوتين.
المدن
لاعب شطرنج اسمه بوتين/ هشام ملحم
منذ أن بدأت روسيا نشر قوات خاصة مدعومة بطائرات حربية وتوسيع منشآت عسكرية في اللاذقية والمسؤولون الاميركيون يتساءلون علناً ويستوضحون المسؤولين الروس المعنى الحقيقي لنيات موسكو. في البداية احتج الاميركيون وقال وزير الخارجية جون كيري إن الحشود تزيد الوضع تأزماً، وعندما اقترحت موسكو اجراء محادثات عسكرية في شأن الأوضاع في سوريا، وافقت واشنطن وناشدت روسيا التعاون معها ضد “الدولة الاسلامية” (داعش). وقبل يومين، قال كيري إن الحشود الروسية، وفقاً للتقويم الأولي للاستخبارات الأميركية، هي لحماية القوات الروسية.
هذه التطورات تبيّن بشكل نافر مدى إخفاق إدارة الرئيس أوباما في سوريا، ومدى نجاح روسيا في الأشهر الأخيرة في فرض نفسها لاعباً رئيسياً ليس فقط في سوريا والمنطقة، بل أيضاً في أوروبا. الرئيس فلاديمير بوتين عبر هذه الحشود قضى على أي بحث جدي في إقامة مناطق آمنة في سوريا. وهو سيطرح قريباً مبادرة في الامم المتحدة لبناء تحالف دولي جديد في سوريا لمواجهة “داعش” يكون نظام الأسد في صلبه وسيدعو واشنطن ودول العالم للمشاركة فيه. والحرب في سوريا، التي ساهمت موسكو في اطالتها من طريق دعمها لنظام الأسد، أوجدت مشكلة لاجئين في أوروبا. الآن يطرح بوتين نفسه طرفاً أساسياً لأي حل في سوريا، وتالياً لأي حل بعيد المدى لأزمة اللاجئين في أوروبا. والرئيس الروسي، الذي وافق على صون آخر وقف للنار في أوكرانيا، نجح الى حد بعيد نتيجة استراتيجيته في سوريا في وضع الأزمة الأوكرانية في الخلفية، اذ يتركز الاهتمام الأوروبي الآن على سوريا وأزمة اللاجئين. ويقول بوتين لأميركا ولأوروبا إذا أردتم أي حل في سوريا أو في أوكرانيا،
أو ضد الإرهاب بشكل عام، عليكم التعاون مع موسكو، وضمناً مع أصدقائها. انظروا من زار موسكو حديثاً: زعماء عرب من الخليج الى مصر، ولحق بهم بنيامين نتنياهو الذي يريد من موسكو ألا تعترض حرية طائراته في الأجواء السورية.
هناك تفسيرات مختلفة للتنسيق الروسي – الايراني لدعم نظام الأسد، احدها يقول إن ثمة اتفاقاً ثلاثياً على أنه من المستحيل استعادة السيطرة على الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة في الشمال والشرق وبعض الجنوب، وأن الهدف الآني هو تعزيز السيطرة على دمشق ومحيطها والممر الجغرافي المحاذي للحدود مع لبنان حتى المنطقة العلوية الساحلية. وحملات تهجير السنّة من هذه المناطق مستمرة منذ زمن، وما يحصل لسكان الزبداني دليل على ذلك.
الفراغ القيادي المحرج لإدارة الرئيس أوباما في سوريا، وضع بوتين في موقع المبادر والفاعل، وزجّ أوباما في موقع رد الفعل. لكن الانهيار السوري لم يصل الى القعر بعد.
النهار
التدخل الروسي لتعويض الفشل الإيراني في سورية/ عبدالوهاب بدرخان
منذ بداية الأزمة في سورية انشغل النظام بهاجسيَن: ضرورة إخماد الانتفاضة بحسم أمني يبقي سطوته وهيبته في الداخل، وسرعة الانتهاء من الأزمة لاستعادة دوره الإقليمي. لم يحقق أياً منهما. لذا اندفع نحو العسكرة التي ارتدّت عليه وكادت تسقطه لولا أن حلفاءه – وخصومه – توافقوا على تمديد بقائه، ثم لجأ إلى الإرهاب الذي ساعده إلى حين ثم ارتدّ عليه أيضاً بمجيء تحالف دولي لضرب تنظيم «داعش» من دون قبوله كـ «حليف»، ولا حتى قبول إيران أو روسيا اللتين توصّل التنسيق بينهما إلى إقناع موسكو بالتدخل الميداني المباشر، وليس بهدف إنعاش النظام فحسب بعدما بدا متهاوياً بل إعادة تأهيله من خلال ضغط روسي لتغيير استراتيجية الحرب على «داعش» كي يُصار فيها إلى التعاون مع النظام وربما مع إيران وميليشياتها. ولعل وجود لعبة دولية وتنافس غربي – روسي على سورية يُشعر النظام بأن الصراع عاد أخيراً إلى الإطار الذي يفضّله، معتبراً أن أي حلّ ينبثق من هذا التنافس لا بدّ أن يضمن بقاءه، خصوصاً أنه أكثر جاهزية للمساومات بفضل حلفائه، ثم أن حلفاءه وخصومه الدوليين ساهموا معه في إدامة المعارضة مشرذمة عسكرياً وسياسياً كما في عدم مساعدتها على بلورة بديل من النظام.
يترافق بناء الوجود الروسي العسكري في سورية بتكهّنات متفاوتة سلباً وإيجاباً، لأن موسكو لا تكشف نياتها ولا أوراقها. لديها دوافع لمحاربة الإرهاب لكنها أساساً لتدخلها الحالي، ثم أن طريقتها في إقحام نفسها على حرب قائمة منذ عام تتسم أيضاً بانتهاز الفرصة لتحدّي الولايات المتحدة، إذ تسلّط الضوء على «اللاجدوى» البيّنة والنتائج الهزيلة للضربات الجوية لـ «التحالف»، غير أن الخطط الروسية المفترضة لن تكون أكثر فاعلية إلا بحملات تقوم بها قوات برّية لاستثمار مفاعيل الضربات الجوية. لا شك أن دخول تركيا أخيراً هذه الحرب وإبرامها اتفاقاً خاصاً مع أميركا والإعلان عن «حرب شاملة» وشيكة على «داعش» لعبت دوراً في تسريع القرار الروسي، باعتبار أن دمشق وطهران أبلغتا موسكو أن شمال سورية سيقع في أيدي الأميركيين والأتراك، أي في أيدي «الناتو»، من دون أن تتمكّنا من مواجهتهم، وبالتالي إذا كانت روسيا تنوي التدخل فإن هذه هي اللحظة الحاسمة. بديهي أن الروس وجدوا أن تفاهمهم مع الأميركيين – على الخطوط العريضة لـ «الحل السياسي» وعلى قيادتهم الخطوات الأولى لهذا «الحل» – لا قيمة له إذا لم يكن لهم وجود عسكري وازن على الأرض لحماية «أوراقهم» واستخدامها في الوقت المناسب.
بمقدار ما يظهر التدخل الروسي مستنداً إلى تنسيق عميق مع إيران، وتغطية شكلية من «شرعية» يدّعيها النظام، بمقدار ما يبدو هذا التدخل إقراراً بعجز طهران ودمشق، أولاً عن حسم الصراع عسكرياً، وثانياً عن استدراج مساومة دولية وتسريعها للحصول على صفقة مبكرة تضمن لهما «دولة الساحل» التي لا تزال هدفهما النهائي. ذاك أن أي ترتيبات تمسّ بالجغرافية السورية أصبحت تتعلّق أيضاً بالوضع الإقليمي عموماً، لذا يفضّل الأميركيون التباحث فيها مع الروس لا مع الإيرانيين وحدهم، على رغم تأكيد مصادر عدة وجود تواصل سرّي، أميركي – إيراني، في شأن الملفات الإقليمية. وفي أي حال يرى مراقبون أن التدخل الروسي ألقى ظلالاً على الدور الإيراني الكبير في سورية، ليس فقط لأنه اضطرّه لاعتراف غير مباشر بمحدودية نفوذه «الامبراطوري» أو لأنه فعّل شراكة أخرى يراهن عليها النظام، بل خصوصاً لأن الدور الروسي ازداد أهمية أخيراً لارتباطه بتفاهمات مع أميركا وكذلك مع دول عربية، وكذلك لأن روسيا تعمل بخطتها ولأهدافها التي قد تلتقي مع بعض وليس كلّ أهداف إيران والنظام.
لم يخرج التحرك الروسي حتى الآن عن إطار ما أعلنته موسكو دائماً من مواقف داعمة للنظام ومعترفة بـ «شرعيته» وحاثّة على التعامل معه، لكن تصاعد التشكيك في أهدافها جعلها مثلاً تكرر صيغة «عدم التمسّك ببشار الأسد» ودفعها أيضاً إلى تأكيد أن دورها ليس «إنقاذ النظام والحفاظ عليه» بل «الحفاظ على الدولة السورية». ولا يُعوَّل كثيراً على هذه الحذلقات اللفظية، فمن الواضح أن لروسيا حالياً أولويات تريد تحقيقها لبناء طوق أمان لقواتها وأسلحتها، فضلاً عن أنها تريد تأكيد امتلاكها الورقة السورية قبل أن تبتّ وجوه التصرّف بها، فما بينها وبين أميركا مجرد تفاهمات على معالجة الأزمة وليس توافقاً على حلّها، ثم أنها ليست مستعجلة لاعتماد الصيغة الذي ذكّر بها وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر خلال اتصاله بنظيره الروسي قائلاً إن التفاهم مع روسيا يقوم على محاربة «داعش» والبدء بعملية الانتقال السياسي «في وقت واحد». وإذ تسعى واشنطن إلى تثبيت هذا التزامن، فقد أطلق وزير الخارجية جون كيري تنازلاً علنياً بأن «رحيل الأسد ليس بالضرورة أن يكون في اليوم الأول أو الشهر الأول…». وكان الروس حاججوا دائماً بأن بقاء الأسد «ضروري» للشروع بالعملية الانتقالية والواقع أن وجوده لفترة غير محدّدة وصفة لتسميم تلك العملية وتعطيلها، والأهم أن وجوده كفيل باعتبار الاستقرار مؤجلاً ومعه كل ما يتعلق بإعادة الإعمار وإنهاض الاقتصاد.
لكن أحداً لا يعرف ما هي السيناريوات الروسية، وما إذا كانت ستحترم تفاهمات أو تعهّدات، ولا أحد يستطيع تأكيد أنها مولجة فعلاً بإنهاء الأزمة السورية. فهذه دولة كبرى تفكّر مثل الدول الكبرى، أي أنها تعتبر سورية جزءاً من ملف أوسع، ولا شيء يمنعها من انتهاز دورها لإحراج أميركا بمساومة أكبر تتناول أوكرانيا وغيرها من الجمهوريات المستتبعة بالإضافة إلى الترتيبات الدفاعية في أوروبا التي عبّرت روسيا مراراً عن انشغال كبير بها كأولوية الأولويات استراتيجياً. من هنا قد يبدو ساذجاً الحديث عن دور لروسيا يقتصر على حل سياسي لأزمة سورية وكأنه مكافأة لها يقنعها بتجاوز البنود الأخرى لأجندتها. فمنذ أعوام يعوّل نظرياً على روسيا لإيجاد بديل للأسد يكون مقبولاً ولو من داخل النظام، وعلى افتراض أن هذا البديل موجود إلا أن الإرادة الروسية لم تكن متوافرة. يقال الآن أن الوضع تغيّر لأن روسيا اقتنعت أخيراً باستحالة استمرار النظام ورئيسه، بل لعلها أرادت بتدخلها المباشر استباق اعتماد «بديل آخر» يأتي به الإيرانيون، ولكن هل تقدم روسيا على هذه الخطوة، ووفقاً لأي جدول زمني، وهل ستمتنع عن المساومة على رأس الأسد طالما أن الفرصة سانحة؟
واقعياً لم تطرأ معطيات جديدة على موقف روسيا لترجّح الوثوق بها، فعدا عن تناقض مصالحها مع مصالح أطراف أخرى معنية بسورية، فإن كل ما قدّمته يبدو صالحاً فقط لتبرير وجودها العسكري على الأرض. وهذا ينتقل بسورية عملياً إلى حال استعمار روسي يتقاسم الوظائف مع الاستعمار الإيراني وقد يتقدّم عليه أو يسعى إلى ابتلاعه. وليس في تجارب التدخل الروسية، سواء في الحقبة السوفياتية أو في ما بعدها ما يفيد بأنها تختلف شكلاً وموضوعاً وممارساتٍ عن تلك التي أقدمت عليها الولايات المتحدة في العراق أو سواه. يكفي التذكير بنموذج الحديد والنار والسفك عديم الرحمة للدماء الذي اتّبعته روسيا في الشيشان حيث حرصت على تركيب حكم خاضع تماماً لإملاءاتها، وبالنسبة إلى سورية لم تكن يوماً مع تغيير النظام، فهو يشبهها ويقوم بالوظيفة التي تتوقعها، وإذا فكّرت بتغيير الشخص أو الأشخاص فلتضمن استمراره في تلك الوظيفة. والأخطر أنها لم تعترف في أي لحظة بالانتفاضة الشعبية ولا بمَن يمثلها، إذ أن الحاصل في نظرها مجرّد تمرّد يجب القضاء عليه لمصلحة النظام.
* كاتب وصحافي لبناني
الحياة
المهرولون إلى الصفقة “السورية”/ زهير قصيباتي
الحل الوحيد للسوريين هو أن «يقاتلوا الإرهاب الدولي بلا هوادة». ومع هذا «التبصُّر» الروسي بوقائع سورية وشعبها المعذّب بالقتل والغازات السامة والبراميل المتفجِّرة والتشرُّد، تتبرّع إيران للعرب المعذّبين في شرق أوسط الخراب والعنف والتنكيل، بأنها وحدها قادرة بجيشها وحرسها «الثوري» على إنقاذهم… بسحق «الإرهابيين»!
مَنْ يقف تحت مبنى الـ «كي جي بي» في موسكو، قد يمكنه التكهُّن بحجم الأسرار التي يخفيها الخرّيج النجيب للاستخبارات، الرئيس فلاديمير بوتين، وحجم الأهداف التي يسعى إليها، منذ قرّر إرسال طائرات مقاتلة وعتاد حديث و «دقيق» إلى ساحل اللاذقية. وبعد نحو أربع سنوات ونصف سنة على كارثة سورية، ما زالت واشنطن تختبر سذاجتنا بادعائها هدفاً نبيلاً لدى بوتين، هو مجرد حماية قاعدة روسية. وما دام الأمر دفاعاً مشروعاً عن النفس، لماذا افتراض سوء النية لدى الكرملين، فيما هو يسعى الى توحيد جميع السوريين، وجمع القاتل والقتيل في خندق واحد ضد إرهاب «داعش»؟
الأكيد أن سورية ومأساتها في بداية مرحلة جديدة، دشّنها الجسر الجوي الروسي الذي يتكئ عليه النظام في دمشق ليُظهِر أنه ما زال قادراً على الصمود، وعلى محاربة «داعش»، وكل التنظيمات المعارضة معه. فلدى النظام الإرهاب واحد، والروس لم يشرحوا بعد كيف ستُميّز طائراتهم بين مَنْ هو «داعشي» ومَنْ يقاتل النظام! ظاهر المعادلة ساذج، إذ ليس متوقّعاً أن يعلن الكرملين عزمه على سحق كل مَنْ يقاتل نظام الرئيس بشار الأسد. وما حصل خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، يُظهِر الأميركيين في موقع المندهش من «المفاجأة» الروسية، لكنه لا يبدّد في كل الأحوال شكوكاً في توافقٍ بين موسكو وواشنطن على توزيع الأدوار في فرض تسويةٍ ما تجمّد النزاع في سورية.
لا يتعارض التفاؤل الروسي بالمرونة الأميركية حيال مصير الأسد وموعد رحيله ودوره في الحل (تضاف إليها «المرونة» الفرنسية)، مع تصعيد على جبهة الترسانة النووية الأميركية وتهديد موسكو بِرَدّ. وتجربة تقاطع المصالح الأميركية والروسية في مفاوضات الملف النووي الإيراني، دليل حاسم على الثابت- المتحوّل في لعبة الأمم.
وإذا كان الوقت ما زال مبكراً للتكهُّن بما وراء التفاؤل الروسي المسلّح بقاذفات متطورة ودبابات في سورية، فالأمر ذاته ينطبق أيضاً على الإجحاف في تيئيس مقاتلي المعارضة السورية، وشطب أي أمل بتغيير جدي لطبيعة النظام في دمشق… فقط لأن الكرملين لا يعترف إلا بمعارضة «سليمة»، ليس في صفوفها «الائتلاف الوطني السوري»، ولا «حركة أحرار الشام» حتماً، ولا يمكنه أن يرى الأسد خارج الحكم.
ولكن، أين حصة واشنطن؟ وحصة حليفها الإسرائيلي، والحليف الإيراني للنظام السوري؟
أول ما بادر إليه النظام هو تكثيف غاراته على مواقع «داعش»، وإعلانه ثماراً للسلاح الروسي المتطوّر الذي بات في مخازنه. هرول وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى أوروبا، مستاءً من «مبادرة» بوتين المفاجئة، وهرول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى موسكو. الأول بدا كمن عبّد الطريق للمرونة التي لا تجعل رحيل الأسد أولوية، والثاني سعى الى ضمانات باستعادة الهدوء السوري على هضبة الجولان الذي استقر لأربعين سنة ونيف.
الحرص الأميركي على عدم الاشتباك مع الروس في الأجواء السورية، استنسخه الإسرائيلي، وأما الإيراني فيشكو علناً من أن بوتين يسحب من يديه إدارة الصراع في سورية، ومع «التكفيريين». هروَلَ أيضاً ليحجز مقعداً في قطار تسوية، سيكون الكرملين عرّابها الفعلي، بعدما أتاح للرئيس باراك أوباما أن يكون عرّاب الاتفاق النووي بين إيران والغرب.
لذلك، تُسارع طهران الى تضخيم عضلات جيشها و «الحرس الثوري» ليصبحا القوة «الوحيدة» القادرة على منازلة الإرهابيين ودحرهم، ولتصبح هي «الأمل الوحيد» بعد يومين على إنكارها وجود أي قوة إيرانية أو «خبراء» لـ «الحرس» على الأراضي السورية.
والأرجح ان افتراض نهاية قريبة للصراع الذي أطلق طوفان اللاجئين على أوروبا، وجعل وحدتها على المحك، هو أقرب إلى الأمنيات من الوقائع. الأرجح أن سيد الكرملين لا يريد للأسد مصير القذافي ولا زين العابدين بن علي، لكنه قادر على طيّ الصفحة حين تكتمل تفاهمات يريدها مع أوباما قبل مغادرة الأخير البيت الأبيض.
وإن بدا أنّ بوتين رد الصاع «الأوكراني» (العقوبات الغربية) صاعين وأكثر في سورية، فالمؤلم في كل الأحوال أن يُسفر تجميد الصراع في شرق المتوسط عن شطب ثمنٍ باهظ دفعه السوريون من أجل وداع الذُّل.
الحياة
تعاون الغرب مع بوتين والأسد لن ينهي الحرب/ نتالي نوغيريد
«كم قتل (الخمير الحمر) عشرات الآلاف؟»، سأل هنري كيسنجر في 1975 في جلسة مع وزير خارجية تايلندا حين مناقشة الإبادة في كمبوديا. «يجب ان تبلغ الكمبوديين اننا نمد يد الصداقة لهم… هم عصابة اجرامية قاتلة، ولكننا لن نقف في طريقها». واليوم، يوجه فلادمير بوتين رسالة مماثلة الى المجتمع الدولي اذ يستعد لرئاسة مجلس الأمن في نهاية هذا الشهر. ومفاد هذه الرسالة: لنتحالف مع الرئيس السوري ولو كان دموياً… ورسالة الرئيس الروسي هي ابرز معضلة يواجهها السياسيون الغربيون إذ يجبهون تداعيات الحرب في سورية.
وتصدرت اولويات كيسنجر في 1975 استخدام «الخمير الحمر» لموازنة فيتنام الشمالية. وأولوية بوتين اليوم هي اخراج صورة الأسد على انه الحصن المنيع امام «داعش»، وجعل بلاده ركن استراتيجية دولية جديدة في سورية.
وأمل كثر بأن يعد سيد الكرملين العدة لسورية ما بعد الأسد ويعبد الطريق امام تسوية. ولا شك في ان الرئيس الروسي يرغب في اعتراف دولي بمكانة بلاده. فهو ساعد في 2013 باراك اوباما في التملص من توعده سورية بضربات جوية، وأعد اتفاقاً يسلم الأسد بموجبه ترسانته الكيمائية. ويعم الدوائر الغربية السياسية ملل وإعياء من المسألة السورية. ولذا، حظوظ تصديق زعم بوتين انه يملك خطة وحل، كبيرة. ولسان حاله:» من يسعه رفض قتال داعش في حلف أوسع؟ ولا شك في ان الغرب اخفق في المنطقة، ولكن الرئيس الروسي ليس المخلص.
وتغيب المؤشرات إلى استعداد بوتين لإطاحة الأسد أو استبداله. وفي صيف 2012، حين التقت القوى الكبرى في جنيف لمناقشة حكومة وحدة وطنية سورية، حرص الروس على ان الاتفاق لن يقضي برحيل الأسد. وحمت موسكو الرئيس السوري. فإثر اطاحة نظام القذافي، يمثل الأسد مركز نفوذ روسيا الأخير في المنطقة والفرصة الأمثل لإثبات هشاشة موقف الغرب وتقلب ولاءاته.
وملهم بوتين الكبير في شؤون الشرق الأوسط هو يفغيني بريماكوف، وزير الخارجية الروسي السابق وركن من اركان سياسات الـ «كي جي بي» في المنطقة. وتوفي بريماكوف في مطلع العام، وهو أدى دوراً بارزاً في توثيق العلاقات بين الاستخبارات الروسية والاستخبارات السورية. وفي كتابه «روسيا والعرب»، دار كلامه على ان دور روسيا في المنطقة هو مرآة مكانتها الدولية وقدرتها على التصدي للنفوذ الأميركي. وبريماكوف كان وراء التنديد الروسي بالربيع العربي في 2011 واعتباره مؤامرة غربية ترمي الى تغيير الأنظمة. ووصف بوتين في مقابلة اجريت معه اخيراً تصوره عن «العملية السياسية»: انتخابات برلمانية مبكرة وعلاقات مع ما يسمى معارضة معتدلة وإشراكها في ادارة البلاد بالتوافق مع الأسد. ومفاد كلامه هو دعوة الى انتخابات مزورة وائتلاف حكومي وهمي في بلد تمزقه الحرب وتذرره. وثمة تباين في تعريف مكافحة الإرهاب الغربي ونظيره الروسي. فعلى خلاف الغرب، وهو يقصد بمكافحة الإرهاب مقاتلة «داعش»، يرى كل من الأسد وموسكو ان الإرهاب هو كل معارضة سياسية. فالرئيس السوري رفع لواء محاربة الإرهاب في حرب أودت بعشرات آلاف السوريين ودمرت مدناً عن بكرة أبيها وذبحت عائلات. وهذه الحرب هي توأم حرب بوتين في الشيشان. والغرب سيشارك في مثل هذه الحرب إذا تحالف مع روسيا والأسد.
ويرفد الأسد و»داعش» واحدهما الآخر ويغذي واحدهما الآخر. فالمنطق الروسي يؤجّج العنف الإسلامي المسلح، عوض تقليصه. وحري بالتعاون الذي ترتجى منه فائدة مع بوتين ان يقضي بوقف البراميل المتفجرة. ويسعى الرئيس السوري الى حمل الغرب على اعتبار ان ما يجري في بلاده هو مواجهة بينه وبين حركات جهادية متطرف. ولن يفضي اقتراح بوتين دعم الغرب الأسد الى وقف إراقة الدماء في سورية ولن يحل أزمة اللاجئين.
* كاتبة من أسرة هيئة التحرير، عن «غارديان» البريطانية، 18/9/2015، إعداد منال نحاس.
الحياة
إسرائيل ضيّقت هامش واشنطن إزاء روسيا ! الاعتراض على حماية النظام غاب عربياً وأوروبياً/ روزانا بومنصف
فيما وجدت زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى موسكو، التي عززت من وجودها العسكري في اللاذقية ومحيطها في الاسابيع الاخيرة، تفسيرات تتصل بايجاد الية تنسيق بين ما تستعد روسيا للقيام به في سوريا من حماية النظام وما تلتقي فيه والمصلحة الاسرائيلية، فان هذه الزيارة بدت بالنسبة الى مصادر ديبلوماسية معبرة جدا عن تقبل اسرائيل بسرعة ومن دون اي اعتراض دور روسيا في سوريا والاستعداد للتعامل معه كأمر واقع وان في اطار رسم كل منهما حدود تحركه ومصالحه وعدم تأثيره على الاخر او تأمين ضوابط محددة. لم تفد أي معلومات بأن نتنياهو توجه الى موسكو للاعتراض بل لبحث اليات عسكرية معينة وانه نسق زيارته الى موسكو مع واشنطن في كل حيثياتها. كما لم يصدر في الواقع اعتراض على ما قامت به روسيا من الدول العربية المفترض انها معنية اكثر من سواها بالموضوع السوري علما ان ثمة معلومات تحدثت عن ان روسيا وضعت الدول العربية مسبقا في اجواء تحركها لئلا يفهم استهدافها مع النظام السوري لفئة مذهبية معينة هي الطائفة السنية. وكذلك غاب الاعتراض من الدول الاوروبية لا ايضا من الولايات المتحدة ولو صدرت مواقف تحذر من ان دخول روسيا المباشر على خط الحرب في سوريا قد يساهم في تعقيدها واطالة امدها اذا كان هدفها تعزيز بقاء الرئيس السوري ودعمه في اي مفاوضات على مستقبل سوريا. ومع ان الاعتراض اللفظي او السياسي لن يقدم او يؤخر في اي من الاحوال فضلا عن ان التدخل قائم في سوريا من جهات دولية واقليمية، فان احدا لم يشهر انتقادا لروسيا في الوقت الذي صدرت مواقف اوروبية من دول مؤثرة كفرنسا والمانيا توحي وكأن ثمة تفهما لما تقترحه روسيا من ضمن الحلول لسوريا لجهة احتمال بقاء بشار الاسد موقتا.
وفيما تقول مصادر ديبلوماسية ان الخطوة الروسية التي اتت في خضم مواجهة الدول الاوروبية ازمة غير مسبوقة في موضوع هجرة اللاجئين اليها ساهمت في تليين بعض المواقف الاوروبية على غرار ما عبرت عنه كل من النمسا واسبانيا لجهة امكان تفهم استمرار الاسد في المرحلة الانتقالية في ظل غياب البدائل، فان هذه المواقف الاوروبية معطوفة على الموقف الاسرائيلي الذي تحرك بسرعة في اتجاه موسكو في عز مواقف اميركية رسمية ملتبسة ضيق الهامش امام واشنطن لجهة رد الفعل السلبي المحتمل على تعزيز روسيا وجودها العسكري علما ان اداء واشنطن في الملف السوري لم يكن يتوقع ان يظهر اي تغير في سياسة الرئيس الاميركي باراك اوباما التي انتهجها في الملف السوري والتي كفلت انتقادات واسعة له من مسؤولين كبار عملوا معه في الاعوام الماضية واستقالوا نتيجة سلبية هذه السياسة وفق ما تعتبر هذه المصادر. وهؤلاء لم يتوانوا عن الاستمرار في توجيه انتقادات قاسية لادارة اوباما مع المزيد من التدخل الروسي على خلفية التسليم مسبقا من جانب واشنطن لروسيا بهامش كبير في الموضوع السوري وعدم ابداء الادارة اي استعداد لبذل اي جهد يذكر على هذا الصعيد في تتويج لمسار فاشل للادارة الاميركية في السياسة الخارجية في منطقة الشرق الاوسط.
وثمة من يعتبر في الموقف الذي اطلقه البابا فرنسيس وهو في طريقه من زيارة تاريخية لكوبا الى اخرى مماثلة للولايات المتحدة، انه لا يمكن حل اي قضية كبرى في العالم بمعزل عن روسيا، الأمر الذي يعطي التحرك الروسي دفعاً او زخماً من حيث المبدأ، انطلاقا من ان تقاعس الولايات المتحدة وعدم رغبتها في الاستثمار في حلول للازمات القائمة في المنطقة يشرعان الابواب على مساع للغير للاستثمار فيها، من دون قدرة كبيرة لواشنطن على الاعتراض او الرفض ما دامت هي منسحبة من المنطقة من الاساس ما لم يكن اعتراضها لفظيا او شكليا.
المفارقة بالنسبة الى المصادر المعنية هو امكان ان توظف الولايات المتحدة وسواها الوجود العسكري الروسي المباشر والمتزايد، في جملة احتمالات سلبا او ايجابا قد تعود لتصب في مصلحة المتحفظين غير المعلنين لهذا الوجود : اهمها التساؤل في ضوء المحادثات بين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين عما اذا كانت روسيا ستصبح مرجعية مؤثرة باتت تتمركز على الارض السورية ويمكن ان يتم التحدث اليها اقله في مناطق سيطرة النظام، وبالوكالة عنه، من اجل الضغط عليه في حال رغبت روسيا في تسويق التفاوض على الحل اقليميا ودوليا ما دامت هي مسؤولة على نحو مباشر عن تأمين استمراريته واعادة تأهيل القوات المتبقية معه. وذلك في الوقت الذي ليس هناك من قنوات مفتوحة مع رأس النظام وترغب دول عدة في استبعاد ايران عن واجهة المسؤولية المباشرة عنه. وفي ما خص الشعار الذي رفعته روسيا لزيادة تدخلها اي مساعدة النظام في مواجهة الارهاب، فانها قد تقع ضحية طموحها المتعدد في المحافظة على موقع قوتها في المنطقة كما في منافسة الولايات المتحدة متى تحولت طرفا مباشرا في الحرب الداخلية بحيث يحتمل ان تستدعي ردود فعل عنيفة على تدخلها من المتطرفين في سوريا كما في استدراج ذلك الى داخل روسيا ايضا. فايا كانت الخطط التي يضعها قادة او زعماء دول كبرى، فان الحرب غالبا ما تبدل المعطيات هذا في حال التسليم جدلا بان الخطوات المعتمدة لم تأت في سياق رد فعل او ارتجال في مكان ما.
إيران وروسيا والصراع على سوريا/ ماجد كيالي
أضاف دخول روسيا مزيدا من التعقيدات على المشهد السوري، او على الصراع الدولي والاقليمي على سوريا، كما أثار معه عدداً من التساؤلات المتعلقة بطبيعة هذه الخطوة، وحدودها، وردود الفعل التي ستنتج عنها.
مفهوم أن روسيا وطوال السنوات الماضية، من عمر الانفجار السوري، ظلت تقف بعناد الى جانب النظام، تشد من أزره وتدعمه، سياسيا واقتصاديا وعسكريا، وتحول دون استصدار اي قرار دولي بشأنه. إلا ان الخطوة الأخيرة، والتي تتموضع فيها على عتبة التدخل العسكري المباشر، تعتبر، بكل المقاييس، تطورا نوعيا كبيرا في السياسة الروسية الخارجية، ونقلة كبيرة من الصراع بالأدوات السياسية، وعبر الوكلاء المحليين، إلى التدخل المباشر وبالوسائل العسكرية، لا سيما ان هذه سوريا، وليست شبه جزيرة القرم ولا شرق اوكرانيا.
ليس هذا هو التطور الوحيد من نوعه، الذي يزيد الأمور تعقيدا، ويضع علامات استفهام، في مشهد الصراع السوري، فثمة هدنة غريبة من نوعها، أيضاً، وتحمل معاني متعددة، في مكانها واطرافها وموضوعها. فهذه الهدنة يجري طبخها في تركيا، والتفاوض بشأنها يجري بين جماعات المعارضة المسلحة، وممثلين عن ايران، بالإضافة الى “حزب الله”؛ اي من دون مشاركة النظام. والأهم من هذين ان موضوع هذه الهدنة يتعلق بوقف القتال في قريتي الفوعة وكفريا، المحسوبتين على النظام، بحكم طابعهما المذهبي، وذلك مقابل وقف القتال في بلدتي الزبداني ومضايا، المحسوبتين على الطائفة “السنّية”، اي ان النقاش يجري علناً، وبصراحة، وفق هذه التقسيمات الطائفية ـ المذهبية، وكأنه لا يوجد شعب سوري، أو كأن الأمر لا يتعلق بتجنيب المدنيين هنا وهناك ويلات هذه الحرب الوحشية والمدمرة.
على أية حال فإن هذين المثالين، يؤكدان حقيقة باتت معروفة ومفادها أن الأطراف الدولية والاقليمية هي التي باتت تتحكم بمستقبل سوريا، ومصير السوريين، وأن الأطراف السورية، سواء كانت متمثلة بالنظام ومن معه، او المتمثلة بتشكيلات المعارضة السياسية والمسلحة على تفاوتاتها وتبايناتها، باتت خارج اللعبة، او على هامشها، او مجرد وقود لها.
لكن الفارق مع الدخول الروسي المباشر، على خطوط الصراع السورية، يكمن بما يمكن ان يشكله ذلك لإيران، لجهة تحديد من هو صاحب الكلمة الفصل في جبهة النظام، أي في التفاوض، وفي تقرير مستقبل سوريا، إيران ام روسيا؟ الميليشيات الطائفية الإيرانية ام الجيش الروسي؟ وهذان امران مهمان إذ لا يخفى على احد أن الخطوة الروسية تعني ان ايران اخفقت في ادارة الوضع السوري، وانها مع ميليشياتها، وضمنهم “حزب الله”، لم ينجحوا في كسر شوكة المعارضة، كما بدا ذلك واضحا أخيرا في ادلب ودمشق، وحتى في الزبداني، التي تقاتل منذ ثلاثة اشهر، والتي كبدت “حزب الله” خسائر فادحة بالارواح.
سباق إيراني روسي على الجبنة العلوية/ راجح الخوري
لماذا قررت روسيا فجأة ان تدخل الحرب مباشرة الى جانب بشار الاسد، بعد أربع سنوات ونصف سنة من دعمه سياسياً وتسليحاً؟
قبل ثلاثة اشهر ارتفع منسوب القلق في موسكو الى معدلات قياسية من التطورات التي يمكن ان تحصل في المنطقة، وأحس فلاديمير بوتين ان البساط قد يسحب من تحت مصالح روسيا القديمة والحيوية في سوريا، وان ايران بدورها لن تلبث ان تستدير غرباً!
في دمشق وقف الاسد يائساً وقال إنه يواجه صعوبات في عديد جيشه وإنه ينسحب من مناطق معينة الى مناطق أكثر اهمية، ما بدا كإعلان تمهيدي لقيام دولة الساحل العلوية، وارتفع السؤال الساخن في الكرملين: هل نخسر طرطوس واللاذقية والشاطئ السوري بعدما عجزنا عن الاحتفاظ بكل سوريا عبر استعادة الاسد سيطرته على البلد؟
في طهران، التي غصّت بتظاهرات الابتهاج بعد توقيع الإتفاق النووي مع دول الغرب، ارتسمت أمام بوتين صورة مقلقة أيضاً، لأنه يعرف تماماً ان الإيرانيين على رغم كل ما يقال عن “الشيطان الأكبر” لن يلبثوا ان يستديروا غرباً، فها هو الازدحام المتزايد للشركات الغربية في طهران يسحب البساط من تحت المصالح الروسية الحيوية في ايران التي ساعدتها على امتلاك القدرة النووية.
ومع ازدياد التورط العسكري الإيراني في سوريا، وخصوصاً بعد معارك القلمون والزبداني، أحس الروس ان طهران قد ترث مصالحهم في الدولة العلوية، ولهذا قرر بوتين ان ينزل بقوة عسكرية متزايدة في اللاذقية وطرطوس تحت غطاء الحديث عن محاربة الإرهاب، على رغم إدراكه العميق ان الجيش السوري المدعوم من ايران وأذرعها العسكرية يقاتل منذ خمس سنوات تقريباً من دون نتيجة حاسمة، وان النزول العسكري الروسي المتسع في الميدان قد يتحوّل صيغة سورية افغانية مكلفة، لهذا تبقى الأهداف الحيوية الروسية في حماية المصالح في الدولة العلوية!
ما يؤكّد مجمل هذا الكلام هو الإنزعاج الإيراني الواضح والصريح من النزول العسكري الروسي في سوريا، وقد عبّر عنه الرئيس حسن روحاني بالقول صراحة، “إن الجيش الإيراني هو القوة الرئيسية لمكافحة الإرهاب في المنطقة التي عليها ألا تعتمد على القوى الكبرى… ونحن ساعدنا سوريا والعراق على مكافحة الإرهاب”!
هل هناك أوضح من هذا تعبيراً عن امتعاض طهران من دخول الدب الروسي الى الكوريدور السوري الذي يفترض ان يربط ايران بالعراق وصولاً الى لبنان؟
هل ان أميركا فعلاً في حال من الإرتباك حيال الاندفاع العسكري الروسي، أم أنها مرتاحة الى ان بوتين يسير بعينين مفتوحتين الى المصيدة السورية التي قد تكلّفه غالياً سواء بتورّطه في قتال الارهابيين الممتد من الرقة الى القوقاز، أم بمنافسته الشرسة مع الإيرانيين على الإستئثار بالجبنة العلوية؟
المجرمون (إيد واحدة) مع الأسد/ سهيل كيوان
نتنياهو صديق لبوتين، ولا يحتاج لقرع الباب عند دخوله الكرملين، فقد سبق ووعده بوتين وأكد له أن السلاح الروسي في سوريا فقط «لمحاربة الإرهاب»، بمعنى أنه لضمان مصالح روسيا بالحفاظ على نظام الأسد، النظام الذي سقط في الواقع، وكانت آخر مظاهر انهياره هي مظاهرات السويداء، في إشارة واضحة لفقدان الثقة بالنظام. وهو في الواقع ما دعا روسيا إلى الهرولة السريعة في الأسابيع الأخيرة لتكثيف تدخلها المباشر، ذلك أن السويداء معقل الدروز، وهم أقلية في سوريا يزعم النظام حمايتها، انتفضت السويداء ضده، فمن هم الذين بقوا معه؟
ومما يثير الأسى، أن بوتين طمأن نتنياهو بأن «الجيش السوري غير معني بجبهة جديدة على الجولان!»، ولا بد أن نتنياهو ابتسم ابتسامته الخبيثة وقال في نفسه «متى كانت هناك جبهة على الجولان»! وقد كان كل من يقترب من الحدود من متمردين على الصمت على تلك الجبهة من فلسطينيين ولبنانيين وعرب يُتّهمون بالخيانة، ويتعرضون للسجن وحتى للقتل، بتهمة دفع البلاد إلى مواجهة غير متكافئة مع العدو!
كان بإمكان بوتين أن يقول لنتنياهو (حُطّ بالخرج)… يا رجل متى كانت آخر عملية إطلاق نار على جبهة الجولان من جندي نظامي سوري! ومتى قتل آخر جندي احتلالي في اشتباك على جبهة الجولان منذ عام 1973 مع جندي نظامي سوري وبأمر من النظام! يا رجل إحسبها منذ عام 1973 إلى اليوم، أين كانت معارك جيش النظام وفي أي المواقع وعلى أي أرض!
في الواقع بوتين طمأن نتنياهو، بأن الأمور تجري كما يحب ويرضى، وسيبقى هناك من يتحمل المسؤولية عن أي خرق للهدوء على جبهة الجولان، فقد اعتادت إسرائيل القيام بمعاقبة النظام وتأديبه كي يبقى (ولدا شاطرا)، وحثِّه على أن ينتبه أكثر في حراسة الحدود وإلا يعاقب. بوتين أكد له أن روسيا ستعمل بأن لا يحتاج حتى لعملية التأديب هذه.
من مصلحة إسرائيل وروسيا استمرار النظام الأسدي الفاسد والمخترق كالغربال، فإسرائيل تعرف كل صغيرة وكبيرة تدور داخل قمة هرم النظام، وأي نظام جديد قد يخرب ما بناه الموساد مع رجال النظام الفاسد! وعمليات الاغتيال التي مارستها إسرائيل على الأرض السورية والإغارات الدقيقة على أهداف من المفترض أن تكون سرية جدا وغيرها، تقول إن عيون إسرائيل موجودة في الحلقة الأضيق داخل النظام، ولهذا فهي تفضل بقاءه.
الأهم هو أنه من مصلحة إسرائيل بقاء نظام فجّر عداوات طائفية ومذهبية بتعنته وقمعه الدموي، لن تُمحى بسهولة، وتفضل أن يوغل النظام أكثر في مذابحه، وأن يرد عليها «داعش» بمذابح مذهبية مماثلة، كي تضمن عشرات السنين من العداء المذهبي والطائفي، فهذا أكثر ما يضمن أمن المحتلين والمستعمرين على مر التاريخ.
هذا أفضل بكثير من نظام جديد قد يأتي بقيم ديمقراطية حقيقية، تذيب الأحقاد الطائفية والمذهبية التي زرعها النظام بادعاء حماية الأقليات «من الذبح»، وقد عزز هذه الطائفية حليفاه إيران وحزب الله، وعمّقها تنظيم «داعش» الذي أنشِئ للهدف ذاته، وهو شيطنة الثورة السورية، ومن ثم شيطنة كل الثورة العربية الحديثة والقضاء عليها، كي لا تمتد أكثر، وهي مصلحة التقت فيها إسرائيل وأنظمة عربية وروسيا وأمريكا، بأن تبقى الأمة العربية والإسلامية ممزقة ومقسّمة مذهبيا وطائفيا، وأن يتعمق هذا التمزق أكثر وأكثر من خلال التذابح المذهبي والطائفي.
نتنياهو وأمريكا وروسيا مع بقاء نظام ضعيف، أقصى طموحه هو المحافظة على مصالحه ومصالح المحيطين به، هذا النظام الذي اعتبَر بقاء «الوضع القائم» نجاحا وانتصارا له، الأمر الذي يعني بقاء الاحتلال وتخليده، بل وإهدار طاقات وموارد النظام في تفسيخ التنظيمات الفلسطينية، من خلال تقريب تنظيم وإبعاد آخر، حسب ما تقتضيه مصلحة النظام، وهي اللعبة نفسها التي مارسها على الأرض اللبنانية بين الفرقاء هناك، تقريب الموالين وطحن وتفجير المناوئين وشق صفوفهم.
من مصلحة إسرائيل الإبقاء على نظام متهالك ضعيف فاشي، منحها فرصة للظهور كقوة ديمقراطية في المنطقة، رغم كل غباء نتنياهو وجرائمه أمام جرائم النظام، والجرائم المضادة التي مارسها «داعش»، الذي أتى ليكمل لعبة النظام الطائفية التي تحتاج لطرفين للعبها، حتى صار نتنياهو يسمح لنفسه بالمزاحمة على الوقوف في الصف الأول في مواجهة ما يسمى «الإرهاب»، حتى صار قتل طالبة في طريقها إلى المدرسة مثل الشهيدة هديل الهشلمون على حاجز احتلالي في الخليل قبل يومين محاربة «للإرهاب».
روسيا القيصرية بصيغتها (البوتينية) لا تختلف بشيء عن أمريكا أمام مصالحها، وهي مستعدة لارتكاب كل الموبقات، مثلما قامت بحرب إبادة ضد شعب الشيشان الذي حاول نيل استقلاله، عن ما كان يوما الاتحاد السوفييتي مثل شعوب كثيرة أخرى، بالتهمة إياها (الإرهاب)، فأبادت خلال عشر سنوات ما بين 1994 إلى 2000 حوالي 300 ألف شيشاني شكلوا ربع هذا الشعب، وهدمت 95٪ من العاصمة غروزني ومحت معالمها التاريخية! كما دعمت عسكر السفاحين في صربيا، ثم أججت صراعا في أوكرانيا لضمان مصالحها في جزيرة القرم، وهي تفعل الأمر نفسه في سوريا أمام مصالحها.
نظام الإمبراطور بوتين، قبل شهرين فقط (في 8 يوليو 2015) استخدم حق النقض في مجلس الأمن، لمنع قرار يعتبر مذبحة سربرنيتشا التي أبيد فيها ثمانية آلاف إنسان مسلم معظمهم من النساء والأطفال، جريمة إبادة شعب، إضافة لتهجير عشرات الآلاف وما رافق هذا من اغتصاب لآلاف النساء المسلمات، مناقضا بهذا لقرار سابق لمحكمة العدل الدولية عام 2007 اعتبرها جريمة إبادة شعب، وهذا يوضّح ما هي نوعية النظام الروسي، فهو لا يختلف أمام مصالحه عن أمريكا، التي تشهر الفيتو أمام كل إدانة لجرائم إسرائيل، وتحارب وتبيد الملايين أمام مصالحها. روسيا (البوتينية) تشهر الفيتو أيضا أمام كل ما قد يدين حلفاءها، بدءا من السفاحين كاراديتش ومالديتيش في البوسنة، إلى بشار الأسد صديق (كيم جونغ أون) ديكتاتور كوريا الشمالية الذي يُعدم من يتثاءب أمامه بقصفه بمضاد للطائرات.
القدس العربي
٭ كاتب فلسطيني
حتى لا تتورط موسكو في سوريا مثل أفغانستان!/ صالح القلاب
يبدو، بل إنه من الواضح، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى لفرض نفسه وفرض بلده، روسيا، على هذه المنطقة الملتهبة بالاعتماد على ارتباك السياسة الأميركية وعدم استقرارها على موقف واحد وبخاصة بالنسبة للأزمة السورية؛ إذ انتهى موقف إدارة باراك أوباما الذي يعبر عنه وزير الخارجية جون كيري، تجاه مصير الرئيس السوري بشار الأسد إلى كلام ضبابي غير مفهوم، حيث قال موجهًا حديثه إلى زميله سيرغي لافروف «إن عليه أن يرحل لكن ليس فورًا».
والغريب أن كيري قد دعا روسيا وإيران بلهجة استجدائية إلى استغلال نفوذهما لإقناع الأسد ليس بالتنحي وإنما بالتفاوض: «نحن مستعدون للتفاوض فهل الرئيس السوري مستعد للتفاوض.. التفاوض بحق»، وعن الرحيل الذي يتحدث عنه قال وزير الخارجية الأميركي: «ليس بالضرورة أن يكون من اليوم أو الشهر الأول.. هناك عملية يجب أن تجتمع فيها كل الأطراف معًا للتوصل إلى تفاهم بشأن كيفية تحقيق ذلك على أفضل وجه».
وهذا فهمه الروس على أنه تراجع أميركي عن مواقف سابقة واستعداد للقبول بالرئيس السوري حتى نهاية «ولايته» الحالية وربما حتى نهاية ولاية ثالثة، وأيضًا استعدادٌ للقبول به في التحالف المنشود ضد الإرهاب الذي دأب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الترويج له لهدف واحد ووحيد وهو إعادة تأهيل بشار الأسد وفرْضه بالقوة ليس على المعادلة السورية فقط وإنما أيضًا على المعادلة الشرق أوسطية.
إن هذا الأمر أصبح واضحًا وضوح الشمس، في يوم لا غيوم فيه ولا ضباب، ولذلك فإن المفترض أن الذين يراقبون المشهد من واشنطن قد سمعوا تصريحات وزير خارجية بشار الأسد التي قال فيها: «إننا نعوّل على التدخل الروسي لقلب الموازين» وقد شاهدوا بأمهات عيونهم كيف أن النظام السوري قد انتقل في الأيام الأخيرة من مواقع الدفاع إلى مواقع الهجوم وأنه لجأ إلى تكثيف غاراته الجوية على كل أمكنة وجود المعارضة السورية (المعتدلة).
وحقيقة أن ما يبعث على الحيرة والاستغراب هو أنَّ الرئيس باراك أوباما ووزير خارجيته قد واجها هذا التطور الخطير الذي لجأ إليه الروس ببرود أعصاب وبنوع من الاستسلام المذل للأمر الواقع.. اللهم إلاَّ إذا كان وراء الأكمة ما وراءها، كما يقال، وإلاَّ إذا كانت واشنطن تريد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين المزيد من التورط في الرمال السورية المتحركة على غرار تورط أسلافه، زمن الاتحاد السوفياتي، في أفغانستان حيث كانت نهاية الإمبراطورية السوفياتية «العظيمة»!! نهاية مأساوية بالفعل.
ولذلك وإذا كان هذا التقدير صحيحًا فإنه من حق النظام السوري أن يحلم بأن التدخل الروسي سيقلب موازين القوى لكن ومع ذلك فإنه على القائمين على هذا النظام المتهاوي وفي كل الحالات أن يتذكروا أن الرئيس الأفغاني بابراك كارمال كان قد حلم، بدوره، بأن التدخل العسكري السوفياتي في بلاده سيقلب موازين القوى في أفغانستان.. والحقيقة أن ذلك التدخل قلب موازين القوى في تلك الدولة الإسلامية وأحل محل حزب «برشام» الشيوعي الحاكم حركة طالبان و«القاعدة» وأحل محل «الرفاق» الماركسيين – اللينيين الملا عمر وأسامة بن لادن وأيمن الظواهري وكل هذه الأوضاع المأساوية المفتوحة على شتى الاحتمالات!!
إن كل التقديرات العقلانية، التي بالتأكيد يرفضها «جهابذة» هذا النظام السوري ومعهم الذين يصفقون لانتصارات بشار الأسد الوهمية عن بعد، تقول إن فلاديمير بوتين قد استغل رداءة السياسة الأميركية في هذه المنطقة، واستغل تردد باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري، وتردد الغرب عمومًا، فبادر إلى هذه «المغامرة»، وهو يدرك أن عليه ألاَّ يذهب بعيدًا حتى لا تتكرر كارثة التورط في أفغانستان، وأن عليه أن يكتفي من مبارزة تبادل عض الأصابع هذه مع الأميركيين بإلزامهم بتراجع «معقول» في أوكرانيا وبالنسبة لنشر صواريخهم في بعض دول أوروبا الشرقية.
لا شك في أن بوتين يعرف، بحكم أنه ضابط استخبارات سوفياتي (كي. جي. بي) سابق، أنه لو لم يتدخل الكرملين في عهد ليونيد بريجنيف ذلك التدخل العسكري الأهوج في أفغانستان لما كان زوال الاتحاد السوفياتي بتلك الطريقة «الدراماتيكية» المرعبة وربما لما كان هناك هذا الإرهاب الذي غدا متجذرًا في الكثير من دول العالم.. وبالطبع لما سمع العالم لا بـ«القاعدة» ولا بـ«أسامة بن لادن» ولا بـ«طالبان» وبـ«الملا عمر» ولا حتى بـ«داعش»، ولما حدث في باكستان كل هذا الذي حدث قبل وبعد تفجير طائرة الرئيس الباكستاني الأسبق ضياء الحق في تلك الحادثة المعروفة.
على فلاديمير بوتين أن يدرك أنَّ دمشق ليست غروزْني وأن سوريا ليست الشيشان كما أن عليه أن يضع في حسبانه أنه إنْ هو تورط بالمزيد من التدخل في هذا البلد الذي أصبح بمثابة قنبلة موقوتة فإن نهايته ستكون أسوأ كثيرًا من نهاية أسلافه بعد التدخل في أفغانستان.. على الرئيس الروسي ألاَّ يطرب لزغاريد «جهابذة» النظام السوري وأن يدرك أن «قلب الموازين» التي تحدث عنه وليد المعلم سيكون بمثابة كارثة محققة عليه وعلى روسيا وعلى الجيوش التي أرسلها والتي قد يرسلها إلى بلد مسلم أصبح بمثابة معسكر كبير وإلى دولة لا يزال العرب يعتبرونها «قلب العروبة النابض».
منذ الآن وحتى قبل أن تتكامل وتكتمل صورة التدخل الروسي في سوريا فإن الواضح أن هناك من بات يدعو إلى «الجهاد» لتحرير بلد عربي ومسلم من احتلال أجنبي ويقينًا أنه إنْ لم يتدارك الرئيس بوتين الأمور بسرعة ويبادر إلى «الاكتفاء» من الغنيمة بالإياب فإنه سيجد قواته التي غدت تحتل سوريا تحارب أبناء الجمهوريات الإسلامية المنضوية ولو شكليًا في إطار: «الاتحاد الروسي».
إنه على بوتين أن يدرك أنَّه لا شرعية إطلاقًا لمن رحبوا بتدخله العسكري في سوريا، فهؤلاء وفقًا للشعب السوري ووفقًا لمعظم العرب والمسلمين يمثلون «طائفة» هي الطائفة التي فرضوا ويفرضون أنفسهم ونظامهم عليها بالقوة والتي ربطوها قسْرًا بالولي الفقيه في طهران.. إنه على بوتين بحكم تجربة بلده في أفغانستان أن يدرك أن نهاية بشار الأسد ستكون في أحسن الأحوال كنهاية حفيظ الله أمين وكنهاية بابراك كارمال.. وكنهاية محمد نجيب الله التي كانت نهاية شديدة البشاعة ومأساوية.
إن بإمكان فلاديمير بوتين أنْ يلعب هذه اللعبة، بعيدًا عن التورط في أفغانستان ثانية، وعلى طريقة نيكيتا خروشوف في لعبة ما سمي بـ«الصواريخ الكوبية»، حيث ردَّ على التمادي الأميركي في تحدي الاتحاد السوفياتي بنقل صواريخ استراتيجية عام 1962 إلى كوبا (فيدل كاسترو) التي كانت ولا تزال تشكل مجالاً حيويًا للولايات المتحدة الأميركية، لكنه أي خروشوف لم يذهب بالتحدي بعيدًا وقد قَبِلَ، تفاديًا لما هو أعظم، بما اعتبر «مساومة تاريخية» وتنازلات متبادلة بين موسكو وواشنطن.
كان الاتحاد السوفياتي قد ردَّ على غزو الأميركيين لـ«خليج الخنازير» الذي اعتبر وقتها محاولة أميركية لإسقاط نظام فيدل كاسترو (الشيوعي) بإرسال عدد من الصواريخ المتوسطة المدى إلى كوبا، تلك الصواريخ التي كان بالإمكان أن تهدد موسكو بها معظم الأراضي الأميركية.. والحقيقة أن هذه الخطوة التي كادت تؤدي إلى حرب نووية قد جاءت نتيجة تراكم الكثير من الأزمات بين هاتين الدولتين، من بينها بالإضافة إلى أزمة الصواريخ هذه، نشر الولايات المتحدة صواريخ في بريطانيا وإيطاليا وتركيا.. وإقامة الكثير من المحطات الإذاعية الموجهة بلغات كثيرة إلى دول المنظومة الاشتراكية وبخاصة دول أوروبا الشرقية.
لكن وبعدما وصل التصعيد بين هاتين الدولتين النوويتين إلى الذروة تم استيعاب تلك الأزمة من قبل جون كيندي ونيكيتا خروشوف وإقامة خط ساخن بين موسكو وواشنطن لمعالجة أي أزمات طارئة، وهذا من الممكن أن ينطبق الآن على أزمة وجود صواريخ أميركية مهددة لروسيا في بعض دول أوروبا الشرقية وعلى أزمة القرم والأزمة الأوكرانية، وذلك دون الحاجة إلى تورط روسي في سوريا سيكون إنْ مضى به فلاديمير بوتين، على غرار تورط الاتحاد السوفياتي في أفغانستان.
دول عربية خليجية تعارض دور روسيا في سوريا وتصر على رحيل «الأسد»
أثار التدخل العسكري الروسي لدعم الرئيس «بشار الأسد» استياء الأعداء العرب الخليجيين للزعيم السوري حيث يقولون إن هذا الدعم يطيل أمد الحرب ويبقي سوريا بقوة في فلك عدوهم الإقليمي اللدود ايران.
وتقول روسيا إنها تقدم أسلحة للرئيس السوري حليفها القديم وإنها أرسلت جنودا كخبراء يقدمون التدريب على استخدامها في القتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» والجماعات الجهادية الأخرى. وأجرت موسكو أيضا مناورات بحرية قبالة سوريا.
وتقول واشنطن التي تناهض «الدولة الإسلامية» و«الأسد» كليهما إن موسكو أرسلت طائرات مقاتلة ودبابات ومعدات ثقيلة أخرى إلى سوريا. وقال مسؤولون أمريكيون يوم الاثنين إن روسيا بدأت القيام بطلعات بطائرات بدون طيار في مهام استطلاع في سوريا. ولم تؤكد موسكو هذه التقارير.
وأكدت السعودية ودول خليجية سنية أخرى مجددا هذا الشهر معارضتها للأسد الذين يرون انه أداة في يد إيران الشيعية لكنهم لم يذكروا علانية كيف يزمعون التعامل مع وصول القوات الروسية.
وقال مصدر رسمي في دولة الإمارات العربية المتحدة لرويترز طالبا عدم نشر اسمه: «ليس لدينا تفاصيل كاملة عن حجم التدخل (الروسي) ودوره (في سوريا). لكن مثل هذه المسائل على الأرض تعقد الموضوع وتزيد من صعوبة إيجاد حل».
ووصف وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير» التحركات العسكرية الروسية بأنها «تصعيد» وقال مجددا في اجتماع في الآونة الأخيرة لمجلس التعاون الخليجي إن سوريا ليس لها مستقبل ما بقي الأسد في السلطة.
ودعا وزراء خارجية الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي في بيان إلى إيجاد حل سياسي للأزمة السورية «دون أي تدخل أجنبي».
ويضم مجلس التعاون الخليجي الإمارات العربية المتحدة والسعودية والكويت والبحرين وسلطنة عمان وقطر.
ولم يتضح بعد إن كانت الدول العربية الخليجية تريد أن يشتبك مقاتلو المعارضة السورية الذين تدعمهم مع القوات الروسية في ساحة القتال وهو احتمال قد يفسد بدرجة أكبر توازن القوى الإقليمي.
وعلى العكس بحث مسؤولون أمريكيون وروس سبل منع قواتهم من الاشتباك بطريق الخطأ في سوريا حيث تنفذ واشنطن ضربات جوية ضد أهداف «الدولة الاسلامية».
وفي العلن على الأقل تتمسك الدول العربية الخليجية بموقفها القائل بأن «الأسد» لا يمكنه البقاء على الرغم من الدعم العسكري الروسي.
هل هناك حل عسكري؟
وتفضل الرياض حلا سياسيا للأزمة لكن وزير خارجيتها «الجبير» قال إن الخيار العسكري ما زال متاحا لأن المعارضة السورية ما زالت تقاتل النظام بكفاءة أكبر بمرور الوقت.
بدأ الصراع السوري في عام 2011 باحتجاجات مناهضة لحكم عائلة الأسد المستمر منذ أربعة عقود. وفي الحرب الأهلية التي تلت ذلك قتل ربع مليون شخص وأجبر 11 مليون شخص – نصف عدد السكان – على مغادرة منازلهم. وفر عشرات ألوف اللاجئين السوريين إلى أوروبا في الشهر المنصرم وحده.
وتقول روسيا إنه من غير المرجح أن تنجح الضربات الجوية التي ينفذها تحالف تقوده الولايات المتحدة ضد مواقع الدولة الإسلامية ودعت إلى حوار دولي مع الأسد.
وقالت «ابتسام الكتبي» مديرة مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية إنه في تقدير روسيا أيام الاسد ليست معدودة. وأضافت ان روسيا تريد عرقلة أي جهد عربي لإسقاط «الأسد».
وسوريا لها أهمية إستراتيجية حيوية لموسكو. فقاعدتها البحرية في طرطوس هي المنشأة الوحيدة لها في البحر المتوسط وتؤكد نفوذها الإقليمي. وكانت عائلة «الأسد» تاريخيا من أفضل عملاء روسيا في مبيعات السلاح.
وفي نظر كثير من عرب الخليج يجلب دخول روسيا في الحرب السورية أصداء التوترات القديمة التي تحيط بالمقاومة المدعومة من السعودية لقوات الاحتلال السوفيتي في أفغانستان في الثمانينات من القرن الماضي.
ويرى البعض انه من المفارقات ان روسيا التي كانت في وقت من الأوقات من أشد منتقدي أي تدخل خارجي في سوريا هي التي تفعل الآن هذا الشيء بعينه.
وكتب المعلق السعودي «محمد الراشد» في تدوينة متسائلا «هل قفزت روسيا بقدمها إلى مفرمة اللحم التي هي سوريا؟».
وتابع قائلا «ألم تتعلم الدرس من أفغانستان التي مزقت الاتحاد السوفيتي إربا أو الشيشان التي سحقت الغرور الروسي؟ وهل تعلم (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين شيئا؟».
غياب المشاركة الأمريكية
يقول بعض المسؤولين العرب الخليجيين إن التدخل الروسي لم يصبح ممكنا إلا بسبب ما يرون انه غياب للمشاركة الأمريكية في سوريا.
ويوجد أيضا اعتراف على مضض بموالاة «بوتين» المستمرة لحليفه وهي صفة يقول العرب الخليجيون إن صديقهم الأمريكي يفتقر لها.
وقال «سامي الفراج» -وهو مستشار أمن كويتي لمجلس التعاون الخليجي- لرويترز إن التدخل الروسي يعني في الحقيقة ان سوريا ستقسم الآن بين شريط ساحلي يسيطر عليه الأسد الذي ينتمي للطائفة العلوية واجزاء بعيدة عن الساحل تسيطر عليها غالبية سنية وتصبح إيران المستفيد الرئيسي.
وقال إن مجلس التعاون الخليجي يدرك ان اقتطاع كيان سوري جديد يسيطر عليه «الأسد» معناه الحفاظ على المصالح الايرانية أي أن يكون لها واجهة على البحر المتوسط. وأضاف أن الإيرانيين اختاروا القوة العظمى المناسبة التي يكونون معها وهي روسيا.
وقال إنه يتوقع أن يحذو مجلس التعاون الخليجي حذو الولايات المتحدة ويسعى إلى ضمان ألا تشتبك جماعات المعارضة المسلحة التي يؤيدها في سوريا في قتال مع القوات الروسية.
وقال إن الدول العربية الخليجية ستواصل ارسال أسلحة الى جماعات المعارضة لكنها لن تعطيها بهدف قتال القوات الروسية في سوريا.
ومن المرجح أن يؤدي التحرك الروسي إلى إضعاف وفاق مؤقت بدأ هذا العام بين روسيا والسعودية رغم دعمهما لأطراف متناحرة في الصراع السوري وخلافاتهما بشأن قضية البرنامج النووي الإيراني.
وما زالت الرياض تشعر باستياء من الفيتو الروسي الصيني في فبراير/شباط 2012 في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي أحبط مشروع قرار صاغته السعودية وأيده الغرب يقضي بضرورة تنحي «الأسد».
وفي مارس/آذار اتهم الأمير «سعود الفيصل» الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية قبل «الجبير»، «بوتين» بالرياء وقال غاضبا في قمة عربية إن روسيا لا يمكنها الحديث عن الرغبة في السلام في الشرق الأوسط وفي نفس الوقت تدعم الأسد في سوريا.
وفي يونيو/حزيران بدا أن المناخ يتحسن عندما رأس ولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» وفدا من مسؤولين سعوديين إلى موسكو ووقع اتفاقات عسكرية وأخرى للطاقة.
وأثارت الزيارة تكهنات بشأن علاقات ثنائية أوثق بين البلدين لكن هذا الاحتمال بدأ يخبو الآن.
وقال «عبد الخالق عبد الله» باحث العلوم السياسية بالإمارات إن «الأسد» لن يستمر «يوما واحدا» بدون دعم خارجي، مضيفا أنه مع أخذ في الاعتبار كل الأمور فانه من الأمان الرهان على أنه سيسقط أكثر منه على أنه سيبقى. وتابع قائلا إن روسيا لم تدرك هذا.
المصدر | وليم ماكلين | رويترز
معاً دفاعاً عن الأسد!؟/ موناليزا فريحة
دفعت روسيا بعضاً من احدث معداتها الى سوريا. مقاتلاتها بدأت التحليق في اجوائها. “بنك” الاهداف المفترضة بات جاهزاً على الارجح مع توقع مسؤولين أميركيين بدء العمليات القتالية الروسية في سوريا قريبا، وربما قبل اطلالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام الجمعية العمويمة للأمم المتحدة الاثنين المقبل.
في ايام قليلة، تطور الموقف الاميركي حيال التعزيزات الروسية في سوريا على نحو لافت. فبالسرعة نفسها التي نقلت فيها موسكو ترسانة عسكرية الى الساحل السوري، ارتقى موقف واشنطن من قول الرئيس باراك أوباما إن التدخل الروسي في سوريا محكوم بالفشل، الى طلب البيت الابيض من وزير الدفاع آشتون كارتر التنسيق مع نظيره الروسي من أجل “تفادي أي حوادث بين الطائرات الاميركية والروسية فوق سوريا”. بل ان صحيفة “بيلد أم سونتاغ” الالمانية نشرت ان مسؤولين في وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية “سي آي إي” و”جهاز الاستخبارات الخارجية” الروسي التقوا في موسكو، وأن واشنطن تخطط لمساعدة موسكو استخبارياً لدعم عملياتها ضد “داعش”.
التراجع السريع لواشنطن لم يقتصر على الموقف من التعزيزات الروسية، وإنما ظهر أيضا في تصريح وزير الخارجية جون كيري بأن على الاسد أن يرحل ولكن ليس بالضرورة “فوراً”.
يشبه السيناريو الذي تكتمل عناصره تدريجاً ما حصل في صيف 2013 عندما حشدت واشنطن قواتها بغية ضرب الاسد رداً على انتهاكه “الخط الاحمر” لاوباما واستخدامه الاسلحة الكيميائية. في حينه، أنقذ الروس الرئيس الاميركي من شن عملية عسكرية لا يريدها، باقتراحهم التسوية الكيميائية الشهيرة.
اليوم تواجه الادارة الاميركية مأزقاً آخر في سوريا. الحملة التي تقودها ضد “الدولة الاسلامية” في سوريا تراوح مكانها. برنامجها لتدريب المعارضة السورية المعتدلة فشل فشلاً ذريعاً. وموسكو التي تراقب التخبط الاميركي عن كثب تأخذ المبادرة مجدداً، وتلعب هذه المرة ورقة الحرب على “داعش” التي تحظى باجماع دولي.
ضمناً قد يكون البيت الابيض مرتاحاً الى تدخل عسكري روسي في سوريا ما دام يخفف عنه اعباء مقاتلة “داعش”. وليس مستبعداً أن تفوض واشنطن الى الروس أكثر من مواجهة التنظيم المتشدد ما دام ذلك يريحها من تحمل تبعات الفوضى المحتملة في سوريا لاحقا.
الثابت أن التورط الروسي يندرج في اطار جهود استراتيجية مدروسة لدعم النظام السوري وتالياً مصالح موسكو في سوريا والمنطقة. من هذا المنطلق، قد تستخدم روسيا تعزيزاتها العسكرية في سوريا ضد كل من يقاتل النظام، بمن فيهم المقاتلون الذين يفترض أنهم يتمتعون بدعم واشنطن وحلفائها الخليجيين. ولعل فرضيات كهذه تكتسب صدقية مع رصد تحركات عسكرية روسية من اللاذقية في اتجاه أدلب وحلب حيث مني النظام أخيراً بخسائر على أيدي فصائل المعارضة و”جبهة النصرة”.
* نقلاً عن “النهار”
حدود التدخل العسكري الروسي في سورية وآفاقه
وحدة تحليل السياسات
هي الوحدة المكلفة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بدراسة القضايا الراهنة في المنطقة العربية وتحليلها. تقوم الوحدة بإصدار منشورات تلتزم معايير علميةً رصينةً ضمن ثلاث سلسلات هي؛ تقدير موقف، وتحليل سياسات، وتقييم حالة. تهدف الوحدة إلى إنجاز تحليلات تلبي حاجة القراء من أكاديميين، وصنّاع قرار، ومن الجمهور العامّ في البلاد العربية وغيرها. يساهم في رفد الإنتاج العلمي لهذه الوحدة باحثون متخصصون من داخل المركز العربي وخارجه، وفقًا للقضية المطروحة للنقاش..
بعد أن أعطت روسيا إشارات متعدّدة توحي باستعدادها دعم جهد التوصل إلى حلٍ سياسي للأزمة السورية، عادت إلى تأكيد موقفها الرافض لتنحي الرئيس السوري بشار الأسد كجزءٍ من عملية انتقالية نصّ عليها بيان “جنيف 1”. كما تبيّن أنّ المرونة التي أبدتها روسيا طوال السنة الماضية لم تكن سوى تكتيكات سياسية هدفت من خلالها إلى امتصاص النجاحات العسكرية التي كانت تحققها المعارضة المسلحة السورية على الأرض من جهة، واستخدام اتصالاتها بالمعارضة كغطاءٍ للتمويه على توجّهها المضمر لرفع مستوى دعم النظام السوري، والذي جرت ترجمته مطلع أيلول/ سبتمبر الجاري بتدخلٍ عسكري مباشرٍ ينذر بتداعيات سياسية وعسكرية كبيرة.
حدود التدخل العسكري الروسي
تحتفظ روسيا بوجود عسكري قديم في سورية، يشمل العشرات من جنود البحريّة في قاعدة طرطوس، التي يستخدمها الروس بين فترة وأخرى منصةً للتزوّد بالمؤن والوقود، كما تحتفظ بمستشارين ومدربين تتفاوت التقديرات بشأن أعدادهم، وتتراوح في الغالب بين خمسمئة إلى ألف مدربٍ ومستشارٍ عسكري، ويوجدون في مواقع بحثية أو قطع عسكرية أو منشآت تصنيع عسكري. ومع أنّ موسكو عدّت تدّخلها الراهن امتدادًا لوجودها القديم، فإنّ صور أقمار صناعية نشرتها وسائل إعلام مختلفة تظهر بدء العمل على إقامة قاعدة عسكرية روسية في مطار حميميم (باسل الأسد) الذي يبعد نحو 22 كيلومترًا إلى الجنوب من مدينة اللاذقية، ويجري توسيع مدارج المطار وتأهيله لاستقبال طائرات الشحن الكبيرة، وتجهيز مساكن مسبّقة الصنع لإقامة الجنود[1]. كما أرسلت موسكو ست دبابات حديثة من طراز T-90، و15 مدفع هاوتزر، و35 ناقلة جند مدرعة، و200 جندي من مشاة البحرية الروسية إلى القاعدة الجديدة لتأمين الحماية لها[2].
وعلى الرغم من أنّ روسيا تصرّ على أنّ طبيعة وجودها العسكري في سورية لم تتغير، وأنّ معظمه يتشكل من “خبراء يقدمون المساعدة في ما يتعلق بإمدادات الأسلحة الروسية إلى سورية التي تهدف إلى محاربة الإرهاب”[3]، فإنّ حركة طائرات الشحن الروسية تشير إلى أنّ التدخل العسكري الروسي في سورية يتعاظم بشكل يومي، ويأخذ أشكالًا مختلفة: قوات خاصة، وتدخل سريع، وخبراء، ومدربون، ومستشارون، بالإضافة إلى مدِّ النظام السوري بمعدات وأسلحة ذات قدرات تدميرية عالية استخدمت في قصف مدينتي الرقة وحلب في الأيام القليلة الماضية[4]. كما نشرت مواقع معارضة سوريّة مؤخرًا مقاطع فيديو تُبيِّن مشاركة قوات روسية في قصف مواقع عسكرية تابعة للمعارضة المسلحة في جبال اللاذقية (ما أصبح يسمى التركمان والأكراد)[5]. وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي صورًا لجنود روس في بعض نقاط المواجهة العسكرية في جبال الساحل (صلنفة) وسهل الغاب.
دوافع التدخل الروسي
وفرت روسيا على مدى السنوات الخمس الماضيّة، أي منذ اندلاع الثورة، غطاءً سياسيًا ودبلوماسيًا فعالًا حمى النظام السوري من أشكال الإدانة القانونية والسياسية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وعلى الرغم من مشاركتها في صوغ بيان جنيف في 30 حزيران/ يونيو 2012 الذي نصّ على تشكيل هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة كخطوة لازمة وضرورية على طريق حل الأزمة سياسيًا، سعت روسيا لفرض تفسيرها الخاص للبيان من خلال الإصرار على اعتبار الأسد جزءًا من المرحلة الانتقالية، ثم ربط مصيره وبقائه “بإرادة الشعب”. في هذه الأثناء، أخذت موسكو على عاتقها مهمة تقسيم المعارضة وشرذمتها عل نحو أوسع، كما سعت إلى تفريغ الاعتراف الدولي بالائتلاف الوطني المعارض، باعتباره ممثلًا لقوى الثورة والمعارضة، من مضمونه، ودعت إلى مؤتمرات حوارية (موسكو 1، و2) بغية تصنيع معارضات أقرب إلى مواقفها. بيد أنّ المكاسب التي حققتها المعارضة المسلحة في النصف الأول من عام 2015، أفشلت هذه المساعي، ودفعت باتجاه تحركٍ دبلوماسي نحو السعودية خصوصًا. وتحت عنوان محاربة “إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية – داعش”، دعت موسكو إلى إنشاء تحالفٍ عريضٍ يضم إلى جانب النظام السوري، “المُطعّم” ببعض المعارضة، كلًا من السعودية وتركيا والأردن. ولهذا الغرض نجحت موسكو في ترتيب اجتماعٍ بين المسؤول الأمني السوري الأول، اللواء علي مملوك، ووزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان في جدة في تموز/ يوليو الماضي. ولما فشلت المساعي الروسية في تحقيق أي نتيجةٍ على صعيد إقناع السعودية بقبول الصيغة الروسية للحلّ في سورية، بدأت روسيا تدّخلها المباشر إلى جانب النظام، منعًا لانهياره بشكل مفاجئ بعد أن بلغ مرحلة متقدمة من الضعف والإنهاك على يد فصائل ذات توجهات إسلامية معادية للنظام ولتنظيم “داعش” في آنٍ معًا، بما يؤدي إلى فقدان موسكو جميع استثماراتها السياسية في الأزمة السورية، وفي ظل مؤشرات كثيرة أيضًا على أنّ موسكو تفقد نفوذها بشكل متزايد في المناطق التي يسيطر عليها النظام لمصلحة إيران وحزب الله.
اختارت روسيا ظرفًا إقليميًا ودوليًا ملائمًا لتدخلها، وبرّرته بعجز التحالف، بعد عامٍ على بدء ضرباته في سورية، في إضعاف “تنظيم الدولة”، وفشل أميركا في تدريب شريك ميداني مقبول (المعارضة المعتدلة) وتجهيزه لمواجهته على الأرض. وللتغطية على تدخلها إلى جانب النظام، عرضت موسكو على واشنطن التنسيق في “الحرب على الإرهاب” في سورية، وهو عرض لم تملك إدارة أوباما التي يتملّكها هاجس مواجهة تنظيم “داعش” أن ترفضه. وزيادة في طمأنة واشنطن، قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، بتنسيق خطواته في سورية مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو[6]، في مؤشرٍ جديدٍ آخرَ على عمق العلاقة والتحالف التي تربط موسكو وتل أبيب، والتي كانت محطة بوتين الخارجية الأولى بعد إعادة انتخابه عام 2012[7].
كما تزامنت الخطوة الروسية مع موجة لجوء كبرى إلى أوروبا، من المهجّرين السوريين، أفرزت خطابًا أوروبيًا جديدًا (ألمانيا، والنمسا، وإسبانيا، وبريطانيا، والمجر) يدعو إلى الانفتاح على روسيا والتعاون معها لإيجاد حلٍ عاجلٍ يوقف تدفق اللاجئين حتى لو تطلب ذلك الانفتاح على الأسد أو التخلي عن مطلب رحيله في المدى المنظور. إقليميًا، استغلت روسيا انشغال الدول الداعمة للمعارضة السورية بمسائل أخرى أكثر إلحاحًا لتمرير تدخلها من دون ضجة كبيرة؛ إذ تنشغل حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا في حربها ضد حزب العمال الكردستاني، وبانتخابات مبكرة مفصليّة، في حين يمثل الملف اليمني أولويةً قصوى بالنسبة إلى السعودية ودول الخليج الأخرى.
تداعيات التدخل الروسي ونتائجه
على الرغم من شعور القوة الخادع الذي يبديه النظام السوري إثر شيوع أنباء التدخل العسكري الروسي لمصلحته، وتصريحات مسؤوليه عن “قلب الطاولة” وتغيير المعادلات العسكرية والسياسية، فإنّ التدخل الروسي لن يصنع فارقًا كبيرًا في موازين القوى القائمة حاليًا كون هدفه يبقى محصورًا في منع سقوط النظام وليس استعادة ما خسره النظام من أراضٍ ومدنٍ خلال الفترة الماضية؛ فهذا أمر عجزت عن فعله إيران وجميع المليشيات الطائفية التي تعمل لحسابها. كما أنّ التدخل الروسي سيظلّ مقتصرًا على الأرجح على دمشق ومنطقة الساحل التي توليها روسيا أهميةً خاصةً بوصفها منفذًا بحريًا على البحر المتوسط، وتمتلك فيها امتيازات حصرية (25 عامًا) تسمح لها بالتنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السوريّة، وذلك بحسب الاتفاقية الموقعة بين النظام والحكومة الروسية في أواخر عام 2013[8]. وبناءً عليه، قد يساهم التدخل الروسي في تعزيز مواقع النظام ومنع سقوطه، وفي رفع الروح المعنوية المنهارة لقواته وحاضنته الشعبية، وفي عرقلة مساعي المعارضة للسيطرة على الساحل وجباله اللصيقة بمنطقة سهل الغاب، لكنه لن ينجح أبدًا في إعادة النظام إلى المناطق التي خرجت عن سيطرته، كما أنه يصعب تخيّل تدخلٍ عسكري روسي برّي في مناطق تسيطر عليها المعارضة. وبهذا، فإنّ التدخل الروسي سوف يؤدي فحسب إلى إطالة أمد الصراع وزيادة معاناة السوريين من الفئات كافة.
وإذا ما تجاوزنا التداعيات الميدانية، فإنّ روسيا تحاول من خلال تدخلها العسكري فرض رؤية جديدة للحل تنسف بيان “جنيف 1″، وتربطه، بحسب تصريحات بوتين مؤخرًا، بانتخابات برلمانية “مبكرة”، وتشكيل حكومة تضم ما أسماه “معارضة رشيدة” تحت قيادة الأسد[9]. وجاءت تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري الأخيرة عن إمكانية بقاء الأسد خلال مفاوضات تستمر فترة زمنية غير محددة لتزيد من مخاوف المعارضة السوريّة لجهة رضوخ الولايات المتحدة والدول الغربيّة للرؤية الروسية حول سبل حل الأزمة في سورية[10]، وقبول مقترحها القيام بالمهمة المستحيلة المتمثلة بإعادة تأهيل النظام، واعتماده شريكًا ميدانيًا في الحرب على تنظيم الدولة.
وأخيرًا، تواجه المعارضة السورية مستجدات سياسيّة وعسكريّة لا تصبّ في مصلحتها. ولمواجهة ذلك، تحتاج المعارضة إلى توحيد الجهد السياسيّ والعسكريّ في تيارٍ واحدٍ ذي أذرعٍ عسكرية وسياسية وإعلامية، والتعامل مع الوجودين العسكريّين الروسي والإيراني بوصفهما احتلالًا أجنبيًا مباشرًا وصريحًا، كما تحتاج إلى إطلاق نوعٍ من حركة تحررٍ وطنيّ ذات برنامجٍ ديمقراطي موحدٍ لقطع الطريق على محاولات تسويف نضال الشعب السوري وتضحياته واعتماد حلولٍ جزئيةٍ لا تلبي طموحاته وأهداف ثورته، والتوجه إلى مقاومة الوجود العسكري الروسي بجميع الوسائل المتاحة، وبخاصة أنّ الرأي العام الروسي يبدو شديد الحساسية تجاه خسائر ومغامرات في مناطق وأزمات لا تشكل بالنسبة إليه أولوية بل تعيد إليه ذكريات أفغانستان المريرة.
[1] “This Satellite Image Leaves No Doubt That Russia Is Throwing Troops and Aircraft Into Syria,” Foreign policy, 14/9/2015, at: http://atfp.co/1Lv02Vc
[2] “Russian Moves in Syria Widen Role in Mideast,” The New York Times, 14/9/2015, at: http://nyti.ms/1iubsRG
[3] “موسكو: لدينا خبراء عسكريون في سورية ولا نستبعد تقديم مساعدات إضافية”، روسيا اليوم، 9/9/2015، على الرابط: http://bit.ly/1UB4T1h
[4] “واشنطن تدرس عرضًا روسيًا للتنسيق العسكري في سورية: دمشق بدأت تستخدم أسلحة جديدة من روسيا بالتزامن مع قصف على الرقة”، القدس العربي، 17/9/2015، على الرابط:
[5] “فيديو يؤكد مشاركة القوات الروسية في معارك اللاذقية وقصفها لمناطق المعارضة”، موقع يوتيوب، تاريخ التحميل 19/9/2015، على الرابط:
[6] “بوتين يطمئن نتنياهو: الأسد لن يفتح جبهة ثانية بالجولان”، العربي الجديد، 21/9/2015، على الرابط: http://bit.ly/1NQBlsm
[7] “خلال زيارة بوتين لإسرائيل.. افتتاح نصب تذكاري لانتصار الجيش السوفياتي على النازية”، روسيا اليوم، 24/6/2012، على الرابط: http://bit.ly/1V7aixt
[8] “دمشق توقّع عقدًا مع شركة روسية للتنقيب عن النفط في المياه السورية”، النهار اللبنانية، 27/12/2013، على الرابط: http://bit.ly/1dccf3h
[9] “بوتين: السوريون يهربون من داعش.. والأسد مستعد لإجراء انتخابات مبكرة ومشاركة معارضة رشيدة في الحكومة”، سي إن إن بالعربية، 4/9/2015، على الرابط:
http://arabic.cnn.com/middleeast/2015/09/04/putin-syria-assad-isis
[10] “كيري: حان الوقت للبحث عن سبل لإنهاء الصراع السوري”، رويترز، 18/9/2015، على الرابط:
http://ara.reuters.com/article/topNews/idARAKCN0RI2FE20150918
روسيا وأقنعتها المكشوفة في الحالة السورية/ عبدالله تركماني
لم تتغيّر السياسة الروسية، جوهرياً، تجاه الحالة السورية منذ بدء الانتفاضة في مارس/آذار 2011، ومازالت هذه السياسة تتبنى موقف السلطة السورية بالكامل، ومن دون تحفظ، وتقول معها إنّ الانتفاضة السورية ليست ثورة، وإنما هي من فعل “مغامرين” و”إرهابيين” و”عملاء لدول الخارج”.
وفي سياق زيادة انخراطها، تكشف روسيا ما تبقى من أقنعة عن وجهها، حين ترسل طائراتها العسكرية وبوارجها، حاملة أنواعاً جديدة من الأسلحة الفتاكة، وجنوداً وخبراء عسكريين، وتبدأ في إنشاء قاعدة جوية في مطار حميميم في اللاذقية، بل وتعلن إصرارها على بقاء رئيسٍ، تلطخت يداه بدماء مئات آلاف السوريين، وارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، في تحدٍ سافر للقانون الدولي الإنساني.
ويأتي الانخراط الروسي العسكري المباشر نتيجة عوامل متعددة الأبعاد، وستكون له، بالطبع، تداعيات بعيدة المدى على المستويات الدولية والإقليمية والمحلية. فما هي محددات السياسة الروسية تجاه سورية؟ وما أهدافها وتداعياتها ونتائجها المتوقعة؟
لطالما شكل البحر المتوسط، تاريخياً، مجالاً لممارسة السلوك التنافسي مع القوى الأخرى، وهو ما يفسر اعتبار الوجود الروسي في المتوسط ضرورة تعاطت معها القيادات الروسية منذ القدم. وكان الحرص الروسي على الحضور الدائم في المتوسط من العوامل الرئيسية وراء إلحاق شبه جزيرة القرم بالاتحاد الروسي، لضمان بقاء ميناء سيواستبول، مقر قيادة أسطول البحر الأسود، تحت الهيمنة الروسية. فمن خلال هذا الميناء، تستطيع روسيا إدامة وجود قواتها في البحر الأبيض المتوسط.
كما يبدو أنّ أسباب زيادة الانخراط الروسي تتلخص في محاولة روسيا العودة إلى المشهد السياسي الدولي، عبر بوابة الأزمة السورية. حيث يأتي التحرك الروسي انطلاقاً من حاجة موسكو الماسة لاستعادة دور مركزي لها في الساحة السورية، بعدما نجحت واشنطن في إقصائها كلياً عن المعركة العالمية التي تقودها ضد “داعش” في سورية والعراق. كما تحتاج موسكو إلى تخفيف أعباء معركة أوكرانيا وتبعات العزلة الدولية التي تزداد تضييقاً عليها.
فبعد أن أطاحت الحرب في جورجيا عام 2008 وفي القرم وأوكرانيا عام 2014، محاولات الغرب لجلب حلف الناتو إلى أعتاب روسيا، تأتي خطة إعادة بناء وجود عسكري روسي في سورية، لتعلن أنها ليست مجرد قوة إقليمية في أوروبا الشرقية فحسب، لكنها أيضاً لاعب دولي مؤثر، وأنها على استعداد لاستعراض قوتها العسكرية في مناطق أخرى من العالم، بعيدة عن الأراضي الروسية. لذلك، جاء الوجود الميداني في سورية من أجل ممارسة النفوذ، عبر تحويل ميناء طرطوس إلى قاعدة عسكرية روسية، ومطار اللاذقية المدني إلى مطار عسكري في خدمة روسيا، خصوصاً بعدما استبعدت الولايات المتحدة روسيا عن العراق في حربها على الإرهاب هناك، وبعدما خدعت دول “الناتو” روسيا في ليبيا.
كما تشكل الجغرافيا السورية واحدة من الضرورات اللوجستية للمشروع الروسي في مجال
“الجغرافية السورية ضرورية للمشروع الروسي في مجال الطاقة، لما تملكه من إمكانيات ربط بين مواقع الانتاج ومناطق الاستهلاك” الطاقة، وذلك لما تملكه من إمكانيات ربط بين مواقع الإنتاج ومناطق الاستهلاك، ومعبراً للغاز القادم من آسيا الوسطى، الواقعة تحت قوس السيطرة الروسية، ولربط استثمارات الغاز على المتوسط بالغاز القادم من إيران، ومعبراً إجبارياً لخطوط النقل المتجهة إلى أوروبا، ما يجعل من سورية درة الاستراتيجية الروسية في المنطقة، خصوصاً مع وجود بنية تحتية روسية في سورية، تتمثل في ميناء طرطوس، وفي استثمارات عديدة في مجال النفط والغاز.
وقد كان لاحتمالات التقارب الأميركي – الإيراني أثر على تحريك الموقف الروسي، إذ تبدو أميركا بصدد إعادة صياغة علاقاتها مع إيران التي يتداخل فيها الاقتصاد والسياسة بدرجة كبيرة. إذ تدرك موسكو أنّ قدرتها على التأثير في النظام السوري ومصيره عامل متغيّر، يخضع لشروط علاقة طهران وواشنطن، إذ في ظل تحوّل الصراع إلى النمط الطائفي، تصبح لإيران اليد العليا في التأثير على النظام السوري. وفيما بدا الدور الروسي مقتصراً على الدعم المحدود والقوة التصويتية في مجلس الأمن، أصبحت إيران قوة محركة وأساسية على الأرض، وتحولت، بفعل هذا المعطى، إلى مقرر أساسي، طالما هي تمتلك أكثر من ثلاثة أرباع القوة العاملة على الأرض ضد الثورة السورية، من كتائب الحرس الثوري ومليشيات حزب الله وأبو الفضل العباس.
وهناك مسألة فائقة الأهمية لروسيا، تتمثل في قلقها الجدي من التطرف الإسلامي، واقتناعها بأنّ انتصاره في سورية سيأتي به إلى روسيا.
ومع معرفتها بالوضع الصعب الذي بات عليه رأس النظام السوري، الذي من بين مؤشراته التخبط في منطقة الزبداني على الحدود مع لبنان، جنباً إلى جنب، مع حزب الله من دون قدرة على حسم الوضع العسكري، فإنّ التدخل الروسي يبدو معبِّراً عن تهديد حقيقي، شعرت به روسيا، لكي تتقدم من أجل حماية مصالحها مباشرة، أو تخوُّفاً من أن تطاولها التطورات الميدانية في سورية.
وربما يعتبر الرئيس بوتين أنّ سورية تقترب من سيناريو التقسيم، وهو يريد أن يحصِّن نفوذه
“الانغماس الروسي في المستنقع السوري من المرجح أن يؤدي إلى تقسيم طويل المدى لسورية” في الساحل السوري، لحماية قاعدته البحرية في طرطوس من احتمال أن تصبح في مرمى صواريخ المعارضة، المدعومة تركياً وخليجياً، إذا حققت تقدماً جديداً في الشمال الغربي. وهكذا، يؤسس عملياً لمشروع إقليم مقابل للمنطقة التي تسعى تركيا إلى إقامتها شمال حلب.
وهكذا، يبدو أنّ زيادة الانخراط الروسي قد لا يكون معبِّراً عن وضع الأزمة السورية، على طريق الحل، بمقدار ما قد يكون معبِّراً عن انتقال الأزمة إلى مرحلة جديدة من مراحل تطورها، تتورط فيها روسيا في الحرب الداخلية السورية، خصوصاً في حال لم تقنع الولايات المتحدة والغرب لملاقاتها من أجل التحالف ضد “الإرهاب” في سورية. وإذا كان الأسد قد شعر بالوقوع تحت بعض الضغوط، أخيراً، فإنّ الانخراط الروسي سيعزز من عناده، ويضمن أنه لن يقدم أية تنازلات حقيقية على أية طاولة للمفاوضات في القريب المنظور، سواء في موسكو أو جنيف أو في أي مكان آخر.
وفي الواقع، لا يشكل الوجود العسكري الروسي في طرطوس أو مطار اللاذقية تهديداً للغرب، ويعرف بوتين جيداً أنّ روسيا ليست تهديداً جدياً في البحر المتوسط، لأنّ المرفأ الوحيد لها فيه يمكن منع الوصول إليه من المنفذين الوحيدين له، وهما الدردنيل والبوسفور التركيان ومضيق جبل طارق. ويعرف، أيضاً، أنّ وجوده البحري في المتوسط لا يستطيع أن يواجه بفاعلية الوجود الأميركي المماثل، كما وجود بحرية حلف الناتو.
إنّ الانغماس الروسي في المستنقع السوري من المرجح أن يؤدي إلى تقسيم طويل المدى لسورية، تكون فيه المنطقة الممتدة من دمشق إلى الساحل الغربي تحت سيطرة تحالف الأسد – خامنئي – بوتين، وأجزاء كبيرة من الشرق والجنوب والشمال تحت سيطرة المجموعات المتعددة للمعارضة. وقد تصبح منطقة الشرق الأوسط ساحة لصراعات أكبر وأكثر خطورة تهدد السلم والأمن الدوليين، وربما تقود، لاحقاً، إلى مواجهة روسية – غربية.
العربي الجديد
روسيا.. لإزالة سورية من الخارطة/ فاطمة ياسين
تصاعدت الجلبة الروسية قولاً وفعلاً، وأصبح الوجود العسكري على الأرض السورية حقيقة فاقعة وواضحة، تستطيع رصدها أسوأ أقمار التجسس الصناعية أداءً، وبُدِئ بالعمل على إنشاء قاعدة جوية في المناطق “الحصينة”، حيث حضن النظام الدافئ، لتنضم إلى زميلتها القاعدة البحرية في طرطوس. ترافق هذا النشاط العسكري مع حملة دبلوماسية، شملت اتصالات روسية مع أميركا وأوروبا وبعض دول الإقليم ذات الصلة، وكان أبرز ما نتج عنها تصريح ملفت و”مميز” لوزير الخارجية الأميركي، يقول فيه إن الأسد يجب أن يرحل، ولكن ليس على الفور. الاستدراك الذي يخص رحيل الأسد ضمن تصريح وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، يعكس بجلاء تغيراً في المزاج الأميركي قد يكون فاتحة تفاهم مع روسيا، يقبل بوجودها العسكري على الأرض، ويبدي تساهلاً مؤقتاً مع النظام، تحت العنوان العريض الذي يسوقه الروس، بهمة غير مسبوقة، وهو مكافحة الإرهاب، وخصوصاً تنظيم الدولة الإسلامية.
دخول الوجود الروسي على خط الحرب السورية ليس عاملاً جديداً، وقد لعب، إلى حد بعيد، دوراً مهماً في تصعيد الموقف العسكري، وأعاد “شحن” النظام مرات عديدة، ليبقيه موجوداً، لكنه الآن تضخَّم، بشكل نوعي، حتى أصبح الروس شريكاً مباشراً يقدم دعماً نارياً، وربما إسناداً جوياً، قد يساهم في حسم بعض المعارك المهمة، وليس مؤكداً مدى مشاركته البرية الفعلية في المعارك، فالاقتحام البري الواسع ذو محاذير ما زالت ماثلة في الذهن الروسي، وفي ذاكرته القريبة المثقلة بهواجس أفغانستان وخروجه المر منها، بالإضافة إلى مشكلاته الداخلية التي قد تجعل مشاركته البرية ذات حجم محدود، لا يمكن له أن يتعداه، إلا أن العقلية الروسية تبنت، وبشكل نهائي، دعماً للنظام يضمن بقاءه ضمن المدى الجغرافي الذي يسيطر عليه حالياً، أو أصغر بقليل، ولكن وجوداً من هذا النوع يخلق متغيراً جديداً، يفرض إعادة النظر بجملة من العوامل الفاعلة الحالية.
ما زالت الخطط الأميركية سارية المفعول بشأن تجنيد سوريين ينتمون إلى معارضة معتدلة، وتدريبهم عسكرياً لمواجهة تنظيم الدولة بشكل أساسي، وقد عبرت الدفعة الأولى منهم الأراضي السورية بالفعل. قد تكون هذه القوات المختارة بعناية أميركية ضمن المدى المجدي للأسلحة الروسية المرابطة في المنطقة. تستلزم هذه الوضعية ما هو أكبر من مجرد التنسيق، لإنشاء ما يشبه غرفة عمليات مشتركة، إذا أضفنا إلى ذلك الهجمات الجوية لطيران التحالف على مواقع تنظيم الدولة، والتي لم تحرز، إلى الآن، تقدماً يُذكر، بل وتعاني من تردد ينبئ عنه ضعف تواتر الهجوم وتمدد التنظيم إلى مناطق جديدة، فإن ضمان عدم وقوع الأخطاء، وهي حتمية في الحالة الروسية، توجب التنسيق الإجباري بين طيران التحالف والقوات الروسية على الأرض.
الوضعية العسكرية التي ولدتها الرغبة الروسية بالإبقاء على ما تبقى من النظام قد تجبر الولايات المتحدة، وبعض دول المنطقة، على تبني تفاهم عسكري عام يوزع الحصص، وقد يجد جيش النظام نفسه مشتركاً فيه برعاية روسية، ما يعني تعويم جانب مهم من الكيان السياسي الذي نادت معظم دول العالم بإسقاطه ومحاسبته، ليصحو، بعد أربع سنوات ونصف، ويجد نفسه شريكاً كاملاً في عملية عسكرية، تستهدف تصفية أعدائه.
من المفترض ألا ينساق الغرب، وبعض دول الإقليم، بسهولة إلى مثل هذا السيناريو الذي يرنو إلى إعادة الأشياء إلى وضعٍ سابق لفظَهُ السوريون، لكن اللهجة الشديدة التي تميّز الموقف الروسي، مضافاً إليها الانسياق الأميركي والانشغال العربي بمناطق أخرى، قد يجبر كل هذه القوى على الاستسلام لأسهل الحلول، عندها سيضطر التاريخ لتكرار نفسه، بسبب وجود الشروط الابتدائية نفسها، فالظرف هنا سيصبح مُهَيَّـأً لمواجهة روسية مع جهات داخلية متعددة، ما يعني زيادة جبهة التطرف، وزيادة قوة جذب الجهاديين، ليتحول الصراع من ثورة وإرادة تحرر إلى مجرد حرب ضد تطرفٍ ستؤدي إلى إزالة سورية التي نعرفها من الخارطة العالمية بمباركة أممية.
العربي الجديد
بوتين والرهان على نظام الأسد
هل التدخل الروسي في سوريا بهذا الشكل المثير للاستفزاز هو مجرد محاولة يائسة من موسكو الإعادة ترميم بناء نظام الأسد المتهالك المتصدع نتيجة توالي ضربات الثوار السوريين ، إن نظام الأسد أصبح يسير بتسارع إلى مصيره المحتوم «الخلع» وبات على موسكو التواجد الرسمي على الجغرافية السورية لضمان «حصتها» من الوطن السوري ؟وهي تعلم علم يقين أن إيران باتت المتحكم الرسمي الفاعل في المناطق التي تسيطر عليها مع حلفائها «نظام الأسد والمليشيات الطائفية التابعة لإيران» .
بعبارة أخرى، هل التعزيزات الروسية للأسد ، تستهدف إيران، أو تعاظم القوة الإيرانية في سوريا على حساب الأسد وجيشة وطائفتة ، وتهدف إلى تقليص اعتماد الأسد على إيران و»حزب الله» إلى حد كبير، وهذا المعنى قد لا يروق لنظام الملالي في إيران وهي التي انفقت ملايين الدولارات على الأسد وحربه المجنونه ضد الشعب السوري الذي سار على الأسد ومشروع إيران في سوريا، وهذا لايروق ايضاً لحلفاء إيران «ميليشيا حزب الله واشقائه من الميليشيات العراقية « الذين خسروا آلاف المقاتلين في سبيل المشروع الإيراني تحت غطاء الدفاع عن الأسد ونظامه.
يمكننا قراءة هذا المشهد من خلال تفسيرات وسائل الإعلام «اللبنانية ،و الإيرانية « الممولة إيرانياً ، من خلال تقديم سيناريوهات تفسير التعزيزات الروسية، بأن هدف هذه التعزيزات التصدي للطيران الصهيوني الذي يقصف مواقع للنظام دعماً للإرهابيين»الثوار السوريين « على حد زعمهم .
على ماذا راهن الرئيس «بوتين « عندما يعلن على أن روسيا مستمرة في دعم نظام الأسد بكل أنواع السلاح وإرسال مقاتلين روس لدعم جيش الأسد بشكل مباشر ، رغم أن روسيا تعرف أكثر من غيرها أن الأسد ونظامه لا يسيطر على أكثر من «20%» من المساحة السورية هذا بحسب أكثر التقارير تفاؤلاً ، ناهيك عن المساحات التي خسرها في الأسبوع الأخير «مطار أبو ضهور» والسويداء متأرجحة على كف عفريت .
عندما تعلن روسيا تدخلها بهذا الشكل الواضح في الحرب على سوريا نحن بذلك أمام أمور لا يمكن أن تخطئها عين مراقب.
*التدخل الروسي المباشر هو إعلان نعي نظام الأسد، وأن روسيا أدركت أخيراً بأن جيش نظام الأسد لا يمكنه بحال من الأحوال أن يسترجع أيا من النقاط التي خسرها لصالح الثوار السوريين ، فضلاً عن حماية النظام والمصالح الروسية .
*النقطة الثانية بفرض أن نظام الأسد هو الذي طلب هذا التدخل الروسي ، أيضاً يشير هذا الكلام إلى نفس النتيجة والتي مفادها فقدان الأسد السيطرة والتحكم وخاصة بعد فقدانه مناطق واسعه من البلاد وتقطع طرق امداداته .
لا يجب أن نغفل عن الأخبار المتواترة عن الخلافات المتصاعدة بين جيش الأسد وشبيحته من جهة ، وبين الميليشيات ذات الولاء الإيراني من جهة أخرى، وهي المتحكمة بمجريات الأمور في مناطق النظام ، والكل يذكر أن إيران عملت على إستتباب ميليشيات طائفية مرتبطة بها وجعلت ولاءها لإيران وزودتها بكل أنواع السلاح ، مما تسبب بمشاكل، وخلافات كثيرة بين الشبيحة «العلويين» والميليشيات «الشبعية» .
روسيا تتخوف من التغول الإيراني في سوريا، وتحكمها بمفاصل الأمور هناك ، وتتخوف من سقوط الأسد بشكل سريع مما يفقدها نصيبها من الكعكة السورية لصالح إيران ، كذلك تتخوف من التقارب الإيراني الغربي الذي سيكون على حساب مصالحها ، فلم يكن هنالك بديل من التدخل المباشر للحفاظ على مصالحها ومكتسباتها في سوريا .
ربما يمكننا في هذا المقام أن نعتقد بأن التدخل الروسي المتسارع كان على خلفية انهيار حلفاء إيران في اليمن وهي حليف لروسيا بالتالي جاء التدخل بطلب من إيران للضغط على التحالف العربي في اليمن خاصة «السعودية « التي تتخذ موقفا حاسما من بقاء نظام الأسد وهو عكس الرغبة الروسية الداعمة لبقاء الأسد مهما كلف الأمر .
* . أم أن هدف التعزيزات الجوية التي ارسلتها روسيا لنظام الأسد تهدف لمنع قيام أي تحالف «جوي»عربي_ تركي ، وقطع الطريق على مثل هذا التوجه، مع أن هذا التفكير قد يعتبره البعض خاطئا ببساطة بأن تقوم الدول الحليفة للثوار السوريين بتزويدهم بأسلحة مضادة للطيران ، وهم يتمتعون بقوه عسكرية كبيرة على أرض الواقع .
بينما كانت الأوساط السياسية العربية، والدولية تترقب القمة بين الزعيمين «الملك سلمان بن عبد العزيز» والرئيس الامريكي «باراك أوباما» كانت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الصهيونية تنشر خبرا مفاده عن طائرات قتالية روسية ترابط في سوريا وتشارك في القتال، وأن روسيا في صدد إنشاء قاعدة جوية لها في الساحل السوري .
يبدو من المفيد جدا أن نذكر بدقة أن الاعلان عن التدخل الروسي الفاضح ،كان يواكبه استعدادات وحشود برية للتحالف العربي في اليمن ، ونذكر أيضا الهزيمة الحتمية للتحالف الإيراني الروسي وجماعة الحوثي وصالح في اليمن.
لو عطفنا الماضي على الحاضر لن نرى جديداً في الموقف الروسي ، التدخل الروسي موجود منذ زمن بعيد، ومازال الثوار السوريون يتحدثون عنه ويجدون له ما يثبته سواء بعد السيطرة على مراكز الدفاع الجوي في درعا، أو عن صور لمقاتلين روس يبثونها بأنفسهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي .
أما الموقف الأمريكي المعلن «القلق» من الدعم الروسي ، وعن الطلب من اليونان وهنغاريا ، برفض السماح للطائرات الروسية استخدام أجوائها ، لا يتعدى أن يكون موقفا إعلاميا ، ليس له ما يدعمه على وجه الحقيقة ، فلم تعلن أمريكا عن تقديم مضادات طيران للمعارضة السورية «المعتدلة « ولم تعلن عن اجراءات سياسية، وعسكرية حازمة للتصدي لهذا التغول الروسي والتطرف بدعم نظام الأسد ، الذي أسقط الرئيس «أوباما « شرعيته عشرات المرات، وهو موقف هزيل سئم العالم سماعه من أوباما وحاشيته .
لكن في المقابل، نلاحظ أن أوباما المتردد المتهرب دوماً من استحقاق دعم المعارضة السورية ، والمحرج من الضغوط التي تمارسها عليه المملكة العربية السعودية، قد وجد له ظهيرا في التدخل الروسي ومتنفساً ينقذه من هذا الحرج ، فمن غير المعقول أن يتحرك عسكرياً في سوريا ، ويفتح المجال واسعاً لحرب مدمرة مع روسيا .
ومن جهة أخرى أعلن الرئيس بوتين أن الدعم العسكري الروسي لجيش الأسد إنما هو لمواجهة الإرهاب ومن أجل الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، وهذا ما تردده الإدارة الأمريكية منذ سنتين على الأقل وهي التي حشدت تحالفا دوليا من أجل القضاء على تنظيم الدولة فمن غير المعقول أن ترفض المساعدة الروسية في الحرب عليها ، وهي كذلك تنقذ السيد «أوباما» من مأزقه بعد فشل ما سمي استراتيجية محاربة « تنظيم الدولة « التي لم يفهم أحد حتى الآن «ماهيته» ولا أحد يستطيع أن يرسم ملامح هذه الاستراتيجية الغامضة الفاشلة المستمرة بالفشل .
الإعلان الروسي الواضح في الدخول بهذه القوة، إلى جانب نظام «بشار الأسد» يشير بكل وضوح إلى أن نظام الأسد لم يعد موجودا الأمر الذي تطلب تدارك المسألة بسرعة التحرك .
ميسرة بكور
كاتب وباحث سياسي سوري
القدس العربي
“ملائكة” موسكو/ امين قمورية
موسكو حضرت بـ”ملائكتها” الديبلوماسية والسياسية في الازمة السورية منذ لحظة انطلاقها. الآن تحضر بجيشها وطائراتها وأسلحتها. العسكرة الروسية في سوريا تغير قواعد اللعبة. خطوة كهذه لا تندرج في السياق التكتيكي، انها نقلة استراتيجية.
باسم محاربة الارهاب تنتقل موسكو في بلاد الشام من السياسي الى العسكري. وتحت العنوان نفسه حضرت واشنطن في الازمة السورية. الاميركي لم يفعل في هذه الحرب سوى الاحتواء، بينما يتطلع الروسي الى كيّ الجذور. الاول خاضها بحلفاء خارجيين غير فاعلين لكل منهم حساباته الخاصة بعدما عزل الاسد عنها ولم يجد حليفاً محلياً مجدياً، بينما يخوضها الثاني الى جانب النظام الذي يريدها لإطالة عمره في الحكم والاستمرار في السلطة.
الحرب على الارهاب ليست نزهة صيفية. ورحلة الإياب الى المناطق التي خسرها النظام قد تكون أكثر كلفة على سوريا وأهلها من رحلة الخروج منها. وقبل وصول جيش النظام الى معاقل “داعش” لا بد من المرور في كانتونات المعارضات المسلحة الاخرى المصنفة معتدلة. فهل يغتنم الحلف الجديد حربه لإلغائها، مع ما يترتب على ذلك من ردود فعل متوقعة من “الاصدقاء”، أو لتطويعها قبل أي تسوية محتملة؟ في أي حال، إن بوتين على الارجح لن يذهب فيها بعيدا لانه يدرك ان ثمة من ينتظر موسكو عند المفترق لإغراقها في افغانستان جديدة.
لكن حضور روسياً عسكرياً يتجاوز الحرب على الارهاب الى ما هو أبعد. حضرت ليس فقط لمنع سقوط نظام الاسد المهدد، بل ايضا لبناء قاعدة ثابتة في هذا البلد والحفاظ على حضورها في الشرق الاوسط واعادة النظر في المعادلات الحالية القائمة فيه. فعندما ترتدي موسكو البزة العسكرية خارج حدودها ينشط الحوار الاستراتيجي مع واشنطن وهذا ما يحصل فعلاً، وان يكن البيت الأبيض يخفي عادة ما يبيّته. نجاح حوار كهذا قد يفضي الى تسويات او مبادلات في اكثر من جبهة مشتعلة من اوكرانيا الى ليبيا الى العراق. اكثر من ذلك، ان وجود هذه البزة على الارض السورية من شأنه ان يلجم لغة التهديد التركية والحسابات التوسعية، ويفرض قواعد اشتباك جديدة مع اسرائيل التي دخلت ايضا على خط التفاوض مع موسكو. حتى في صفوف الاصدقاء الباقين للاسد، سيكون الحضور القوي الروسي ميدانياً على حساب النفوذ المتمادي لـ”الصديق” الاقل قوة، اي الايراني، خصوصاً ان بوتين يشجع دوراً مصرياً بقيادة “صديقه” السيسي في سوريا لتوفير ضمانات عربية مفقودة.
أول تأثيرات المستجد الروسي سيكون في ما يسمى “سوريا المفيدة” الممتدة من الساحل الى دمشق، أي الجزء المحاذي للبنان، فهل في هذا البلد المتخبط بنفسه من يستعد لهذا التغيير الحاسم على الحدود؟
النهار
أميركا وروسيا..وهم اللعبة الثنائية “النظيفة”/ عبد الوهاب بدرخان
في العادة يتجنّب «بان كي مون» أي قول يمكن أن يُؤخذ على وسطيته، خصوصاً بين الدول الكبرى، لكن تعليقه على الشحنات اليومية من السلاح الروسي إلى سوريا كان لافتاً، إذ قال إن «هذا يمكن أن يفاقم الوضع.. ولا حلّ عسكرياً». فالأمين العام للأمم المتحدة اعتبر أن المزيد من الأسلحة لمصلحة النظام السوري يعني أن النشاط الروسي موجّه أولاً ضد معارضي النظام، وهذا يتناقض مع الوساطة الروسية من أجل «حل سياسي» للصراع، فيما دأب المسؤولون الروس على تأكيد أن وجهتهم الرئيسية هي محاربة تنظيم «داعش»، لكن من خارج «التحالف الدولي» الذي كان استبعدهم أساساً لسببين:
أولاً: وقوفهم إلى جانب النظام المتهم باجتذاب «داعش». وثانياً: وقوفهم إلى جانب المتمرّدين في شرق أوكرانيا وإدارتهم حرباً أهلية هدفها تقسيم هذا البلد.
الولايات المتحدة أُربكت بالتحرك الروسي، وإذا كانت فوجئت به فعلاً فهذا يقترح أن ثمة تقصيراً استخبارياً لديها، وإذا كانت علمت به ولم تثره فهي قد تأخرت الآن. المفارقة أن الدور الروسي الجديد لم يبدأ الأسبوع الماضي، مع ذيوع الأنباء الأولى عنه، بل إنه بلغ مرحلة متقدمة جداً. ما يعني أنه عندما اجتمع وزيرا الخارجية مراراً في الفترة الأخيرة للتفاهم مجدداً على إطار لـ «الحل السياسي»، كان الروس ينجزون نقلتهم المريبة على شطرنج الأزمة السورية في غفلة من الأميركيين. والواقع أن المراقبين مضطرون للأخذ بفرضية «المباغتة» التي أوحت بها واشنطن، وذلك لسببين على الأقل: أولهما: بدء تسريب المعلومات عن النشاط الروسي مع الإعلان عن اتصال جون كيري بنظيره سيرجي لافروف للاستفهام عما يجري وعن الأهداف. وثانياً: أن العناصر الأولية التي نقلها الجانب الأميركي عن الروسي كانت بدائية ومضللة من قبيل أن الأمر يتعلق فقط بشحنات عسكرية اعتادت موسكو تقديمها لنظام دمشق بناء على اتفاقات «بين الحكومتين».
لكن سيل التسريبات لم يتوقف، وإذا به خلال أيام يرسم صورة مناقضة تماماً للإيحاءات الأولى، وأصبح العالم يعرف أن روسيا طوّرت «قاعدة جوية» في اللاذقية، وتعمل على تطوير قاعدتها البحرية في طرطوس، وتبني مواطئ قدم في أكثر من منطقة، وتنقل طائرات ومروحيات وأسلحة نوعية، وقدّمت مئات الطلبات للتحليق في الدول الواقعة على خط طائراتها نحو سوريا قبل أن تكتفي باستخدام أجواء إيران والعراق… أي أن المعادلة على الأرض تغيّرت كلياً، والأرجح أنها ستقود إلى تغييرات في المعادلات الخارجية، مع تموضع روسي مفتوح على الهدفين معاً: ضرب المعارضة لتحصين النظام، وضرب «داعش» لإعادة تأهيل النظام. هذا يؤثر استطراداً في «الحل السياسي» إذا كان لا يزال مزمعاً حقاً. وفي نهاية المطاف، هذا يغيّر قواعد اللعبة كما أدارتها الولايات المتحدة طوال الأعوام الخمسة الماضية.
كررت واشنطن أن التحرك الروسي قد يؤدي إلى تصعيد النزاع، وترجمة ذلك عادةً أنها ستضطر بدورها إلى تغيير سياستها. فالوضع هنا يشبه إلى حد كبير معظم المواجهات التي حصلت خلال الحرب الباردة، وهذه ليست المرّة الأولى التي يحرجها فيها فلاديمير بوتين بنهجه المستوحى من تلك الحقبة، لكن المستفيد جداً من تردد الإدارة الأميركية ومن الثغرات والغوامض الكثيرة في سياستها، مكرراً ما فعله في أوكرانيا مع فارق أن الصراع السوري يبدو مريحاً أكثر لروسيا، كونها تعمل بطلب من «حكومة شرعية» لمساعدتها على التصدّي للإرهاب الذي تشكّل «تحالف دولي» بقيادة أميركا لمحاربته مع استبعاد روسيا ونظام دمشق وإيران.
هناك تحليلات كثيرة لا يصدّق أصحابها، أن باراك أوباما يمكن أن يذهب إلى مواجهة مع روسيا خلال سنته الأخيرة في البيت الأبيض. لا شك أنه في صدد الرضوخ للأمر الواقع الروسي في سوريا، ما سيعرّضه لانتقادات قاسية داخل أميركا، وسينعكس سلباً على مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسيات المقبلة. والأهم أن مجمل التصوّر الاستراتيجي لأوباما يبدو معطوباً حالياً، لأن الدور الروسي في سوريا لا يطرح تحدياً لأميركا في الحرب على الإرهاب، بل يدعوها إلى التنسيق العسكري، وإلا فإنه مقبل على تغيير مسار هذه الحرب بتشكيل تحالف آخر (روسيا وإيران وسوريا النظام). كانت إدارة أوباما فرضت قيوداً على خيارات مجموعة «أصدقاء سوريا» يوم لم يكن هناك تدخل روسي مباشر، وأملت في لعبة ثنائية «نظيفة» مع روسيا، لكن هذه الأخيرة خذلتها المرّة تلو الأخرى.
الاتحاد
روسيا وإيران.. والتراخي الأميركي في سوريا/ خير الله خير الله
كلّما مرّ الوقت، يتبين أن التدخل الروسي في سوريا يطرح مزيدا من الأسئلة التي لا أجوبة عنها، أقله في المدى المنظور. هناك كلام لوزير الخارجية في النظام السوري وليد المعلم يوحي بأن بشار الأسد يمكن أن يطلب من موسكو إرسال جنود إلى سوريا. هذا الكلام الصادر عن المعلم غير دقيق، على الرغم من أنّه يترافق مع تأكيد ناطق باسم الكرملين لوجود رغبة روسية في إرسال قوات إلى الأراضي السورية.
يفتقد كلام المعلم الدقة لسبب بسيط عائد إلى أن هناك قوات روسية في سوريا، خصوصا في منطقة الساحل. القوات موجودة في اللاذقية ومحيطها تحديدا، وفي طرطوس أيضا. يبلغ عدد الجنود الروس، الآن، نحو ألفين وهم يساعدون الميليشيات التابعة للنظام في منع سقوط المنطقة العلوية، التي تظن روسيا أنّ في استطاعتها وضعها تحت وصايتها، سواء بقي بشّار الأسد أو رحل.
لم يكن لروسيا أن تزيد حجم تدخلها في سوريا، مع الإصرار على جعله علنيا، لولا شعورها في الأسابيع القليلة الماضية أن مصير الأسد الابن صار مطروحا بشكل جدّي. لذلك كان عليها طمأنته بوضعه في ضوء رغبة الرئيس فلاديمير بوتين في استغلال الأسد الابن إلى أبعد حدود ممكنة… أي أنّه يريد عصره حتى آخر نقطة.
لم يعد رئيس النظام يسيطر على شيء في سوريا، خصوصا أن لدى الإيرانيين وأداتهم المسماة “حزب الله”، الذي ليس سوى ميليشيا مذهبية لبنانية تابعة لـ“الحرس الثوري” الإيراني، حسابات خاصة بهم.
تقوم هذه الحسابات على الاستيلاء على أكبر مساحة من الأراضي والعقارات في دمشق ومحيطها… وصولا إلى الزبداني والغوطتيْن، على أن يكون هناك انتقال لسكان القرى الشيعية القريبة من حلب وإدلب إلى العاصمة ومحيطها. هذا لا يعني، أقلّه إلى الآن، أن هناك تضاربا في المواقف بين طهران وموسكو. على العكس من ذلك، يبدو أن هناك توزيعا للأدوار بينهما في وقت بات جزء من الأراضي السورية منطقة نفوذ تركية عاصمتها حلب.
ليس سرّا أن من بين الأسباب التي أدّت إلى وقف “جبهة النصرة” تمددها في اتجاه قرى علـوية لا تبعد كثيرا عـن القرداحة وجود ضغوط تركية على الجبهة. هذه الضغوط عائدة أساسا إلى أنّ الأولويات التركية تندرج في سياق حسابات معقّدة. تأخذ هذه الحسابات في الاعتبار مستقبل العلاقة مع العلويين في سوريا من جهة، والمواجهة المفتوحة بين أنقرة والأكراد من جهة أخرى.
كذلك، لم يعد سرّا أن الإدارة الأميركية حائرة من أمرها. لا تشبه إدارة باراك أوباما سوى إدارة جيمي كارتر الذي امتحنته إيران أواخر سبعينات القرن الماضي، واكتشفت أنّ لا وجود لديه لأي نيّة في مواجهة من أي نوع كان… مع أيّ طرف كان.
بوتين، بدوره امتحن أوباما وتأكّد له أنّ في استطاعته الذهاب بعيدا في تحدّيه، أو احتوائه، سواء أكان ذلك في أوكرانيا أو في سوريا. أمّا إيران، فهي تعتبر أنّ الاتفاق في شأن ملفّها النووي مع مجموعة الخمسة زائدا واحدا، هو الإنجاز الوحيد لإدارة أوباما. إنّه في الواقع إنجاز إيراني لا أكثر. إنّه إنجاز إيراني صار موضع فخر لدى الإدارة الأميركية!
ليس لدى أي سوري أي وهم في شأن ما إذا كان أوباما على استعداد لتحدي إيران في سوريا، وحتّى في لبنان، وذلك حرصا على الاتفاق المتعلّق بالملفّ النووي الذي يبدو الرئيس الأميركي مستعدا لحمايته برموش العين…
ثمّة بديهيات غريبة، يبدو أنّ الإدارة الأميركية باتت تلتزمها. في مقدّمتها الاستعداد لمراعاة إيران وروسيا إلى الحدّ الأقصى في سوريا. هناك اعتراف أميركي بأنّ سوريا منطقة نفوذ إيرانية ـ روسية ـ تركية. هذا ما يفسّر، إلى حد كبير، التراجع الأميركي عن أيّ رد فعل في أغسطس من عام 2013، عندما استخدم بشّار الأسد السلاح الكيميـائي في الحرب التي يشنّها على شعبه.
استطاع فلاديمير بوتين، الذي كتب، وقتذاك، مقالا في “نيويورك تايمز” يدعو فيه أوباما إلى التعقّل والتركيز على مواجهة الإرهاب، منع توجيه ضربة إلى النظام السوري تشلّ في أقلّ تقدير مطاراته.
قبل الرئيس الأميركي، الذي كان يعتبر السلاح الكيميائي “خطا أحمر” ويشدّد على رحيل الأسد الأبن، استخدام البراميل المتفجرة في قتل السوريين. رفع أوباما شعار “لا للسلاح الكيميائي… نعم للبراميل المتفجّرة”. مرّر الرئيس الروسي على أوباما ما يريد تمريره، كذلك فعلت إيران التي اكتشفت، أخيرا، مدى صعوبة تشييع العلويين في سوريا وغير سوريا.
ما نشهده حاليا هو بحث في كيفية التنسيق من أجل مواجهة “داعش” وذلك من أجل ضمان بقاء الإدارة الأميركية في مركب واحد مع الروسي والإيراني، والذهاب إلى النهاية في لعبة تقاسم النفوذ في سوريا. صار هذا الأمر قابلا للتحقيق، خصوصا أنّه لم يعد يوجد في موسكو وطهران من يحمل كلام أوباما على محمل الجدّ منذ تراجع عن توجيه ضربة إلى النظام السوري.
سيرحل الأسد الابن. سيرحل عاجلا أم آجلا، حتّى لو كان يعتقد أن الكرملين لا يمكن أن يتخلى عنه يوما. سيذهب الرئيس الروسي بعيدا في مغامرته السورية، كذلك ستفعل إيران، خصوصا أنّ ليس في واشنطن من يريد الاعتراف بالدور الذي لعبه النظام السوري في نشوء داعش وتمدّده. ليس في واشنطن من يريد العودة قليلا إلى الخلف للتأكد من أنّ بشار وداعش وجهان لعملة واحدة، وأن الحرب على النظام السوري، بهدف الانتهاء منه، جزء لا يتجزّأ من الحرب على الإرهاب.
هذا التراخي الأميركي الذي يعكس تفهّما للمصالح الروسية في سوريا، خصوصا لجهة منع تمرير أنابيب الغاز الخليجي في أراضيها، أدّى إلى نتائج سلبية تهدّد الاستقرار الإقليمي.
في غياب الدور الذي يفترض أن تلعبه القوة العظمى الوحيدة في العالم، لا يعود مستغربا استمرار عملية تقسيم سوريا وتفتيتها. ليس مستغربا أيضا ما تفعله إيران في لبنان حيث شلل حكومي وحراك شعبي لا يستفيد منه سوى “حزب الله” الذي يصرّ على تعديل اتفاق الطائف وإحلال “المثالثة” مكان “المناصفة” بين المسلمين والمسيحيين، وتكريس سلاحه المذهبي سلاحا شرعيا، بل أكثر شرعية من سلاح الدولة اللبنانية.
في ظلّ التراخي الأميركي، أيضا وأيضا، ليس مستغربا ما تقوم به إسرائيل في القدس حيث تحاول تغيير وضع المسجد الأقصى وفتح حرمه أمام المتطرّفين اليهود أيضا.
لم يعد هناك من شيء مستغرب في الشرق الأوسط منذ الزلزال العراقي الذي افتعلته إدارة جورج بوش الابن في العام 2003 ومنذ قرّرت إدارة أوباما الاكتفاء بالتفرّج على ترددات هذا الزلزال، وهي ترددات ليس ما يشير إلى أنّها ستهدأ قريبا.
* نقلا عن “العرب”
الدب الروسي في سوريا/ ماجد كيالي
فجأة باتت روسيا، وعلى لسان رئيسها فلاديمـير بوتين، ووزيري خارجيتها ودفاعها، تتحدث عن استعدادها للقيام بدور عسكري مباشر لها في سوريا، بحجة محاربة تنظيم داعش، والجماعات المحسوبة على منظمة “القـاعدة”، بعـد أن كانت اشتغلت طـوال خمسة أعـوام على دعم النظام السوري، سياسيـا وعسكـريا واقتصاديا، في جهده المستميت لوأد ثورة السوريين.
أيضا، معلوم أن روسيا بذلت جهدا كبيرا، وعلى كافة الأصعدة، في تشويه مطالب السوريين، وطمس توقهم إلى الحرية والكرامة، بادعاء أن ما يجري بمثابة حرب أهلية طائفية ودينية، وأن الجماعات الإرهابية هي المتسببة فيها، بل إنها لم تدخر جهدا للتأثير على جماعات المعارضة، وخلق البلبلة في أوساطها، فضلا عن حؤولها صدور أي قرار من مجلس الأمن الدولي يجبر النظام على وقف القتل والقصف، ويأتي ضمن ذلك إصرارها على تفسيرها الخاص لبيان جنيف 1 (عام 2012)، القاضي بإنشاء هيئة حكم انتقالية في سوريا، بكامل الصلاحيات التنفيذية، بادعائها أن ذلك لا يشمل رحيل الأسد.
من كل ذلك تبدو روسيا بمثابة شريك أساسي للنظام في كل ما يحصل في البلد، من تقتيل وتخريب وتشريد، لكن في سياق المقارنة بينها وبين إيران، يبدو من الصعب تحديد من هو الشريك أو المسؤول الأول ومن الثاني، أو من الذي يقرر توجيه دفة الأحداث، ويملي على النظام سياساته، روسيا أم إيران؟
الآن، وبغض النظر عن هذه الحيثية، مع أنها مهمة جدا، بالنسبة إلى معرفة مكانة حليفيْ النظام، إيران وسوريا، وتباين ما يريده كل منهما من سوريا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه، هو لماذا تتدخل روسيا إلى هذه الدرجة؟ أو ما هي مصلحتها في ذلك؟ وهل هذا سيخدمها حقا أو يعزز مكانتها في الصراعات الدولية، سيما في التنافس مع الولايات المتحدة؟
في محاولة الإجابة على هكذا أسئلة يذهب البعض إلى الحديث عن قاعدة طرطوس البحرية، وأهميتها للأسطول الروسي في البحر الأبيض المتوسط، وثمة من يحيل الأمر إلى العوائد الاقتصادية في العلاقة بين روسيا وسوريا، بل إن الخيال يذهب بالبعض حد الحديث عن وجود حقول غاز مهمة قبالة الساحل السوري، وطبعا ثمة من يفسر ذلك بدعوى رد فلاديمير بوتين على ما جرى في أوكرانيا.
ومن دون بخس كل هذه الإجابات حقها، أو حصتها من الحقيقة، فإن السبب الأكثر ترجيحا يعود إلى طبيعة النظام الروسي، في ظل “القيصر” بوتين، فهذا النظام يجد في النظام السوري مثيلا له، والأهم أن الرئيس الروسي يريد أن يثبت شيئاً لذاته، ولشعبه. وتفسير ذلـك أننا في حالة روسيا، أيضا، إزاء نظام استبدادي مافيوي، يتحكم فيه بوتين في كل صغيرة وكبيرة، ويفرض هيمنته على الشعوب الروسية بقوة الجيش والأجهزة الأمنية، مع السيطرة الحديدية على الموارد والاقتصاد وعلى وسائل الإعلام والتعليم. المهم أنه بسبب من كل ذلك لا أحد في روسيا يستطيع أن يسأل بوتين، ماذا يفعل، ولا إلى أين يأخذ روسيا، أو ما هو ثمن ذلك، أو ما تداعياته على روسيا واقتصادها وأمنها.
وعلى الأرجح فإن حركة روسيا – بوتين باتجاه سوريا ليست مدروسة، ولا تتقصد تحدي الإدارة الأميركية، لاسيما مع هذا الإصرار الروسي على استدراج اجتماع قمة بين الرئيسيْن بوتين وأوباما في نيويورك، أواخر هذا الشهر، ومع تكرار الحديث عن حرص روسيا على التنسيق مع الولايات المتحدة في الحرب ضد “داعش” وأخواتها.
في غضون ذلك، وفي ما يتعلق بحدود الخطوة الروسية، ربما يجدر الانتباه إلى أربع مسائل.
الأولى، أن الولايات المتحدة الأميركية تكاد تكون مستنكفة عن التدخل في الرمال المتحركة للشرق الأوسط، وأن هذا الاستنكاف، بالذات، هو الذي يشجع روسيا – بوتين على إبداء الجرأة على ملء الفراغ؛ بمعنى أن الأمر منوط بالهامش المتاح أميركيا لروسيا.
والثانية، أن الولايات المتحدة في هذه السياسة ربما تتوخى إغراق روسيا، أو توريطها، في المستنقع السوري، في تكرار للتجربة الأفغانية (وربما أنها تتعمد ذات الشيء مع إيران).
والثالثة، أن التورط الروسي في سوريا سيحمّلُ الاقتصاد الروسي أعباء كثيرة، في ظرف تتراجع فيه موارد روسيا المالية مع هبوط أسعار النفط، ما يوقعها في مشكلات كبيرة تذكّر بواقعة انهيار الاتحاد السوفياتي السابق.
والرابعة، أن روسيا غير قادرة على تحدي الولايات المتحدة، لا اقتصاديا ولا تكنولوجيا، ولا عسكريا، بدليل أن روسيا، ذاتها، تشكو من بعض أشكال الحظر الذي تفرضه الولايات المتحدة عليها.
القصد أن روسيا – بوتين يمكن أن تقوم بأشياء كثيرة في ظل غياب أو انكفاء الولايات المتحدة، ولكن ما هي عواقب ذلك؟ وإلى متى؟
* نقلا عن “العرب”
أسئلة التصعيد الروسي في سورية/ أكرم البني
… وأصل الحكاية ما أكدته دمشق وموسكو عن تعزيز الحضور العسكري الروسي في سورية، وحيثياتها زيادة دعم النظام بالخبراء والأسلحة الحديثة، وربما بقوات برية إن اقتضت الحاجة، والعنوان حماية الدولة السورية ومواجهة تمدّد «داعش» وأخواته من الجماعات الإسلاموية المتشدّدة.
والحال هذه، هل يصحّ اعتبار هذا التصعيد فخاً استجرت إليه قيادة الكرملين لاستنزاف قواها وتهمــــيش مكانتها، أسوة بما حصل في أفغانستان؟! أم هو خيار مجدٍ يقوي أوراقها ودورها في الصراع السوري، ويحسّن شروطها التنافسية مع الغرب في ساحات أخرى؟!.
صحيح أن التوقيت يرتبط بوقف التدهور الحاصل في مواقع النظام، وقد باتت المساحات التي يسيطر عليها في انحسار مستمر، ولتمكينه عملياً من رد تقدم «جيش الفتح» نحو مناطق حساسة كالغاب والساحل، وردع «جيش الإسلام» الذي تجاوز معاقله في دوما والغوطة الشرقية، واستولى على مواقع مهمة تهدّد قلب العاصمة دمشق! لكن، ألا يرتبط أساساً بمصالح وحسابات استراتيجية، وربما بهدف مزدوج يندر الحديث عنه، مرة لضمان استثمار ثروات النفط والغاز الكامنة في حقول بحرية قريبة من الشاطئ السوري، ومرة ثانية لقطع الطريق على مشروع مد أنابيب الغاز القطري عبر الأراضي السورية، ما يحرر البلدان الأوروبية من حاجتها الى الغاز الروسي واشتراطاته؟! ثم، لمَ لا يكون الدافع لجم طموحات أنقرة التي بدأ لعابها يسيل لفرض منطقة آمنة تشرع نفوذها في الشمال والشرق السوريين ثمناً لمشاركتها في توجيه ضربات جوية ضد تنظيم «داعش»؟! وأيضاً، لمَ لا يُنظر إلى الأمر من زاوية أن روسيا هي أكثر المتضررين من تنامي وزن الجهاديين في سورية، وأنها أكثر من يتحسّب من تمدّدهم في حال سقوط النظام، ومن تداعيات تعاطف مسلمي القفقاس والبلدان المحيطة بها معهم، بخاصة أن آخر التقارير يشير إلى وجود ما يقارب ثلاثة آلاف متشدّد من أصول روسية يقاتلون في صفوف «النصرة» و «داعش»! والقصد، لمَ لا يفسَّر الحضور العسكري الروسي المباشر في سورية، كتمهيد لإقامة خط دفاع متقدّم في وجه المتطرفين الإسلامويين، يقيها أذاهم وخطرهم المباشر ويحصر المعركة معهم في سورية والعراق كما صنعت أميركا وحلفاؤها؟!.
من جهة أخرى، هل تعارض واشنطن فعلاً هذا التصعيد؟! ولمَ علينا أن نأخذ بجدية تصريحات أميركية تبدي رفضها وقلقها؟! أليس البيت الأبيض هو من حضّ ويحضّ قيادة الكرملين على لعب دور أقوى فـــي ســـورية؟! وماذا تفسر تصريحات غير مسؤول أميركي عن بدء التنسيق العسكري مع روسيا لتجنّب الاشتباك في الأجواء السورية، ثم دعوة بعضهم لضمّ موسكو إلى التحالف الدولي بعد عام ونيف من عجز ضرباته عن النيل من تنظيم «داعش»؟! ألا يشير ذلك الى احتمال تقدّم توافق خفي بينهما وربما تقاسم للأدوار، قد يصل إلى إطلاق يد الكرملين في الملــف السوري بما يسهل تطويقه والتحكّم بسبل معالجته، ويحاصر الدور الإيراني المستند الى حسابات ومصالح لا تريح أميركا وحلفاءها؟! ثم، مَن غير موسـكو يمكنه نيل ثقة البيت الأبيض في مواجهة التشدّد الإسلاموي، وفي لجم أي تحوّل خطير في الصراع السوري يضرّ بأمن المنطقة مع قرب انشغاله بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية؟! ولمَ لا نرى ما يجري من مغازلة واستقواء بتبدّل مواقف بعض العواصم الغربية من النظام السوري، وميلها الى تأجيل إسقاطه والتعاون معه، وإن موقتاً، في مواجهة تصاعد الإرهاب الجهادي؟!.
ثمة من ينساق وراء فكرة تقول أن ثمة صراعاً خفياً يتنامى بين طهران وموسكو نتيجة تضارب مصالحهما في سورية بعد توقيع الاتفاق النووي، وأن التصعيد الروسي يأتي لاعتراض احتمال عقد صفقة بين إيران والغرب حول سورية، قد تخرج موسكو من المولد بلا حمص! لكن، لم ننسَ أن روسيا هي أكثر المستفيدين، سياسياً واقتصادياً، من توقيع الاتفاق النووي ومن انفتاح طهران على المجتمع الدولي، بدليل حماستها الشديدة لإزاحة آخر العقبات الحائلة دون توقيع الاتفاق؟!
وأيضاً، لمَ لا تكون إيران أكثر المستفيدين من التصعيد الروسي، ما دام يخفّف الأعباء عنها، وينقذ حليفهما، ويضمن استمرار نفوذها المشرقي وتواصلها مع حليفها اللبناني، ويمنحها فرصة تحتاجها، لالتقاط أنفاسها والالتفات الى معالجة أزماتها الداخلية؟!
ومع انهماك السوريين بمعاناتهم الشديدة، ثمة أسئلة تشغل بالهم وتقلقهم، هل سيقرب التصعيد العسكري الروسي موعد الحل السياسي أم يفتح الباب على مزيد من العنف والعنف المضاد وما يخلّفه من ضحايا وخراب؟! وهل تتمكن موسكو، عبر زيادة دعمها لنظام ضعيف، من الإمساك بمفاتيحه العسكرية والأمنية وتطويع مواقفه بما ينسجم مع الاستحقاقات السياسية المرتقبة، أم قد يعزز ذلك تشدّد النظام وأوهامه عن الخيار العسكري وإصراره على عدم تقديم أي تنازلات حقيقية، إن في مؤتمرات موسكو أو جنيف؟!.
واستدراكاً، هل يفضي التصعيد الروســـي إلى الحفاظ على وحدة الأرض السورية وعلى الدولة ومؤسساتها المدنية كما يعلن، أم ستسيــر الأوضـــاع في طريق التقسيم منذرة بتشكيل ما يسمى ســــورية المفيدة الكفيلة بحماية مصالح روسيا ونفوذها شرقي الــمــتوسط؟! بمعنى آخر، هل يغدو هــــذا التطور منعـطفاً خطيراً في مسار الصــراع السوري، يعمق الاصطفافات والتــخندقات، أم يستخدم كأداة ضاغطة لإقناع الجميع بإلحاح الحل السياسي، بخاصة وقد بدأ يلوح لدى المعارضة المسلّحة وحلفائها، ميل نحو الحسم العسكري وتوهّم القدرة على إسقاط النظام وتحقيق نصر سريع، ربطاً بنجاحاتها الأخيرة؟!.
يبدو أن التاريخ يجتر اليوم مشهداً قديماً من الصراع على سورية، حين كانت مرتعاً للتنافس بين الطامعين الإقليميين والدوليين على حساب حيوات أبنائها وثرواتهم واجتماعهم الوطني، فهل ثمة ما يدعو الى الأسى والحزن أكثر من وصول هذا البلد الى ما وصل إليه من خراب وتفكّك، وأن تغدو معاناة أهله وتضحياتهم ومصائر أجيالهم رهينة للمنازعات والتوافقات الخارجية؟!.
كاتب سوري.
إنها سورية أم أوكرانيا؟/ وليد شقير
تستعد الأمم المتحدة لاستضافة أهم الاجتماعات الدولية التي قد تجعل من حدث الجمعية العمومية للدول الأعضاء فيها مناسبة مهمة هذه السنة، على غير عادتها في السنوات الماضية حيث كان الملل لا يلبث أن يتسلل إليها، فضلاً عن الرتابة التي تحكّمت بأعمالها بعد غياب القادة الكبار الذين شغلوا العالم في أواخر القرن الماضي.
قد يضفي العيد السبعون لتأسيس المنظمة الدولية بعض الأهمية على اجتماعاتها. كذلك إلقاء البابا فرنسيس خطاباً فيها، والإعلان المرتقب عن طموح برنامجها للتنمية المستدامة وإزالة الفقر، للعام 2030. وقد تشهد حدثاً رمزياً وعاطفياً للعرب ومؤيدي القضية الفلسطينية برفع علم فلسطين عند مدخل مبناها. إلا أن القضية الأهم التي تؤرّق الغرب وبعض الدول العربية والآسيوية هي مشكلة تدفّق اللاجئين إلى العديد من الدول، التي فاقمتها الحروب العربية وجعلت من النازحين السوريين الجسم الأكبر من هؤلاء اللاجئين، فيما تتخبّط دول أوروبا بخلافاتها في معالجتها.
وإذا كان استمرار الحرب السورية مصدر تضخم لمشكلة اللاجئين إلى أوروبا، فإن أبرز الاجتماعات التي يمكن أن ترفع من أهمية الجمعية العمومية هو لقاء رئيسي أميركا باراك أوباما وروسيا فلاديمير بوتين، بعد مجاهرة الكرملين بتسليح نوعي لنظام بشار الأسد وزيادة تواجده العسكري على الأرض السورية لحماية الخبراء ومواقعهم. فالتحرّك الروسي يساهم حتماً في إطالة أمد الأزمة في بلاد الشام ويضيف على أسباب التوتّر الدولي عنصراً جديداً لا يسهّل البحث في خفضه بسبب الأزمة في أوكرانيا والعقوبات الغربية الضاغطة بشدة على موسكو.
وثمة اعتقاد بأنه سواء حصل اللقاء أم لم يحصل، فإن ما يمكن التعويل عليه من تفاهمات بين الدولتين حول الأزمات الدولية المتعددة ليس كثيراً.
إلا أن حصول اللقاء يخفّف من وطأة الصراع المتصاعد بين الجانبين، لأن أياًّ منهما ليس في وارد التصادم المباشر، مكتفياً بالمواجهة بالواسطة التي يخوضها مع الآخر في العديد من الميادين من أوروبا الشرقية إلى الشرق الأوسط. وتبقى الحجّة الروسيّة لتصعيد موقفها في سورية، أي محاربة «داعش»، نقطة تقاطع مع واشنطن والدول الغربية. فنموّ التطرّف الإسلامي في الشرق الأوسط القريب جغرافياً من الاتحاد الروسي، واشتراك مسلمين روس مع «داعش» في الحرب القذرة، باتا يهددان بانتقال هؤلاء إلى الأراضي الروسية. وقلق موسكو الفعلي من هذا الاحتمال دفع بوتين إلى افتتاح المسجد الكبير في العاصمة الروسية بحضور رمزين إسلاميين لافتين لهما تأثيرهما في الرأي العام الإسلامي، هما الرئيسان الفلسطيني محمود عباس والتركي رجب طيب أردوغان.
لكن عباس وأردوغان وأوباما والأوروبيين يدركون جيداً أن ما يقوم به بوتين في سورية يتعدّى المصلحة المشتركة في مكافحة «داعش» والتطرّف الإسلامي، ويتجاوز ادّعاء الحرص على بقاء بشار الأسد في السلطة في أيّ حلٍ سياسي. فموسكو تمسك بالورقة السورية، من أجل تحقيق هدفين: الأول يتعلق بالاحتفاظ بنفوذها على المتوسط عبر القاعدة البحرية في طرطوس سواء بقي النظام السوري، أو تغيّر وتغيّرت معه سورية نفسها أو تقسّمت، فيحمي هو المنطقة الساحلية، والثاني هو اعتماد هذه الورقة للمقايضة في مواجهة الضغوط المتزايدة على موسكو بفعل الأزمة الأوكرانية. وإذا كان الغرب لا يمانع في تواجد روسي على المتوسط، فإن دوله لم تبدّل موقفها من ضمّ موسكو القرم في أوكرانيا وتدخّلها فيها، ومنعها الدول التي تدور في فلكها الجغرافي من الاستدارة نحو أوروبا الغربية.
يصعب توقع نتائج من أي اجتماع بين بوتين وأوباما حول التأزم الأخير في سورية، طالما المواقف متباعدة حول أوكرانيا. والدليل أن الزعيمين يتجهان إلى ما يشبه تنظيم الاختلاف بحجة تجنّب الصدام المباشر في بلاد الشام أو عبر التفاهم على محاربة «داعش»، من دون أي تقارب حول الحلول في سورية. إنه تنظيم للتدخّلات في بلاد الشام التي أصبحت مسرحاً دولياً وإقليمياً مشرّع الأبواب، وصولاً إلى اتفاق موسكو مع تل أبيب على التعاون لتجنّب «حوادث الطرق» في الأجواء السورية نتيجة تدخلات الطيران الإسرائيلي والآن الطيران الروسي المرتقب أن يزداد نشاطه.
أما قصّة السعي إلى حلول سياسية مع الإصرار على وجود الأسد في المرحلة الانتقالية، فإنه آخر هموم موسكو على رغم تأكيداتها العلنية في هذا الشأن. فتصعيد تدخّلها في سورية هو إلغاء للأسد نفسه الذي كانت تدّعي الاستناد إلى شعبيته لتبرير سياستها حيال المعارضة السورية، فإذا به يتحوّل إلى ببغاء يكرّر ما يصرّح به المسؤولون الروس.
ما زال الطريق طويلاً أمام أي تفاهم روسيّ – أميركيّ حول سورية، طالما الخلاف حول تقاسم أوروبا باقٍ. ولربما سيكون لقاء أوباما مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، إذا حصل، أكثر تشويقاً، حول أزمات غير سورية.
محاولات غربية لفهم أسباب التصعيد الروسي في سورية/ لندن ــ نواف التميمي
يطرح تطوّر الموقف الروسي المتسارع في سورية، الكثير من الأسئلة حول الدوافع الحقيقية لمبادرة موسكو، للإعلان بوضوح عن مشاركة عسكرية مباشرة في سورية، وإذا ما كان هذا الموقف مقتصراً على دعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحليفه التقليدي في دمشق، أم أن روسيا ترى في سورية ساحة أخرى، لاستعراض قوتها كلاعب فاعل على الساحة الدولية.
وتتساءل في هذا الصدد الباحثة في “المؤسسة الأوروبية للديمقراطية”، آنا بورشيفسكايا، في مقالٍ في مجلة “فورين بوليسي”، إذا ما كان لدى بوتين خطة لسورية. وترى أنه “ليس مجرد دعم (الرئيس السوري) بشار الأسد ما يقود تدخّل موسكو المتنامي في سورية، بل أن بقاء الأسد في السلطة أمر أساسي لخطة بوتين. كما عبّر عن ذلك صراحة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي أكد ذلك في شهر يوليو/ تموز الماضي. ومن المتوقع أن يكرر لافروف هذا الموقف في خطابه بالجمعية العامة للأمم المتحدة في وقت لاحق هذا الشهر.
تقول الباحثة التي تعمل كذلك في “معهد واشنطن لسياسات الشرق الاقصى”، أن “موسكو كانت الداعم الأقوى للأسد منذ مارس/آذار 2011، وقد دعمت نظام دمشق بالأسلحة والمستشارين، والقروض، والغطاء السياسي في مجلس الأمن الدولي، ولكن من الواضح أن هذا الدعم يتجه نحو المشاركة العسكرية المباشرة”.
وفي البحث عن الدوافع الحقيقية وراء التدخل المباشر لموسكو في سورية، ترى بورشيفسكايا أن “نجاح بوتين بإقناع العالم بأن لا غنى عن روسيا في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، سيساعده في إنهاء العزلة الدولية التي أعقبت ضمَّه لشبه جزيرة القرم، واكتساب الشرعية من خلال إعادة توجيه انتباه العالم، نحو ما وصفه الرئيس الروسي بالقتال ضد عدو أخطر، في معركة أكبر من الخلافات مع الغرب بشأن أوكرانيا”.
وتضيف الباحثة أن “الدافع الآخر يتمثل في خشية روسيا من سقوط نظام الأسد، الذي فقد الكثير من السيطرة على بقاع شاسعة من سورية، وهي خشية نابعة من حرص موسكو على مصالحها الاستراتيجية والثقافية والاقتصادية، إذ يُقدّر بأن الشركات الروسية استثمرت حوالى 20 مليار دولار خلال السنوات الماضية في سورية”.
وتتابع “بالتالي فإن التخلّي عن الأسد يترتّب عليه أيضاً التخلّي عن هذه الاستثمارات. كما أن روسيا لا ترى في الأفق أي إمكانية لقيام أي نظام في سورية يكون أقرب لها من نظام الأسد، حليف موسكو في العالم العربي لأكثر من 40 عاماً، وبوابة نفوذ الاتحاد السوفييتي السابق في الشرق الأوسط”.
وتكشف أنه “كما أن هناك أسباباً استراتيجية مقنعة لموسكو لدعم الأسد بشكل عاجل الآن، فسورية موطئ قدم مهم لروسيا في المنطقة، فهي تطلّ على البحر الأبيض المتوسط، وتجاور إسرائيل (فلسطين المحتلة)، لبنان، تركيا، الأردن، والعراق، وإذا ما نجح بوتين في تعزيز القوة البحرية الروسية فهذا يعني تعزيز فرص فوزه بفترة رئاسية ثالثة في عام 2018. أما سقوط الأسد فيعني فقدان القاعدة العسكرية الوحيدة لروسيا خارج حدود الاتحاد السوفييتي السابق. وقد سبق أن أعلن بوتين في سبتمبر/أيلول 2014، عن خطط لتعزيز وتطوير قدرات الأسطول الروسي في البحر الأسود، والحفاظ على قاعدة طرطوس في البحر الأبيض المتوسط”.
واعتبرت بورشيفسكايا أن “دعم الأسد يناسب خطط بوتين لاستعادة روسيا كقوة عظمى معارضة للغرب، لكنه يعزز أيضاً موقف الرئيس الروسي الداخلي، من خلال حشد المواطنين في مواجهة العدو الخارجي، لا سيما مع رفع شعار: الحرب على الإرهاب. وهو الشعار عينه الذي حقق لبوتين الكثير من التأييد الشعبي، بعد سلسلة التفجيرات التي وقعت في موسكو ومدن روسية أخرى في سبتمبر/أيلول 1999”.
وبالنظر الى الموقف الروسي في سورية وأوكرانيا وغيرهما من الملفات الدولية، ترى مجموعة من الباحثين في دراسة موسعة نشرها مركز الأبحاث البريطاني “تشاتم هاوس” بعنوان “التحديات الروسية”، أن “سياسات بوتين الجديدة، تُشكل محاولة انقلاب على التسوية الدولية لمرحلة ما بعد الحرب الباردة في أوروبا، وهو ما دعا العديد من الحكومات الغربية إلى إعادة تقييم سياساتها تجاه روسيا، لأن الاعتقاد الذي ساد الساحة الدولية منذ العام 2003، بأن روسيا الحديثة يُمكن استيعابها في النظام الدولي كلاعب إيجابي وبنّاء، تبدد الآن، وبات أغلب الظن أن روسيا بمسارها الحالي، لا يمكن أن تكون شريكاً أو حليفاً، وأن الخلافات بين روسيا والغرب باتت تفوق أي مصالح مشتركة”.
ويقدّر الباحثون أن “التهديدات المتزايدة من روسيا للنظام الدولي تشكل تحدياً للغرب ولروسيا نفسها، لذلك يتعيّن على الغرب وضع وتنفيذ استراتيجية واضحة ومتماسكة، قدر الإمكان، تجاه روسيا، تستند على تقييم أطلسي ـ أوروبي مشترك للواقع الروسي. وتهدف إلى ردع موسكو وكبح سياساتها، من دون عزل روسيا بشكل تام، بل مع إبقاء الباب مفتوحاً لإعادة التواصل مع الشعب الروسي ومؤسسات الدولة عندما تتغير الظروف في فترة ما بعد بوتين”.
ويرى الباحثون أن “على الغرب إيجاد سبل أفضل للتواصل مع الشعب الروسي ومؤسسات الدولة، لأن من مصلحتهم الوطنية على المدى الطويل أن تكون روسيا جزءاً من النظام الأوروبي، وليست قوة إقليمية معزولة. كما يجب الإبقاء على العقوبات ضد روسيا، وتحجيم نفوذها في أسواق الطاقة العالمية، وعدم تطبيع العلاقات مع موسكو إلى حين التوصل لتسوية مقبولة للصراع الأوكراني وامتثال روسيا لالتزاماتها الدولية”.
ويرى المشاركون في الدراسة أن “على الغرب تعزيز الشراكة مع شركاء الاتحاد الأوروبي من دول أوروبا الشرقية، ومساعدتها على تدعيم سيادتها والنهوض باقتصادياتها، مع ضرورة الحفاظ على مصداقية حلف شمال الأطلسي كرادع للعدوان الروسي، والتأكيد على أن الرد على أي حرب غامضة أو هجينة، لن يكون محدوداً بل سيكون قوياً”.
العربي الجديد
أهلا بالروس/ حسين عبد الحسين
الامبراطوريات لا تتعلم. لكل منها فيتنامها. الاتحاد السوفياتي عانى من المستنقع الافغاني وانسحب منه يجرجر أذيال الخيبة. الولايات المتحدة انفقت العقد الماضي وهي تجري نقدا ذاتيا حول “الغطرسة الامبريالية” وتعيد تشكيل رؤيتها للقوة العسكرية، وفاعليتها، ومدى قدرتها على تغيير الوقائع السياسية الى درجة دفعت الرئيس باراك أوباما الى الانكماش الكلي واستخدام القوة الأميركية من باب رفع العتب فقط.
وبين مستنقعي أميركا في فيتنام وروسيا في أفغانستان، وكارثة حرب العراق على الاميركيين، سقطت إسرائيل في فخ الغرور بقوتها، واعتقدت انه يمكنها استخدامها لفرض هندسة لبنان صديق، فاجتاحته في العام 1982، وخرجت منه مهزومة مرارا.
وبعدما أحرقت أميركا اصابعها في أفغانستان والعراق، فانكفأت وتركت النظام العالمي يدير نفسه، قفزت القوى الأصغر صاحبة الاحلام الإمبراطورية. إيران كانت السباقة واعتقدت ان غرور القوة، الذي ابتلى فيه الإسرائيليون في لبنان والأميركيون في العراق، لا يمكن ان يصيبهم. هكذا، سلطت طهران قوتها الميليشيوية على لبنان، أولا، ثم سوريا، فالعراق.
في كل من الدول الثلاثة، غرقت إيران، ولم يتمكن حلفاؤها، على الرغم من تفوقهم عسكريا واستخباراتيا وماليا، من فرض ارادتهم او هندسة أي من لبنان او سوريا او العراق على شكل “دولة المقاومة” التي ارادتها الجمهورية الإسلامية. في لبنان، كان لا بد من مخرج سياسي لاكتساح “حزب الله” لبنان في العام 2008، فكانت اتفاقية الدوحة، التي انقضت مفاعيلها مع حلول العام 2014، فعاد لبنان ليغرق في انقسامه السياسي وشلل دولته المميت.
وفي سوريا، حقق “حزب الله” والميليشيات الشيعية العراقية التابعة للإيرانيين نجاحات أولية، ثم ما لبثت ان اصطدمت هذه القوات بمحدودية القوة على التغيير، وغرقت في المستنقع نفسه والانقسام اللبناني.
وكما في لبنان وسوريا، حقق الحشد الشيعي التابع لطهران في العراق نجاحات أولية. ولكن مع مرور الوقت، استنفدت الميليشيات زخمها، وعلى الرغم من الدعم الجوي الأميركي، غرقت قوات الحكومة العراقية وإيران، فلم تستطع فك الحصار الذي يفرضه تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) على بلدة حديثة منذ عام، وبدا ان اقصى الطموح العراقي – الإيراني – الأميركي هو استعادة مدينة الرمادي، في وقت صارت استعادة الموصل تبدو عملية شبه مستحيلة.
وبعدما انكفأت القوة الإيرانية، وتوصل الأسد الى قناعة مفادها ان هدفه الحفاظ على الجيب الأقلوي الذي يسيطر عليه في وسط وشمال سورية الغربي، أطلت روسيا عسكريا لتفرض رؤية جديدة تقضي بقيادتها تحالفا ضد داعش بمشاركة الأسد. وراحت موسكو ترسل المقاتلات والدبابات والمستشارين.
الامبراطوريات لا تتعلم، وروسيا منها، فلا يبدو ان موسكو تعرف بالضبط ما الذي ستجنيه بتورطها عسكريا في سوريا. إذا كان انتزاع اعتراف أميركا وأوروبا ببقاء الأسد، فهذا أمر لا يحتاج الى مجهود روسيا العسكري، فالعواصم الغربية متمسكة بالأسد في الخفاء منذ فترة. اما إذا كانت روسيا تعتقد ان بإمكانها القضاء على داعش من الجو، فالأجدى بها الحديث الى أميركا حول انعدام فاعلية الضربات الجوية ضد ميليشيا مثل داعش يختلط مقاتلوها بالسكان.
يبقى ان موسكو قد تظن ان بإمكانها ان تبني قدرات قوات الأسد الأرضية، وتقدم له غطاء جويا، فتنجح الأخيرة باستعادة السيطرة على الأراضي السورية والعودة الى ما قبل 2011. لكن نظام الأسد لم يسيطر يوما على سوريا كليا، بل لطالما انحصرت سيطرته على المدن، مع توصله لترتيبات مع زعماء العشائر السورية من الرقة الى منبج فإدلب شمالا، ومن حوران جنوبا الى تدمر وريفي حمص وحماة في الوسط. ومنذ 2011، انقلب معظم زعماء العشائر على الأسد، فاقتصرت سيطرته على المدن في الجيب الذي يسيطر عليه، خصوصا بسبب معاناة الأسد وحلفائه من نقص في عدد الجنود مقارنة بمعارضيهم، الذين يتمتعون بأفضلية عددية واضحة.
إذا، غير التهويل، من غير المفهوم ما الذي ترجوه موسكو من ارسالها قواتها ذات الأسلحة الحديثة والبراقة الى سوريا. فالأزمة السورية شائكة ومعقدة، ولا نصر عسكرياً يمكن ان يحسمها. ربما كان الأفضل للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان يستشير من خال قبله انه يمكن لانتصاراته في القصير ويبرود ان تحسم الأمر، وان تحقق انتصارا كاسحا يعيد الأسد زعيما أوحد، وهي انتصارات تحققت عسكريا ولكنها لم تثمر سياسيا.
اقصى ما يمكن للقوة العسكرية الروسية تحقيقه في سوريا هو استيلاؤها على تلّة هنا او ممرّ استراتيجي هناك. عدا ذلك، من الأفضل للروس ان يتوقعوا انهم سيغرقون في مستنقع استمات الاميركيون للبقاء خارجه.
المدن
(الفهلوية) الروسية/ باسل العودات
أرسلت روسيا خلال هذا الشهر طائرات شحن عسكرية مُحمّلة بالعتاد العسكري والأسلحة المتطورة والذخائر، كما أرسلت خبراء وجنوداً من الجيش الأحمر (سابقاً)، وعدّلت مواصفات مطارين على الأقل في اللاذقية وطرطوس معاقل النظام لتستخدمهما كقاعدة جوية عسكرية، وأنشأت بنى تحتية لمبان تتسع للمئات من جنودها، وأرسلت طائرات حربية وحوامات متعددة الاستخدام لتملأهما، ونشّطت قاعدتها البحرية الصغيرة في طرطوس، و(تمخترت) سفنها الحربية في شرق المتوسط وقامت بمناورات لقوات البحرية.
تزامن التحرك الروسي مع تشديد القيادة الروسية على أنها ستستمر في نهجها الداعم للنظام السوري، وارتفعت نبرتها لتُهدد من يعترض على هذه الاستراتيجية، ولوّحت بأنها مستعدة لإرسال حفنة من جيشها لحماية الأسد شخصياً، وزادت عنجهيتها وتكبرها على المعارضة السورية وعلى كل مُعترض على النظام مهما صغُر شأن اعتراضه.
بالمقابل لم يصدر عن الولايات المتحدة أي اعتراض عملي، فكانت هناك احتجاجات وتخوفات وتحذيرات دبلوماسية، واعتراف بالفشل، الفشل في بناء قوى سياسية معارضة ذات معنى أو قيمة، والفشل في تدريب مقاتلين معتدلين، والفشل في إقامة مناطق عازلة، والفشل في مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وفي منع استقطاب الإرهاب العالمي لسورية، والفشل في منع النظام من القتل الجماعي أو منع استخدام أسلحة الدمار الشامل، وكذلك الفشل في مواجهة موجات اللجوء والهجرة والتشرد.
استنفر محللون عسكريون وسياسيون غربيون لتحليل الاستراتيجية الروسية، كما اجتهد السوريون ـ معارضة ومولاة ـ في تحليل هذه الخطوة، وربطها كثيرون بالمواقف الأمريكية والإقليمية، وبالأوضاع الميدانية، وبميزان الربح والخسارة العسكري والسياسي والاقتصادي الإقليمي والدولي، وكثرت الافتراضات والاحتمالات، ورُسِمت (خوارزميات) لا نهائية، من تابعها ضاع في متاهات التحليل والترجيح والتفسير والمقارنات السياسية والعبر التاريخية، وأصيب بالإحباط واليأس من إمكانية تحقيق تغيير للنظام ولا حتى إصلاح طفيف داخله.
بتقاطع كل التحليلات والافتراضات، بدءاً من الأكثر شمولية واقعية منها وصولاً إلى الأكثر سطحية وهشاشة، يمكن تلخيص التحرك الروسي باحتمالين لا ثالث لهما، منطلقاتهما مختلفة ونتائجهما متناقضة، لكنهما يصلحان للبناء عليهما.
الاحتمال الأول أن روسيا وأمريكا متفقتان من حيث المبدأ، لكن لا أحد يعرف تفاصيل الاتفاق، إلا أنه لا يمكن أن يكون اتفاقاً لصالح روسيا وحدها، إذ لا يمكن لأي طرف منفرداً شراء شرق المتوسط، فقلب العالم القديم مركز توازن ويجب أن يبقى كذلك، والولايات المتحدة ليست من الضعف بمكان لتتخلى عنه ببساطة، فالأمر لا يتعلق بمن تصل قواته العسكرية لمطار اللاذقية أولاً، ولا لمن يُرسل بشكل أسرع فرقاطة وعشر طائرات ومئتي جندي، وعليه لابد أن يكون الاتفاق مرضياً لكل الأطراف وعلى رأسها الشعب السوري الذي فقد مليوناً منه، ودُمّرت بيوته وقراه وبلداته، وتشرد ربعه، وبالتالي، وبافتراض صحة هذه الفرضية، على السوريين الاطمئنان بأن الخطوة الروسية ستوصلهم لمبتغاهم وستُغيّر النظام ولو على مراحل أو بعد حين في وقت مناسب لكل الأطراف.
الاحتمال الثاني أن روسيا وأمريكا غير متفقتين، وهذا يعني أن ساكن الكرملين تصرّف من بنات أفكاره، وربما اعتقد أن هذه الخطوة ستُرعب المعارضة السورية وتُجبرها على الموافقة على أي حل سياسي يُبقي الأسد والنظام بل وربما سترجوه أن يُبقي ميليشيات إيران أيضاً، كما اعتقد أن هذه القواعد العسكرية المتقدمة ستشلّ مقاتلي المعارضة وتدفعهم لحل فصائلهم والهروب قبل أن يصل (رامبو) الروسي، وبالتالي فإن روسيا بخطوتها (الفهلوية) ستُنهي 75% من الأزمة، ولم يبق أمام طلائع جيشها وخبرائها وبقايا جيش النظام (أو أشلائه)، إلا القيام ببضع غارات موجّهة مكثّفة مركّزة تُنهي تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة والفصائل الإسلامية المتشددة وفصائل الجيش السوري الحر والثائرين السوريين والمحتجين وحتى الرماديين، وستدفع السوريين لرفع الرايات البيضاء والاستسلام للدب الروسي، وبهذه الحالة أيضاً على السوريين الاطمئنان بأن الخطوة الروسية ستوصلهم لمبتغاهم، ولكن ربما سيُدرك الروس أن لا أحد في سورية يصدق أنهم حريصون على الدولة لا على النظام، ويقتنعون أن مقاومة مشروعهم طويلة مستمرة مدمرة لبقايا الدولة، ويكتشفون أنهم لم يتدخلوا في سورية بل تورطوا بها.
المدن
الدب الروسي يسرق عسل الملالي!/ فايز سارة
عندما اندلعت ثورة السوريين في وجه نظام الأسد عام 2011، سارع ملالي إيران إلى مناصرة حليفهم في دمشق، في خطوة بدت وكأنها استمرار لموقفهم التقليدي في مناصرة نظام والده الميت حافظ الأسد، فقدموا له كل مقومات البقاء، وساعدوه من أجل مواجهة ثورة السوريين بالنفط والمال والسلاح والخبراء، قبل أن يدفعوا أنصارهم من حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية وعصابات أخرى للقتال إلى جانبه، في مواجهة التشكيلات المسلحة التي نظمها السوريون من متطوعين وعسكريين منشقين، للدفاع عن الحواضن الاجتماعية للثورة، ثم دفع نظام الملالي حلفاءه، وفي مقدمتهم النظام العراقي، لمساعدة حليفه في دمشق.
ولأن حليف الملالي لم يحقق أهدافه في إعادة السوريين إلى بيت الطاعة، وبسبب تراجع قواته عن مناطق متزايدة من الأراضي السورية، قرر ملالي طهران، أن يدفعوا بقوات من نخبة قواتهم، بينهم مجموعات من الحرس الثوري ومن فيلق القدس، إضافة إلى زيادة أعداد الخبراء العسكريين والأمنيين والتقنيين لمساعدة الآلة العسكرية – الأمنية السورية في الاحتفاظ بسيطرتها على مناطق وجودها، والهجوم على مناطق سيطرة المعارضة المسلحة.
ومثلما فعل ملالي إيران، فإن روسيا المعروفة بعلاقاتها التقليدية مع نظام الأسد، بادرت هي الأخرى بالوقوف إلى جانب النظام، مقدمة له الدعم السياسي والعسكري، عبر المؤسسات الدولية، وخصوصًا في مجلس الأمن، لمنع أي قرارات من شأنها إدانة سياسات النظام وممارساته، الأمر الذي تم بالتزامن مع سيل المساعدات العسكرية، بما فيها من معدات وأسلحة وذخائر.
ورغم المساعدات الهائلة السياسية والعسكرية والاقتصادية، التي قدمها الإيرانيون وأدواتهم وحلفاؤهم، وما قدمته روسيا، فإن نظام الأسد تراجع سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، وتراجعت قدراته سواء في الاحتفاظ بالمناطق التي يسيطر عليها، وفي عدم قدرته على استعادة مناطق خارج سيطرته بمساعدة داعميه، وتعدى الأمر ذلك إلى تصاعد أزماته الداخلية، التي كان الأبرز من معالمها تصاعد الصراعات في مؤسسته العسكرية – الأمنية، فيما حصلت تشققات في حاضنته الاجتماعية وصراعات في صفوف تكويناتها، وصار عاجزًا عن توفير الطاقة البشرية اللازمة لآلته العسكرية والأمنية، وكلها مؤشرات إلى احتمال سقوط مفاجئ قد يصيب النظام.
لقد أسست إيران على مدى سنوات طويلة وجودًا عميقًا في سوريا، ثم كثفت ونظمت هذا الوجود، ليس في تعزيز قواتها العسكرية والأمنية المباشرة، وعبر وجود أنصارها من الميليشيات فقط، بل أضافت إلى ذلك إقامة روابط مع بنى اجتماعية وشخصيات نخبوية داخل النظام ومؤسساته وخارجه، ودفعت إلى تكوين تجمعات بشرية من وافدين أغلبهم من الشيعة، بينهم إيرانيون وأفغان وعراقيون ولبنانيون وغيرهم ممن تمركزوا في أحياء دمشق، لا سيما حي الأمين وحي الجورة وحي العمارة، وفي ريف دمشق الجنوبي في مدينة السيدة زينب ومحيطها، وفي الخلاصة صار الوجود الإيراني العميق قوة قادرة على الفعل والتأثير في واقع النظام والمناطق الخاضعة له، ولعل أحد تعبيرات الوجود العميق لإيران قيامها بالتفاوض مع المعارضة المسلحة في الفترة الأخيرة، حول الهدنة في الزبداني وكفريا والفوعا بمعزل عن النظام ووكيلاً عنه.
ولا يحتاج إلى تأكيد قول إن الوجود الإيراني العميق أثار قلق الحليف الروسي للنظام، الذي يمكن أن يخرج خالي الوفاض في حالة سقوط نظام الأسد، أو حصول تسوية تحافظ على الأسد أو تكون من دونه، وهو ما يمكن أن يفسر سر الهجمة الروسية المفاجئة لتثبيت وجود عسكري استراتيجي كثيف.
لقد أحست موسكو أن إيران توشك أن تقطف عسلها في سوريا، فقرر الدب الروسي الاستيلاء على عسل الملالي، أو على الأقل مشاركتهم فيه بحصة أكبر، حتى لا يخرج خالي الوفاض بعد كل ما قدمه للحصول على مكاسب من مواقفه في دعم نظام الأسد.
كاتب وصحافيّ سوريّ، وعضو الهيئة السيّاسيّة في الإئتلاف الوطنيّ لقوى الثورة والمعارضة حاليا ومستشار سياسي واعلاميّ لرئيس الإئتلاف
الشرق الأوسط
التدخل الروسي في سوريا (1-2): تراجع القدرات العسكرية لن يردع موسكو
وجهة نظر اللوبي الإسرائيلي بواشنطن
وفقاً لأدلة موثقة بالصور، أُعيد نشرها في تقرير في صحيفة الـ «ديلي ميل» البريطانية في 8 أيلول/سبتمبر، بدأت روسيا بنشر جنودها على الأراضي السورية – على الأقل منذ شهر نيسان/أبريل المنصرم.
وهناك تقارير أخرى حول زيادة التعزيزات العسكرية المتصاعدة التي تقوم بها موسكو هناك قد أشارت إلى إرسال شحنات أسلحة متطورة إلى نظام الأسد، ووجود فريق تدخل عسكري وإرسال وحدات سكنية جاهزة إلى قاعدة جوية قرب اللاذقية.
وفي 4 أيلول/سبتمبر، وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحديث عن جنود روس في سوريا بأنه «سابق لأوانه»، لكنه أكد أن روسيا تواصل تقديم مساعدات هامة إلى سوريا من خلال التدريب والأسلحة والمعدات. ومهما كان مدى التدخل الروسي المتزايد في سوريا في الوقت الحالي، فإنه يطرح أسئلة حول قدرات روسيا العسكرية بشكل عام.
إصلاحات عسكرية واسعة النطاق
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، دخل الجيش الروسي في مرحلة تراجع حاد، حيث بدأ يعاني من انخفاض الروح المعنوية، ومن مشاكل في التدريب/الانضباط، ونقص المعدات الحديثة، والفساد المستشري. وقد سلط اجتياح جورجيا في عام 2008 الضوء على ما وصفته “خدمة أبحاث الكونغرس” في آب/أغسطس 2011 بأنه “الفشل العملياتي الواسع النطاق للجيش الروسي”. وفي الواقع، واجهت القوات الروسية صعوبة في الانتصار على خصم أصغر منها بكثير.
ورداً على ذلك، وفي تشرين الأول/أكتوبر 2008، أعلن وزير الدفاع الروسي في ذلك الحين أناتولي سيرديوكوف عن إصلاحات عسكرية كبرى، هدفها إعادة تنظيم هيكلية الجيش وتسلسله القيادي، وتقليص حجمه، وإنشاء قوة رشيقة وعصرية وكفؤة بحلول عام 2020. وشرعت روسيا بعد ذلك بأكبر عملية بناء لجيشها منذ الانهيار السوفياتي، مع زيادات سنوية كبيرة في الإنفاق الدفاعي الذي من المقرر أن يستمر حتى عام 2020.
ووفقاً لمجلة “الإيكونوميست”، تتمثل التغييرات الأكثر جوهرية في إطلاق برنامج لتحديث الأسلحة في عام 2010، يمتد على عشر سنوات وتبلغ كلفته 720 مليار دولار.
وحيث بدأ أثر الإصلاحات يكتسب زخماً، اتخذ الكرملين موقفاً أكثر عدوانية في الخارج، باستئنافه إرسال دوريات القاذفات في المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ، وتمديده عقود الإيجار لقواعد عسكرية في أرمينيا وطاجيكستان، ووضعه خططاً لبناء قاعدة جوية جديدة في روسيا البيضاء، ورفعه حجم ومستوى المناورات العسكرية السنوية المشتركة التي تجريها روسيا مع الصين.
وبحسب صحيفة “موسكو تايمز”، عندما ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في آذار/مارس 2014، بدا «من دون أدنى شك أن جنودها مدربون ومجهزون بشكل أفضل» مما كانوا عليه خلال الحملة العسكرية في جورجيا في عام 2008 (كما أن القوات في شبه جزيرة القرم كانت من نخبة الجيش الروسي أيضاً).
الإنفاق غير المستدام
على الرغم من الإنفاق المتزايد وملامح النجاح، أشار تقرير أصدرته “خدمة أبحاث الكونغرس” في آذار/مارس 2014 إلى أن «سوء الإدارة وتغيير الخطط والفساد ومشاكل تجهيز الأفراد والقيود الاقتصادية» جميعها أمور ما زالت تعرقل الإصلاحات العسكرية الروسية. علاوة على ذلك، عبّر خبراء روس عن قلقهم من أن الإنفاق العسكري الضخم يجري على حساب النمو الاقتصادي والاستثمارات الضرورية في مجالي البنى التحتية والتعليم.
وفي مقال نُشر في أيار/مايو 2015، استنتج الخبير الاقتصادي الروسي سيرغي غورييف أن الكرملين لن يستطيع تحمل كلفة الإنفاق العسكري الحالي، مشيراً إلى أن بيانات الميزانية للأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي أظهرت أن الإنفاق العسكري لهذه الفترة فاق ضعف المبلغ المحدد له في الميزانية، متخطياً نسبة 9 في المائة من “الناتج المحلي الإجمالي” لتلك الفترة.
وأضاف غورييف: «بعبارة أخرى، أنفقت روسيا حتى الآن أكثر من نصف جميع ميزانيتها العسكرية لعام 2015. وإذا استمر الإنفاق بهذا المعدل، سوف يفرغ صندوق روسيا الاحتياطي قبل نهاية العام». كذلك، استقال وزير المالية أليكسي كودرين من منصبه في أيلول/سبتمبر 2011 لأنه عارض الإنفاق العسكري المتزايد، من بين أسباب أخرى.
وقد فاقم ضمّ شبه جزيرة القرم من هذه القيود الاقتصادية. فوفقاً لموقع «ستراتفور.كوم»، يكمن جزء من المشكلة في ضرورة تأمين الدعم العسكري القوي والمستمر للانفصاليين في شرق أوكرانيا، وبالإضافة إلى ذلك «إن التوتر المتزايد مع الغرب ومنظمة “حلف شمال الاطلسي” قد أجبر موسكو على تدعيم أنشطتها الأمنية وتدريباتها ومناوراتها العسكرية، مثل الدوريات الجوية بالطائرات المقاتلة وتحركات السفن الحربية».
وسط هذه العزلة الدولية، وهبوط أسعار النفط، وتراجع قيمة الروبل، أصبحت معدلات التضخم بالعشرات، مع ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية إلى حد 30 في المائة. وكما قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما في آب/أغسطس 2014، شهدت روسيا هجرة لرؤوس الأموال تراوحت قيمتها بين 100 و200 مليار دولار.
وفي غضون ذلك، تواصل روسيا الحفاظ على وجودها العسكري الواسع في “جوارها القريب”، أي الجمهوريات السوفياتية السابقة. ووفقاً لتقرير مجلة “نيوزويك” من كانون الأول/ديسمبر 2014، بلغ عدد القوات المرابطة في أرمينيا (3200 جندي)، وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية (7000)، وترانسنيستريا (1500)، وقيرغيزستان (500)، وطاجيكستان (5000).
ولكي نضع هذه الأرقام في سياقها، يبلغ عدد القوات المسلحة الروسية من 700 إلى 800 ألف عنصر، بينما يبلغ عدد أفراد الجيش أقل من 300 ألف عنصر. وعلاوة على ذلك، ما زال الجيش يعتمد بشكل أساسي على المجندين الذين يتلقون تدريباً محدوداً.
المؤشرات الديمغرافية والإسلام الراديكالي
يتراجع عدد سكان روسيا بشكل حاد منذ أوائل التسعينيات. وكما كتب الخبير الديموغرافي نيكولاس إيبرستات في عام 2011، «تمثل المشاكل التي تسببها الأنماط السكانية الروسية ظاهرة لا سابق لها في مجتمع متمدّن ومتعلم لا يعيش في حالة حرب».
فما زالت البلاد تعاني من معدل وفيات مرتفع، ونسبة مواليد منخفضة، وهجرة المثقفين في سياق التراجع الاقتصادي العام. ولا تظهر البيانات الديموغرافية الأخيرة الصادرة عن الكرملين (من أيار/مايو 2015) أي تغيير يذكر في هذه الأنماط.
ولكن بينما يتأرجح عدد سكان روسيا حول الـ 144 مليون نسمة، بلغ عدد السكان المسلمين في البلاد من 21 إلى 23 مليون نسمة، ويستمر في الازدياد. وتتمتع العائلات المسلمة بصحة أفضل من السكان الروس الأصليين (ويرجع ذلك جزئياً إلى معدلات إدمان الكحول العالية نسبياً بين الروس الأصليين) كما أن العائلات المسلمة تميل إلى إنجاب المزيد من الأطفال.
ووفقاً لإحصاءات من عام 2014 كانت قد أصدرتها وزارة التنمية الإقليمية الملغاة، تتمتع منطقة شمال القوقاز – وهي منطقة روسية يتركز فيها السكان المسلمون بشدة – بأحد أعلى معدلات النمو في البلاد.
ومن المرجح أن يؤدي ازدياد عدد السكان المسلمين إلى تداعيات خطيرة على أمن روسيا وقواتها المسلحة وسياستها الخارجية. فعلى سبيل المثال، قد تزداد النزاعات الداخلية بين السكان الروس الأصليين والأقليات في أماكن مختلفة من البلاد. بالإضافة إلى ذلك، يعتقد بعض المحللين بأن المسلمين سيشكلون عما قريب نصف المجندين في القوات المسلحة الروسية، الأمر الذي يثير تساؤلات حول ما إذا كانت القوات المسلحة ستواصل دعمها لسياسات موسكو في شمال القوقاز.
وفي أيلول/سبتمبر 2013، أعلن وزير الدفاع سيرغي شويغو أن الجيش سيحد من عدد المجندين الآتين من تلك المنطقة بشكل جذري، بالرغم من النقص في عدد المجندين الكلي وتوفر عدد كبير من الجنود المحتملين في شمال القوقاز. وجاء ذلك الإعلان بعد عدة سنوات من الحديث عن بدء الجيش بإقصاء المجندين من تلك المنطقة.
وفي غضون ذلك، ما زالت روسيا تخسر معركتها المحلية مع الإسلام المتطرف، الذي تكثف وانتشر في جميع أنحاء القوقاز وآسيا الوسطى. وفي الآونة الأخيرة، ازدادت التوترات في طاجيكستان بين السلطات الموالية للكرملين والمعارضة الإسلامية. وفي 4 أيلول/سبتمبر، شهدت العاصمة دوشنبه موجة نادرة من العنف، راح ضحيتها 9 عناصر من الشرطة و13 مسلحاً.
وزعمت السلطات إن «إرهابيين» متعاطفين مع ما يسمى بـ «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») هم المسؤولون عن الحادثة – وقد اتهمت السلطات على وجه الخصوص نائب وزير الدفاع السابق عبد الحليم نزار زودا، وهو عضو في «حزب النهضة الإسلامية» الذي تم حظره مؤخراً.
المحصلة
في الوقت الذي تُوسع فيه روسيا من وجودها العسكري في سوريا، قد تجد موسكو أن انتشارها العسكري الواسع سيحول دون تحقيق التزاماتها بشكل فعال في أماكن أخرى من العالم. وفي الواقع، أعلن الرئيس الأوكراني بترو بوروشينكو في 5 أيلول/سبتمبر أنه تم احترام اتفاق وقف إطلاق النار الأخير في شرق البلاد لمدة أسبوع كامل – وهو أمر لم يحدث منذ اندلاع الحرب بين الجيش الأوكراني والانفصاليين الذين تدعمهم روسيا.
وتزامن هذا الإعلان مع التقارير حول زيادة الوجود العسكري الروسي في سوريا.
وعلى الرغم من ذلك، لا يبدو أن روسيا ستخفض من مواقفها العدوانية في “جوارها القريب”. ففي شهر آب/أغسطس المنصرم، أعلنت وزارة الخارجية في جورجيا أن الكرملين نشر جنوداً في أبخازيا «تحت ذريعة إجراء أعمال صيانة لسكة الحديد بين أوتشامشير وإنغوري».
وأشار بيان وزارة الخارجية إلى أن روسيا قامت بتحركات مماثلة قبل الغزو التي قامت به عام 2008، حين «أطلقت موسكو بطريقة غير قانونية أعمال صيانة لسكة الحديد التي تمر في أبخازيا ونشرت جنوداً عبر سكة الحديد على أراضي جورجيا، الأمر الذي استغلته لاحقاً لنقل الجنود والمعدات خلال الأعمال العدائية».
ووفقاً لبيان صدر عن وزارة الدفاع الروسية في 7 أيلول/سبتمبر، أمر بوتين بإجراء مناورات عسكرية مفاجئة في “المنطقة العسكرية الوسطى”، وهي رقعة واسعة تضم نهر الفولغا وجبال الأورال وغرب سيبيريا.
وتكشف هذه التوجهات النقاب عن مفارقة هامة: بينما تتراجع قدرات روسيا العسكرية، من المرجح أن تزداد عدوانية الكرملين في “جواره القريب”، بما في ذلك الشرق الأوسط. وبالرغم من المشاكل التي تواجهها، ما زالت القوات المسلحة الروسية قادرة على ما يبدو على إتمام مهمات محدودة.
لذلك، سيكون من الخطأ استخدام التراجع الواسع للقوات المسلحة الروسية كذريعة لتأخير القيام بخطوات أكثر تشدداً. وتكمن المقاربة الأكثر فعالية في إدانة شديدة لزيادة التعزيزات [العسكرية] الروسية في سوريا، بالتزامن مع مواصلة الضغط على الكرملين لتغيير السياسات التي يتبعها مع جيرانه.
المصدر | آنا بورشفسكايا، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى
التدخل الروسي في سوريا (2-2): التداعيات العسكرية
ناقش الجزء الأول من هذا المرصد السياسي تراجع قدرات روسيا العسكرية، والكيفية التي قد تؤثر فيها على سياسات الكرملين في سوريا وأوكرانيا وأماكن أخرى.
يبدو أن روسيا قد بدأت بتدخل عسكري ملحوظ ومباشر في سوريا. وتشير التقارير المستفيضة، بما فيها تلك المنسوبة إلى الحكومة الأمريكية وأجهزتها الاستخباراتية، أن روسيا تعمل حالياً على بناء قوة مشتركة للتدخل السريع لشن حملات جو-أرض في محافظات اللاذقية وطرطوس على طول الساحل الشمالي الغربي، تتجاوز بكثير نطاق الدور الذي لطالما اضطلعت به روسيا على مستوى إمدادات الأسلحة والاستشارة.
وإذا ما تم بناء هذه القوة العسكرية على طول خطوط المعركة المذكورة، فقد تتغير قواعد اللعبة في ساحة الحرب. كما أن هناك تداعيات كبيرة قد تترتب عن ذلك القرار، والتي من شأنها أن تقوّض قدرات إسرائيل على شن عمليات جوية فوق غرب سوريا ولبنان، وتعرقل عمليات التحالف الدولي الذي تترأسه الولايات المتحدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» ومنظمات إرهابية أخرى في سوريا.
وعلاوة على ذلك، إذا رسّخت روسيا وجودها في سوريا، فسيصبح من الصعب على نحو متزايد إقصاؤها من البلاد. وعلى غرار السيناريوهات العسكرية في شبه جزيرة القرم وأوكرانيا، يبدو أنه من غير المحتمل أن تتصدى الولايات المتحدة، ناهيك عن أي دولة أخرى، للقوات الروسية عسكرياً. وعلى الرغم من إمكانية وقوع خسائر في صفوف هذه القوات وتورطها في الحرب السورية، إلا أن موسكو قد ترضى بتلك العواقب الوخيمة وتعتبرها ثمناً لقاء إبقاء نظام الأسد في السلطة وإحباط عزيمة واشنطن.
القرار والتحضيرات وتراكم الأحداث
تستند خطوات روسيا في سوريا على ما يبدو، على استراتيجية جيوسياسية أكبر شأناً تعول على القليل من التدخل من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في سوريا.
ويبدو أن التدخل الروسي هو بمثابة جهود استراتيجية مدروسة لدعم النظام السوري من خلال قوات عسكرية مباشرة، محفَّزاً على الأرجح بتقييم مفاده أن قوات بشار الأسد قد فشلت وأن الدعم الذي يقدمه «حزب الله» وإيران غير كاف.
ويرجّح أن تكون روسيا قد اتّخذت قرار التدخل بالتعاون مع طهران التي، وفقاً لبعض المصادر الإخبارية، تعزّز دعمها العسكري لصالح النظام السوري.
ويتضمن القرار الروسي أهدافاً محتملة أخرى، من بينها الحفاظ على المنطقة الغربية الحيوية للنظام، وحماية المنافذ البحرية والجوية التي تعتمد عليها روسيا للوصول إلى سوريا والعمل على توسيعها، وبسط سيطرة موسكو على الوضع بشكل عام.
على نطاق أوسع، يبدو أن روسيا ملتزمة بممارسة نفوذها في الشرق الأوسط، حيث توفر لها سوريا فرصة لتحقيق هدفها.
بطريقة أو بأخرى، يشبه الانتشار العسكري في سوريا السيناريو الذي اعتمدته روسيا للسيطرة على شبه جزيرة القرم عام 2014. ففي البداية، تتّخذ روسيا خطوات استباقية غامضة ومكتسية بتصريحات قيادية غير واضحة الأهداف، مقرونة ببناء تدريجي للقوات، ومستفيدة من الغطاء الذي تؤمنه لها النشاطات والمنشآت الروسية الموجودة سابقاً في سوريا.
وقد استعانت موسكو بسفنها (بما فيها سفن الإنزال البحرية) إلى جانب 15 طائرة نقل (من طراز “أي إن- 124″ /”الكندور” و “آي إل-62”) من أجل إرسال أسلحة جديدة وقوات عسكرية إضافية إلى البلاد. وقد استخدمت تلك الطائرات مسارات جوية متعددة من روسيا إلى اللاذقية، وتواصل موسكو نشاطاتها الجوية تحت غطاء بعثات المساعدات الإنسانية.
إن المعدات والأسلحة التي جُلبت كجزء من العملية الجارية تشمل على ما يبدو المركبات القتالية (ست دبابات من طراز “تي -90” وخمسة وثلاثين ناقلة جنود مدرعة)، وخمسة عشر قطع مدفعية، وشاحنات عسكرية ومركبات رباعية الدفع، ووحدات المساكن الجاهزة (لحوالي 1500 شخص) ، ومركز متنقل لمراقبة الحركة الجوية. وأشارت الصور الفوتوغرافية الملتقطة عبر الأقمار الصناعية التجارية الى الجهود المبذولة لتوسيع مطار باسل الأسد. وفي ظل الوضع الراهن، قد تتمكن روسيا من الوصول إلى المطار وإلى موانئ اللاذقية وطرطوس لدعم عملياتها القائمة.
وحتى الآن، تفيد بعض التقارير أن حوالي 200 عنصر من عناصر المشاة البحرية الروسية – على الأرجح عناصر من “لواء مشاة البحرية الروسية رقم 810” ومقره في سيفاستوبول – قد تم نشرها في اللاذقية لحماية المنشآت الروسية. وتشير بعض التقارير أيضاً إلى تمركز عناصر من “لواء المشاة البحرية الروسية رقم 363” في سوريا.
ووفقاً لمصادر نُسبت إلى الحكومة الأمريكية، تسعى روسيا أيضاً إلى نقل نظام صواريخ أرض-جو متطوّرة من طراز “أس أي – 22” ومركبات جوية مقاتلة (طائرات مقاتلة، وطائرات القصف) إلى البلاد. وباختصار، يدل الانتشار العسكري على مساعٍ روسية قيد التخطيط لتنظيم قوة مشتركة للتدخل السريع.
المهـمـات
تتضمن المهام المحتملة التي ستضطلع بها قوات الحملة العسكرية المرتقبة دعم قوات النظام الجوية المتقهقرة في عمليات القصف الجوي ضد الثوّار، وتزويد القوات الروسية والمنطقة الحيوية للنظام بالدفاع الجوي بواسطة نظام صواريخ “أس أي – 22” والطائرات القتالية، بالإضافة إلى مهمة شن سلسلة معارك قتالية برية وتنظيم بعثات دعم لاسيما من خلال شن عمليات دفاعية وهجومية، فضلاً عن تدريب القوات العسكرية والقيام بأدوار استشارية.
تشير أدلة محدودة، أن القوات الروسية تشارك فعلاً في بعض المعارك البرية. ويظهر شريط فيديو انخراط عربة قتال مدرعة من نوع “BTR-82A” في الميدان السوري بقيادة طاقم عسكري يتكلم الروسية، كما يُزعم، بينما أفادت بعض التقارير عن وقوع ضحايا في الصفوف العسكرية الروسية المنتشرة في سوريا. كذلك، تشير تقارير عديدة غير مؤكدة إلى انتشار عدد صغير من القوات الروسية في عدة مراكز خارج المنطقة الساحلية، وتنخرط في معارك قتالية ومهمات الاستطلاع البري.
وستتضح معالم المهمة الروسية (سواء الهجومية منها، أو الدفاعية، أو التدريبية، أو الاستشارية) عند تحديد حجم القوات الروسية وأنواعها. فوصول طائرات القصف، إلى جانب وجود دبابات القتال الروسية من طراز “تي -90” وفقاً لما أفادت به التقارير، يشكل دليلاً إضافياً على وجود نيّة هجومية لدى روسيا. وأيّاً كانت المهمة، فمن المتوقع أن تعزّز روسيا قدراتها الاستخباراتية ومنظومات القيادة والتحكم الذكية التي تملكها.
التداعيات على سوريا
إذا اتخذت روسيا الخطوات المذكورة أعلاه، فقد تنتج تداعيات كبيرة عن تدخلها، الأمر الذي سيؤثر على الوضع العسكري في سوريا. وقد تتعاون القوات القتالية الروسية مع قوات النظام السوري، معززة بالتالي القوة النارية والدعم الجوي والفاعلية القتالية لصالح النظام. وإذا تضمنت المهمة الروسية توفير التدريبات والأدوار الاستشارية، فقد يساهم ذلك في تعزيز المهارات العسكرية للوحدات السورية.
كما يمكن للقوات الروسية أن تقوم بمهام قتالية مستقلة ضد أهداف مهمة.
بإمكان القوات الروسية الكبيرة منح النظام السوري ميزة حاسمة في ميادين القتال التي تعمل فيها قواته، متيحة بالتالي للنظام السوري السيطرة على مراكز حيوية أو بسط نفوذه عليها واستنزاف موارد الثوّار البشرية والعسكرية استنزافاً مضاعفاً. وقد يساهم تواجد روسيا على أرض المعركة في رفع معنويات قوات النظام بصورة ملحوظة، ويبث الذعر في الوقت نفسه في نفوس قوات الثوّار.
صحيح أن قوات المعارضة قادرة على هزيمة النظام السوري تحت ظروف معيّنة، إلا أن ذلك الاحتمال يبدو بعيداً في ظل وجود القوات الروسية وانخراطها فعلياً في المعركة السورية، بغض النظر عن عدد هذه القوات. وقد يتسبب الثوّار بوقوع بعض الخسائر في صفوف الوحدات الروسية، إلا أنهم عاجزين إلى حد كبير عن إلحاق الهزيمة بالقوات الروسية في معارك حاسمة، على الرغم من الآمال التي يضعها أولئك الذين يستذكرون تجربة موسكو في أفغانستان.
فلن يحظى الثوار بالتنسيق والتماسك والانضباط والقوة النارية المطلوبة لهزيمة الروس بصورة ثابتة، أو لن يتمكنوا من الانتصار عليهم في معارك أوسع نطاقاً.
التداعيات على إسرائيل
قد يقوّض التدخل الروسي إلى حد كبير من العمليات الجوية الإسرائيلية فوق سوريا ولبنان.
وعلى وجه الخصوص، مع وجود طائرات حربية وأنظمة دفاع جوي روسية مأهولة، فقد تضطر إسرائيل إلى إعادة النظر في عمليات القصف الجوية على المناطق التي تنتشر فيها القوات الروسية، وقد تُمكِّن بالتالي إيران أو حتى موسكو من تزويد نظام الأسد و«حزب الله» بترسانة أكثر تطوّراً.
وقد أفادت بعض التقارير أن إسرائيل نجحت في استهداف شحنات الأسلحة إلى منطقة اللاذقية، إلا أن اتخاذ تلك الخطوة اليوم في ظل انتشار القوات الروسية قد يكون خطيراً.
وإذا وسّعت القوات الجوية وقوّات الدفاع الجوي الروسية وجودها خارج النطاق الساحلي، وهي خطوة محتملة، قد يتضاعف خطر الانخراط في اشتباكات مع أي طائرة إسرائيلية دخيلة.
التداعيات على تركيا
قد يعزّز التدخل العسكري الروسي المتزايد لصالح النظام السوري التحالف الأمريكي التركي في سوريا بصورة أكثر فأكثر.
بالنسبة إلى أنقرة، تشكل موسكو عدوّاً تاريخياً، فالأتراك العثمانيين خاضوا على الأقل 17 معركة ضد الروس لم يحققوا فيها أي فوز.
وبالتالي، قد تضطر تركيا إلى الاصطفاف، بشكل وثيق، إلى جانب سياسة الولايات المتحدة في سوريا بهدف تجنّب أي احتكاك عسكري ضد روسيا على أرض المعركة.
التداعيات على الولايات المتحدة
تشكل خطوة روسيا تحدياً واضحاً لواشنطن، حيث تستغل ما قد تصفه موسكو بالتردد الأمريكي إزاء الانخراط في سوريا. وربما يساهم موقف الإدارة الأمريكية الفاتر حتى الآن – والذي تمثل بالبيانات والتصريحات المثيرة للقلق، والمكالمات الهاتفية لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، والجهود المبذولة لمنع الحركة الجوية الروسية الى سوريا – في تشجيع الروس على اتخاذ قرار التدخل وهم ينوون متابعته على الأرجح.
بالإضافة إلى ذلك، قد يعرقل وجود القوات القتالية الروسية العمليات الجوية للتحالف الدولي – الأمريكي. وبالرغم من أنّ معظم تلك العمليات الجوية تتم بعيداً عن المناطق الساحلية التي تنتشر فيها القوات الروسية على ما يبدو، فإن أي توسع للوجود العسكري الروسي نحو الشرق أو الشمال قد يشكل مناطق عمليات مجاورة أو متداخلة. وقد سبق أن أثارت روسيا بالفعل إمكانية وقوع اشتباكات غير متعمدة [مع التحالف] وأشارت إلى ضرورة اعتماد تدابير للحؤول دون الانخراط في اشتباك.
كذلك، من شأن العمليات العسكرية الروسية عرقلة الخطط الأمريكية الرامية إلى دعم العمليات البرية في سوريا. وبالرغم من أن تنظيم «الدولة الإسلامية» يشكل الهدف الأساسي لأي حملة عسكرية تدعمها الولايات المتحدة، إلا أن ميادين القتال المتشابكة في سوريا غالباً ما تجمع الثوّار وعناصر تنظيم «داعش» وقوات النظام السوري في ساحة واحدة، بحيث يقومون بتنفيذ عملياتهم بالقرب من بعضهم البعض أو ينخرطون فعلياً مع بعضهم البعض. وفي ظل الظروف الراهنة، قد تسبب العمليات الروسية الداعمة لقوات النظام بشن هجوم على القوات التي تدعمها الولايات المتحدة، سواء عن قصد أو دون قصد. وقد تشكل محافظتا درعا وحلب منطقتين رئيسيتين لمثل هذه الاشتباكات.
وبطبيعة الحال، كانت موسكو قد نادت بضرورة القيام بعمليات عسكرية دولية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، ونظرياً، قد تزيد القوات الروسية من قوة الهجوم الذي يشنه التحالف ضد التنظيم الإرهابي، وقد تساهم في استنزاف قوات «داعش» وتدمر البنى التحتية التابعة للتنظيم. إلا أنّ نيّة موسكو الأساسية من التدخل في سوريا تكمن، على أغلب الظن، في دعم النظام السوري وليس في محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية».
فالتهديد الرئيسي الذي يواجه النظام غير مرتبط بمعاقل «داعش» في شرق سوريا ووسطها، بل بمجموعات الثوّار التي تشكل خطراً متزايداً في المناطق الغربية الحيوية لاستمرارية النظام، لاسيما شمال اللاذقية وإدلب وشمال حماة وجنوب دمشق. وبالفعل، لم تكن محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»، يوماً، أولى أولويات العمليات العسكرية للنظام السوري الذي كان تارة يتعاون مع التنظيم وطوراً يهاجمه على أساس تقديرات واقعية للوضع العسكري في ذلك الوقت.
المحـصلـة
على الرغم من أن النطاق الكامل للتدخل الروسي في سوريا وهدفه لا يزالان غامضين، إلا أنّ أبعادهما تبدو كبيرة. وعلى غرار انخراط «حزب الله» علناً في الحرب عام 2013، قد تكون الخطوة الروسية عامل تغيير محتمل لشروط اللعبة العسكرية، والذي من المحتمل أن يوقف إنهيار قوات الأسد، بل أن يقلب المعادلة لصالح النظام إذا كان عامل التغيير كبيراً بما فيه الكفاية، الأمر الذي يرسّخ نفوذ النظام ويعرقل قدرة القوات الإسرائيلية والأمريكية على العمل في البلاد.
وقد يمثل التدخل الروسي مشكلة بالنسبة إلى موسكو، إلا أن روسيا تبدو عازمة على المخاطرة بعض الشيء لتحقيق هدفها الكامن في تحقيق استمرارية النظام السوري وتسجيل هدف على حساب واشنطن.
كما أن التدخل الروسي في المعركة السورية قد يدفع بالمعارضة وحلفائها، لاسيما الحكومات التي يبدو دعمها لهم متزعزعاً، إلى أخذ وقت مستقطع. وعلى ما يبدو، لا ترغب معظم هذه الجهات الفاعلة [في المعارضة] على الانخراط في معركة عسكرية ضد روسيا، وقد تضطر إلى التفاوض بشأن حل سياسي بدلاً من حل عسكري.
كما أن التدخل الروسي سيدفع الأطراف المعنية بالتسليم جدلاً إلى أنه لا يمكن أن يكون هناك حل للصراع السوري دون انخراط موسكو. وحيث توجد قوات عسكرية على أرض المعركة، يتضاعف تأثير روسيا على أي نتائج قد تنجم [عن الصراع في النهاية]. وطالما يحظى النظام السوري بدعم الكرملين، فإن احتمال إقصاء الأسد من منصبه يتضاءل أكثر فأكثر.
إن موقف الولايات المتحدة وحلفائها المتردد تجاه الثوار ودعمهم المتزعزع لهم، ناهيك عن بروز تنظيم “الدولة الإسلامية”، قد ساهم في منح روسيا الفرصة لاتخاذ خطوات جريئة لتحقيق أهدافها في سوريا. وقد صرّحت موسكو بوضوح بأنها ستستمر في دعم نظام الأسد “عسكرياً وفنياً”.
في حال تطوّر الوجود الروسي إلى قوة قتالية كبيرة، فقد تعجز واشنطن وحلفاؤها عن اتخاذ أي خطوات بارزة حيال ذلك. فالولايات المتحدة وحلفاؤها لن يخاطروا في الانخراط في مواجهة عسكرية مع روسيا، ومن المحتمل أن لا تكون الأدوات السياسية التقليدية (الاحتجاجات الدبلوماسية والعقوبات وإجراءات الأمم المتحدة) مُجدية أو قد يتم إحباطها من قبل روسيا. إنّ الغرب في حال تفاعلية ولم يبدِ أي رغبة حقيقية في مواجهة موسكو في مناطق أخرى تلوِّح بمخاطر إندلاع مواجهات عسكرية.
* جيفري وايت باحث في الشؤون الدفاعية بمعهد واشنطن وضابط كبير سابق لشؤون الإستخبارات العسكرية
المصدر | جيفري وايت، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى
نتنياهو في موسكو: لا عزاء لـ”محور الممانعة”!/ صبحي حديدي
ثمة جديد، هذه المرّة، في الزيارة ـ غير المبرمجة مسبقاً، كما يتوجب التذكير ـ التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى العاصمة الروسية موسكو، مؤخراً؛ وثمة طارىء استدعى التعجيل بالزيارة، واقتضى اللقاء وجهاً لوجه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ويكفي، للتدليل على خصوصية هذه الزيارة تحديداً، أنّ نتنياهو لم يذهب على رأس وفد سياسي أو دبلوماسي أو اقتصادي، أو حتى علمي ـ تقني (لكي يكون الاتفاق النووي بين إيران والغرب على جدول الأعمال مثلاً)؛ بل كان أبرز مرافقي نتنياهو هما غادي أيزنكوت، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، وهرتزل هاليفي، رئيس الاستخبارات العسكرية. أخيراً، هذه المرّة يذهب نتنياهو علاني، لا كما فعل في أيلول (سبتمبر) 2009، حين قام بزيارة سرّية خاطفة، دامت ساعات؛ بل يتقصد إحداث مقدار من الضجيج والعجيج والإعلام، يليق بحجم الابتزاز الواجب ممارسته على موسكو.
كذلك، في جانب آخر من خصوصيات هذه الزيارة، فإنّ أحداً لا يجهل دوافعها، أو يكترث بالتعمية على أغراضها، حتى بوسائل التحايل الدبلوماسي المعتادة؛ بل، أكثر من هذا وذاك، لعلّ الاتفاق على منافعها، رغم أنها محدودة ومحددة ومنحصرة النطاق، يكاد أن يرتقي إلى مستوى التوافق: في إسرائيل كما في روسيا، كما في أمريكا. أليست فضيلة الفضائل، عند الأطراف الثلاثة، أن تتوصل إسرائيل إلى اتفاق مع موسكو، تسهر عليه لجان عسكرية وأمنية مشتركة، يحول دون وقوع أيّ «سوء تفاهم» في الأجواء السورية، بين قاذفات إسرائيلية آتية لقصف قوافل تسليح «حزب الله» في لبنان؟ أليس من مصلحة إسرائيل أن تضمن موسكو، عبر معدّاتها الجديدة المعقدة التي نُشرت في مطار حميميم، ومحيط بلدة جبلة، وشواطىء طرطوس، وتخوم حماة… أيّ ارتطام في الأجواء السورية بين قاذفات الـ»سوخوي 27» الروسية، والـ»F-15» الأمريكية الإسرائيلية؟
الطرف الوحيد الذي يلعب دور «الأطرش في الزفة»، ولكنه في الآن ذاته كتلة من الآذان الصاغية، هو «محور الممانعة»، في صدارته الإيرانية بادىء ذي بدء، ثمّ تفريعه الأهمّ عند «حزب الله» اللبناني، وروافده الأقلّ شأناً هنا وهناك في الشرق الأوسط. وهذا المحور يتجاهل، عن سابق عمد يدعو إلى الشفقة والضحك معاً، ضرورة تفكيك معادلة التناقضات الفاضحة التالية: كيف يصحّ أنّ «حزب الله» يعلن أنه يقاتل مع النظام السوري من أجل تحرير القدس وإسقاط المؤامرة الصهيو ـ أمريكية في سوريا، في حين أنّ بشار الأسد هو نفسه الذي ناشد الروس أن يرتقوا بوجودهم المتواضع في سوريا إلى مستوى القاعدة العسكرية الستراتيجية الكبرى، وهذه القاعدة هي ذاتها التي سوف تحمي القاذفات الإسرائيلية حين تحلّق في الأجواء السورية، وكبرى أهدافها تتمثل في قصف قوافل تسليح «حزب الله»؟
فإذا عفّ «محور الممانعة» عن الخوض في مستنقع التناقضات هذا، واستمرأ حال «الطرش» التامّ في غمرة «الزفّة» الضاجّة الصاخبة؛ فماذا سيقول عن ارتقاء التنسيق العسكري، ليس بين نظام الأسد وموسكو هذه المرّة، بل بين الجيش الإيراني الباسل، والجيش الروسي… الباسل، أيضاً، بدليل مآثره في بلاد الشيشان مثلاً؟ قبل أيام أعلن الأدميرال حبيب الله سياري، قائد القوة البحرية للجيش الإيراني، أن بلاده تعتزم إجراء تدريب بحري مشترك مع روسيا. ونقلت وكالة أنباء «إسنا» الإيرانية قوله إن التدريب سيجرى خلال زيارة مجموعة الأساطيل الـ36 للجيش الإيراني إلى روسيا خلال الشهور المقبلة؛ متبرعاً بتقديم معلومة إضافية: «أجرينا تدريباً مشتركاً مع مجموعات الأساطيل الروسية والهندية في مياهنا خلال الفترة الماضية».
الإنصاف يقتضي استكشاف سبب واحد على الأقلّ، جوهري تماماً مع ذلك، يجعل «محور الممانعة» على اتفاق تامّ مع كلّ من موسكو وتل أبيب: أنّ المحور والعاصمتين تجاهد للإبقاء على النظام السوري، حتى بمعنى تمديد موته البطيء ما أمكن. فكيف إذا التقى هذا الاتفاق مع سياسة يعتمدها الرئيس الأمريكي باراك أوباما إزاء الملفّ السوري، ولا تنتهي خلاصاتها إلا إلى ما تنتهي إليه رغبات طهران، وتل أبيب، وموسكو؟ وكيف إذا كانت العودة الروسية إلى الشرق الأوسط، من باب الساحل السوري، تمنح موسكو منصّة رقابة على التمدد الإيراني في سوريا، وسلطة ضبط معدّلات النفوذ الإيراني في سوريا؛ كما تجعل من موسكو، في المحصلة الأخيرة، وسيطاً متعاطفاً مع إسرائيل بصدد أنشطة إيران النووية؟
أليست كلّ هذه المغانم كفيلة بإخراس ألسنة «الممانعة»، مقابل إسالة لعابها حول احتمال ما، أياً كان ضعفه، ينتشل الأسد من الهوّة، حتى إلى حين؟ ليس تماماً، في الواقع، بدليل تعبيرات الضيق التي أخذت تتسلل في تعليقات ممثّلي «الممانعة» على تعاظم الوجود العسكري الروسي في سوريا، واقترانه بتعاظم التنسيق الروسي ـ الإسرائيلي. ولكن، في المقابل، ما الذي يمكن لأيّ طرف «ممانع» أن يفعله إزاء طرازَيْ التعاظم هذَين، بين موسكو وتل أبيب؛ خاصة وأنّ رأس النظام الروسي قد آثر التمرّغ في أحضان «الروليت» الروسية، على نحو من التبعية العارية أتاح للرئيس الروسي أن ينطق باسم النظام، فيطمئن إسرائيل، ويعلن أنّ الأسد لا ينوي فتح جبهة ثانية في الجولان؟ لا شيء يمكن فعله، هنا أيضاً في الواقع، ما خلا اضطرار «الحرس الثوري» الإيراني، وميليشيات «حزب الله» إلى متابعة الخوض في المستنقعات ذاتها، هنا وهناك في سوريا.
ويبقى أنّ العلاقات الروسية ـ الإسرائيلية باتت أفضل حالاً من العلاقات الروسية ـ السورية، لا سيما في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون، الذي خالف الولايات المتحدة ومعظم الدول الغربية في رفض إدانة سياسة الحديد والنار التي اعتمدتها موسكو في بلاد الشيشان، بل لجأ إلى النقيض، فباركها وامتدحها. ولعلّ واقعة قيام بوتين بزيارة إسرائيل ومصر، ولكن ليس سوريا، في نيسان (أبريل) 2005، أي بعد أقلّ من ثلاثة أشهر على زيارة الأسد إلى موسكو (حين لاح أنّ العلاقات عادت متينة، بدليل استعداد موسكو لتزويد سوريا بصواريخ ارض ـ جوّ متطورة)؛ كانت بمثابة تذكرة صارخة بأنّ خيار الأسد في اللعب على حبال روسية، لشدّ انتباه المتفرّج الأمريكي أساساً، لم تكن خافية على الكرملين. اليوم تدرك موسكو أنّ ثمن تعديل علاقاتها مع نظام الأسد لم يرتفع كثيراً فقط، بل صار باهظاً تماماً، ولا تقسيط في سداده كما كانت الحال سابقاً.
يبقى، أيضاً، أنّ بوتين يمارس لعبة استعراض العضلات العسكرية في الساحل السوري ـ بعد أن تعثّر الاستعراض ذاته في جورجيا، أو تباطأ على صعيد التسابق في ميدان صناعة الصواريخ الستراتيجة ـ لكي يقايض الولايات المتحدة، والحلف الأطلسي، بدورٍ لموسكو في المنطقة على غرار الدور السوفييتي في مصر مطلع سبعينيات القرن الماضي. وبهذا المعنى فإنّ نتياهو يذهب إلى موسكو اليوم، وهو يدرك أنّ معادلات المنطقة تعيش حقبة «شرق أوسط أوباما»، حيث فلسفة عدم التدخّل الأمريكي تفتح البوّابات ـ جمعاء ربما، حتى في إسرائيل ذاتها ـ لأشكال شتى من التدخّل الروسي. فما الذي سوف يدفع نتنياهو إلى الاعتراض على وجود عسكري روسي متعاظم في الساحل السوري، ما دامت أغراض ذلك الوجود لا تتناقض البتة مع مصالح إسرائيل، فتؤجّل سقوط نظام الأسد، وتتناغم مع القاذفات الإسرائيلية حين تحلّق لتأديب الأسد/ «حزب الله»، معاً؟
وأيّ عزاء، والحال هذه، لـ»محور الممانعة»؟
٭ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
القدس العربي
“العسكرة الروسية” في سورية سلاح بوتين الأخير؟/ جورج سمعان
«العسكرة» الروسية في سورية حمالة أوجه واجتهادات. وكشْفُ ما يعتبر أسراراً عسكرية حمال قراءات. ومثله توقيت الإعلان وإثارة عاصفة من ردود الفعل. القضية ليست عرض عضلات عندما يصل الأمر إلى بداية تدخل ميداني. فجميع المعنيين بالأزمة السورية في الداخل والخارج لم يفاجئهم الحديث عن وجود خبراء روس للمساعدة في تدريب الجيش السوري على الأسلحة التي ترد إليه من حليفه. والشحنات مستمرة ولم تتوقف حتى قبل الأزمة. وقرار موسكو رفع وتيرة التسليح والحضور العسكريين أمر طبيعي لتعزيز القرار السياسي الذي نهجته منذ بداية الحرب في هذا البلد. فقد أيدت النظام وحمته في مجلس الأمن والمنتديات الدولية. لكن تطوير هذا المنحى إلى بداية انخراط مدروس يعتبر خطوة استراتيجية. وهي كانت تطمح من فترة طويلة إلى ترجمة مشروع قديم يقضي بتحويل وجودها «السوري» حضوراً دائماً وراسخاً وفاعلاً. ذلك أن ميناء طرطوس لم يشكل لها قاعدة بالمعنى العسكري البحت. كما هي حال القواعد الأميركية الثابتة حول العالم. كان مجرد حوض دعم يزود سفنها الحربية بما تحتاج إليه من مؤونة ووقود. وهي اليوم في صدد تحويل هذا الوجود قاعدة ثابتة. وهذا ما يستدعي تعزيزات إضافية وتوفير عتاد وعديد ومطار ومرسى ومنشآت أخرى. والجسران الجوي والبحري مستمران لإنجاز هذا المشروع.
ولعل الحركة الديبلوماسية التي نشطت في الأسابيع الأخيرة لدفع أزمة سورية في مسار سياسي عجّل في ترجمة طموح روسيا. فقيام قاعدة عسكرية في هذا البلد يشكل رافعة أساسية لحضورها في أي مشروع تسوية لهذه الأزمة. ويحفظ لها كلمة مسموعة ومضمونة، خصوصاً أنها الطرف الأكثر حراكاً اليوم للدفع نحو هذه التسوية. بل تتصرف على أساس أن ثمة تفويضاً غير مباشر أو موافقة ضمنية من جانب القوى الدولية الأخرى على حراكها هذا. التوقيت إذاً كان ضرورياً. وأُرفق تعزيز القوات الروسية بجلبة إعلامية وجدال ديبلوماسي بين موسكو وواشنطن. ورفعت وتيرته مناورات بحرية روسية يفترض أنها تجرى هذه الأيام بين الساحلين السوري والقبرصي. فضلاً عن الحديث عن طائرات حربية يقودها ضباط روس أيضاً يتوقع أن يشاركوا في الحرب دفاعاً عن النظام. أما إذا تعذر الحل السياسي، كما يبدو حتى الآن، فلا بأس في أن يكون لروسيا موقعها في «الدويلة» الساحلية وتوابعها وملحقاتها المرشحة لذلك.
في القراءات الأخرى أن روسيا لا تريد، كما بات معلوماً، انهيار النظام والدولة تالياً بعد الإنهاك والتشتت اللذين أصابا المؤسسة العسكرية. ومثلما فعل تدخل «حزب الله» لحماية دمشق، فعلت موسكو قبل نحو سنتين عندما أبلغت حليفها بمواقع تجمع الفصائل المسلحة التي كانت تستعد للانقضاض على العاصمة وأُحبط الهجوم. ولا تزال تعين دمشق في قضايا استخبارية واستطلاعية لمواقع خصومها. كما تعين قيادتها العسكرية في استشارات وإدارة عمليات. وهي تحرص اليوم على حماية المواقع التي لا تزال في حوزة النظام، خصوصاً الشريط الساحلي والعاصمة. ويحمل هذا الحرص في جانب آخر طمأنة للرئيس بشار الأسد إلى عدم التخلي عنه، في خضم الحراك الديبلوماسي وتفعيل مهمة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا لإطلاق «جنيف – 3» أو «موسكو – 3». وفي ظل اللقاءات الروسية – الخليجية وما حملت من تقارب وتوجهات نحو علاقات استراتيجية تملأ الفراغ بعد «مغادرة» الولايات المتحدة المنطقة. وفي ضوء ما تمخضت عنه القمة الأميركية – السعودية من تفاهمات والتزامات… وعلى وقع تداعيات أزمة اللاجئين إلى أوروبا والضغوط التي ستخلفها.
هذه التطورات رافقها حديث عن بداية تحول في موقف الكرملين من مستقبل الرئيس الأسد. أمام هذا الواقع، كان لا بد من أن تبعث موسكو إليه برسالة طمأنة. وهو ما تقتضيه مصلحتها من هذا التشدد العلني على الأقل. وهي أيضاً رسالة إلى جميع المعنيين بأنها موجودة بقوة وأنها متشددة، تماماً مثل إيران. ذلك أن الأخيرة تعيش أيضاً على وقع الاستعداد لإطلاق المسار السياسي. ولا بد من تشددها عشية أي مفاوضات. ولا بد من أن تحرص على الاحتفاظ بالأوراق الوازنة قبل الجلوس إلى الطاولة. لذلك، أعلن الرئيس حسن روحاني الاستعداد للبحث مع السعودية أو أميركا أو أي طرف في تسوية الأزمة. في حين كان موقف المرشد علي خامنئي أكثر تشدداً: لن يبحث في أي قضية إقليمية مع الأميركيين! وبالطبع يشي هذان التشددان، الروسي والإيراني، بالصراع المكبوت بين الطرفين على القرار النهائي الخاص بسورية. ورأس النظام الذي يطالب به خصومه في الداخل والخارج ورقة مساومة ثمينة. ولا بد تالياً من تعزيز مواقع هذا النظام الذي خسر الكثير في الشهرين الماضيين. وهذا ما يجهد من أجله حليفاه. مع فارق أن موسكو تراهن على رافعة أساسية لدورها هي المؤسسة العسكرية التي ستعيد تأهيلها بعد التفكك الذي أصابها نتيجة الحرب. ولا يغيب عن نظرها ما قد يحمل المستقبل من توجهات للجمهورية الإسلامية صوب الغرب عموماً لإعادة بناء اقتصادها، على رغم تصريحات العداء العلنية لـ «الشيطان الأكبر»، وإبداء الحرص على علاقات استراتيجية مع «الشيطان الأصغر»!
حتى المواقف الأميركية المنددة بالانخراط الروسي المباشر ربما كانت هي الأخرى من باب طمأنة حلفائها وشركائها إلى أنها لم تتخلَّ عن موقفها ودعوتها إلى رحيل الرئيس الأسد. فمن المسلم به أنها لن تحرك ساكناً حيال «العسكرة الروسية». ولن تبادر إلى وقف هذه الخطوة أو مواجهتها بالقوة. وهي تعي أن موسكو لا يمكن أن تغامر بدخول المستنقع السوري، أو أن تكرر تجربة أفغانستان ساحة استنزاف ومشروع هزيمة. وتحسب ألف حساب لمثل هذه المغامرة، ويعوقها ألف سبب: كيف يمكن دولة جعلت شعار مواقفها، منذ إسقاط معمر القذافي وقبله، وجوب عدم التدخل الخارجي في شؤون الدول الأخرى في حين تجيز لنفسها هذا التدخل؟ منذ البداية تمسكت بأن مصير الأسد يقرره السوريون فكيف تبرر لنفسها حمايته إذا توافرت لهؤلاء القدرة على إطاحته؟ مصلحتها بالتأكيد في حماية النظام والدولة، قبل حماية الرئيس، لأن بقاءهما ضمان لمصالحها. من ناحية أخرى كيف يمكن الكرملين أن يجازف بهدم ما بناه حتى الآن من علاقات وشبكة مصالح مع أهل الخليج؟ يدرك بالتأكيد أن تمويل إعادة إعمار سورية جله سيأتي من دول مجلس التعاون.
هو العامل الاقتصادي نفسه أيضاً عائق كبير أمام الطموح لاستعادة الزمن الإمبراطوري. يحتاج مشروع كهذا إلى رافعة اقتصادية ليست متوافرة. خاب رهان الرئيس بوتين على آسيا والجمهوريات السوفياتية السابقة والفضاء الآسيوي بديلاً من أوروبا والولايات المتحدة بعد أزمة أوكرانيا. وحتى الصين التي تماشيه في سياساته ليست في وارد فتح صراع مع أميركا أو أوروبا. بل هي تربعت على «الخريطة السوفياتية» بالتجارة والاقتصاد ولم تترك له مكاناً فيها، من طريق الحرير التي تعيد بعثها، إلى مشاريع واستثمارات في كازاخستان وتركمانستان وإيران وغيرها من الدول المحيطة بالاتحاد الروسي. «استعمرت» هذه المنطقة بعدما «استعمرت» أفريقيا!
إذاً، لا تحتاج روسيا إلى التهويل الغربي والتحذير من التدخل الميداني المباشر. أطلق الرئيس بوتين مبادرة أو مناورة بإعلانه أن الرئيس الأسد مستعد لاقتسام السلطة مع المعارضة «البناءة»، وأرفقها بمناورة عسكرية أخرى. صحيح أنه ترك الباب مفتوحاً لاحتمال التدخل بقوله أن هذا الأمر سابق لأوانه. لكن العارفين في موسكو يستبعدون أن يتجاوز التدخل عمليات نوعية لوحدات خاصة للقضاء على خلية إرهابية أو قائد لـ «داعش» أو عناصر شيشانية تقاتل في سورية والعراق. لن يذهب التدخل أبعد مما ذهب إليه تدخل التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب في بلاد الشام.
باب القراءات والاجتهاد في الانخراط الروسي الطارئ ينتظر أن تحسمه الكلمة التي سيلقيها الرئيس بوتين في الجمعية العامة قريباً. ومن الطبيعي أن يعيد طرح مشروعه الداعي إلى تكتل إقليمي ودولي لمحاربة الإرهاب يعتمد على الجيشين العراقي والسوري والكرد وبعض فصائل المعارضة المعتدلة يساندهم تحالف خارجي واسع جواً وعمليات خاصة. وإذا اقتضى الأمر تدخلاً برياً موضعياً فإن روسيا قد تكون مستعدة ولكن… بعد الحصول على غطاء دولي من مجلس الأمن أو بالتفاهم مع اللاعبين الآخرين المعنيين بالحرب على الإرهاب. وعند ذلك ربما تكون مستعدة لدفع الأسد إلى تقاسم فعلي للسلطة في حكومة انتقالية ريثما تبرم الصفقة ويحين موعد رحيله… أو تقاسم سورية! القراءة الفصل في جعبة أسرار بوتين ومناوراته، وقد يطلقها في نيويورك، وربما في لقاء مع نظيره الأميركي باراك أوباما. أو ربما في انطاليا الشهر المقبل عندما تُعقد قمة العشرين حيث ينتظر الجميع حلولاً لاقتصاد عالمي عليل يعاني منه الجميع بلا استثناء وإن بدرجات متفاوتة.
الحياة
“داعش” أم “الدور السنّي”؟/ غسان شربل
أقلقت النكهة الإسلامية لـ «الربيع العربي» خبراء روسيا وجنرالاتها. تخوّفوا من موجة عاتية معدية. من تسلُّل جاذبية «الربيع» إلى المسلمين من أبناء الاتحاد الروسي، وعددهم يزيد على عشرين مليوناً. التفتوا أيضاً إلى هشاشة الأوضاع في دول الحزام الإسلامي على أطراف الاتحاد. لم ينسَ هؤلاء أن المشاعر الدينية أدمت «الجيش الأحمر» السوفياتي في أفغانستان وأرغمته على المغادرة. عكفت مجموعة من الخبراء برئاسة فيتالي نعومكين على درس الغليان الضارب في الشرق الأوسط، وتأثيراته في مصالح روسيا وخياراتها. وفي أواخر العام 2012 رفعت المجموعة تقريرها إلى الكرملين.
اعتبر الخبراء أن من مصلحة روسيا تعزيز تحالفها مع إيران والعراق، ولفتوا إلى أن أي خسارة لمحور طهران – بغداد تُلحِق الضرر بالمصالح الروسية. رأى الخبراء أيضاً أن روسيا ستكون مستفيدة من أي تطور يدفع الدول الخليجية إلى الانشغال بأوضاعها الداخلية، خصوصاً أن هذه المنطقة منافس جدّي لروسيا في أسواق الطاقة.
يمكن أن نضيف إلى التقرير زلة لسان ارتكبها سيرغي لافروف وعبرت عن مشاعره، حين قال أنه لا يمكن القبول بوصول «المجموعات السنّية» إلى السلطة في سورية لأنها تشكّل خطراً على مستقبل ذلك البلد. ويخشى الخبراء الآن من أن يؤدي أي انسحاب أميركي كامل من أفغانستان إلى تسهيل تمركز «داعش» في هذا البلد. يخشون أن توقظ جاذبية «داعش» الخلايا النائمة أو المعلنة في أوزبكستان وكازاخستان وطاجيكستان وقيرغيزستان.
هل تشكّل الرغبة في ضرب «داعش» القاسم المشترك بين موسكو وطهران، أم إن الطرفين يلتقيان أيضاً على ضرورة إضعاف ما يعتبرونه الدور السنّي في الإقليم، خصوصاً دور مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية؟ وهل يعتبران إضعاف اللاعب السنّي في المنطقة جزءاً من عملية إضعاف الدور الأميركي؟
الشائع أن الدور السنّي في المنطقة يتمثل تقليدياً في ثلاثة أدوار تلتقي وتتمايز وتفترق، وهي الدور السعودي والدور المصري والدور التركي. ويلاحظ هؤلاء أن الدول الثلاث مستهدفة الآن أو منشغلة بنزاعات عند حدودها أو داخلها. أرغمت مغامرة الحوثيين وعلي عبدالله صالح السعودية على الانخراط في حرب في اليمن. يقاتل الجيش المصري حالياً في سيناء وعينه على الرياح الوافدة من ليبيا. يقاتل الجيش التركي الآن داخل أراضيه وأحياناً خارجها.
واضح أن إيران نفّذت في العقد الماضي انقلاباً صريحاً على الدور السنّي في المنطقة. عززت قبضة التحالف الشيعي في بغداد. منعت من سماهم لافروف «المجموعات السنّية» من الانتصار في سورية. اجتذبت الحوثيين في اليمن إلى سياستها، ودعمت ممارسات متشدّدة في البحرين، وقلّصت حدود الدور السنّي في لبنان. تستخدم إيران عناوين أخرى لتسمية سياستها، لكن المحصّلة هي سعيها إلى تقليص الدور المنافس لها في الإقليم.
يتفق العارفون بتركيبة المنطقة في القول أن الدور الحاسم في إلحاق الهزيمة بـ «داعش» لا يمكن أن يلعبه إلا أبناء المناطق السنّية التي انتزع التنظيم السيطرة عليها، وتعاني اليوم وطأة ممارساته. يتردّد التحالف المسيطر في بغداد في إعطاء السنّة هذا الدور لأنه يعزّز مطالبتهم بالعودة إلى شراكة فعلية في إدارة العراق. السنّة في سورية هم الأقدر على محاربة «داعش»، لكن قيامهم بهذا الدور يعزّز حقهم في المطالبة بشراكة كاملة في السلطة. إيران وروسيا تطالبان بأن يكون الدور الأول للقوات الموالية للرئيس بشار الأسد. الإصرار على مواجهة «داعش» بقوات لا تنتمي إلى البيئة التي ظهر فيها، قد يصبّ في النهاية في مصلحة التنظيم. استغلال ظهور «داعش» ووحشية ممارساته للانقلاب على الدور السنّي في المنطقة يُنذر بنزاع طويل مدمر.
أخطر ما يمكن أن يحدث في سورية هو أن يترسّخ الانطباع بأن الغرض من التدخُّل الروسي هو ملاقاة البرنامج الإيراني لكبح الدور السنّي في المنطقة تحت لافتة محاربة «داعش»، وبحجة التصدّي لـ «البيئة الحاضنة» أو المُنجبة وحماية الأقليات. ظهور قناعة من هذا النوع سيجعل التدخُّل الروسي مقدّمة لما هو أدهى. سيفتح الباب لولادة أفغانستان جديدة على الأرض السورية. وسيجد نزاع من هذا النوع صداه على أطراف الاتحاد الروسي، وربما داخله.
أغلب الظن أن فلاديمير بوتين لا يريد تكرار خطأ ليونيد بريجنيف. لا يريد أفغانستان جديدة ولا فيتنام روسية على الأرض العربية. لكن قطع الطريق على احتمالات من هذا النوع يُلزم روسيا بالإسراع في توظيف تدخُّلها العسكري في بلورة حلٍّ في سورية، بعيداً من مشروع الانقلاب على الدور السنّي.
بطل غروزني في بلادنا/ عمر قدور
تأكد مؤخراً ما سبق أن نشره نشطاء سوريون عن تدخل روسي مباشر داعم لقوات النظام. وزارة الخارجية الروسية اعترفت بجزء من الحقيقة، والتعبير عن القلق الأميركي الأطلسي من التحركات الروسية اعترف بجزء آخر، بينما الحقيقة الكاملة يتعين بعضها على الأرض، وستجلي الأيام المقبلة أبعادها.
أخبار النشطاء عن تورط روسي في بعض المعارك كان يُنظر إليها كنوع من البروباغندا الإعلامية، لكن المرجح في المرحلة المقبلة انكشاف المزيد من الأخبار، وأن تبدأ الماكينة العسكرية الروسية مشروع تعويم الأسد سنداً لنجاح جزئي حققته الماكينة الديبلوماسية.
كان لافروف قد نوه بقبول الشركاء الغربيين مبدأ مشاركة الأسد في المرحلة الانتقالية، وبأن الخلاف المتبقي هو على أحقيته بالمشاركة في ما بعدها، ما أكده مؤخراً وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند. هو هاموند نفسه الذي وقّع برفقة وزير الخارجية الفرنسي على مقال، نُشر في «الحياة» نهايةَ شباط (فبراير) الماضي، يرفضان فيه أن يكون الأسد مشاركاً في حكومة انتقالية سورية. منذ ذلك التاريخ سار المزاج الغربي عكس التطورات الميدانية، فقوات الأسد مدعومة بالحلفاء خسرت المزيد من المواقع، وفشلت في استرجاع مناطق صغيرة كمدينة الزبداني على رغم استخدام مختلف أصناف الأسلحة الثقيلة.
من هذه الوجهة، قد يكون التدخل الروسي الأخير ملاقاة للتغير في المزاج الغربي، ودعماً ميدانياً له، إذ مع التآكل التدريجي لسيطرة الأسد على الأرض ستتآكل فرص الحل السياسي الذي تصر الإدارة الأميركية على ألا بديل له. ليس صعباً ملاحظة أن القلق الذي أبدته الإدارة الأميركية وحلف الناتو مُصاغ بعبارات ألفنا سماعها من الأمين العام للأمم المتحدة الذي لا حول له ولا قوة.
وكي لا نعزو التطورات إلى مؤامرة دولية، ينبغي تذكر ترك الإدارة الأميركية الملفَ السوري للروس طوال الأشهر الأخيرة، ويمكن القول بأنها أرغمت الحلفاء الإقليميين على لجم اندفاعهم، وأجبرتهم على توسل تنازلات مدفوعة الثمن لا يبدو أنها كافية للروس. لقد كان واضحاً خلال هذه الفترة وجود تفاهمات أميركية روسية، ومصدر القلق الفعلي هو تجاوزها من قبل الروس الذين ضمنوا المرحلة الانتقالية بوجود بشار الأسد، ويعملون الآن على بقائه في ما بعدها.
في الحقل السياسي عموماً، لا يسجل الروس سابقة بإخلالهم بتعهدات لم تكتسب صفة إلزامية، شأنهم في هذا شأن من يوقع على مقال ثم يبدل رأيه لاحقاً. ولا جديد من جهتهم، فهم لم يلتزموا من قبل تفاهمات تخص الموضوع الأوكراني.
مدخل الروس المعلن في سورية هو مكافحة الإرهاب، وهو يأخذ مشروعيته من فشل الإدارة الأميركية التي تحرص على عدم الزج بقواتها البرية في مغامرة التصدي له، وكونها تريد شركاء على الأرض يقومون بالمهمة. وبما أن الأسد فشل في إثبات جديته على هذا الصعيد، يتقدم الروس لمنحه الصدقية المفتقدة بإشرافهم المباشر على العمليات العسكرية، أما أنهم لا يميزون بين الإرهاب والفصائل العسكرية التي تقاتل النظام فذلك قد يعدّ تفصيلاً ثانوياً لو ضُمن موقفهم في ما يخص تنحيته بعد المرحلة الانتقالية.
وفق المعطيات الجديدة، قد يترتب على التحالف الدولي ضد داعش التنسيق التام مع القيادة الروسية، وضمناً مع النظام، بدل إنذار الأخير بتعطيل راداراته أثناء غارات التحالف، وهي وضعية ترفع النظام عملياً إلى رتبة مشارك في الحرب على الإرهاب، ما قد يثير اعتراض دول إقليمية أخرى مشاركة في التحالف، وينذر بإضعافه أكثر مما هو عليه أصلاً.
تحت يافطة الحرب على الإرهاب، يعي الروس جيداً أن الأسد فشل فشلاً ذريعاً في تطبيق نموذج غروزني، وأخذ منه فقط الجانب المتعلق بالتدمير والإبادة الشاملين. فقوات الأسد، عاجزةً أو متعمدة أحياناً، ركزت جهدها على استهداف المدنيين ومعاقبتهم، في الوقت الذي تتلقى فيه الخسائر المتوالية عسكرياً.
ما سقط أيضاً فرضيةُ إقامة توازن قائم على امتلاك النظام الجو لتعويض خساراته على الأرض، وهي فرضية تذكر بتفوق سلاح الجو الإسرائيلي على جميع الجيران العرب. الانهيارات المتوالية لقوات النظام وفشل حليفاتها أظهرت القدرة الجوية فقط على قتل المدنيين واستهداف مقومات العيش، أي أن حرمان الفصائل المعارضة الصواريخَ المضادة للطائرات لم يعد يعول عليه على المدى البعيد. لذا يتقدم الروس بأسلحتهم الحديثة وخبرائهم وحتى مقاتليهم للقيام بالمهمة، على قاعدة تناوب السيطرة على الأجواء مع التحالف الدولي، وبالطبع استهدافهم القوى التي لا يستهدفها.
لن يمر وقت طويل حتى يكتشف الغرب مجدداً أن الروس لن يكونوا شركاء مناسبين، وأنهم يعملون لمصالحهم بمعزل عن مفهوم الشراكة. غير أن الأداء الروسي الحالي منسجم تماماً مع سلبية الإدارة الأميركية، فإذا كانت الأخيرة تنسحب من المنطقة فهم عازمون على التقدم فيها، وإذا كانت تطوي ملف التدخلات العسكرية المباشرة فهم استأنفوا الإرث السوفياتي بدءاً من أوكرانيا وصولاً إلى سورية، وإذا كانت لا تريد التضحية بالأميركيين بلا خطر مباشر فهم مستعدون للتضحية على قربان التوسع واستعادة الهيبة الدولية.
إننا في المجمل إزاء خطين متعاكسين يربح منهما الأكثر قابلية للانخراط في الميدان. فالصراع في سورية وعليها، بل الصراع في المنطقة ككل، ينتمي إلى نوع قديم لم تعد جائزته مجزية بالنسبة للغرب بميزان المصالح، عدا عن كلفته الكبيرة بميزان الأدوات والأساليب.
عملياً سنكون أمام صفحة جديدة في سورية، حيث من المتوقع أن تتصاعد شدة المعارك مع التدخل الروسي، وستكون الفصائل المعارضة في مواجهة تكتيكات جديدة لم تألفها في التعامل مع قوات النظام، بخاصة على صعيد الضربات الجوية التي قد تتغير أهدافها لتصيب المقاتلين والأهداف المدنية الحيوية، بدل القصف شبه العشوائي المتبع الآن.
النية الروسية واضحة وشبه معلنة، يمكن تلخيصها بالعزم على إخضاع السوريين أسوة بالتجربة الشيشانية، ولئن فشل الأسد في استلهام النموذج فها هو بوتين «بطل النموذج الشيشاني» يتقدم بنفسه لتطبيق نموذجه المفضل.
في ظن القيصر الروسي الجديد أن ما تبقى من أيام الإدارة الأميركية وسلبيتها كافٍ لإنجاز تحول حاسم على الأرض، لكنه سيكون مخطئاً تماماً إذا كان مكتوباً في مكان ما، على الأرض، أن الانتصار الذي مُنع عن الآخرين ممنوع عليه أيضاً.
الحياة
لماذا يصمت العرب عن التدخُّل الروسي؟ الخيبة من أميركا وتقليص السطوة الإيرانية/ روزانا بومنصف
لم يصدر اي رد فعل عن اي من الدول العربية ولا سيما منها المجاورة لسوريا على تعزيز روسيا وجودها في مناطق الساحل السوري وزيادة الدعم لقوات النظام. فهل يمكن ان تكون هذه الدول على بينة من الخطة الروسية في هذا الاطار خصوصاً ان موسكو شهدت زيارات عدة لمسؤولين عرب بارزين في الأسابيع الاخيرة عقب التوقيع على الاتفاق مع طهران على ملفها النووي وبحثت مع كل منهم في سبل تفعيل الحل لأزمة سوريا من دون ان تنجح في تليين مواقفهم من الرئيس السوري ومصيره؟
قد يقال ان الدول العربية نادراً ما عبّرت علناً وبصراحة عن مواقفها من مسائل حساسة ومهمة على غرار استيائها الكبير من المفاوضات السرية التي اجرتها الولايات المتحدة مع ايران حول ملفها النووي من دون اطلاع حلفائها ، وحصرت هذه المواقف عبر القنوات الديبلوماسية. وينسحب الأمر نفسه على الموقف من الخطوة التي أقدمت عليها روسيا بتعزيز وجودها العسكري في مدن الساحل السوري التي يسيطر عليها النظام جنباً الى جنب مع اعلان روسيا ان التنسيق مع بشار الاسد وحده يساعد على تدمير تنظيم الدولة الاسلامية. الا ان ما تم توافره من معلومات من سياسيين التقوا قادة عرب خلال الفترة الأخيرة يفيد بان الدول العربية المؤثرة قد لا تكون منزعجة من تعزيز روسيا تدخلها في سوريا، وهي لا تبدي حرصاً على مماشاة المواقف الاميركية المعلنة التي حذرت روسيا من تدخلها او رفعت الصوت من تداعيات هذه المسألة. لا بل ان هذه الدول لم تخف ارتياحاً مضمراً الى تعزيز روسيا حضورها انطلاقاً من ان واشنطن وخلال ما يزيد عن اربع سنوات من المناشدات العربية من اجل التدخل لوقف النزف السوري، خيبت آمال جميع حلفائها في هذا الاطار وهي لا تنوي وفق لما بات يعرف بعقيدة الرئيس الاميركي باراك اوباما في ما تبقى من ولايته التدخل من اجل المساعدة في انهاء الحرب السورية. وبقطع النظر عما اذا كان تعزيز الوجود الروسي العسكري سيساهم في ذلك اي ايجاد حل للازمة في سوريا او لا في هذه المرحلة على رغم ترجيح الاحتمال الثاني، فان واشنطن لا يمكنها التخلي عن المنطقة وخصوصا عن سوريا بعد ليبيا والتذمر في الوقت نفسه من ان يشغل آخرون الفراغ الذي كان ينبغي ان تشغله كقوة عالمية لها مصالحها الحيوية في المنطقة.
منطق ايران خلال العامين الماضيين تمحور حول هذا المنطق انطلاقاً من ان انسحاب اميركا من المنطقة دفع بايران الى محاولة احتلال ساحات وشغل حيز من هذا الفراغ. هكذا فعلت في العراق حين انسحبت قواتها تاركة لإيران الحرية بان تضع يدها على العراق ما تسبب بما حصل لجهة انطلاق تنظيم الدولة الاسلامية وسيطرته على مدن عراقية. وليس خافياً من ان كل التطمينات التي قدمتها واشنطن عن عدم ترك ايران متفلتة في المنطقة بعد توقيع الاتفاق النووي لا تشكل ضمانات للدول العربية التي تخشى خصوصاً بعد اقرار الكونغرس الاميركي الاتفاق النووي مع ايران وفي فترة انطلاق الانتخابات الرئاسية الاميركية تراخياً اكبر في ما خص نقاط الازمات في المنطقة . الا انه سيكون مثيراً معرفة رد الفعل الذي يمكن ان تبديه الادارة الاميركية والخطوات التي يمكن ان تتخذها ازاء الخطوات الروسية الاخيرة خصوصاً ان الرئيس اوباما سيكون معرضاً لانتقادات شديدة لتركه منطقة الشرق الاوسط لدول كبيرة اخرى ولروسيا بعد ايران من اجل ان تملأ الفراغ الذي تركه الانسحاب الاميركي منها نتيجة السياسة التي انتهجها ما سيترك تداعيات بالغة على المصالح الاميركية التاريخية في المنطقة. كما سيكون مثيراً معرفة كيف ستوظف روسيا قدراتها في سوريا وفي اي اتجاه ضد المعارضة تحت عنوان مواجهة الارهاب او ضد مواقع تنظيم داعش وهل سينقذ ذلك الاسد او نظامه؟
في الزيارات التي قام بها المسؤول الامني لدى النظام السوري علي المملوك لكل من جدة في تموز الماضي كما لمصر قبل اسابيع قليلة، سمع كلاماً واضحاً من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مماثلاً للكلام الذي سمعه من ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والذي يفيد بانه من غير الممكن وقف دعم المعارضة في سوريا من دول المنطقة ما لم يتخذ الرئيس السوري اجراءات تحسم وجود ايران و”حزب الله” في الاراضي السورية، اذ ان استمرارهما الى جانبه يعني استمرار المعارضة التي يدرك الاسد عدم قدرته على إزالتها بتجاهل وجودها او وسمها بالطابع الارهابي، وطلبه من الدول العربية وقف دعمها انما يعود لمعرفته بان الحرب ستكون طويلة وستستنزفه كلياً مع عجزه عن الطلب الى ايران والحزب الانسحاب من سوريا. ولذلك فان تعزيز روسيا وجودها يأخذ من طريق ايران في الدرجة الاولى بحيث يدخل عناصر جديدة على المعادلة المتحكمة بوضع الرئيس السوري ونظامه كما من طريق الولايات المتحدة في الدرجة الثانية وبدرجات اقل من سائر الدول الاقليمية المعنية بحسب المعنيين انفسهم، هذا اذا تم التسليم جدلاً بان افق الحلول ممكنة في المدى المنظور، وهذا ليس اكيداً. اذ يجزم السياسيون المعنيون انه على رغم انه يتم العمل على انعقاد جنيف من اجل ايجاد حل للأزمة السورية، فان هذا متوقع على المدى الطويل وليس قريبا على الاطلاق.
النهار
لماذا «تكرّر» روسيا في سورية «السيناريو الأوكراني»؟/ رائد جبر
تكشف تعليقات السياسيين الروس – خصوصاً من المعارضة – على التحركات العسكرية لبلادهم في سورية أخيراً، اقتناعاً بأن الكرملين اتخذ قراراً بالتصعيد و «قلب الطاولة» في وجه الغرب، على رغم إصرار موسكو رسمياً على إنكار المعطيات المتزايدة في شأن تدخلها العسكري المباشر في سورية.
وبين الانتقاد والسخرية من تأكيد موسكو تارة أنها ملتزمة دعم الجيش السوري في «مكافحة الإرهاب»، ومن حديثها تارة أخرى تتحدث عن تنشيط إرسال مساعدات إنسانية إلى سورية، تبرز كلمات رئيس حزب «يابلوكا» الليبرالي سيرغي ميتروخين الذي ذكّر بأن روسيا أرسلت يوماً إلى كوبا شحنات «مساعدات إنسانية» كادت أن تتسبب في انزلاق العالم إلى مواجهة نووية.
ثمة اقتناع بأن «الكرملين لا يقول كل الحقيقة للشعب الروسي»، وبأن «الكائنات الخضراء اللون» وفق التسمية التي أطلقها الأوكرانيون على القوات الروسية التي تنفي موسكو وجودها في بلادهم، «ظهرت الآن في سورية لتكرر السيناريو ذاته»، كما يقول الرئيس الأوكراني بيترو بيروشينكو، علماً أن التسمية التي غدت متداولة كثيراً خلال أزمة أوكرانيا، تشير بنوعٍ من التهكُّم إلى المخلوقات الفضائية الغامضة التي تُنسج حول ظهورها واختفائها قصصٌ كثيرة. ولكن، خلف السخرية والمحاولات الكثيرة لتحليل أبعاد الحدث السوري – الروسي، تبرز حقيقة لا يمكن تجاهلها. فكل التحركات الروسية خلال السنوات الأخيرة، استندت إلى منهج واحد قوامه التمرد على محاولات عزل روسيا وتطويقها عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، والانتقال من الدفاع إلى استراتيجية الهجوم.
هذا المسار رسم ملامحه الأولى الرئيس فلاديمير بوتين، في خطابه الناري أمام مؤتمر الأمن في ميونيخ عام 2007، ووجد تطبيقاته العملية في العقيدة العسكرية الروسية التي خضعت لتعديلين منذ ذلك الحين، أخذاً في الاعتبار التحديات الجديدة التي برزت أمام روسيا.
بين عامي 2007 و2015، حصلت تطورات كثيرة كرست المسار الجديد لموسكو، منذ الحرب الجورجية 2008، واقتطاع إقليمَي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، و «تأديب» الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي الذي تجرأ على الخروج عن طاعة الكرملين… إلى أوكرانيا عام 2014 حيث تكرر السيناريو ذاته. وفي الحالين أثبت بوتين أنه مستعد لخطوات عملية لتطبيق رؤيته المستندة إلى تفكيك «حزام الأزمات» المحيط بروسيا، والذي يستخدمه الغرب لتطويقها وإضعافها، ومنع توسيع الحلف الأطلسي على حدودها. وهذا ما نصّت عليه حرفياً تقريباً العقيدة العسكرية الروسية في نسختها المعدلة عام 2010.
ركيزة المعادلة التي فرضتها موسكو، هي نقل الأزمة إلى داخل «معسكر الأعداء». فالحلف الأطلسي لن يقبل بانضمام بلدان تعاني نزعات انفصالية وحروباً داخلية مثل جورجيا أو أوكرانيا، إلى عضويته، وفي ذلك رسالة واضحة إلى مولدافيا المجاورة التي تحتضن بؤرة توتر قابلة للانفجار في إقليم برودنوستروفيه الانفصالي، وكذلك إلى بلدان حوض البلطيق التي تضم جاليات كبيرة روسية، شدّدت العقيدة العسكرية على أن حماية مصالحها مسؤولية روسيا.
لكن موسكو التي فوجئت بـ «الربيع العربي» وتطوراته المتسارعة والدموية، اضطرت إلى إدخال تعديل على عقيدتها نهاية العام الماضي، يراعي ضرورة «مواجهة بؤر التوتر في العالم»، و «استخدام القوة العسكرية خارج إطار مجلس الأمن في مناطق مختلفة». هكذا منحت الوثيقة الرئيس الروسي حق استخدام قوات خارج الحدود، لضمان مصالح بلاده.
بعبارة أخرى، كما يقول بعضهم، فإن روسيا التي لم تتقن فن استخدام القوة الناعمة، وضعت استراتيجيتها الدفاعية على أساس التدخل الخشن لضمان مصالحها، خصوصاً أن التكلفة ليست باهظة، فالدم الذي يسيل ليس روسياً.
الحياة
الشك الروسي والواقع السوري/ عبد الرحمن الطريري
كانت قناعة روسيا بحل سياسي تبدو أقرب من ذي قبل، وبدا أن التخلي عن الأسد والتمسك بالنظام السياسي والعسكري، مثَّل نقطة لقاء بين موسكو ودول تعارض بقاء بشار الأسد ومن تلطخت يدهم بدماء السوريين، وكانت السعودية هي الأوضح في موقفها ذلك، وتواترت التصريحات الأميركية التي تؤكد خلو مستقبل سورية من الأسد.
التصـــريحات الأميركيـــة عن حل سياسي يُقصي الأسد في سورية، صـــاحبها صمت إيراني ورفض خجول لإقصائه، ثم صدر تصريح إيراني يؤكد قبول إيران الجلوس مع أي طرف حول طاولة حوار حول سورية، وبالتأكيد لم يكن الإيرانيون يقصدون الروس، وهم على الغالب كانوا يسعون مجدداً لفتح باب الحوار مع السعودية.
الروس بطبيعتـــهم يفتـــــرضون الشك حتى يثبت عكس ذلك، ويـــبدو أن الشك بـدا يخالجهم كثيراً حول موقف إيران بعد الاتفاق النووي مع دول (5+1)، ومؤشرات هرولة إيران نحو الغرب بعد سنوات العزلة، ولكن ما توجس منه الروس أكثر، أن تكون هناك صفقة بين الأميركان والإيرانيين حول سورية، تعتبر حلوى الاتفاق النووي.
التحركات العسكرية الروسية الأخيرة نحو سورية، لا يمكن فهمها بعيداً من الهواجس الروسية حول استبعادها من مستقبل سورية، أو أن تحصل على غنائم أقل مما تستحق في تقديرها، بعد سنوات من التسليح لنظام بشار الأسد، ومنحه الحاضنة السياسية عبر منع أي قرار من مجلس الأمن ضد نظام الأسد، بل وإعطاء مخرج لنظام الأسد بعد مجزرة الكيماوي في الغوطتين، والتي مثلت حفظاً لماء وجه الرئيس أوباما كذلك.
الهواجس الروسية موجودة دائماً، على اعتبار أن دول الشرق الأوسط تبحث عنها إذا ما جافتها أميركا، وحين تقبل بها أميركا تبتعد عن موسكو بالنتيجة. هذه الهواجس طرحها صحافيون روس إبان زيارة الرئيس السيسي والملك عبدالله والشيخ محمد بن زايد إلى موسكو، إذ سأل صحافيون روس زملاءهم المصريين: هل تعتدون بأننا يجب أن نثق بكم كحلفاء؟ وما الضمانة أن الرئيس السيسي لن يتعامل معنا كالسادات الذي أدار لنا ظهره بعد أن فتحت له واشنطن أبوابها.
هذا الشك الروسي يبدو الدافع للعب على المكشوف أكثر على الأرض السورية، لم تعد المشاركة الروسية تتوقف عند الدعم بالسلاح أو المعلومات الاستخباراتية لنظام بشار، بل أصبحت هناك مشاركة معلنة بعناصر روسية على الأرض، الروس أيضاً يعرفون أن الأميركان لا يريدون التحرك عسكرياً. هذه سياسة أوباما التي حفظناها، ورأينا التعليقات الأميركية لا تتجاوز القلق من التحركات الروسية، أو الطلب من اليونان وبلغاريا منع الطائرات الروسية من استخدام أجوائها إلا إذا أثبتت خلوها من الأسلحة.
روسيا أطلقت تصريحات عن وجوب تعاون الجيشين الأميركي والروسي في سورية، إذ إنها أرض يشارك فيها الجيشان بعمليات، وعدم التنسيق قد يتسبب في أخطاء، حيث أميركا تقود التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، وروسيا تدعم نظام بشار الأسد إن لم يكن للسيطرة على سورية، فعلى الأقل لدولة الأقليات التي تبدو السيناريو البديل منذ بدأت المعركة.
ولأن المـــناطق التـــي يطمـــح الروس في الحفاظ عليها في سورية هـــي في الغالب العاصمة دمشق ومناطق الساحل، وهي مناطق لا تتقـــاطع مع مناطق «داعش» التي يقصفها التحالف، لذا يُفهم تصريح سيرجي لافروف بما يشبه التهديد لأميركا إذا ما استهدفت قطعاً بحرية أو غواصات روسية، إذ ورد في وسائل إعلام روسية تهديد أميركي غير معلن بضرب أميركا عبر إسرائيل لغواصة روسية.
وتأكيد من سيرغي لافروف لواشنطن أن العبث مع روسيا في الملف السوري ممنوع؛ لأنها ليست بعيدة كاليمن أو ليبيا بل يعتبرها الروس امتداداً لأمنها القومي، مع خطر الإرهاب الذي يورّق روسيا دائماً، وصاغ لافروف ذلك بلطف قائلاً إن «البنتاغون» أوقفت التعاون في العمليات مع الجيش الروسي، لكن هذا التعاون ينبغي استئنافه؛ لأن الجيشيْن الأميركي والروسي يعملان في آن واحد في سورية وما حولها.
ثم أكد عزم روسيا الذهاب إلى أبعد نقطة في التمسك بسورية، حين أشار سيرجي لافروف إلى أن روسيا تُجري تدريبات عسكرية في البحر المتوسط ستستمر فترة، وبما يتماشى مع القانون الدولي، ولهذا يبدو أن روسيا قرأت في الأجواء حلاً في سورية قد لا تكون أبرز الكاسبين فيه، ولهذا ذهبت إلى الأرض وأنزلت طائراتها في اللاذقية، لتكون أول الجالسين على طاولة مستقبل سورية، مدركةً أن جيش الأسد أوشك على التبخر، ولا بد من المحافظة على ورقة بشار.
أما الولايات المتحدة فلم تكن لديها خيارات كثيرة، فالعقوبات لن تجدي نفعاً مع روسيا، كما لم تُجْدِ حين تقدم الجيش الروسي في أوكرانيا، البدائل العسكرية لأميركا محدودة؛ لأن مجابهة الاندفاع الروسي سيعني حرباً عالمية، ولهذا كان تصريح وزير خارجية بريطانيا فيليب هاموند بقبول الأسد كرئيس في مرحلة انتقالية، محاولة مقاربة لروسيا التي قد تكون مكافأتها صياغة الحل في «موسكو3».
الحياة
الأسد سيرحل يا روسيا/ عمر الخطيب
نتابع هذه الايام التدخلات الروسية او لنقل البوتينية في سوريا محاولة من بوتين نفخ الروح في نظام فاشل مجرم آيل للسقوط في اي لحظة، بل كان من المفروض ان يسقط منذ زمن بعيد لولا النفير العام الايراني لانقاذ حليفهم وكلبهم الوديع في سوريا بشار.
الذي نعرفه وتعرفه روسيا وشعب روسيا انهم قيادة وشعبا اصدقاء للعرب، هذه الصداقة لم نراهن على ان نخسرها يوما بل العكس فأننا نراهن على ان نوسع نطاق التعاون العسكري والاقتصادي والاجتماعي مع روسيا الاتحادية وندعم استقرارها وتقدمها من خلال اتفاقات وعقود بمليارات الدولارات ليس خوفا من روسيا بل لاننا نحترم هذه الدولة ونقدر ونعتز بشعبها وقيادتها على مر العصور.
لكن عتبنا اليوم على القيادة الروسية انها راهنت على الحصان الخاسر وهذه مسألة تحتاج الى وقفة لأن القيادة الروسية كانت سبّاقة في اختيار الموقف الريادية على مدى الخمسين سنة الاخيرة وتحالفها مع العرب كان اكبر مثال على عمق الصداقة والتلاحم بين الشعوب العربية والشعوب الروسية.
لن يغير حقيقة وعمق الروابط بين العرب وروسيا اي قائد عربي او روسي، لانها مسألة عقيدة متجذرة في قلوب العرب والروس، نحترمهم ويحترموننا، ونسعى جميعا لخير الشعوب العربية والروسية على حد سواء، الا اننا نقول اليوم وبصراحة لأخواننا الروس ان الامن القومي العربي يقتضي ان ينتهي حكم بشار بأسرع وقت، وأن عليكم ان تفهموا اننا قوة اقليمية لايستهان بها ولن نقول لدينا ولدينا لان الايام اثبتت وستثبت من نحن، ولانريد حربا اخرى معكم كما حصل في افغانستان وانتهى الاتحاد السوفيتي على اثرها، لكننا نقول ان الزمن قد تغير واننا نرجو من قيادتكم ان تتفهم حقيقة خطورة ان يكون هناك جسم غريب في داخل الجسد العربي يسعى لتخريب الامة العربية والتأمر عليها بشتى السبل والوسائل، ولذلك نقول لكم بكل صراحة ان بشار لن يبقى واننا ماضون في خطة انهائه بأسرع مما تتصورون ولن تنفعه دباباتكم واسلحتكم، وهذا المقال البسيط هو خلاصة لمواقف الحكام العرب جميعا من المحيط للخليج، ولا يعني هذا اننا في صراع معكم بل العكس، فنحن نكن لكم كل الاحترام ولكن عليكم انتم ايضا ان تحترموا ارادة الشعوب العربية من المحيط الى الخليج.
وكما انكم لاتسمحون للخونة ان يعيشوا على ارضكم فأننا لن نسمح للخونة والعملاء ان يعيشوا على ارضنا ويقتلوا ابناءنا كذلك، وكل مايجري وسيجري انما هو تحصيل حاصل لتراكمات سنين ومعاناة عاشها الشعب السوري تحت طغيان العميل بشار واعوانه، وآن اللآوان للشعب السوري ان يتحرر من هذه الطغمة الجاشمة على صدره منذ الانقلاب العسكري لخمسين سنة مضت وان يحكم سوريا ملك او رئيس منتخب يعمل من اجل مصلحة الشعب السوري خاصة والامة العربية عامة.
وحقيقة نصيحتنا لكم ان تسحبوا هؤلاء الجنود الروس الابطال الذين تم نشرهم في سوريا وهم مستعدون للتضحية بالغالي والنفيس من اجل روسيا ومصالح روسيا، ولكن هذه المرة هم يقاتلون مع اعداء العرب واعداء العرب هم اعداء روسيا.
اما الارهاب فكلانا يعرف كيف ترعرع الارهاب في سوريا ومن داعمه الحقيقي ولاداعي للادعاءات التي يعرف كلانا انها عارية عن الصحة ومجافية للحقيقة. وكما نعرف ان الارهاب سينتهي بنهاية بشار.
وفي الاخير نقول ان بشار سيرحل ان عاجلا ام اجلا لكن رجاءنا منكم ان لاتجعلوا رحيله مؤلما اكثر مما يجب ان يكون، لان الشعب السوري لايستحق معاناة اكثر مما هم فيه، وكما تعلمون فأننا مشغولون في اليمن ولكن الحثالة في اليمن سينتهون عن القريب العاجل ان لم يرجعوا الى صوابهم ويحترموا خيارات الشعب اليمني، وسوريا جرح غائر في الضمير العربي ولن نسمح لهذا الجرح ان يقتلنا جميعا.
ايلاف
بوتين وسوريا!/ حسين شبكشي
لم تُعرف روسيا يومًا بدفاعها عن «القيم والمبادئ» أو «نصرة الضعيف والمظلوم».. هذا هو الإرث الذي أسسته لنفسها عبر الأزمان والسنوات الكثيرة. فهي دولة تستخدم القوة بأي أسلوب كان لأجل دعم الطغاة وتأسيس التجبر والتسلط كما هو الحال مؤخرًا في كل من أوكرانيا وسوريا.
اليوم روسيا لا تقدم فقط الدعم الدبلوماسي والسياسي لنظام الأسد كما هو الحال منذ انطلاق الثورة السورية ضد حكم الأسد الطاغي، لكنها قررت وبشكل معلن أن ترسل عددًا مهمًا من جنودها المقاتلين وطياريها الحربيين ومستشاريها العسكريين إلى الأراضي السورية للمشاركة مع قوات الأسد في الدفاع عن نظامه، وهي بذلك القرار تشارك بشكل عملي في نفس صفوف الميليشيات الإرهابية الأجنبية التي جاءت من الخارج للقتال مع قوات الأسد، مثل تنظيم حزب الله والحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس وتنظيم أبو الفضل العباس.
وعلى الرغم من الاعتقاد بأن روسيا تقاتل في سوريا للدفاع عن الأسد (فقط)، فإن الحقيقة هي أن روسيا لديها الرغبة الهائلة في إبقاء موقع قدم مؤثر جدًا لها على مياه البحر المتوسط، وذلك كآخر موقع لها في المياه الدافئة، وعليه فإن روسيا تعتبر أن سوريا نفسها هي جغرافيًا تقع ضمن منظومة الأمن القومي الروسي الذي يتطلب حماية استثنائية ضد «الأطماع الغربية والأميركية تحديدًا»، بحسب تفسير السياسة الروسية لما يحصل في سوريا اليوم.
تدار السياسة الروسية في الشرق الأوسط بعقلية جهاز المخابرات السوفياتي القديم المعروف باسم الـ«كيه جي بي»، وهو الجهاز الذي كان ينتمي إليه الرئيس بوتين شخصيًا. هذا الجهاز، وبوتين تحديدًا، لديه حساسية هائلة من الحركات الإسلامية الراديكالية، فالجهاز واجه عينات منها في أفغانستان من خلال معارك ومواجهات عنيفة، ثم واجه الشيء نفسه لاحقًا في الشيشان وفي داغستان وفي مناطق الشركس على سبيل المثال لا الحصر، وهذه المشاهد هي التي تؤثر وبقوة على حكم الروس على المعارضة السورية تحديدًا وعلى الثورة السورية عمومًا، فهي لا تراهم سوى «إرهابيين ومتطرفين سبق أن حاربنا مثلهم»، وهذه الصورة الذهنية تجعل من دعمها للأسد ونظامه مسألة «شخصية» و«انتقامية»، ورد حساب قديم، بحسب ما يتم شرحه في الكثير من الدوريات والمقالات التحليلية الروسية.
روسيا تدرك أنها تتدخل «متأخرة»، وأن تدخلها هو للحفاظ على ما تبقى من النظام وليس بالضرورة النظام نفسه سواء أكان بالشكل الجغرافي له، حيث إن النظام لا يسيطر فعليًا في سوريا إلا على 20 في المائة من مساحة الأرض، أو بالشكل السياسي للنظام نفسه مع ضعف الجيش والاقتصاد والقبول السياسي والشعبي له داخليًا وخارجيًا.
بوتين لديه غصة ومرارة كبيرة تجاه ما يسميه التآمر الغربي ضده، ويستشهد بالعقوبات الاقتصادية العنيفة التي أوقعها الغرب على اقتصاد بلاده والتي تسببت في أضرار بالغة ونتائج سلبية كبيرة، وذلك نتاج مغامرته في أوكرانيا. ويعتقد عن قناعة أن الغرب «ورطه» في هذا المستنقع، لأن الغربيين استفزوه أكثر من مرة؛ مرة بتدخلهم في جورجيا الجار المهم لروسيا، والتي يعتبرها الروس هي وأوكرانيا امتدادًا «طبيعيًا» ومنطقيًا للدولة الروسية نفسها.. وقبلها بتهديد الغرب بوضع عدد مهم من الصواريخ الباليستية في المجر والتشيك وبولندا وهي الدول التي كانت جزءًا من المعسكر الشرقي للاتحاد السوفياتي ذات يوم ليس بالبعيد، واعتبرت موسكو هذا العمل «عملا عدوانيًا».. وأخذًا في الاعتبار كل ذلك يكون من المفهوم لماذا تقاوم موسكو بكل هذا الجهد الرغبة الغربية في إزالة نظام الأسد المجرم وذلك نصرة وحماية للثوار.
بوتين يعتبر موضوع سوريا حفظ ماء وجه له شخصيًا أمام العالم والغرب، ولا علاقة لبشار الأسد بهذه المسألة البتة.
الشرق الأوسط
هذا ما يعنيه لافروف!/ صالح القلاب
لولا التدخل الروسي الشائن، والتدخل الإيراني أيضاً، لما امتد أمد هذه الأزمة حتى اقترب من الأعوام الخمسة، ولما حصل كل هذا الدمار والخراب، ولما بلغ عدد القتلى والمفقودين والمعتقلين هذه الأرقام الفلكية التي تتداولها وسائل الإعلام والتقارير الدولية، ولما كانت هذه الهجرة الزاحفة التي باتت تجتاح العديد من دول العالم القريبة والبعيدة، وبالتالي لما حلّت هذه المآسي الإنسانية بشعب عظيم تحمل خلال حكم حافظ الأسد وابنه ما لم تتحمله الجبال الرواسي.
وإذا أردنا أن نقول الحقيقة، بدون أي حسابات جانبية، فإن المسؤول عن استمرار المأساة السورية كل هذه الأعوام، وعن عدم حسم الأمور لمصلحة الشعب السوري منذ البدايات، هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف، واستطراداً هو إيران، التي اتبعت، على مدى أعوام ثورتها سياسة “ميكافيلية” على أساس أن الغاية تبرر الوسيلة، وأنه لا مانع من أن يصبح السوريون كلهم من ساكني القبور، ما دام هذا يسهل سيطرة الإيرانيين على هذه المنطقة، واستعادة ما يعتبره “المعممون” في طهران أمجاد فارس القديمة.
حاولت روسيا إدخال نظام بشار الأسد من خرم الإبرة وإلزام المعنيين بالأوضاع المتفاقمة في سورية تشكيلَ تحالف جديد عنوانه الخادع “مواجهة داعش”، رغم أن المعروف أن هناك تحالفاً دولياً كان قد تشكّل منذ نحو أكثر من عام يضم عشرات الدول، كما أن هذا التحالف مستمر في الانخراط، يومياً، في حرب جوية، وأحياناً برية ضد هذا التنظيم الإرهابي، ما يعني أنه كان بإمكان روسيا الالتحاق به منذ البدايات، بدلاً من البحث عن تحالف جديد لا غرض ولا مهمة له إلا إعادة تأهيل نظام قاتل بات تأهيله، بعدما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، من سابع المستحيلات.
الآن يعلن سيرغي لافروف، بدون أن يرف له جفن، أنه لا بديل عن الأسد لمواجهة “داعش”، رغم أن الأسد نفسه كان قد قال في آخر خطاب له، إنه لم يعد يمتلك الموارد البشرية لتعويض الخسائر التي حلَّت بجيشه، بل إنه قال، أيضاً، إنه اضطر لسحب قواته من العديد من المناطق السورية لتركيزها في المناطق الأكثر أهمية، أي في المناطق التي لا يزال له ولنظامه وجود فيها، سواء في دمشق أو في الشريط الممتد من العاصمة إلى اللاذقية.
والسؤال الذي يجب أن يوجه إلى وزير الخارجية الروسي، الذي كشف في الأيام الأخيرة كل أوراق بلده تجاه الأزمة السورية، هو: كيف يمكن القول إنه لا بديل عن بشار الأسد للقضاء على “داعش” وهو لا يسيطر إلا على أقل من 20 في المئة من سورية، وفرقته “الرابعة”، التي تشكل باقي ما تبقى من الجيش السوري، لم تستطع، رغم مساندة “حزب الله” بكل إمكاناته، حسم المعركة في بلدة صغيرة كالزبداني، رغم مرور نحو شهرين من بدء هجومها “البطولي”! على هذه البلدة؟!
وهكذا فإنه لا ضرورة لا للف ولا للدوران، إذْ كان بإمكان لافروف أن يقولها علانية وعلى رؤوس الأشهاد، إن هدف بلده من كل هذه الحركة، بلا بركة، وإنشاء قواعد جديدة في منطقة اللاذقية، هو الحفاظ على الوجود الروسي على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، الذي ثبت أنه أكبر مستودع للطاقة في العالم بأسره، والمسارعة لأخذ موقع في “الكانتون” المذهبي الذي من الواضح أنه أصبح الخيار الرئيسي لهذا النظام بمباركة إيرانية ودعم روسي.
الجريدة الكويتية
سوريا.. مفتاح روسيا الدولي/ طارق الحميد
كتبنا بالأمس أن للتدخل الروسي العسكري في سوريا ثلاثة أبعاد، سوريًا، ودوليًا، وإقليميًا، وتحدّثنا عمّا يخصّ بشار الأسد.
اليوم، نتحدّث عن البُعد الدولي، لماذا تدخّلت موسكو؟ ولماذا قال الرئيس بوتين الأسبوع الماضي، إنه ينظر إلى «خيارات مختلفة» في سوريا؟
لفهم ذلك يفضّل النظر من زاوية روسية، وليس ما تريده المنطقة، أو الغرب، ولا السوريون، أو الأسد. اليوم، وبعد الأزمة الأوكرانية.. نعم الأوكرانية، وتراجع أسعار النفط، ليس لدى روسيا قوة حقيقية إلا صوتها المعطّل في مجلس الأمن، الفيتو، وترسانتها العسكرية. كيف؟ موسكو خسرت في ليبيا، بل وتعتقد أنها خُدعت حين مرّرت قرارًا تحت الفصل السابع بمجلس الأمن خوّل الغرب استخدام القوة لإزاحة القذافي، مما نتج عنه، ووفق التقييم الروسي، خروجهم من المعادلة هناك. وبعد التدخل الروسي في أوكرانيا، وما نتج عنه من عقوبات وتصعيد، تجاه روسيا، فإن موسكو تشعر بأنها تحت ضغوط دولية، وخصوصًا أن الأزمة الأوكرانية لا تزال تراوح مكانها.
الروس أيضًا ينظرون بريبة للاتفاق النووي الإيراني الأميركي الغربي، ويخشون من صفقة ما بين طهران وواشنطن. فموسكو على يقين بأن الشركات الأوروبية، وربما بعدها الأميركية، وغيرها، ستتسابق على الأسواق الإيرانية، وستكون حصة موسكو من ذلك ضعيفة. يحدث هذا بينما لا نفوذ حقيقيًا لروسيا في العراق، ولا باقي المنطقة، فلا تأثير روسيًا على الصراع العربي – الإسرائيلي، وعلاقة الروس بالخليجيين موضع اختبار مستمر، حيث لا مصالح حقيقية مشتركة بين الروس والخليجيين، وفي الذاكرة التجربة الأفغانية التي استعيدت الآن بالتدخل الروسي العسكري الجديد في سوريا. ورأى الروس بأعينهم، مثلاً، كيف استطاعت السعودية، ومعها الإمارات، تأييد وضع مصر على الطريق الصحيح، ورأوا، ويرون، الأمر نفسه في اليمن، وقبله ما الذي فعلته السعودية في البحرين، كما أنهم يرون الصفقات العسكرية الضخمة بين دول الخليج وأميركا.
وفوق هذا وذاك يرى الروس كيف أن الجغرافيا السورية تتغيّر، حيث يواصل الأسد فقدان السيطرة على الأرض رغم الحماية الروسية له سياسيًا في مجلس الأمن، وعسكريًا من خلال التسليح. ويستمر الأسد في خسارة الأراضي رغم الدعم الإيراني له بالسلاح والرجال، وهذا ليس كل شيء، فمن ناحية باتت تركيا طرفًا عسكريًا في الأزمة، وفتحت أنقرة قاعدة «إنجرليك» للأميركيين، وهي خطوة لها مدلولات عسكرية استراتيجية مهمة. وهناك دول التحالف الأخرى في سوريا والعراق، مع دخول بريطانيا، وفرنسا، عسكريًا، وكله تحت مظلة محاربة الإرهاب، و«داعش».. الجميع موجود في سوريا عسكريًا، قوة وعتادًا، عدا روسيا، ولا يزال الأسد يواصل الخسارة، مما يعني أن بوتين يخسر أيضًا!
حسنًا، ما الذي يخسره بوتين؟ يخسر النفوذ بالطبع، والتأثير! ولذلك فقد هرولت روسيا إلى سوريا الآن عسكريًا، وليس لمكافحة الإرهاب كما تدّعي، أو لتحقيق انتقال سلمي، بل لضمان حصة في الكعكة السورية المقطّعة لتضمن روسيا جزءًا من النفوذ في المنطقة، وبالتالي دوليًا، فسوريا الآن هي المفتاح الدولي لروسيا.
الشرق الأوسط
أين الأسد في المعادلة الآن؟/ طارق الحميد
دخلت الأزمة السورية منعطفًا جديدًا بعد التدخل الروسي العسكري في سوريا، وهو ما سيكون له تبعات سورية، وإقليمية، ودولية. سوريًا، يمكن القول إن بشار الأسد بات الآن الحلقة الأضعف بمعادلة الأزمة. بعد التدخل الروسي العسكري أصبح الأسد أضعف من خالد مشعل، وحسن نصر الله، وعلي عبد الله صالح، وحتى أكثر ضعفًا من صدام حسين في آخر أسبوع له قبل الغزو الأميركي، وإسقاط نظامه، حيث كان صدام يحكم دولة، وحتى قبل إطلاق أول صاروخ أميركي. اليوم بات الأسد مجرد بيدق في لوحة شطرنج يلعب بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. الأسد ليس مشعل الذي لا يزال يملك ورقة التفاوض مع إسرائيل. ولا حسن نصر الله الذي يستطيع إشعال حرب بجنوب لبنان مع إسرائيل، أو تسهيل تمرير انتخاب الرئيس اللبناني. ولا هو صالح الذي قد يبيع الحوثيين في أي لحظة، ولا يزال تحت يده عدد كبير من الحرس الجمهوري اليمني. وأيًا كانت نتائج التدخل الروسي فإنها لا تعني أن بمقدور الأسد الحفاظ على حكمه.
بالأمس نشرت صحيفة «الفايننشيال تايمز» البريطانية قصة مهمة عن التدخل الروسي بسوريا، ونقلت فيها آراء لافتة لمستشارين روس، واثنين من قيادات حزب الله العسكرية، ملخصها وجود قناعة بانتهاء الأسد، وإن استخدم لبعض الوقت. فقد نقلت الصحيفة عن مسؤول روسي قوله: «نتخذ هذه المبادرة بهذه الأزمة، بما لا علاقة له بمن يحكم دمشق، وإنما بمن يستطيع مقاتلة أشرس خطر مهدد، وهو الإرهاب». وهذا التصريح وإن كانت له معانٍ كثيرة إلا أنه يظهر عدم الاكتراث بالأسد كرئيس، خصوصًا أن الصحيفة تنقل عن مسؤول روسي آخر قوله إن سوريا التي نعرفها لم يعد لها وجود، من ناحية السيادة، وهذا أمر طبيعي لأن الأسد لم يعد يحكم أجزاء كبيرة من سوريا. ويضيف مسؤول آخر أنه قد يكون البعض بالمنطقة يشاهد التحركات الروسية في سوريا بـ«أمل»!
ومن اللافت أيضًا نقل الصحيفة عن قائدين عسكريين بحزب الله قولهم إنهم يعتقدون أن الروس مقتنعون بأنه من المحتمل أن تنقسم سوريا إلى جزأين، وأن الروس يفضلون السيطرة على أكبر جزء، على أن يكون تحت حكم الأسد على الأقل في المرحلة الأولى. مما يعني أن حزب الله أيضًا بات مقتنعًا بأن التدخل الروسي يعني نهاية الأسد لا محالة، عاجلاً أو آجلاً، وأن هذا التدخل أضعف من قيمة الأسد الذي بات طرفًا لا قيمة أساسية له بالمعادلة، وقد يكون هذا هو الرأي الإيراني اليوم أيضًا، خصوصًا أن الأسد بات تحت وصاية روسية كاملة، بحالة غير مسبوقة في منطقتنا، مما قد يعيد تجربة أفغانستان بكل مرارتها! والسؤال الآن هو: ماذا عن دائرة الأسد؛ العائلة، والطائفة؟ أعتقد أنهم أيقنوا بأن الأسد قد انتهى، وما هو إلا ورقة بيد بوتين.. متى يلعبها؟ هذا ما سيظهره سير الأحداث.
إعلامي و كاتب سعودي ورئيس تحرير سابق لصحيفة “الشّرق الأوسط”
الشرق الأوسط
مقامرة الدب الأبيض/ آمال موسى
المقصود بالدّب الأبيض طبعًا روسيا.
إن نظرة عامة تستهدف المهتمين بالشأن السوري، تودي بنا إلى ملاحظة أن الجميع تقريبًا يكتم أنفاسه ويستشعر الخطر أكثر من الانفراج، والسلبي أكثر من الإيجابي. وهو وضع طبيعي جدًا، لأن روسيا الدّاعمة للنظام السوري بصدد الهيمنة، في مسألة إيجاد مخرج للأزمة السورية. ويكفي أن تكون روسيا صاحبة الصوت الأعلى في الحل السوري حاليًا حتى يحصل التوجّس والارتياب.
كما أن الملاحظة الموضوعيّة تؤكد لنا أن المنطقة متجهة نحو طريق يغلب عليه الغموض. وإذا حصل وتم الانفراج، فإن ذلك سيكون نتاج الصدفة أكثر منه حسن تدبير للأمور وتقديرها، وإن كان بطبيعة الحال مضمون الانفراج يختلف من دولة إلى أخرى ومن محور إلى آخر.
مع التنبه أيضًا إلى معطى مهم، مفاده أننا في حالة الأزمة السورية نحن أمام غموض خاص جدًا، نشتم رائحته بوضوح!
فهل صحيح أن الدور الروسي في تنامٍ؟ وما تداعيات ذلك التنامي على مصير النخبة السياسيّة الحاكمة في دمشق؟
في المدة الأخيرة تم تداول معلومات حول استعداد روسيا للتخلي عن الأسد، إذا ما قُدمت لها الضمانات اللازمة.
وفي الحقيقة، تبدو لنا هذه المعلومات ضعيفة المنطق السياسي: أولا ما عاد بالإمكان اليوم الحديث عن ضمانات لأن ما ستؤول إليه الأوضاع بعد سقوط أي نظام سياسي قائم لا أحد يستطيع التكهن به. ولنا في مثالَيّ العراق وليبيا كثير العبر. ولا ننسى في هذا السياق أن نضع في الحسبان موقف روسيا المنتقد لما يُسمى الربيع العربي.
وتأسيسًا على هذه النقطة المهمة جدًا في التفكير الروسي، فإنه لا يوجد أي داعٍ بالنسبة إلى الكرملين كي يتخلى عن رجاله التقليديين، ويُغامر بتحويل وجهة ثقته نحو وجوه جديدة هي بالأساس مدعومة من طرف دول تحمل مواقف مختلفة ومعارضة للموقف الروسي من نظام الأسد.
دون أن تفوتنا الإشارة أيضًا، إلى أنه في السياسة – كما لا يخفى على أحد – لا يوجد تعلق بالأشخاص. وإذا اقتضت مصلحة روسيا التخلي عن الأسد، لما تأخرت لحظة واحدة. ولكن المشكلة أنه في تقدير موسكو لا بديل يضمن مصالحها إلا بشار الأسد. كما أن مرور قرابة أربع سنوات، يمثل دليلاً قويًا على أن الرّهان الروسي على الأسد، إنما هو معطى يُخطئ من يختار تجاهله.
وبلفت النظر عن الخسائر الكبيرة التي تكبدتها دمشق إلى الآن، فإن النخبة الحاكمة يبدو أنها أظهرت نوعًا من طول النفس السياسي والعسكري، وهو في حدّ ذاته نقطة زادت في توطيد علاقة روسيا بدمشق. ذلك أن تحول روسيا من داعمة لدمشق دبلوماسيًا، وأيضًا من خلال مدّها بالأسلحة، إلى الانضمام إلى ميدان المعركة في سوريا ومحاولة التأطير العسكري لقوات النظام، من المهم أن يُقرأ القراءة الواقعية. فروسيا لم ترسل البعض من قواتها وخبرائها وعتادها إلى سوريا من منطلق الغزو أو كما فعل الناتو في ليبيا عندما دخلها لخلع القذافي. بل تزايد دورها ودعمها بهدف الوقوف بجانب النظام هناك ومساندته والأخذ بيده من خلال تقويته. وتنخرط روسيا ضمن هذه الاستراتيجية واضعة في حسبانها أن إضعاف الإرهابيين من الانتصارات التي ستفرض إعادة صياغة شروط اللعبة السياسيّة.
فما تسعى روسيا إلى تسويقه من أن الحرب الحقيقية هي ضد «داعش»، وأن الدول الغربية قد أشعلت النيران في المنطقة بتدخلاتها، وأن سياساتها الخاطئة في العراق وليبيا أدت إلى ظهور التنظيمات، إنما يندرج في إطار توضيح مضامين الدور الروسي كما تتمثله روسيا، وهو تصحيح أخطاء واشنطن ودول أوروبا الكبرى.
هكذا نفهم علو الصوت الروسي في الأزمة السورية وشبه الانسحاب الأميركي، وانخفاض سقف المواقف الأوروبية الراديكالية في الثلاث سنوات الأولى للأزمة السورية، إذ كانت رافضة لأي طرح لا يكون بنده الأول الإطاحة ببشار الأسد. والآن النبرة قد أصبحت خافتة الصوت وأقل اهتمامًا، خصوصًا أن مشكلة اللاجئين السوريين تمثل بالنسبة إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية مأزقًا إنسانيًا وأخلاقيًا واقتصاديًا بامتياز، وهو ما فتح باب النقاش السياسي الدولي على مصراعيه للحديث عن الحلول السياسية، وأيضًا لاقتراح خطط سلام محتشمة ومطبوخة بقوة حراك الأحداث، وأيضًا بفعل الضغط الروسي.
إذن يقوم تزايد الدور الروسي في الشأن السوري وانتقاله إلى خطوة نوعية أخيرًا على مقامرة روسيا للقضاء على «داعش» وأخواتها. وهي بالفعل مقامرة، لأن الفشل في محاربة الإرهاب في تلك الرقعة يعني هزيمة نكراء للنظام السوري ولروسيا، في حين أن النجاح في دحر الإرهابيين سيسمح لها باستعادة دورها دوليًا والمحافظة على مصالحها، وساعتها – أي في صورة النجاح – لا شيء يجبر روسيا على التخلي عن الأسد الذي تدافع عنه بشدة.
في الحقيقة، دخلت روسيا في مقامرة من الوزن الثقيل تبدو في مقدماتها محسوبة جدًا، ومُمهدًا لها جدًا جدًا.
كاتبة وشاعرة تونسية
الشرق الأوسط
تحركات موسكو في سوريا: 5 رسائل ترسلها روسيا إلى العالم
ترجمة فتحي التريكي – الخليج الجديد
تواصل السفن والطائرات الروسية إنزال الأفراد والمعدات الإضافية في سوريا. إليكم 5 رسائل جيوسياسية يرغب الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» في تمريرها إلى العالم:
أولا: أن التقارير حول زوال أو نهاية نفوذ روسي تعتبر مبالغا فيها إلى حد كبير. بعبارة أخرى، سردية أن العقوبات الغربية بالإضافة إلى انخفاض أسعار النفط جنبا إلى جنب مع التباطؤ الاقتصادي في الصين قد جلبت الكرملين إلى حافة الانهيار هي سابقة لأوانها للغاية. روسيا ليس لديها سوى جزء بسيط من قدرات الولايات المتحدة العالمية على إبراز القوة. لكن بالنسبة لقدرتها على إرسال قوات ومعدات عسكرية إلى سوريا فإنها لا تزال في قائمة العديد القليل من البلدان، أغلبها دول أوربية، القادرة على الإرسال والحفاظ على القوات العسكرية خارج حدودها المباشرة. الكرملين يشير بوضوح إلى أنه يعتزم القيام بدور نشط في وضع جدول الأعمال في الشرق الأوسط وأنه لن يكتفي بالقبول السلبي للرؤية الأمريكية لما سوف يتكشف في المستقبل.
ثانيا: يرسل «بوتين» رسالة واضحة أنه لن يقبل الوضع الافتراضي الذي وضعته واشنطن أن إزالة رجل قوي وحشي من السلطة هو الطريق إلى مزيد من الاستقرار على المدى الطويل في منطقة الشرق الأوسط. وبينما تواصل الولايات المتحدة وأوربا مناقشة خطواتهما التالية لاسيما في أعقاب الأزمة المهاجرين، فإن روسيا تستعد للتصرف بناء على تقييمها الخاص بأن المزيد من المساعدات العسكرية المباشرة لمساعدة «الأسد» في مكافحة «الدولة الإسلامية» هي أفضل وسيلة لإنهاء الصراع. وأشار «بوتين» مرارا وتكرارا أنه إذا كان الهدف من السياسة الغربية هو الحد من تدفق اللاجئين وتقليل خطر «الإرهاب الإسلامي» ومنعه من اكتساب قاعدة جديدة للعمليات على غرار أفغانستان، فإن تجربتي العراق وليبيا تبرهنان أن الإطاحة بـ«الأسد» والأمل أن المعارضة بإمكانها أن تشكل حكومة أكثر فاعلية واستقرارا لن يساعد على تحقيق هذه الغايات. وفي أعقاب وصوله لهذه النتيجة، فإن «بوتين» ليس مهتما بطلب الإذن من الغرب أو الحصول على موافقة واشنطن.
ثالثا: تبدو روسيا أكثر ثقة في موقفها في أوكرانيا. انحسر التنامي المستمر في أعمال العنف خلال فصل الصيف مع دخول وقف إطلاق النار قيد التنفيذ الحقيقي. وفي الوقت نفسه، تشير المشاكل السياسية والاقتصادية الداخلية الجارية في أوكرانيا أن البلاد ليست في طريقها لأن تشهد انفجارا كبيرا من شأنه أن يعيد الثورة إلى الميدان ويضع البلاد على مسار لا رجعة فيه نحو تكامل أوثق مع العالم الأوروبي الأطلسي. بدلا من ذلك، يبدو أن الأمور في طريقها للاستقرار في صورة صراع مجمد تحتفظ خلاله موسكو بمعظم النفوذ.
رابعا: الكرملين يفرض خطوطه الحمراء. كما لم تسمح موسكو للانفصاليين بمواجهة هزيمة كارثية في أوكرانيا الصيف الماضي فقد ألمحت روسيا أن لن تجلس مكانها لتسمح بالانقلاب على «بشار الأسد» أو إزاحته عبر عمل عسكري خارجي. مع مزيد من القوات الروسية على الأرض والتقارير حول قيامها بدعم قدرات الدفاع الجوي لجيش «الأسد» فإن حساب التفاضل والتكامل لخطر أي نوع من العمليات من قبل الولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي ضد حكومة «الأسد» قد ازداد بشكل ملحوظ. حتى الاقتراحات الأكثر محدودية مثل رض منطقة حظر جوي لخلق مساحة محمية على الأرض من أجل اللاجئين بإمكانها أن تفتح إمكانية للاشتباك مع القوات الروسية.
خامسا: فإن استعداد روسيا لنشر قوات مباشرة على الأرض في سوريا، على النقيض من البحث اليائس على نحو متزايد من قبل واشنطن عن وكلاء محليين مستعدين وقادرين على محاربة« الأسد» و«الدولة الإسلامية» وإحجام الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة في الوقت الذي يحجم فيه الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة عن القيام بهذا العبء، يخدم في الواقع عدة أغراض.من ناحية فإنه يطمئن الشركاء الروس أن موسكو مستعدة لتلبية تعهداتها حتى إذا كان هناك تكلفة من حيث الموارد والأرواح وحتى السمعة. لن يمر أمر كهذا دون ملاحظة في أماكن مثل مصر وأذربيجان حيث تشكك الحكومات في عمق الالتزام الأمريكي تجاههم. بالنسبة لدول الشرق الأوسط التي تعارض السياسة الروسية في سوريا، فإن قرار «بوتين» سوف يدفعها إلى إعادة تقييم إذا ما كان أي مسار للتسوية قابل للحياة يقع بالفعل في واشنطن، المشتتة على نحو متزايد بسبب الحملات الانتخابية، أم أنه من الأفضل له أن يكون من خلال موسكو.
ويعكس قرار «بوتين» تقييما مفاده أن خطر التورط الروسي في سوريا يعد أقل وزنا إذا ما قورن بالخطر الذي ستتعرض له المصالح الروسية حال سقوط «الأسد». لن يتم إقناع روسيا بعكس مساعيها للانتشار عبر الخطابات شديدة اللهجة. الولايات المتحدة، في رسم ردها، يحتاج إلى أن يقوم الرد على أساس حساب مماثل للنهايات التي ترغب في تحقيقها مقارنة بالوسائل التي ينبغي عليها اتخاذها.
المصدر | ناشيونال إنترست
في بعض مبررات ودوافع السياسة الروسية!/ حسن خضر
لا جديد في القول إن الصراع في سوريا وعليها خرج من أيدي السوريين أنفسهم. تجلّت هذه الحقيقة بعيد الثورة على نظام آل الأسد، ولن يشكو أحد ندرة التحليلات التي تناولت تداخل وصراع المصالح الإقليمية والدولية في سوريا.
وبهذا المعنى، فإن ما تردد، مؤخراً، من كلام حول زيادة الدعم الروسي لنظام آل الأسد، يمثل براهين إضافية على حقيقة قائمة. ومع ذلك، فإن الدعم الذي لم يعد مقتصراً على الغطاء الدولي، والخبراء، والأسلحة، ووصل (حسب تقارير إخبارية مختلفة) إلى حد وجود قوّات روسية على الأرض، يعني أن الرهان على تغيير الموقف الروسي كان متفائلا أكثر من اللازم، وأن الروس على استعداد للذهاب حتى نهاية الشوط، بما في ذلك القتال على الأرض، للحيلولة دون حل للكارثة السورية، لا يضمن بقاء بشّار الأسد.
لأمر كهذا تداعيات إقليمية ودولية كثيرة. وسبق لمحللين في الشرق والغرب أن حاولوا البحث عن الدوافع السياسية، والمبررات الاستراتيجية، للموقف الروسي. ويجدر القول إن الكثير مما قيل، في هذا الشأن، يقارب الحقيقة بهذه الدرجة أو تلك.
ولكن ما لا يحظى بالكثير من الاهتمام يتمثل في فرضية أن الأبعاد الكاملة لانخراط الروس في الصراع في سورية وعليها، لا تتضح بطريقة كافية إلا على خلفية علاقة روسيا بنفسها وبالعالم، وما وقع فيها من تحوّلات، على مدار ربع قرن، تلت انهيار الإمبراطورية السوفياتية.
قيل في الماضي إن الإمبراطورية السوفياتية كانت ترجمة لمصالح روسيا القيصرية، ولكن بلغة ماركسية. واليوم، يمكن القول إن بوتين، رجل روسيا القوي، يحاول استعادة دور، ونفوذ، الإمبراطورية، ولكن بتعبيرات قومية. وعلى الرغم من حقيقة أن المرحلة الحالية، كما المرحلة السوفياتية، تظل محكومة بلغتها الخاصة، وخصوصيتها السياسية، إلا أن فيهما ما يعيد التذكير بدوافع ومبررات روسيا القيصرية في القرن التاسع عشر، التي كان عنوانها الرئيس الصراع في أوروبا وعليها، ومحاولة الاندفاع نحو آسيا الغربية، التي تضم العالم العربي (ما عدا شمال أفريقيا) وتركيا وإيران.
وعلى سبيل الإيجاز، يمكن القول إن جبهات القتال، في الحرب العالمية الثانية، حسمت الصراع في أوروبا وعليها، بالطريقة التي عرفناها في القرن العشرين، وإن الاندفاع الروسي في آسيا الغربية يمثل خلفية، لا يمكن الاستغناء عنها، في كل محاولة لتفسير رهانات وصراعات القوى الكبرى، وحلفائها المحليين، في آسيا الغربية على امتداد القرن العشرين.
وإذا كان قد بدا لوهلة من الوقت، بعد الحرب العالمية الثانية، أن الصراع في أوروبا وعليها أصبح من ذكريات الماضي، وأن الصراع في آسيا الغربية، وعليها، أصبح محكوماً بضوابط وتفاهمات بين القوى الكبرى، إلا أن واقعاً جديداً يتجلى الآن.
فالعقود القليلة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي، والكتلة الاشتراكية، ورعونة وحماقات الأميركيين، بعدما أصبحوا أسياد العالم لعقود قليلة، وما اعتبره الروس إهانة لروسيا، وتهديداً لمصالحها القومية في أوروبا، وفي بلدان كانت ضمن الإمبراطورية السوفياتية، وفي آسيا الغربية، أشياء لا يمكن إسقاطها من الحسبان، في كل محاولة لفهم السياسة الروسية، في الوقت الحاضر، سواء في أوروبا (أوكرانيا، مثلاً) أو الشرق الأوسط (سورية، مثلاً).
وبقدر ما يتعلّق الأمر بمحاولة الاندفاع الروسية في آسيا الغربية استخدم الأميركيون والأوروبيون استراتيجية تعتمد على أكثر من حائط للصد أهمها التركي، والإيراني (قبل سقوط الشاه) والإسرائيلي، إضافة إلى التحالف مع دول عربية. وبالقدر نفسه حاولوا استخدام حواجز صد أيديولوجية أبرزها الدين للتحذير من مخاطر الشيوعية.
وعلى الرغم مما طرأ من تحوّلات على الأرض منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إلا أن خطوط التماس الرئيسة لم تتغيّر. فالاتفاق الغربي النووي مع إيران، مثلاً، يمثل محاولة لاستعادتها. وفي كل الأحوال تظل حواجز الصد التقليدية قوى بينية يصعب عليها القيام بدور القوّة الإقليمية دون دعم من القوى الكبرى في العالم.
وهنا تجدر ملاحظة أن عاملاً جديداً يضفي مزيداً من التعقيد على واقع وتوازنات القوى على الأرض. والمقصود، هنا، تغيّر الأولويات والمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، وهذا في ذاته يُحرّض الروس على بذل مزيد من الجهد لتعزيز مواطئ القدم في آسيا الغربية، وإبداء قدر كبير من التصميم على حماية الحلفاء، والوفاء للأصدقاء، خلافاً لقصر نفس الأميركيين، وسياستهم المثيرة للارتياب.
يمكن العثور على سبب إضافي لتصميم الروس على “القتال” في آسيا الغربية، على خلفية التعددية المُنتظرة للأقطاب في عالم ما بعد الحرب الباردة. فما طرأ من تغيّر على أولويات الأميركيين، ومع صعود الصين والهند كقطبين جديدين، يمكن أن تراودهما، بعد فترة قد تطول أو تقصر، أحلام ملء الفراغ، يجد الروس أنفسهم في عجلة من أمرهم لتكريس حضورهم.
وماذا بشأن حائط الصد الأيديولوجي؟
كانت وظيفة حائط الصد الأيديولوجي، في زمن الحرب الباردة، دفاعية وهجومية في آن. ورغم أن أحداً لا يتكلم عن الشيوعية الآن، إلا أن الطموحات القومية لملايين الشعوب المسلمة في منظومة الاتحاد الروسي، وفي جواره، تمثل البطن الرخوة للروس، ويمكن للإسلام السياسي (في نظرهم) أن يعيد إنتاج الطموحات القومية والمظالم التاريخية بطريقة تهدد روسيا من الداخل والخارج.
كل ما تقدّم يسهم في تفسير دوافع ومبررات الروس في الدفاع عن نظام آل الأسد. ومن المؤسف أن سياسة روسيا الحالية تعيد التذكير بموقف القياصرة في أواسط القرن التاسع عشر على رأس “الحلف المقدّس” في وجه ربيع الشعوب الأوروبية في العام 1848. في حينها وقفت روسيا القيصرية ضد حق الأوروبيين في الحرية والعدالة الاجتماعية، وتحرير أنفسهم من الطغاة، وها هي تعيد الموقف نفسه ضد حق السوريين في الحرية، والعدالة الاجتماعية، وتحرير أنفسهم من الطغاة.
وربما لن يطول الوقت قبل بدء الكلام الصريح عن مسؤولية روسيا في حماية الأقليات. ولعل في هذا الكلام، أيضاً، ما يعيد التذكير بسياسات القرن التاسع عشر من ناحية، وتداخل وتشابك الصراع في أوروبا وعليها، بالصراع في آسيا الغربية وعليها، في ذلك الزمن، وفي هذا الزمن، من ناحية ثانية.
موقع 24
قمة واشنطن تطوي إعلان بوتين ومسودة دي ميستورا؟/ جورج سمعان
مبادرة الرئيس فلاديمير بوتين تستدعي سيلاً من الأسئلة. حظها ليس أفضل من حظ مسودة الخطة التي طرحها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا. قوى المعارضة في «الائتلاف الوطني» طرحت أكثر من أربعين سؤالاً على المبعوث شكلت مع التحفظ نوعاً من الرفض الديبلوماسي للمسودة. سيد الكرملين أعلن أن الرئيس بشار الأسد مستعد لإجراء انتخابات نيابية مبكرة، ولاقتسام السلطة مع «معارضة بناءة». وهو يعلم بالتأكيد أن الانتخابات العادية يفترض أن تُجرى في الربيع، بعد أشهر. فهل يقصد تقريبها؟ ومن يقصد بالمعارضة البناءة؟ كيف تُجرى انتخابات نظيفة وحوالى عشرة ملايين سوري يهيمون في بلادهم بعدما أخلوا مدنهم وقراهم هرباً من الحرب؟ كيف تُجرى انتخابات بتمثيل حقيقي وحوالى خمسة ملايين سوري باتوا لاجئين في دول الجوار، ويطرق مئات الآلاف منهم أبواب أوروبا بحراً وبراً؟ ومن يقصد بالمعارضة «البناءة» التي ستجلس في صفوف الحكومة «البناءة» التي انعقدت قبل أيام لتناقش «ملف الهجرة» وأسبابها، ودانت «التعامل المخزي» لبعض الدول الأوروبية مع المهاجرين؟!
يعرف الرئيس بوتين بالتأكيد أن الرئيس الأسد لن يسلم السلطة، ولن يشرك فيها أحداً. رفض حتى «المبادرة الإيرانية». ونقل إليه ديبلوماسيوه حتماً ما أبلغهم به وزير الخارجية وليد المعلم في زيارته موسكو أخيراً. رئيسه لن يسلم السلطة، لا عسكرياً ولا سياسياً. أبلغهم خوفه هو السنّي الدمشقي من «اليوم التالي»، فأين منه موقف العلوي؟! أسئلة كثيرة يستدعيها تصريح سيد الكرملين. ولا حاجة إلى أجوبة. صحيح أن المبادرة إلى انتخابات نيابية مبكرة روجت لها موسكو منذ أكثر من شهرين. لكن ما استدعى إطلاقها علناً قبل يومين مستجدات سياسية وتداعيات أزمة اللاجئين ومآل الأزمة السورية برمتها. استهلك الروس لافتة رفعوها منذ بيان جنيف في حزيران (يونيو) 2012. رددوا بلا ملل ولا يزالون يرددون إلى اليوم أن التسوية ومستقبل الرئيس الأسد يقررهما السوريون أنفسهم بلا تدخل وبلا شروط مسبقة. لكنهم تناسوا أن بيان جنيف الذي يريد الجميع اعتماده مرجعية للتسوية أقره وزراء خارجية الخمس الكبار من دون أي حضور ودور للسوريين، أصحاب الشأن والمعنيين الأساسيين!
ما أعلنه الرئيس بوتين لن يصرف في أوساط المعارضة ولا في أوساط جميع المعنيين بالأزمة. ما أراده هو الإيحاء بأن بلاده تسعى فعلاً إلى دفع النظام السوري إلى تقديم تنازلات لا تمس النظام والحكم، بل تحفظ رأسه وتحميه. تماماً كما ضيعت مسودة دي مستورا بند هيئة الحكم وصلاحياتها الكاملة في المرحلة الانتقالية في جملة من البنود واللجان. كأن المطلوب في هذه المرحلة تقطيع الوقت. فالمبعوث الدولي يدرك جيداً أن خطته لن ترى النور. ولا أحد ينتظر أن يقدم «إنجازاً» عندما يعود إلى مجلس الأمن منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، ما لم يكن هناك توافق بين الكبار المختلفين على مستقبل الرئيس الأسد ومصيره ودوره. وهو يعرف حتماً أن بيان جنيف الذي أعده سلفه الأمين العام السابق كوفي أنان كان ترجمة لتوافق دولي ابن لحظته، خصوصاً بين أميركا وروسيا، ما لبث أن سقط في حمأة التفسيرات المختلفة لمضمونه.
الواقع أن الكرملين بدأ يشعر بأن الساحة التي أخليت له طويلاً من أجل إنجاز اختراق لم تعد تتيح له حرية الحركة كما في السابق. ثمة تطورات ضاغطة. لا بد إذاً من مناورة جديدة تواكب تحرك دي ميستورا وتستبق ما قد تحمله الأيام المقبلة قريباً. أراد الإيحاء بأن النظام في دمشق مستعد لتسوية سياسية تواكب الإعداد لتحالف واسع لمحاربة «داعش». لم تعد هذه الحرب أولوية وحدها. بات المساران، الحرب والتسوية، متوازيين. يحاول الرئيس الروسي أن يطرق بجديده السوري أبواب أوروبا والولايات المتحدة أولاً وأخيراً. يريد المقايضة بين أوكرانيا وسورية: قدموا تنازلات هناك أقدم مثيلها هنا. ويأتي جديده أيضاً في إطار إعادة النظر في مواقفه ومواقعه ومصالحه وشبكة علاقاته في الشرق الأوسط وغيره، في ضوء تداعيات الاتفاق النووي. توقيت إعلان هذا الجديد كان لافتاً. واكب محادثات القمة الأميركية – السعودية. ربما أراد زجه في برنامج المحادثات بين الرئيس الأميركي باراك أوباما والملك سلمان بن عبدالعزيز. تقلقه سلفاً نتائج هذه القمة، خصوصاً توافق الزعيمين على التأكيد أن لا دور للرئيس الأسد في مستقبل سورية. وهو ما كرره وزير الخارجية عادل الجبير أمس بعدما كان أبلغ موسكو به علناً في حضرة نظيره الروسي سيرغي لافروف قبل أسابيع.
تدرك موسكو أن الوقت داهم. فإدارة الرئيس باراك أوباما تسعى لإرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، عبر تجديد علاقاتها مع إيران وإقامة نوع من التوازن في النظام الإقليمي. ومثل هذا النهج لا يمكن تطبيقه فيما طهران توغل في خرق المنطقة ومجتمعاتها، من العراق وسورية إلى فلسطين واليمن وشرق شبه الجزيرة العربية. ولا شك في أن هذه الإدارة عليها بعد قمة واشنطن ترجمة حرصها أقله على هذا التوازن. والاختبار الأول هو الأزمة السورية. والثابت المعلن حتى الآن أن الجمهورية الإسلامية ليست في وارد المساومة في القضايا الإقليمية. المرشد علي خامنئي اتهم الولايات المتحدة بأنها «تسعى إلى القضاء على المقاومة والهيمنة على سورية، وتتوقع أن تدخل إيران في هذا الإطار». وشدد على أن «هذا الأمر لن يحدث أبداً».
موقف المرشد لا يساعد واشنطن على تصحيح مسار علاقاتها بشركائها الخليجيين. الكرة في ملعب إدارة الرئيس أوباما بعدما تحررت من عبء الجمهوريين وتهديداتهم بإسقاط الاتفاق النووي. لم تعد أسيرة المرحلة الماضية. يبقى أن تبدي لأصدقائها التاريخيين في المنطقة أنها لم ولن تنجرف وراء مشاريع إيران ومخططاتها في المنطقة. علماً أنها لا يمكن أن تسلم باليد المطلقة لإيران في دمشق وهي تعمل على تقليص نفوذها في بغداد. كانت طوال السنوات الثلاث الماضية حريصة حرصاً مبالغاً فيه على عدم إزعاج طهران في أي مسألة لئلا تجازف بدفعها إلى وقف المفاوضات النووية. أما اليوم فلا عذر لها. رفضت دعوات تركيا المتكررة إلى إقامة منطقة آمنة شمال سورية، بل طلبت دفع مشروع المنطقة غرباً بعيداً من مناطق الكرد. لا تريد إضعافهم. ولا تريد المجازفة بسقوط مفاجئ للنظام السوري من دون جاهزية بدائل فاعلة وقادرة. مثلما لا ترغب أيضاً في إطلاق يد أنقرة وتعزيز نفوذها في سورية. ولا تزال عند هذا الموقف.
تعي موسكو معنى هذا التبدل. وتخشى أن تعدل واشنطن موقفها مجاراةً للعرب القلقين من هيمنة إيران، وتأكيداً لحرصها على علاقاتها التاريخية والتزاماتها معهم. وتعي أن أزمة سورية على رأس اهتمامات الإدارة بعد تمرير الاتفاق النووي مع إيران في الكونغرس. وإذا كان الضغط العربي على واشنطن ليس كافياً، فإن الضغط الأوروبي سيكون أكبر. لذلك، واكب إعلان الرئيس بوتين أيضاً التخبط الأوروبي في معالجة أزمة اللاجئين والمخاوف التي تثيرها. فجيش الفارين من أتون الحروب والويلات في سورية وغيرها لا يصل عملياً إلى حدود روسيا أو الولايات المتحدة. لكن صور المآسي والويلات التي يقاسيها هؤلاء، غرقاً في البحر أو اختناقاً في شاحنات التبريد، ولدت موجة من التعاطف في الشارع الأوروبي الذي بدأ الضغط على حكوماته. ولا مفر أمام هذه الحكومات سوى تحويل هذا الضغط نحو واشنطن، الشريكة الكبرى، لتعديل موقفها والانخراط فعلياً في البحث عن حلول سريعة. الدوائر المعنية في القارة العجوز تعلم جيداً أن المعالجة المجدية لمواجهة هذه الموجة الواسعة من المهاجرين فاقمها إحساس السوريين بأن لا أمل لهم بالبقاء في بلادهم، وهم يعيشون عذابات استعصاء الحسم في الميدان العسكري واليأس من إمكان التوافق في الساحة السياسية، محلياً ودولياً.
إلى كل هذه العوامل المستجدة الضاغطة، تشعر موسكو بأنها باتت هي نفسها تحت الضغط. التأثير الواسع الذي كانت تملكه على النظام في دمشق يفلت من بين أصابعها لمصلحة إيران التي يساهم تدخلها في تفكيك ما بقي من مؤسسات الدولة، بل يجد النظام مصلحته في مجاراة تيارها المتشدد الذي لا يلتفت إلى انهيار الدولة والمؤسسة العسكرية. هناك إذاً مصلحة ملحة لبوتين في تحريك المسار السياسي في سورية، والاحتفاظ بأرجحية بلاده في رسم مآلات التسوية. وهو ما يستدعي ليس مغازلة الولايات المتحدة وأوروبا واستدراجهما إلى مقايضات معقدة، بقدر ما يتطلب منه مبادرة «بناءة» قبل البحث عن «معارضة بناءة»! وهناك مصلحة ملحة مماثلة للولايات المتحدة في ترجمة حرصها على إقامة توازن في علاقاتها بالشرق الأوسط. وترجمة حرصها على منع إيران من الهيمنة على المنطقة، وتهديد جيرانها، ووقف تدخلها، والحؤول دون تفردها برسم خريطة النظام الإقليمي الجديد وتفتيت بلاد الشام. لم يعد التردد يجدي. وسورية هي المحك والامتحان بعد تحرر أوباما من الملف النووي وتهديدات خصومه الجمهوريين… بانتظار أن تطيح نتائج قمة واشنطن وزحف اللاجئين إلى أوروبا زحف إيران ومعه مناورات موسكو ومسودة ديستورا؟
الحياة
تفكيك عقدة سوريا/ علي إبراهيم
لم يكن كثيرون يتوقعون أن تطول الأزمة السورية لتدخل عامها الخامس وأن تتطور بهذا الشكل الذي أصبحت فيه ساحة لتنظيمات غاية في التطرف، وفي نفس الوقت ساحة لصراع بين قوتين عظميين هما الولايات المتحدة وروسيا، بشكل غير مباشر حتى الآن، بخلاف التدخل الإيراني المباشر هناك دعمًا للنظام.
المشهد يبدو غاية في التعقيد، بعد أن تحولت الأزمة السورية بالنسبة إلى معظم الأطراف الخارجية إلى أزمة لاجئين مع وصول عشرات الآلاف من السوريين إلى أوروبا مخاطرين بحياتهم في زوارق المهربين لعبور المتوسط، وفي نفس الوقت ينظر العالم بقلق شديد إلى التنظيمات المتطرفة التي تعمل على الأرض هناك، وتخطط لتصدير الإرهاب إلى بقية المنطقة والعالم.
أصبح المشهد أن السوريين أمامهم خياران كلاهما أسوأ من الآخر، «داعش» أو النظام السوري، فاختار الآلاف مغامرة عبور البحر مع كل مخاطرها لبدء حياة جديدة بعيدًا عن جنون «داعش» وبطش النظام.
لكن الحرب الأهلية مثل النار التي تأكل في بعضها وتسبب الكثير من الدمار، وفي النهاية تفقد تدريجيًا قوتها، وتمل القوى المتصارعة، ويتبقى منها الرماد.
ستنتهي الأزمة السورية في يوم من الأيام، بخسائر كبيرة لا مجال لتعويضها، فهناك نصف الشعب السوري نازح حاليًا ومدن كاملة مدمرة، وآثار تاريخية عاشت آلاف السنين لتلقى مصيرًا مشابهًا لتماثيل لبوذا في باميان بأفغانستان وذلك على يد التتار الجدد الذين يجدون في الخراب تسلية وإشباعًا لنزواتهم التدميرية.
المشكلة هي كيف ستنتهي هذه الأزمة؟ وكيف سيتم تفكيك هذه العقدة؟ في ضوء واقع أن فريقي الأزمة حاليًا في غاية التطرف، بينما تبدو المعارضة المعتدلة لا حول لها ولا قوة ولم تنجح في إقناع القوى الخارجية بتسليحها بشكل فعال، وعلى الجانب الآخر حصل النظام على دعم علني من موسكو التي قالت إنها ستستمر في تسليحه باعتباره القوة الوحيدة القادرة على محاربة الإرهاب.
وفي حين أن إعلان موسكو استمرار دعمها للنظام مع تقارير وجود مستشارين عسكريين يوحي بأن هناك تصعيدًا قد ينقل الأزمة إلى مستوى آخر، فإن وجهة نظر أخرى قد ترى في هذه المواقف والإعلانات تثبيتًا للمصالح ورسالة للأطراف الأخرى بأنه إذا حانت لحظة الجلوس على مائدة التفاوض فإن لنا مصالح ونفوذًا هنا لا يجب تجاهلهما، وهو ما ينطبق عليه المثل «اشتدي أزمة تنفرجي».
ويعزز من ذلك أن لا أحد عاقلا يتصور أن روسيا وأميركا ستضعان قواتهما في مواجهة مباشرة، فهذا لم يحدث في ذروة الحرب الباردة أو في أزمة عالمية شحذت فيها الأسلحة النووية مثل أزمة خليج الخنازير في ستينات القرن الماضي.
هذا التدخل الروسي بما يوحي به من تصعيد وصب للزيت على النار يترافق مع أزمة اللاجئين العابرين للحدود والتي وضعت الاتحاد الأوروبي في أزمة ألغت فيها دول أعضاء إجراءات أو قوانين الحدود المفتوحة، يدعوان للاعتقاد بأن ساعة التفاوض اقتربت، وعندما تفرش الطاولة وتوضع الكراسي فإن كل الأطراف يجب أن تكون جاهزة، حتى لا تفرض الحلول دون مراعاة مصالح المنطقة. والحديث عن الأطراف لا يعني «داعش» والتنظيمات الشبيهة، فهذه على الأرجح ظواهر وقتية انتهى دورها.
الشرق الأوسط
أفغنة سوريا.. هل تلدغ موسكو من الجحر مرتين؟/ مصطفى فحص
عندما قررت موسكو السوفياتية التدخل في أفغانستان عام 1979، كانت حكومة الرئيس حفظ الله أمين تسيطر على أكثر من ثلثي مساحة أفغانستان، وكان «المجاهدون» المتوارون في المناطق النائية والجبلية عبارة عن مجموعات صغيرة غير مدرّبة تمتلك عتادًا بسيطًا. ولكن بعد التدخل الروسي في أفغانستان، حصلت هذه المجموعات على دعم عسكري من جهات دولية مختلفة وقفت بوجه هذا الغزو، الأمر الذي ساعد على خوض حرب عصابات استنزفت أضخم قوة عسكرية برية في حقبة الحرب الباردة. فانتقل «المجاهدون» من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، حيث تم فرض واقع ميداني لصالحهم. وفي بداية النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي تمكنوا من تقليص السيطرة السوفياتية إلى 20٪ فقط من الأراضي الأفغانية. واليوم في الوقت الذي بدأت تصل فيه طلائع مشاة البحرية الروسية وخبراء الدفاع الجوي الروسي إلى مناطق الساحل السوري، تنفيذًا لقرار استراتيجي اتخذه الكرملين بالتدخل الميداني المباشر في الحرب السورية، وصل حجم المساحة الجغرافية التي يسيطر عليها رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى ما دون 20٪. كما بات بعد أربع سنوات على الحرب محاصرا في دمشق، قواته منهكة تدافع عن عقر داره في المناطق الموالية له، بعد أن وصل الثوار إلى تخومها من عدة جهات. وأصبح الأسد ونظامه يعتمدان كليًا على ميليشيات أجنبية تحميه من السقوط. أما فصائل المعارضة فأضحت، رغم شح المساعدات وكثرة التدخلات الخارجية، أكثر خبرة وأفضل تنظيمًا.
التراجع الميداني لقوات الأسد، والتخوف من سقوط مفاجئ أو انتكاسة عسكرية، سيناريوهات تزيد وضعه تعقيدًا، وهي عوامل فرضت على القيادة الروسية التدخل السريع من أجل إعادة التوازن لقواته. فلم يعد مستبعدًا مشاركة طيارين روس محترفين في القتال الجوي، واستخدام طائراتهم الحديثة ذات القدرات التدميرية العالية ليس من أجل محاربة «داعش» كما تدعي الخارجية الروسية، بل لمنع تقدم المعارضة. ومن شأن تدخل مماثل أن يتسبب بترجيح كفة الأسد على الأرض، وقد تستغل موسكو الفرصة بحجة المساعدة في الحرب على الإرهاب لتقوم بضرب كافة فصائل المعارضة السورية. إلا أنّ الدول الداعمة للمعارضة لن تسمح بأمر مماثل، ما قد يدفعهم إلى زيادة الضغط على واشنطن للسماح بتزويد المعارضة بصواريخ أرض – جو أو مضادات أرضية، بالإضافة إلى زيادة الدعم النوعي لوقف الإخلال بالموازين بين المعارضة والنظام. فخطوات الكرملين التصعيدية في سوريا، بهذا الشكل والحجم، هي خروج عن تعهدات ضمنية بين أطراف النزاع الدولي على سوريا؛ إذ سبق أن اتفقت هذه الأطراف على الالتزام بمستوى الدعم العسكري للقوى المتصارعة على الأرض السورية: في مقابل عدم تزويد الغرب المعارضة بصواريخ مضادة للطائرات، كان على موسكو الالتزام بعدم حصول الأسد على أسلحة أكثر فتكًا وذات قدرة أكبر على التدمير تساعد على حسم الصراع عسكريًا. كما أنّ اتفاقًا ضمنيًا رسم حدود التدخل الخارجي على مستوى الخبراء والتدريب، ومنع إرسال وحدات قتالية رسمية للمشاركة في القتال.
لقد تحولت أفغانستان في منتصف ثمانينات القرن الماضي مكانًا لتصفية حسابات الحرب الباردة، بعد أن تبنت دول غربية وإقليمية وعربية مساعدة الثوار الأفغان، من أجل دحر الاحتلال السوفياتي. وكان هذا الاحتلال في أفغانستان من عوامل تفكك الاتحاد السوفياتي خصوصًا بعد قرار الرئيس الأميركي الأسبق، رونالد ريغان، عام 1986 تزويد «المجاهدين الأفغان» بصواريخ «ستينغر» التي قلبت موازين القتال. ولم يعد مستبعدًا أن يلجأ الغرب إلى إدارة الأزمة في سوريا بدلاً من حسمها، ما قد يستدرج موسكو إلى المستنقع السوري من أجل استنزافها اقتصاديا وزيادة الأعباء على خزينتها المنهكة أصلاً. وفي حال دخلت موسكو هذا المستنقع فمن شأن هذا الأمر تكبيدها هزيمة عسكرية على الأرض والقضاء على آخر موطئ قدم لها في شرق المتوسط. والأهم أنّ خطوة مماثلة ستدخل موسكو في مواجهة مفتوحة مع الغالبية الإسلامية في العالم التي باتت تحمّلها مسؤولية النكبة السورية، ما قد يجعل روسيا عرضة لردود فعل انتقامية من قبل الجماعات الإسلامية المتشددة.
على ما يبدو أنّ سيد الكرملين يصرّ في سوريا على ارتكاب الخطأ نفسه الذي ارتكبه أسلافه السوفيات في أفغانستان، فيدفعه غرور القوة إلى عدم الاكتراث بالوقائع التاريخية، فيمعن في تحديه إلى وضع يده من جديد في نفس الجحر الذي لدغ السوفيات قبل عقود.
الشرق الأوسط
الدبلوماسية الروسية ومصير الأسد/ ميشال أبو نجم
تجتهد الدبلوماسية الروسية للعب دور «الوسيط» الساعي إلى حل سياسي تقبله جميع الأطراف للحرب في سوريا التي أوقعت وفق الأمم المتحدة ما يقارب الـ240 ألف قتيل وشردت 13 مليون إنسان ودمرت البنية التحتية وفتحت البلاد أمام المنظمات الإرهابية وتمددت إلى العراق، وهي تهدد لبنان والأردن وتركيا وبلدان الخليج.
خلال الأسابيع الأخيرة، راحت الدبلوماسية الروسية تتحرك في كل الاتجاهات: الوزير لافروف كان في الدوحة لاجتماع ثلاثي مع نظيريه الأميركي والسعودي بينما نائبه بوغدانوف زار طهران والتقى، إلى جانب المسؤولين الإيرانيين، وزير الخارجية السوري. والثلاثاء، استضافت موسكو وزير الخارجية السعودي بعد أن كانت قد استضافت نهاية يونيو (حزيران) الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد ووزير الدفاع.. والدبلوماسية الروسية لا تنسى تركيا التي تتواتر الزيارات إليها بشكل غير منقطع، كما لا تنسى المعارضة السورية التي يصل بعضها إلى موسكو في الساعات القادمة من أجل جولات جديدة من المشاورات. والدبلوماسية الروسية تتشاور باستمرار مع واشنطن وأكثر من اجتماع ضم لافروف وكيري خصص للملف السوري ولنقاط التقارب بين العاصمتين التي يمكن تلخيصها بما يلي: الأولوية لمحاربة الإرهاب و«داعش» في سوريا «والعراق»، وبعد ذلك سنرى. وباختصار، يمكن رسم إطار التحرك الروسي بالقول إن موسكو تتواصل مع كل الأطراف الفاعلة محليا (باستثناء التنظيمات الإرهابية) وإقليميا ودوليا لغرض طرح نفسها وسيطا مقبولا والإمساك بعدد كبير من الأوراق للعب بها. هذا واضح، ولكن الأمر الأقل وضوحا يتمثل بالسؤال التالي: ما الخطة الروسية ولأي غرض؟
إذا كان هدف موسكو حقيقة العمل على ترجمة خطة الرئيس بوتين التي طرحها في شهر يونيو الماضي والداعية إلى إقامة تحالف دولي ضد الإرهاب يضم دولا إقليمية (تركيا، السعودية، الأردن، سوريا) وخارجية بالتوازي مع التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية منذ شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، فإن هذه الخطة لن تكلل بالنجاح بسبب رفض أطراف فاعلة السير فيها وأولها المملكة العربية السعودية. والسبب أن موسكو تريد ضم النظام السوري إلى المنظومة التي تسعى إلى إقامتها بحجة أنه «يقاتل داعش». لذا، فمن الواضح أن المساعي السورية لن تذهب بعيدا، وهذا ما أشار إليه الوزير الجبير صراحة عقب لقائه لافروف في موسكو يوم الثلاثاء الماضي.
تسعى موسكو للترويج لعدد من الأفكار والمبادئ «السهلة» التي تريد أن تكون أساسا لإعادة تشكيل المواقف، بل لإعادة اصطفاف الأطراف المعنية وفق الرؤية الروسية. والأسانيد التي يرتكز إليها الوزير لافروف أصبحت واضحة ومعروفة: لا أحد يريد أن يرى «داعش» في دمشق، سقوط الأسد يعني وصول «داعش»، الأسد لا يهدد أي بلد بعكس «داعش» التي تهدد الجميع بمن فيهم روسيا…
ليس من شك أن بلدان المنطقة تستشعر خطر الإرهاب وغالبيتها منضوية في التحالف الدولي الذي يقصف مواقع «داعش» في العراق وسوريا منذ أغسطس (آب) الماضي. وبعض ما تركز عليه الدبلوماسية الروسية لا يجافي الصواب، لكن عيب منطق موسكو أن الخلاصات التي تصل إليها موضع جدل، إذ كيف يمكن أن تتصور أنها قادرة على تسويق فكرة «تعويم» الأسد عبر بوابة الإرهاب من غير أن توفر للأطراف التي تخاصمه أو تقاتله ضمانات حول ابتعاده عن السلطة بعد مرحلة انتقالية محددة يتم خلالها تشكيل هيئة حكم تؤول إليها السلطة بموجب مبادئ جنيف للحل السياسي؟ وعندما يثار هذا الجانب من المسألة فإن الدبلوماسية الروسية تختار أسهل الأجوبة بحيث تردد ومن غير اقتناع أنه يعود للشعب السوري أن يحدد المرحلة الانتقالية ومصير النظام. لكن تبين أن الشعب السوري ليس من يمسك بزمام مصيره وأن النظام ليس في وارد التخلي عن السلطة ولا التعاطي مع المعارضة لأن كل معارضة -بحسب مفهوم الوزير المعلم- «إرهاب» والنظام «لا يتعاطى مع الإرهابيين».
الحقيقة أن كثيرين من الذين يتعاطون بالشأن السوري «حائرون» إزاء ما تريد موسكو الوصول إليه. فبعض التسريبات يفيد بأن ما يهم الكرملين ليس شخص الأسد، بل بقاء الدولة السورية ومؤسساتها والمحافظة على المصالح الروسية في شرق البحر الأبيض المتوسط وإعادة فرض موسكو لاعبا أساسيا في المنطقة لا يمكن تجاهل مواقفه أو مصالحه وحماية روسيا والجمهوريات المحيطة بها من خطر الإرهاب والتشدد الإسلامي. ومنذ أيام، قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن بوتين «لم يعد متمسكا بالأسد»، بينما نقل عن لافروف قوله لوزراء غربيين أن بلاده «ليست متزوجة الأسد»، ما يعني أنها مستعدة للنظر في مصيره ولكن «شرط توفر البديل». ولإعطاء هذه الفرضية المصداقية اللازمة يتعين البحث عنه في التحولات الميدانية، إذ لم يعد الأسد قادرا على القتال في كل الجبهات ولا على وقف تراجع مواقعه المستمر، ناهيك بإعادة الإمساك بسوريا. وبالمقابل، فإن المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده الجبير ولافروف في موسكو بين أن روسيا ما زالت متمسكة بالأسد وأن تفسيرها لبيان جنيف الصادر في نهاية يونيو عام 2012 لم يتغير، وهي ترى وتؤكد أنه لم يشر إلى تنحي الأسد وأن مصير النظام رهن بإرادة السوريين.
بعد نحو أربعة أعوام ونصف من الحرب في سوريا، تعود عقدة «مصير الأسد» لتجهض التصورات والحلول المطروحة. بالطبع، حصلت متغيرات خلال شهر يوليو (تموز) وما انقضى من الشهر الحالي من شأنها المساعدة على إخراج الوضع من عنق الزجاجة. وأبرز التحولات الاتفاق النووي الإيراني – الدولي وتغير الموقف التركي وخطط إردوغان في سوريا وخصوصا الوعي الروسي – الإيراني أن مسار الأمور في سوريا «ليس لصالح الأسد»، الأمر الذي أشار إليه الرئيس أوباما شخصيا، معتبرا أن «نافذة» قد فتحت للعثور على حل سياسي في سوريا يقول الجميع إنهم يبحثون عنه.
في ظل هذه المعطيات، تبدو المسؤولية الروسية كبيرة للغاية وتبدو موسكو ممسكة بالمفتاح الأول بسبب رعايتها الدولية للنظام السوري والمظلة الدبلوماسية – السياسية التي توفرها له في مجلس الأمن ومساعيها لإخراجه من الزاوية الضيقة عبر إعادة تأهيله، بيد أن الوصول إلى نتائج جدية يفترض أن تحسم موسكو مواقفها وأن تطرح خطة يمكن التوافق عليها لجهة السير بمرحلة انتقالية وفق منطوق بيان جنيف على أن يخرج الرئيس السوري من الصورة في مرحلة من المراحل مع توفير ضمانات صلبة لذلك.
لكن تبقى في الأفق علامات استفهام كثيرة، أولها يتناول موقف طهران ومدى تناغمها مع الطروحات الروسية واستعدادها للتعاون، وخصوصا الثمن الذي تطلبه. والحال أن وزير الخارجية الفرنسي الذي زار طهران مؤخرا عاد بانطباع أن لا تغيرات في الأفق الإيراني على الأمد القصير. لذا تبدو الأسابيع والشهور القادمة حاسمة لجهة المسار الذي ستسلكه الأزمة السورية، إما باتجاه مزيد من المعارك بحثا عن حسم عسكري لا يبدو قريب المنال إن لم يكن مستحيلا إذا بقيت المواقف على حالها، وإما السير نحو تسوية سياسية لا يظهر أنها أصبحت اليوم على بعد رمية حجر.
الشرق الأوسط
أيّهما يصحّ في التعزيزات العسكرية الروسية: تحفيز الحل أو تسعير الحرب الأهلية؟/ روزانا بومنصف
يسود اعتقاد لدى مصادر مراقبة في بيروت أن تعزيز روسيا مواقعها في المنطقة الساحلية في سوريا قد يكون مرتبطا بطريقة أو بأخرى بتحفيز موسكو لحل للازمة السورية خلال ما تبقى من ولاية الرئيس الاميركي باراك اوباما استناداً الى أن الاخير الذي يظهر ابتعاداً ارادياً عن المنطقة قد يكون ميالا الى القبول ببنود في الحل النهائي المحتمل على غير ما يمكن أن تكون عليه الحال أمام من يخلفه. وذلك على رغم التخوف الذي يبديه ديبلوماسيون بأن يساهم تعزيز روسيا وجودها العسكري في تسعير الحرب الداخلية في سوريا على خلفية أن مساعدتها للنظام ستنسف جهودها السابقة للم شمل الجميع، كما سيؤدي الى استفزاز التنظيمات المعارضة وليس فقط تنظيم الدولة الاسلامية. لكن مع الاحتمال الاول الذي يبدو اكثر ترجيحاً بالنسبة الى المصادر المعنية، فإن الحل مع اوباما لا يزال اكثر سهولة من كل التوقعات المستقبلية. اذ لا يتوقع بالنسبة الى المرشح الديموقراطي الاكثر حظاً على غرار هيلاري كلينتون أن تتبنى المقاربة نفسها التي اعتمدها أوباما للوضع السوري وفق ما اعلنت كلينتون نفسها. والامر قد يكون اكثر حدة مع رئيس من الحزب الجمهوري في حال فوزه بحيث يتعذر على الرئيس الذي سيخلف اوباما اعتماد سياسة معاكسة تماما لسياسة الاخير على غرار رد الفعل العكسي الذي تبناه هو في سياسته رداً على سلفه جورج دبليو بوش، فذهب الى سياسة الانسحاب كليا من المنطقة في مقابل الانخراط القوي لبوش فيها، الى حد اعتبار اوباما مسؤولا عن انهاء تاريخ من المصالح الحيوية الاميركية في المنطقة. وحين كانت المفاوضات تجرى مع إيران على ملفها النووي كان ثمة اقتناع لدى هذه المصادر بأن إيران ستعمد في النهاية الى القبول باتفاق على ملفها النووي لاعتقادها بأن الظرف مثالي مع رئيس اميركي على غرار اوباما يطمح الى انجاز الاتفاق ومستعد لان يقدم الكثير في التفاوض من اجل تحقيق انجازه الاهم خلال ولايتيه. ومن هذه الزاوية، فان رغبة روسيا في انجاز اتفاق حول سوريا قد يكون مدفوعا برغبة قوية في الاستفادة من وجود اوباما، بحيث يمكن الحصول في المفاوضات على الموضوع السوري بما يمكن أن يصب في مصلحة روسيا وحلفائها وفي مقدم ذلك ضمان حليفها الرئيس السوري إن لجهة بقائه في السلطة اطول فترة ممكنة أو لجهة تحصيل ضمانات قصوى في التسوية المفترضة.
تحركت روسيا في الايام الاخيرة لتعزيز موقعها العسكري في المنطقة الساحلية التي يسيطر عليها النظام مستفيدة من تصاعد موضوع اللاجئين السوريين وهربهم الى اوروبا التي تتخبط دولها في ازمة حقيقية ادت الى وقوع انقسامات كبيرة بينها حول كيفية مقاربة هذا الموضوع والحؤول دون تفاقمه مستقبلاً، علماً انها سارعت الى الاعلان عن برنامج لسنوات عن استقبال اللاجئين. لكن يمكن روسيا أن تجد آذاناً صاغية ايجابية لدى اوروبا في ضوء معاناتها الاخيرة. وقد برزت نقاط التقاء مع روسيا على غرار ما قاله الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مثلا في مؤتمره الصحافي الاخير في قصر الاليزيه حيث حمّل تنظيم الدولة الاسلامية مسؤولية الهجرة الكثيفة للاجئين على غرار ما تفعل روسيا، من دون الاشارة الى دور بشار الاسد في هذا الاطار. وكان لافتاً اعلان المستشارة الالمانية انجيلا ميركل في عطلة الاسبوع الماضي، بعد اجتماع في برلين حول أوكرانيا حضره أيضاً وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ضرورة التعاون مع روسيا في موضوع سوريا، وهو موقف لافت تزامن مع تعزيز روسيا قواتها العسكرية في سوريا، علماً أن الولايات المتحدة لا تغفل دور روسيا وسبق لمسؤوليها الكبار أن أعلنوا تعاونهم معها في الموضوع السوري وكان الموفد الاميركي الى سوريا مايكل راتني من بين اواخر من زاروا روسيا على اثر استقبالها مجموعة كبيرة من المعارضة السورية وزعماء المنطقة. كما يعتقد أن روسيا تحركت على خلفية الايحاء بأنها هي من يأخذ دور الدفاع عن الاقليات وهي التي تسعى الى حمايتهم في وجه تمدد تنظيم الدولة الاسلامية وتطمح لأن تؤمن لهم الدور الكبير في سوريا المستقبل. وهي تعني بالاقليات طائفة العلويين في الدرجة الاولى التي ينتمي اليها الاسد. وهي تتقدم بهذا الدور على إيران باعتبار أن ثمة حساسية مذهبية يثيرها التدخل الإيراني على هذا الصعيد في اطار دعم النظام العلوي ضد الاغلبية السنية في سوريا. ووجود روسيا في المنطقة الساحلية السورية يمكن أن يندرج أيضاً في اطار الرسائل التي تعزز شروطها من حيث اعلانها انها في سوريا اصلا لمساعدة النظام وامداده بالمعدات وتدريب العسكريين تحت طائل أن يكون وجودها للمحافظة على هذه المنطقة بحيث اذا رغبت الولايات المتحدة والغرب لاحقاً في توحيد سوريا فعليهم التفاوض مع روسيا، ويمكن أن يستخدم وجودها من اجل تطبيق المساعدة والحماية أو توظيفه كفزاعة أيضاً لخصومها في الموضوع السوري. ومن هذه الزاوية يبدو ما يحصل تعزيزاً لشروطها في الحل وموقعها في المنطقة اكثر منه ضماناً لاستمرار وديمومة الاسد خصوصا أن تجربة العراق ماثلة مع رئيس للوزراء يحظى بالدعم الدولي الكافي لكن من دون قدرة لا على توحيد بلاده ولا على الحكم في الوقت الذي لا يحمل مسؤولية مقتل اكثر من 300 الف مواطن أو تهجير الملايين أيضاً وتدمير بلاده.
النهار
المشكلة ليست بوتين بل أوباما/ علي حماده
هذه هي خلاصة قالها لي محدثي في باريس، هو وزير خارجية دولة عربية فاعلة كان ماراً بالعاصمة الفرنسية، وقد زرته لأسمع منه رؤيته حول تطورات المنطقة ولا سيما ما يتعلق بلبنان وسوريا التي تبقى الازمة المركزية في الشرق الأوسط.
في “لوبي” فندق “جورج الخامس” في باريس، قال محدثي شارحا صورة الوضع على النحو الآتي: “دخلت المنطقة مرحلة تاريخية جديدة لا تخفى على أحد من المراقبين أو الفاعلين اثر الاتفاق النووي الايراني الذي من شأنه ان يغير معطيات الازمات في المنطقة. فلقد انقسمنا كمسؤولين حول نتائج التوقيع على الاتفاق بين قائل انه قد يفتح الباب على تحول في السياسات الايرانية نحو شيء من الاعتدال، وبالتالي يؤسس لاتفاقات مع دول الاقليم العربية، وقائل ان تحرير اموال ايرانية محتجزة، ورفع العقوبات لن يغير السياسات الايرانية بل انه سيمنحها “أجنحة” وقدرات ما كانت متوافرة حتى الآن لمزيد من التدخل في الاقليم، ونحن – يقول محدثي – نميل كما اكثرية المسؤولين الكبار في الاقليم الى تغليب الفكرة الثانية. بمعنى ان ايران غير مقبلة على مرحلة من التعقلن بل على تجديد الهجوم على المنطقة بوسائل وإمكانات جديدة”.
ويوضح: “في النزاع اليمني الذي يستنفد الكثير من القدرات والامكانات ما كان بالامكان غير قرار خليجي – عربي بخوض حرب كاملة الاوصاف ضد الاختراق الايراني الخطير عبر الحوثيين، وكان قرارنا اننا ان لم نخض هذه الحرب اليوم وننتصر فيها، فإن الحرب المقبلة ستكون في قلب الرياض، ومكة، والكويت، والدوحة، وابو ظبي، والمنامة، وعُمان وغيرها… ونحن سائرون في الحرب حتى نهايتها مهما كلفت المنظومة العربية الاقليمية، ولن نقبل بأقل من هزيمة ايران في اليمن، وهذا ما اوضحناه للادارة الاميركية منذ اليوم الاول، وما كان بوسع الرئيس الاميركي إلا احترام قرارنا الجماعي والجلوس في “المقعد الخلفي”، وهذا ما نريده تماما”.
بالنسبة إليّ اختلفت الصورة: “سوريا مأساة، ومأساتها غير ناجمة فقط عن اجرام النظام، وجنون الايرانيين، وتورط الروس الهائل، بل ان المأساة سببها اساسا سياسة الرئيس الاميركي باراك أوباما. واقول لك، لولا الاميركيون ورفضهم تركنا نحسم الصراع ونقصر مدة الازمة لسقط بشار، وانهار الجسر الايراني في سوريا منذ ٢٠١٣. وما زلنا حتى اليوم وبالرغم من مشكلة انقسام المعارضة قادرين بدعمنا للفصائل ان نحسم بسرعة، ونوقف النزف السوري الذي بلغ قلب أوروبا. المشكلة ليست الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بل أوباما، فهو مصر على “الستاتيكو” الدموي هناك. ومع ذلك نعتبر ان النهاية محسومة بسقوط بشار وهزيمة الايرانيين عاجلا ام آجلا، ولذلك لا نعلق الآمال على حل سياسي برعاية روسية”.
ماذا عن لبنان؟ هل لا يزال قرار “التهدئة” قائماً برعاية اقليمية – دولية؟ ولماذا يبدو النظام العربي وكأنه ادار ظهره مرحليا عن لبنان؟
النهار
روسيا تحاول إطالة حكم الأسد باشتراط القضاء على الإرهاب أولاً/ اميل خوري
هل يتحوّل تدفق اللاجئين السوريين بكثافة على دول أوروبية مشكلة بل أزمة قد تعجل في إيجاد حل للحرب في سوريا، إذ أن الأعباء التي تترتب على هذه الدول لمواجهة اللجوء قد تفوق مع الوقت أعباء حرب حاسمة؟ لكن الخلاف بين الدول المعنية على التوصل إلى حل في سوريا جعل الحرب فيها تطول وتنتقل عدواها الى دول اخرى بحيث أصبحت منطقة الشرق الأوسط تواجه المصير المجهول، خصوصاً بعدما فشلت الثورات العربية في تحقيق أهدافها فكانت الفوضى والحروب الداخلية التي لا تنتهي، ولا تم التوصل الى قرار في مجلس الامن ينهي الحرب في سوريا، ولا توصلت الدول المعنية الى اتفاق على تنفيذ مقررات مؤتمر جنيف بسبب الخلاف على ان يكون الرئيس بشار الأسد جـــزءا من الحــــل او لا يكــــون جزءا منــــه، الى ان ظهــر خطـــر تنظيم “داعش” مهـــدداً كل المنطقة ويخيف الجميع، خصوصــا عندمـــا استطـاع ان يجتــاح خلال ساعات مناطق واسعة في العراق.
واذا كان الخلاف على مصير الأسد هو الذي أدى إلى خلاف على مصير سوريا، فإن الخلاف يتجدد الآن بين الدول المعنية حول هل تكون الأولوية للقضاء على تنظيم “داعش” أم لتقرير مصير الرئيس الأسد؟
ثمة دول ترى أن تعطى الأولوية للقضاء على تنظيم “داعش” لأن أي حكم يتم الاتفاق على إقامته في أي دولة عربية مع استمرار نشاط “داعش” سوف يجعل هذا الحكم غير مستقر ومهدد في أي وقت بالسقوط بدليل ما يحصل في العراق. وثمة من يقول إن التوصل الى اتفاق على إقامة حكم تتمثل فيه كل القوى السياسية الاساسية سوف يكـــون قادرا عـلى التصـدي لتنظيم “داعش” والقضاء عليه لأن إقامة مثل هذا الحكم سوف تحول دون وجود بيئة حاضنة
له.
ويبدو أن روسيا تعطي الأولوية لضرب تنظيم “داعش” والقضاء عليه قبل البحث في أي حل يقيم حكماً جديداً في سوريا. ويلاقي هذا الموقف تأييد دول أوروبية وعربية ضمناً، في حين ترى دول أخرى أن القضاء على “داعش” قبل الاتفاق على شكل الحكم الذي سيقوم بعد ذلك من شأنه أن يعيد الخلافات بين قوى الداخل ويجعل كل خارج معني يتدخل في هذه الخلافات، عدا أن أولوية القضاء على تنظيم “داعش” تطيل حكم الرئيس الأسد وتطيل أيضاً أمد الحرب التي لم تعد تحتمل مع استمرار موجات اللجوء السوري الواسعة إلى دول قريبة وبعيدة، وهو ما يهدد أمن هذه الدول واستقرارِها الاجتماعي. وثمة من يرى، حسماً للخلاف على ترتيب الاولويات بين القضاء على تنظيم “داعش” أو ترحيل الرئيس الأسد، السير بهما معاً وعلى خط واحد متوازٍ بحيث يتم ضرب “داعش” والقضاء عليه، وفي الوقت عينه العمل على تنفيذ مبادئ مؤتمر جنيف وذلك بجعل صلاحيات الرئيس الأسد تنتقل كاملة إلى حكومة ائتلافية موسعة، الأمر الذي يعجّل في القضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية” والتخلص في آن واحد من الرئيس الأسد.
الواقع أن القضاء على تنظيم “داعش” يتطلب وجود وحدة وطنية متماسكة تجمع كل القوى السياسية الأساسية في سوريا لتكون قادرة على التخلص من هذا التنظيم وتاليا من حكم الأسد. فالقوى التي يهمها التخلص من النظام السوري ستعمل على التخلص بسرعة من تنظيم “داعش” ولا تشكل بيئة حاضنة له، لكنها تخشى إذا ما قضي على التنظيم أن يصبح من الصعب التخلص من حكم الأسد فيستمر وتستمر معه الحرب المدمرة لتقضي على آخر ما تبقى من سوريا بشراً وحجراً.
هل تكون الأشهر القليلة المقبلة كافية للاتفاق على ترتيب الاولويات، فيكون التخلص من حكم الأسد قبل التخلص من تنظيم “الدولة الاسلامية”، أم التخلص من هذا التنظيم والقضاء عليه أولاً كما ترى روسيا وبعض من يرى رأيها، ثم يصير البحث في مصير الأسد، أم يصير اتفاق على التخلص منهما معاً وفي وقت واحد، كما يرى بعض آخر؟
النهار
روسيا و”سورية المجدية”/ فاطمة ياسين
تفشل روسيا بعد تخليها عن النظام السوفييتي في تشكيل دولة معاصرة، تتبنى نمطاً اقتصادياً وسياسياً وأخلاقياً متحضراً. وعلى الرغم من الرتوش الديمقراطية، والشكل الخارجي الذي يعتمد على الشعارات الغربية نفسها، فإن السياسة الروسية ما تزال ذات أسلوب “باطني”، على نمط المذاهب التي تنشأ على تخوم الديانات الكبرى، فتتمسح بشعاراتها وسلوكياتها وعقائدها، وتمارس طقساً سرياً خاصاً بأهدافٍ ومرامٍ مغايرة، وقد تكون مناقضة. المظهر الأول والأساسي لدجل السياسة الروسية هو فشل نظامها، على مدى خمسة عشر عاماً من محاولات تركيز معظم السلطات بيد فلاديمير بوتين، في إنتاج رئيس جديد للبلاد. فباستثناء ستالين وبريجينيف من بين رؤساء الاتحاد السوفييتي؛ لم نجد رئيساً روسياً تفوق على بوتين، من حيث عدد السنين التي أمضاها في السلطة. والمظهر الآخر حالة النوستالجيا العميقة لكل ما كان يمت للاتحاد السوفييتي السابق بصلة، مثل علاقات روسيا بالشرق الأوسط التي تحولت إلى نوع من الكآبة المفرطة، خصوصاً عند مراقبة موقع سورية الجغرافي الذي يكاد ينزلق، بالقدم الروسية، إلى مهاوٍ خطيرة.
تشمِّر روسيا عن ساعديها وساقيها بطريقة تُظهر على الجسد الروسي الملامح السوفييتية الواضحة، والهدف اليوم مساعدة النظام في “مواجهة الإرهاب”. يقصد الروس بالإرهاب تنظيم الدولة والنصرة والفصائل المتشددة التي أثخنت كبد النظام، واستنزفته أو كادت؛ وروسيا الآن تنقل عتاداً ثقيلاً وخفيفاً، ومن أوزان متعددة، إلى السواحل السورية، ولا تخفي أنها بدأت نقل قوات برية، قوامها جنود وضباط وخبراء، تحت شعار مكافحة الإرهاب نفسه الذي يُثمل رؤوس الدول الغربية، وفي مقدمتها أميركا، فمحتواه السيميولوجي متعدد، ويمكن أن يتم تأويله على مذهب فقهاء “ردي ميد” بطريقة مريحة، إذ يكتفي مَنْ لا يريد أن يوافق علناً بالقلق بشكل بونكيموني، فيؤدي واجبه الدبلوماسي والإعلامي، ولا يعترض على الطريقة الروسية ذات الجوهر السوفييتي، لأن الوضع لا يعنيه، ولا يرى من مأساة اللاجئين غير “الزق” الذي وضعته المصورة المجرية لأحدهم في أثناء هربه من شرطة بلادها.
سورية التي تتعامل معها روسيا الآن، وتعتمدها جغرافياً بوصفها كياناً راهناً ومفيداً، هي الشريط الساحلي ودمشق، أو ما تبقى منها، مع رابط أسفلتي باتجاهين يربط هذه الجغرافيا. في هذه البقعة، يتم إنزال المعدات العسكرية و”الإنسانية” الروسية. وعلى هذه البقعة، سيتم بناء استراتيجية مكافحة الإرهاب، بإنشاء خطوط دفاعية متعددة، وقوية صعبة الاختراق، وستكون الاستماتة في الدفاع عنها بإبقاء ما هو خارجها خارجاً، والاعتماد بشكل كبير على الممر المائي للبحر المتوسط، لتلقي الدعم بكل أنواعه وامتلاك الأجواء بشكل مطلق، حتى مسافات كافية تغطي احتياجات سورية “الجديدة” دفاعياً، مع حرمان الطرف المقابل من أي ميزة جوية، دفاعية كانت أو هجومية. جوهر هذا التحرك هو الحفاظ على الأسد، بموروثه وثقافته المنسوجة على قياس الروس، من دون نسيان إيران “الجديدة”، المتحررة من قيود النووي، والموسومة ببراءة ذمة، حصلت عليها من أميركا، تخولها لعب دور مساعد ومساند لما تقوم به روسيا؛ وبالنغمة السوفييتية القديمة نفسها.
سورية “المجدية” هي الجغرافيا التي تقع تحت يد النظام حالياً، وهي ما تريد روسيا الحفاظ عليه، بقيادة أسدية تقليدية، تحت شعار مكافحة الإرهاب، الملاذ الدافئ للسياسة الروسية الذي اعتمدته منذ بداية الثورة السورية لسهولة تسويقه عبر مندوب علاقات خارجية بليد، كوزير الخارجية الروسي الذي لم يجد غضاضة في استخدام الفيتو مرتين، قبل أن يوجد على أرض سورية “الطبيعية” إرهابي واحد.
تعترف روسيا بالتدخل الصريح، ولا تستبعد تدخلاً أوسع، ولا علاقة لحجمه بعمق الشريط الذي تجاهد للحفاظ عليه، فهي تريده بما يكفي لمنع الداخل السوري من الشواطئ، وتعتقد وتسوق وتعمل على إقامة شاطئ وعاصمة خاليين من تنظيمات إرهابية بالمقياس الغربي، والحفاظ على الإرهاب المتمثل بالقيادة الحالية، لأن هذا الجزء هو سورية المجدية بالنسبة لروسيا، أما ما بقي منها، فلتحرقه طائرات التحالف.
خطة بوتين لإنقاذ النظام السوري من أعدائه… وحلفائه/ إبراهيم حميدي
عندما زار الرئيس بشار الأسد سوتشي في آب (اغسطس) ٢٠٠٨ لتوقيع عقود تسليح جديدة ودعم التدخل العسكري الروسي في جورجيا، لم يكن يتوقع ان يأتي عام ٢٠١٥، حيث الدعم العسكري في الساحل محوري لبقاء النظام السوري، ولم يكن يتوقع ان تكون سورية بعد جورجيا وأوكرانيا ساحة كي يستعرض فيها بوتين عضلاته في اللعبة الدولية وينفذ عقيدته الدفاعية.
في الفترة الأخيرة، أقدمت موسكو على جملة من الخطوات. سياسياً، استضافت اجتماعي «منتدى موسكو» بين النظام و «معارضين» في بداية العام الحالي وكانت لديها خيبة من موقف ممثل الحكومة الذي لم يقدم شيئاً بما في ذلك «الخدمة الشفوية». كما دعت الخارجية الروسية معظم، أو جميع، قادة التكتلات السياسية والشخصيات المعارضة لإجراء مشاورات وتوحيد المعارضة وكسر احتكار «الائتلاف الوطني السوري». ديبلوماسياً، كانت موسكو محرك إصدار بيان من مجلس الأمن تبنى «بيان جنيف» وضغطت على فنزويلا لدعم صدور البيان الرئاسي بالإجماع لمباركة مشروع المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا لعقد متزامن للجان العمل الأربع في جنيف في الأيام المقبلة وصولاً الى تقديم تقرير الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. أمنياً، اقترحت «معجزة» تشكيل تحالف إقليمي – دولي يضم الجيش النظامي لمحاربة «الإرهاب» كما نظمت لقاءات بين مسؤولين أمنيين سوريين وخليجيين، في وقت تحولت موسكو وجهة لقادة عرب بحثاً عن حل للأزمة السوررية. عسكرياً، رفعت موسكو، بناء على دعوة رسمية من الأسد، نوعية وكمية الدعم العسكري للنظام عبر ارسال مزيد من الخبراء والسيطرة على مطار اللاذقية وبحث احتمال تحويل الميناء في طرطوس الى قاعدة عسكرية.
للخروج بتفسير لما تريد موسكو وربط هذه العناصر السياسية والديبلوماسية والامنية والعسكرية وتصاعدها، لا بد من استعادة نظرة موسكو الى الازمة السورية. أول عنصر، هو شعور روسيا بأنها «خدعت» في ليبيا عندما دعمت في مجلس الامن قراراً «انسانياً» مهّد الطريق لتدخل عسكري غربي فيها. فقدت روسيا ليبيا – معمر القذافي بعد عقد من فقدانها العراق – صدام حسين، لذلك فإن استخدامها حق النقض (فيتو) في مجلس كان دائماً في المرصاد لـ «منع تكرار الخديعة الليبية». وضمن هذا السياق، جاءت عودة فلاديمير بوتين، بنسخة جديدة، الى الحكم في ٢٠١٢ ليكون «سيد الكرملين» مختلفاً عن ذاك الذي حكم قبل بضع سنوات وغير سلفه ديمتري ميدفيديف. لعب بوتين على استعادة الشعور القومي الروسي المنهار بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وهجم بجرأة وتصميم في وقت كان الرئيس باراك اوباما ينسحب ويتردد. وكان انقلاب بوتين على نفسه وعلى اسلوب ميدفيديف مدعاة ترحيب لدى أوساط واسعة من الرأي العام الروسي للسعي الى التمسك بقواعد النفوذ السوفياتي، وسورية آخر القواعد في الشرق الأوسط. وبينما يبحث أوباما الانسحاب من الشرق الاوسط ويرى إرثه في العودة الى كوبا وإعادة إيران الى المجتمع الدولي، فإن بوتين يرى إرثه في استعادة أبرد للحرب الباردة، ما قوبل بترحيب من الحلفاء القدماء لموسكو والحلفاء الجدد الذين أُصيبوا بخيبة من انطوائية اميركا – اوباما.
اقتصادياً، بلغت قيمة التبادل التجاري بين روسيا وسورية بليوني دولار أميركي في العام ٢٠١٢ وانخفضت الى نصف بليون دولار قبل سنتين مع بقاء صفقات تتعلق بالغاز والنفط مع شركات روسية ورهان على صفقات كبرى تتعلق بغاز البحر المتوسط قبالة الشواطئ السورية. ولا تقل أهمية صفقات السلاح، اذ جرى في ٢٠٠٦ بعد سنة من حل مشكلة ديون الاتحاد السوفياتي، توقيع صفقة عسكرية بقيمة أربعة بلايين دولار أميركي، اضيفت اليها صفقات رفعت اجمالي قيمتها الى ٢٠ بليوناً في ٢٠١٠. ويشمل ذلك وجود الكثير من الخبراء العسكريين بينهم مئة في ميناء طرطوس المحدث في ١٩٨٤ أي بعد أربع سنوات من «معاهدة الصداقة» السوفياتية – السورية. وكان الهدف من هذا الميناء خدمة الاسطول السوفياتي الخامس الذي انحل مع انتهاء الحرب الباردة. الآن، تجري جهود لتحويله قاعدة عسكرية، اضافة الى تأسيس مطار عسكري من مطار اللاذقية المدني الذي بات في عهدة الروس. عليه، لن يكون ميناء طرطوس رمزياً كما كان، بل سيكون عسكرياً وعملياتياً.
بين العوامل المهمة، تنامي التهديد الارهابي، ففي التقديرات الروسية، أن في سورية ألفا متشدد جاؤوا من دول اسلامية في الاتحاد السوفياتي السابق، بينهم ١٥٠٠ من الشيشيان بمن فيهم «عمر الشيشاني» المعروف بـ «وزير الحرب» في تنظيم «داعش»، اضافة الى حوالى ١٥٠ من روسيا. ويشكل هؤلاء جميعاً حوالى ٢٠ في المئة من الاجانب الذين يقاتلون مع التنظيمات المتشددة في سورية.
واذا كانت الفترة ٢٠١١-٢٠١٢ مرتبطة برغبة موسكو بالانتقام من الغرب بعد «الخديعة الليبية» والفترة ٢٠١٢-٢٠١٣ مرتبطة برفض تغيير الانظمة من الخارج والحفاظ على العلاقات التقليدية في آخر المعاقل الروسية في الشرق الاوسط، فان موسم ٢٠١٤-٢٠١٥ مرتبط بتنامي التهديد الارهابي وتحويل التوقعات الروسية الى واقع، اضافة الى المواجهة الروسية – الغربية الممتدة في اوكرانيا والعقوبات الاقتصادية الاوروبية والاميركية، والبحث عن اعادة انتاج النظام بشرعية جديدة: مكافحة الارهاب. بات الجهد الروسي المتعدد الجوانب هو الحفاظ على المصالح الروسية العميقة ضمن نظام اقليمي قيد الولادة. وباعتبار ان ايران مرشحة لدور مهم في النظام الاقليمي الوليد يعتمد على الميلشيات في الشرق الاوسط، فإن روسيا تجد نفسها في منافسة مضمرة مع إيران، خصوصاً وسط الكلام عن قرب تشكيل «مجموعة اتصال» دولية – اقليمية بعد اقرار الاتفاق النووي أميركياً الشهر المقبل. لذلك، فإن موسكو تعزز علاقتها التقليدية مع الجيش النظامي السوري وتمده بالذخيرة والسلاح والمعدات والخبراء، كي تمنع انهياره ضمن «الحفاظ على المؤسسات»، وكي يكون قادراً على مواجهة الميليشيات الشيعية المحسوبة على النظم الاسلامية والمعتدلة. وكان بوتين سمع مقترحات واغراءات من دول عربية كبرى، لمواجهة روسيا للنفوذ الايراني و «حزب الله» ومحاربة «داعش»، بينما كانت ايران تسعى الى «هندسة اجتماعية» بدأت ملامحها في مفاوضات الزبداني قرب دمشق وبلدتي الفوعة وكفريا في ريف ادلب. هل صدفة ان مفاوضات المقايضة الطائفية بين الزبداني والفوعة توقفت مع وصول المدد الروسي؟
لا غرام… بل مصالح
بوتين «ليس مغرماً» بالرئيس الاسد. يأخذ عليه انه سعى في بداية حكمه للإنفتاح على الغرب واوروبا، وتأخر الى بداية ٢٠٠٥ كي يقوم بأول زيارة الى موسكو بعد فشل محاولات الانفتاح على الغرب. كما ان الاجهزة الروسية، تأخذ على دمشق عدم الاستجابة لطلباتها تسليم او ترحيل قيادات من المتطرفين الشيشان خلال عقد التسعينات. ونقل مسؤول عربي عن بوتين قوله في جلسة خاصة قبل فترة وجيزة، انه «يتخوف» من احتمال ان يكرر النظام السوري ما فعله الرئيس أنور السادات في بداية السبعينات لدى انفكاكه عن الاتحاد السوفياتي وتحوله غرباً وتوقيع اتفاق سلام او «الارتماء الكامل في الحضن الايراني»، مضيفا ان روسياً «تدافع عن مبادئ القانون الدولي وترفض «الهندسة الاجتماعية» وتريد وحدة سورية ومؤسساتها»، ما يعني ان روسيا تدافع عن مصالحها العميقة الأبعد من الأفراد. هذا ما يعرفه الأسد، من انه بحاجة لبوتين مثلما الاخير بحاجة اليه لتعزيز الدور الروسي في الاقليم.
كان لافتاً، انه بالتوازي مع زيادة الانخراط العسكري الروسي في اقليم النظام ومعقله في اللاذقية وطرطوس، أعلن بوتين ان الأسد مستعد لـ»تقاسم السلطة مع المعارضة البناءة» وانه مستعد لإجراء «انتخابات برلمانية مبكرة». أهمية هذا الكلام، انه جاء من بوتين الذي انخراط شخصياً بالملف السوري في نهاية العام الماضي، وليس من أي مسؤول روسي آخر. أيضاً، حديث بوتين عن الحل السياسي، على تواضعه، جاء بعد أيام من ظهور الأسد في مناسبتين، خطاب ومقابلة، من دون الاشارة الى اي حل سياسي. أيضاً، بعد رفض دمشق المبادرة الايرانية لانها تضمنت انتخابات برقابة دولية وتمسك النظام بـ «شرعية الانتخابات الرئاسية العام الماضي» والانتخابات البرلمانية و «عدم حصول أي فراغ دستوري». ولا بد من ان الانخراط الروسي، جاء بعد رفض النظام طلبات عدة من بوتين لتقديم «اجراءات بناء ثقة»… ولو شكلية.
اغلب الظن، ان بوتين، يحاول ربط الخيوط السياسية والديبلوماسية والامنية والعسكرية معاً. هو يرى ضرورة تشكيل تحالف بقرار دولي لمحاربة «الارهاب» بدلاً او منافساً للتحالف الذي تقوده أميركا في العراق بطلب من الحكومة العراقية ويتمدد الى سورية رويداً رويداً بقرب انضمام بريطانيا وفرنسا واستراليا وهولندا والدنمارك الى غارات التحالف في سورية. بوتين يلوح باحتمال ان تقوم مقاتلات وقوات روسية بقتال «داعش» في شكل منفرد في مناطق النظام و «تنظيف» الاقليم من جميع الفصائل الاسلامية والمحلية على اطراف دمشق، اذا لم تكن واشنطن مستعدة لصوغ تحالف بقرار دولي. ويريد ان يلجم فكرة اقامة منطقة آمنة شمال سورية، لم تكن ادارة اوباما اصلاً متحمسة لها، وان يضغط بقوافل اللاجئين على اوروبا بعد الازمة الاوكرانية، وان يدغدغ بعض الاشارات التي التقطها من زيارات قادة عرب في الاسابيع الاخيرة.
صوغ التحالف الدولي – الاقليمي، يريده بوتين بشراكة الجيش النظامي، الذي يعززه، بما يعني ضمان مصالح روسيا، ويتطلب بدء مشوار استعادة الشرعية للنظام السوري والبناء على المنعطف الذي حصل بالاتفاق الاميركي – الروسي للتخلص من السلاح الكيماوي في خريف ٢٠١٣. أيضاً، حديث موسكو على «تقاسم السلطة مع معارضة بناءة» و «انتخابات مبكرة» يأتي في سياق الضغط على النظام للإقدام على خطوات سياسية، لا تتضمن أي «هندسة اجتماعية»، تسهل عملية استعادة الشرعية. ولا شك، ان وصول مساري اللجان الاربع والعصف الفكري الذي اقترحه دي ميستورا ولقاءات المعارضة، الى تقاطع عقد «جنيف-٣» يكون منصة مهمة في طريق استعادة الشرعية المفقودة.
بوتين ينغمس عسكرياً في اللاذقية معقل النظام ويعزز موقفه التفاوضي لتنفيذ «المعجرة» الروسية ورفض «الهندسة الاجتماعية» من بعض حلفاء المعارضة وايران حليف النظام. وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حذّر مسؤولين سوريين «رفعوا سقفهم التفاوضي» مع الامم المتحدة، قائلاً: «يجب ألا تنسوا ان سورية بيدق صغير من لعبة روسيا الدولية»، فيما عاد الأسد للحديث في اجتماع مع قيادات حزبية قبل أيام عن «حكومة وحدة وطنية» في الأشهر المقبلة،
بعدما طمأنهم الى ان الدعم العسكري الروسي استراتيجي وسيؤدي الى الحسم العسكري».
لا شك ان لدى بوتين الكثير من الطموحات الجريئة التي يريد تحقيقها، في سورية ومن سورية، في السنة الاخيرة من عمر ادارة أوباما… كي يكون مفتاح الحل لديه وليس لدى إيران إذا تشكلت «مجموعة الاتصال».
* صحافي سوري من أسرة «الحياة»
التدخّل الروسي في سورية ضد «داعش» ومع «إسرائيل علوية/ فيودر لوكيانوف
حين انطلقت في 2011، في خضم «الربيع العربي»، تظاهرات ضد النظام الأوتوقراطي (السلطوي) الأقلوي بقيادة بشّار الأسد، انقسمت الآراء حول مصير البلاد. وتوقعت التحليلات في الغرب وتركيا والخليج، قرب نهاية النظام في دمشق، إمّا على المنوال التونسي (عبر التحركات الداخلية) أو وفق السيناريو الليبي (عبر التدخل الخارجي). وأشارت روسيا إلى اختلاف الحال السورية عن غيرها. فبنية سورية السكانية متنوّعة عرقياً ودينياً وأيديولوجياً. والجيش السوري قادر ومتمكّن، والطبقة الحاكمة متماسكة. فهي تدرك أهمية الدعم الإيراني وأنه شريان بقائها على قيد الحياة. وتعي طهران أهمية الحفاظ على الوضع الراهن في المنطقة.
ومع الوقت، بدا أن الموقف الروسي – وهو يدعم نظام الأسد ويرفض أي تدخل خارجي- مصيب وهو الأكثر منطقية. وبين 2011 و2015، ساء الوضع في سورية تدريجاً وانكسر الحراك الثوري. وساهم غضب الكرملين من التسوية التي حصلت في ليبيا في تشدّد موقفه إزاء الأزمة السورية، ووقوفه في وجه محاولات تغيير السلطة في دمشق. وفي هذه المرحلة، توقّف الحديث عن حرب أميركية ضد سورية، وتخلّص العالم من الأسلحة الكيماوية السورية على أفضل وجه. ومحاولات توحيد المعارضة والتوصل الى أرضية مشتركة بين معارضي الأسد ومؤيديه، مستمرة. لكن الظهور الصاعق لتنظيم «الدولة الإسلامية» أفسد كل شيء. وسورية القديمة أو السابقة لم تعد موجودة. والسؤال اليوم الذي لم يجد إجابة هو: هل ستبقى سورية على حالها اليوم، وهي مختلفة عن شكلها السابق.
وتشير معلــومات عن تفعيل الدعم العسكري الروسي لدمشق وتصريحات مسؤولين روس، الى أن الكرملين قرر التدخـــل بفعاليــة أكبر في الأزمة. فالوضع غامض وملتبس. وكل الجهات ضالعة في النزاع: قوات الأسد ضد «الدولة الإسلامية» وضد ما يسمى المعارضة المعتدلة، «الدولة الإسلامية» ضد الأسد والمعارضة، على رغم أن في صفوفه غير المتماسكة إسلاميين متطرفين. والأكراد يخوضون حرباً مع تركيا، التي تتلطى وراء مكافحة «داعش» لحلّ القضية الكردية.
ولا تعتقد القيادة الروسية أن توسيع أشكال الدعم لدمشق يمكن أن يؤدي الى تغيير جذري في الوضع. فسورية، التي كانت حليفة الاتحاد السوفياتي وحليفة روسيا، لم تعد موجودة. وفي سورية والشرق الأوسط لم تعد «الانتصارات» ممكنة. ويؤكد الديبلوماسيون الروس على الدوام أن زيادة الدعم العسكري لا ترمي الى الدفاع عن الأسد، بل عن مبدأ («لا تتدخل»، «لا تلحق أضراراً»). ورمى الموقف الروسي الى الحفاظ على الوضع على حاله. لكن هذه السياسة لم تنجح. ولم يعد ثمة أي وضع راهن أو توازن قوى في سورية.
ويزعم الغرب أن سبب تعاظم قوة «داعش» وتحوّله الى أقوى معارض للنظام، هو عرقلة العثور على بديل حقيقي للنظام، في وقت ترى روسيا أن دوغمائية الغرب (تصلّب مواقفه) قوّضت فرص التحوّل أو التغيّر المرن في السلطة السورية. والسؤال الأبرز اليوم: هل في الإمكان منع وصول «داعش» إلى دمشق؟ وتعتبر العاصمة السورية إحدى العواصم التاريخية والثقافية في العالم العربي، وهي جزء من تراث الحضارة الأوروبية. وسقوطها هو في مثابة رمز اندحار الحداثة وانحسارها عن الشرق الأوسط. أدرك مئات الآلاف من اللاجئين الذين اجتاحوا أوروبا، أن لا مستقبل للطبقة المتعلّمة من المجتمع السوري في عهد «داعش».
ولكن على أي وجه يقيد النجاح للتدخل الروسي؟ ربما النجاح هو في عملية واقعية تشكّل ما يشبه «إسرائيل علويّة» قادرة على الدفاع عن ذاتها من طريق الدعم الخارجي. وهذا الكيان يكون في مثابة حاجز يحول دون توسيع انتشار «الدولة الإسلامية».
وتشير الاتصالات الديبلوماسية المكثّفة في الصيف الماضي حين زار موسكو عدد من مسؤولي منطقة الشرق الأوسط وحكامها، الى أن النشاط الروسي العسكري لم يحمل مفاجآت. وموضوعياً، يصب التحرك الروسي من أجل «إسرائيل العلوية» في مصلحة الجميع، ما عدا تنظيم «الدولة الإسلامية». وأعرب القادة الغربيون عن قلقهم من تعاظم المرابطة العسكرية الروسية في سورية، في وقت يدعو ديفيد كامرون إلى التدخل للقضاء على «داعش».
وإذا كانت هزيمة «داعش» ممكنة، فما يليها هو تجدّد المعركة من أجل السيطرة على سورية. لذا، مخاوف الغرب مسوغة. فهو لا يريد أن تلعب روسيا أي دور رئيسي في مستقبل سورية. لكن السيناريو الأكثر واقعية، لا يشمل هزيمة «داعش» بواسطة تحالف دولي وإحياء سورية على أسس جديدة، بل تعزيز مواقع معارضي الإسلاميين المتطرفين في مناطق محدودة، واستمرار النضال المرهق من أجل البقاء. وفي هذه الحال، تقضي مصلحة الغرب عدم عرقلة النشاط الروسي بل الترويج له قدر المستطاع. ويظهر التاريخ الحديث للشرق الأوسط والعلاقة مع القوى الخارجية، أن هذه القوى فقدت القدرة تقريباً على تحليل الأحداث من دون تحيّز أيديولوجي أو مشاعر شخصية.
* محلل سياسي بارز، عن موقع «غازيتا» الروسي، 10/9/2015، إعداد علي شرف الدين
بقاء بشار الأسد يعيق حل مشكلة اللاجئين/ رندة تقي الدين
فجأة استيقظت الدول الأوروبية على اللجوء السوري الذي بدأ منذ ان شن بشار الأسد حربه على شعبه ودفعت براميله الى اللجوء الى الخارج والتشرد. لبنان تحمل اكثر من مليون لاجئ. وهو عبء كبير لبلد يعاني من انقسام سياسي عميق ومن اوضاع اجتماعية واقتصادية مزرية. والأردن وتركيا تحملا ايضاً عبئاً كبيراً.
لكن كل ذلك بفعل حرب ارادها الأسد وكان بالإمكان تجنبها والتجاوب الحقيقي مع مطالب الشعب بالحرية والإصلاح. بيد ان عائلة الأسد لا تعرف معنى الحرية. فكلما تحدث سوري او لبناني عن الحرية اما اعتقلته وعذبته او اغتالته او قصفته بالبراميل القاتلة. والآن وأوروبا تتنازع حول توزيع ١٥٠ الف لاجئ سوري في دولها، يتنافس الأوروبيون لزيارة اللاجئـــين في الدول التي تستضيفهم لإطلاق الوعود بمساعدتهم ودعمهم في وقت يتدفق اللاجــئون ويـــخاطرون بحياتهم متجهين الى الغرب الذي لا يمكنه استيعابهم بهذه الكثرة.
وأصبح اللجوء السوري الى فرنسا وبريطانيا وألمانيا فجأة الموضوع الأساسي في الإعلام الغربي مع مشهد الولد ايلان الكردي السوري الملقى على الشاطئ التركي. لكن لماذا لم يتحرك هذا الرأي العام نفسه عندما قتلت قوات بشار الأسد في ٢٠١١ الطفل حمزة الخطيب في درعا عندما بدات الأحداث. فسلطات الأسد اعتقلته وقتلته قبل انتشار صوره على الشبكات الاجتماعية. ان مشهد ايلان الكردي مؤلم ومريع وغير مقبول.
لكن ينبغي التساؤل كم ايلان وقع قبله وكم حمزة بعده بسبب بشار الأسد. واللجوء بدأ منذ اربع سنوات عندما اندلعت الأحداث وتفاقمت عندما قتل الطفل حمزة الخطيب. وقال ذلك بوضوح امس رئيس الحكومة الفرنسي مانويل فالز ان داعش اتى على يد الأسد الذي اراد قتل المعارضة المعتدلة. فمسألة اللجوء اليوم تطرح نفسها في اوروبا بقوة في اوساط الرأي العام وأدت الى تأييده ضرب «داعش» الذي لن يحل مشكلة اللجوء ما دام بشار الأسد وجماعته على رأس الحكم.
جاء السيد كامرون لزيارة خاطفة مشكورة يعلن فيها عن المزيد من الدعم الى اللاجئين. ان زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ستتبع ولكنها ستكون مختلفة لأنه يريدها مفيدة للبنان وللاجئين فيبحث عن ظروف تمكنه من جعلها مفيدة على الصعيد السياسي اللبناني رغم ان رأيه العام غير مهتم الا بمسألة اللاجئين لأن الجميع ملّ من لبنان وانقساماته السياسية المستمرة. وهولاند يقول الآن انه اصبح من الضروري ان يتم ضرب «داعش» في سورية وغالبية الرأي العام تؤيد هذه الضربة ما سيشجعه على القيام بها.
ولكن ضرب «داعش» على عكس ما يعتقده بعضهم، سيزيد مأساة اللجوء لأن المدنيين الباقين سيحاولون الهروب من ضربات الائتلاف ضد «داعش» مهما كانت محددة ودقيقة لمراكزها. فدائماً في هذه الحروب يأخذ العدو المدنيين رهينة وحشيتهم. الحل ليس في ضرب داعش بل انهاء نظام الأسد. ولكن الغرب عاجز. وبعضهم في فرنسا في طليعتهم زعيمة «الجبهة الوطنية» مارين لوبن تقول انه ينبغي الاختيار والتحدث مع الأسد. وبعض النواب ايضاً من اليمين واليسار يقول الشيء نفسه. ولكنهم يغضون النظر عن ان كل المشكلة ظهرت وتراكمت من وحشية الأسد قبل «داعش».
لذا ينبغي الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعلى النظام الإيراني من اجل الحل دون الأسد قبل تفكيك سورية. ووحدها الإدارة الأميركية وربما ألمانيا بإمكانهما القيام بذلك. وحدها باريس الآن ورئيسها هولاند وفالز يؤكدان ضرورة حل من دون الأسد.
روسيا وإيران تتقاسمان سوريا/ موناليزا فريحة
الجهد الذي بذلته روسيا لإتمام الاتفاق النووي في طهران كان لافتاً. في ذروة مواجهتها المفتوحة مع الغرب في أوكرانيا، لم تخرج عن الاجماع في مجموعة 5+1. حتى أن الرئيس باراك أوباما بدا ممتناً لموسكو لتذليلها العقبات التي كانت تهدد المفاوضات.
الواضح أن موسكو كانت تخطط لمشاريعها الخاصة في الشرق الاوسط. مشاريع تذهب أبعد من صفقات الاسلحة مع طهران، ورفع العزلة الدولية عنها.
الزخم الروسي الجديد في اتجاه سوريا بدأ عقب انجاز الاتفاق النووي. وتشير التقارير الى أن شحنات الاسلحة براً وبحراً تكثفت مطلع آب. وما يسترعي الانتباه أن التعزيزات العسكرية تزامنت أيضاً مع الحراك الديبلوماسي الروسي في اتجاه المنطقة ومحاولتها تسويق مبادرتها لتحالف اقليمي واسع ضد المتشددين. مثل هذا التناقض يدل على أن الحل السياسي الذي كانت تتحدث عنه موسكو لم يكن جديراً بإرجاء مساعداتها العسكرية للنظام.
تسعى روسيا حاليا الى ضمان مصالحها ومصالح طهران في سوريا بعدما شعرت بأن النظام السوري لم يعد قادراً على ذلك. هدفها كان ولا يزال الحفاظ على نظام صديق يضمن لها الوصول الى الساحل السوري حيث القاعدة الروسية الوحيدة على المتوسط. وجهودها الراهنة ترمي أيضاً الى ضمان مصالح طهران في سوريا وجنوب لبنان. التعزيزات الروسية المباشرة تصب في المناطق الخاضعة لسيطرة طهران، على الساحل الغربي الذي تقطنه غالبية علوية، اضافة الى المناطق القريبة من جنوب لبنان.
عرض القوة الروسية قد يكون الاكبر من نوعه في المنطقة منذ عقود. الخبير في الشؤون الروسية العسكرية في “المجلس الاميركي للسياسة الخارجية” ستيفن بلانك شبه التعزيزات الروسية في سوريا بالوجود السوفياتي في مصر في سبعينات القرن الماضي.
حدود التعاون بين موسكو وطهران في سوريا ترتسم تدريجاً. الثابت أن ثمة تقاطعا كبيرا للمصالح بين الجانبين ومعهما “حزب الله”. موسكو تستفيد من خبرات طهران الموجودة في سوريا منذ أكثر من أربع سنوات. والاجواء الايرانية وفرت لها ممرا الى سوريا بعدما ضغطت واشنطن على بلغاريا لإقفال “الطريق السريع” أمام طائراتها. والعراق الذي يستعين بمستشارين أميركيين لمواجهة “الدولة الاسلامية”، حصل ايضاً على مساعدات ايرانية كبيرة وهو يشتري اسلحة من موسكو. لذا فهو ليس في موقع قوي يتيح له منع موسكو من استخدام أجوائه.
تتحرك روسيا وايران في الاتجاه نفسه في سوريا. تصعيدهما في سوريا يدفع النزاع الى مستوى جديد من المواجهة والعنف ويؤذن على الارجح بموجة جديدة من الجهاديين الى سوريا. تُرى هل يكتفي الغرب والعرب بعدّ الطائرات الروسية المتجهة الى سوريا والمراهنة على تغيير ايران سلوكها في المنطقة؟
أوباما سعيد بغرق ايران وروسيا في “مستنقع” سوريا/ حسين عبد الحسين
أظهرت تصريحات أدلى بها قائد المنطقة الاوروبية في الجيش الاميركي، رئيس قوات “تحالف الاطلسي” الجنرال فيليب بريدلوف، أن ادارة الرئيس باراك أوباما مازالت مرتبكة في كيفية التعاطي مع قرار روسيا بالتورط العسكري المباشر في سوريا. ومما قاله الجنرال الاميركي، على اثر اجتماع للتحالف انعقد في اسطنبول السبت الماضي، إن العواصم الغربية لا تفهم حتى الآن خطة موسكو المقبلة في سوريا.
وقال بريدلوف: “لا نفهم حتى الآن ماذا تريد روسيا فعله في سوريا.. لقد سمعنا حتى الآن عدداً من التكهنات حول المهمة الروسية، وتراوحت (التكهنات) بين اهداف انسانية وعمليات قتالية، ما يدفعنا للانتظار حتى نرى ما هو هدف روسيا النهائي”. وتابع الجنرال الاميركي: “اكثر ما يقلقنا هو ان يكون هدف العمليات الروسية دعم نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد وافعاله الشنيعة ضد شعبه”.
وجاءت تصريحات بريدلوف بعد اسبوع من إتصال أجراه وزير الخارجية الاميركية جون كيري، مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، حذر فيه المسؤول الاميركي موسكو من مغبة التورط العسكري المباشر في سوريا، إذ من شأن هذا التورط، حسب كيري، ان يؤدي الى المزيد من القتلى والدمار.
وبين التصريحين سعت أميركا لدى حلفائها الاوروبيين الى اقفال مجالهم الجوي في وجه شحنات السلاح والوحدات الجوية العسكرية. لكن سعي واشنطن جاء من باب التباهي الاعلامي، إذ تعلم الحكومة الاميركية أن بوسع الروس إرسال شحنات الاسلحة والمقاتلات عن طريق اذربيجان- ايران – العراق، وهو ما يبدو الحل الذي اعتمدته روسيا لتفادي المرور في الاجواء الاوروبية.
في ايلول/سبتمبر ٢٠١٣، وعلى اثر المجزرة الكيماوية في الغوطة، وتحريك أميركا لقطع من اسطولها السادس المرابض في المتوسط، انسحبت فوراً قطع عسكرية روسية سبق أن رست في مرفأ طرطوس (وهو ليس قاعدة عسكرية، حسب الاميركيين). موسكو تعرف ان جيشها لا ينافس نظيره الاميركي، وتشير التقديرات الى ان القوة النارية للاسطول الروسي بأكمله توازي قوة الاسطول الاميركي السادس وحده.
ويعرف الروس أن جيشهم، الذي سعى الرئيس فلاديمير بوتين الى تحديثه مؤخراً، يعاني من ضعف كما بدا في عملياته العسكرية في جورجيا في العام ٢٠٠٨، والتي استغرقت أسابيع اكثر من المفروض. كذلك، لم يظهر الجيش الروسي تفوقاً يذكر في عملياته في مناطق شرق اوكرانيا المندلعة منذ العام الماضي. وبعدما اعلن نائب الرئيس جو بايدن نقل واشنطن لعدد من مقاتلاتها الى بولندا تحسباً لأي طارئ، على اثر ابتلاع الروس لشبه جزيرة القرم، هدد بوتين ضمنياً بالسلاح النووي، وهو السلاح الوحيد الذي يضمن لروسيا تعديل الكفة في وجه القوة الاميركية.
وعلى ضوء التفوق العسكري الاميركي التقليدي، ومقدرة أميركا على ليّ ذراع الروس عسكرياً في منطقة البحر الابيض المتوسط، يصبح السؤال، لماذا تتعامل واشنطن مع التورط الروسي العسكري المباشر في سوريا بهذه الطريقة المضطربة؟ إذ يقول الديبلوماسيون الاميركيون إنهم حذروا موسكو من مغبة التدخل، ويقول العسكر إنهم لم يحزروا اهداف روسيا بعد؟ وبين تظاهر ديبلوماسيي أميركا بالحزم وادعاء عسكرها الارتباك، تقف الولايات المتحدة متفرجة على مجهود عسكري روسي قد يتحول الى تدخل مباشر وواسع، وقد يغير من موازين القوى العسكرية على الارض السورية بشكل جذري.
الاجابة على السؤال تكمن في مقاربة الرئيس باراك أوباما لأي تدخل عسكري خارجي في سوريا، روسي ام ايراني. فأوباما، حسب مقابلاته المتعددة، يعتقد ان القوى الكبرى، مهما بلغت سطوتها، “تهان” عند دخولها في زقاقات الصراعات الداخلية في دول اخرى. أميركا نالت حصتها من الغرق في المستنقع العراقي فيما وقف منافسوها، الايرانيون والروس خصوصاً، يراقبون ويهللون. في سوريا، يعتقد أوباما ان روسيا وايران ستعانيان بشرياً ومالياً، فيما ستقف واشنطن متفرجة ومبتسمة.
وبعدما تدمى القوات الروسية والايرانية وتنهك في الحرب الاهلية السورية، ينتظر أوباما مخابرة من موسكو، وربما من طهران كذلك، إذ ستسعى العاصمتان الى التوصل الى حل سلمي سياسي ينهي معاناتهما في سوريا، حينذاك تصبح التسوية القاضية بخروج الأسد واتفاق المعارضة ونظامه على ادارة البلاد لمرحلة انتقالية حلاً قابلاً للحياة.
ولكن الى ان تنهك القوات الايرانية في سوريا، والروسية التي دخلت الحرب السورية للتو، سيعاني السوريون كثيراً.. اكثر مما عانوا حتى الآن، وسيقدمون دماء كثيرة، وهذا- في حسابات أوباما الاستراتيجية- أفضل من أن يقدم الاميركيون اموالهم ودماء جنودهم لمعالجة أزمة مستفحلة، يبدو أن العالم سيستمر في الوقوف متفرجاً على أحداثها.
المغامرة الروسية/ علي العبدالله
ربطت معظم التحليلات التي تناولت التحرك العسكري الروسي في سوريا بتطورات الصراع على سوريا ومخاوف القيادة الروسية من خسارة استثمارها في هذا الصراع، بينما تستدعي النظرة الإستراتيجية أخذ كل معطيات المشهد المحلي والإقليمي والدولي بعين الاعتبار والربط بينها للخروج باستنتاج موضوعي ودقيق. وعليه يمكن قراءة الخطوة الروسية في إطار جملة عوامل محلية وإقليمية ودولية، فعلى الصعيد المحلي تشهد روسيا حالة قلق واحتقان مكتوم بعد تدهور الأوضاع المعيشية للسكان في ضوء حالة التضخم والانكماش التي ترتبت على اجتماع ثلاثة عوامل: العقوبات الاقتصادية الغربية وتراجع أسعار النفط والغاز (ثمة توقعات لمراقبين روس لا تستبعِد أن يتراجع سعر النفط إلى 40 دولارا، وحتى إلى 20 دولارا، علما أن هبوط سعر النفط بمقدار دولار واحد للبرميل يحرم الميزانية الروسية من 2,5 مليار دولار، وهذا دون أن ننسى خدمة الدين الخارجي البالغ 700 مليار، وديون الشركات الروسية 500 مليار دولار، خُمسها يجب أن يسدد هذا العام، وهروب رؤوس أموال تراوحت قيمتها عام 2014 بين 100 و200 مليار دولار) وازدياد المعروض منهما بعد الاكتشافات الكبيرة والتي ستعيد التوازن إلى السوق بحيث تتراجع حصة روسيا فيه (يشكل النفط والغاز نحو 74 في المائة من الصادرات الروسية وتمثل عوائدهما حوالي 50 في المائة من موارد الدولة والمصدر الرئيس للعملات الصعبة). وما ترتب عليه من انهيار سعر العملة الوطنية (انخفض سعر صرف الروبل أمام الدولار منذ مطلع هذا العام بنسبة 20 في المائة، علما أن الدولار كان مطلع العام 2014 بحوالي 33 روبلا، بينما بلغ الآن 66 روبلا، وهذا قاد إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية بنسبة 30 في المائة). فبالرغم من بلوغ عائدات روسيا من تصدير النفط ومشتقاته والغاز الطبيعي في الفترة 2000 – 2013، نحو 3.2 تريليون دولار، وهذا ساعد بوتين على تثبيت نظامه السياسي وإحلال الاستقرار النسبي في روسيا عبر رفد ميزانية الدولة بنسبة من تلك العوائد واستخدامها في رفع أجور ومرتبات العاملين في القطاع العام، وضخ بعض الاستثمارات في الاقتصاد. ولكن هذا لم يُسفر عن تحديث الاقتصاد الروسي وتنويعه ووقف اعتماده على تصدير المواد الأولية واستيراد التكنولوجيا المتقدمة من الخارج. بل كان بمثابة نمو من دون تنمية مع تفشي الفساد والتفاوت الكبير بين الأغنياء والفقراء. وهذا أثار هواجس ومخاوف المواطنين وعمق الهوة بينهم وبين السلطة، وهي حالة لا تنسجم مع توجهات النظام الشعبوي، وبطله الأوحد فلاديمير بوتين، الذي يعتمد على إثارة حماسة المواطنين وتعصبهم القومي لحشدهم خلفه، الذي سعى إلى تحصين نفسه من غضبة الشعب بـ “تسويق” توصيفه للوضع الذي آل إليه الروس باعتباره جزءا من مؤامرة غربية تُحاك ضدهم.
كانت روسيا قد دخلت في صراع مع الغرب على خلفية نشر الدرع الصاروخي الأمريكي في أوروبا، وقيام واشنطن بتحديث سلاحها النووي التكتيكي عبر تمديد عمره ورفع درجة دقته وفعاليته، نحو 200 قذيفة من طراز “بي ـ 61” منشورة في بلجيكا وهولندا وألمانيا وتركيا، وتكييفه بحيث يصبح بالإمكان إطلاقه من قاذفات “إف ـ 35″، كما على خلفية تمدد حلف الأطلسي نحو حدودها الغربية، لجهة تعارضه مع التفاهم الذي تم بين الغرب والاتحاد السوفياتي في مفاوضات توحيد ألمانيا، حيث واصل الحلف ضم مزيد من دول شرق أوروبا(جمهوريات البلطيق:استونيا، لاتفيا، ليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا وبلغاريا)، فبعد اندفاع بوتين خلال السنوات الثلاث الأولى لحكمه بحماسة لتحقيق تكامل أوثق مع أوروبا والغرب بشكل عام، غيّر توجهاته فجأة وانصرف نحو بناء دولة قوية، وتبنى إستراتيجية قائمة على محورين: الجوار القريب والبعيد، هدف الأول استعادة ما يعتبره أراضٍ روسية ألحقت بدول الجوار، واستعادة نفوذ روسيا في دول الاتحاد السوفياتي، بذريعة حماية الروس والناطقين بالروسية. والثاني هدفه الحد من دور أمريكا ونفوذها، ولعب دور كبير في القرار الدولي، وأطلق، مستفيدا من تحسن سعر النفط والغاز، الذي مكّنه من تجاوز حالة العجز التجاري والمالي، والتحول إلى وضع إيجابي مع احتياطي نقدي كبير سمح برفع الموازنة العسكرية، بتنفيذ برامج اقتصادية وعسكرية لإعادة التوازن إلى وضع روسيا الداخلي وزيادة قدرتها على التحرك الإقليمي والدولي لفرض حضورها وهيبتها(وفقا لمجلة الإيكونوميست، تتمثل التغييرات الأكثر جوهرية في إطلاق برنامج لتحديث الأسلحة في عام 2010، يمتد على عشر سنوات وتبلغ كلفته 720 مليار دولار)، فعمل على تعزيز الوجود العسكري الروسي في الساحة السوفياتية السابقة، من خلال قواعد عسكرية في طاجيكستان (5000 جندي) وقرغيزيا (500 جندي) وبيلاروسيا(1500جندي)، وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية(7000 جندي) وأرمينيا(3200 جندي)، ومن خلال تقوية منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تضم حاليا ست دول، هي روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزيا وطاجيكستان وأرمينيا، ودعا إلى تشكيل اتحاد جمركي، يضم دول الاتحاد السوفياتي السابق تحت اسم الاتحاد الأوراسي، إطارا موازيا ومنافسا للاتحاد الأوروبي، وزاد في الإنفاق على التسليح، تجاوز نسبة 9 في المائة من الناتج المحلي، ما أثار قلق خبراء اقتصاديين روس من دخول روسيا في حالة عجز مالي(قال الخبير الاقتصادي الروسي سيرغي غورييف “أنفقت روسيا حتى الآن أكثر من نصف ميزانيتها العسكرية لعام 2015. وإذا استمر الإنفاق بهذا المعدل سوف يفرغ صندوق روسيا الاحتياطي قبل نهاية العام” ودفع وزير المالية أليكسي كودرين إلى الاستقالة على خلفية معارضته الإنفاق العسكري المتزايد)، واتخذ موقفا متصلبا في الخارج، باستئنافه إرسال دوريات القاذفات والأساطيل في المحيطين الأطلسي والهادي والبحر الأبيض المتوسط، وأنفق بين عامي 2000 و2010 ما بين 2,8 و36,5 مليار دولار على الأمن والنظام وفرض القانون.
وقد أثار انفجار الربيع العربي خلافات إضافية بينها وبين الغرب، خاصة بعد التدخل الغربي في ليبيا وحرمانها من كعكتها، وتهديد مصالحها في سوريا، وتشكيل التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب دون إشراكها، وتجاهل موقفها بالقصف داخل سوريا. ما دفعها إلى الدخول في مواجهة غير مباشرة مع الغرب عبر دعم النظام السوري، في مواجهة الثورة، وحمايته سياسيا باستخدام حق النقض أربع مرات، ناهيك عن تزويده بالسلاح والمال والخبراء العسكريين، والتنسيق مع إيران لمنع سقوطه تحت الضغط السياسي والعسكري. كما أثار تحرك الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي لضم أوكرانيا إليهما فزع روسيا لموقع الأخيرة في التصور الروسي باعتبارها حجر الزاوية في الاتحاد الأوراسي، والممر السهلي باتجاه أوروبا الغربية، فانفجر الصراع بين روسيا والغرب عامة والولايات المتحدة خاصة، فحركت الروس المقيمين في أوكرانيا، وأوكرانيي الشرق الذين يتكلمون بالروسية وضمت جزيرة القرم (كلفها رفع الرواتب في جزيرة القرم لتماثل الرواتب في روسيا 12 مليار دولار سنويا)، بعد إجراء استفتاء مسيطر عليه، ودفعت سكان المقاطعات الأوكرانية الشرقية لإجراء استفتاء وإعلان قيام جمهوريتين شعبيتين في دونيتسك ولوغانسك. فرد الغرب بالعمل على عزل روسيا سياسيا وفرض عليها عقوبات اقتصادية قاسية، واستبعدها من مجموعة الثمانية، ونشر قوات للأطلسي في دول البلطيق وفي البحر الأسود وأجرى مناورات وتدريب مع دول شرق أوروبا، وأعلن الحلف الأطلسي عن استعداده للدفاع عنها في وجه أي عدوان روسي.
حاول بوتين توفير بدائل للسوق الغربية فاتجه إلى الصين على أمل أن تتحول إلى الشريك التجاري الأبرز، وأن يتجاوز حجم التبادل التجاري معها نظيره مع الاتحاد الأوروبي عام 2030، وعقد معها صفقة كبيرة لتوريد الغاز بقيمة 400 مليار دولار خلال ثلاثين عاما عبر مد خط “سيلا سيبيري” (قوة سيبيريا)، لكن الخلاف حول الأسعار وكلفة مد الخط العالية(55 مليار دولار) التي ستتحملها شركة غاز بروم أثار شكوكا حول فرص تنفيذ الاتفاق، بالإضافة إلى تغييرها مسار طريق الحرير واختيارها المسار الجنوبي لمشروعها، وتحولها إلى منافس للاستثمارات الروسية في دول آسيا الوسطى وقضمها للمواقع والمصالح الروسية، وهذا، مع خسارته لـ “لعبة الترانزيت الكبرى” التي عوّل عليها كثير،ا حيث تراجعت حركة نقل الترانزيت في أقصى الشمال(ممر بحر الشمال) عام 2014 بنسبة 76 في المائة، بخر آماله في تعديل الوضع الاقتصادي.
ربطت تحليلات كثيرة التحرك العسكري في سوريا بالاتفاق النووي الإيراني، وما انطوى عليه من احتمالات تحسن العلاقات الإيرانية الغربية وقيام تفاهم إيراني غربي على الحل في سوريا لا يأخذ بعين الاعتبار المصالح الروسية، واعتبرت الخطوة محاولة لموازنة الثقل الإيراني وحماية مصالح روسيا، غير أن المعطيات تشير إلى أن الخطوة الروسية تمت بالتنسيق مع إيران لاستثمار إمكانياتها الميدانية وإشراكها في مواجهة الضغوط الدولية وتحمّل جزء من تكاليف الخطوة وتبعاتها، ولتثبيت التحالف بينهما في ملفات أخرى. وربطت تحليلات أخرى بين التحرك العسكري الروسي وتواتر تراجع قدرات النظام السوري على الدفاع عن مناطق سيطرته، ما دفع موسكو إلى التحرك عسكريا لضمان صمود النظام عبر التواجد المكثف على الأرض وتثبيته إلى أن يتم الاتفاق على حل سياسي يضمن المصالح الروسية، ولحجز موقع مميز على طاولة المفاوضات لضمان مصالحها في أي حل، في حين يرى كاتب هذه السطور إن الهدف الرئيس للتحرك الروسي هو تحويل اهتمام المواطنين الروس من رغيف الخبز والخدمات الصحية والتعليمية إلى الخطر الخارجي والاتحاد للدفاع عن المصالح القومية، والرد على الاستنزاف الغربي لروسيا في أوكرانيا، والربط بين الحل في سوريا وتطورات الموقف في أوكرانيا.
تكمن خطورة الانخراط العسكري الروسي في سوريا في انه رجّح العمل العسكري، ودفن خطة دي ميستورا قبل أن تنطلق، وأجل الحل السلمي إلى فترة طويلة.
موسكو.. فخ أميركي أم اتفاق مسبق؟/ إميل أمين
هل يمكن للأزمة السورية أن تتحول إلى مواجهة عالمية؟ هذا السؤال بات في واقع الأمر مدعاة لمخاوف كثيرين في الأسابيع القليلة المنصرمة، بعد حالة الدعم الروسي غير المسبوق لنظام الأسد، الذي تجابهه الولايات المتحدة بنوع خاص، وهل تعيد الأزمة السورية بذلك ملامح صراع الحرب الباردة من موسكو إلى واشنطن في ثمانينات القرن المنصرم؟
المؤكد أن فكرة التصادم العالمي الأممي من جراء سوريا قد تكون فكرة مستبعدة، في الحال والاستقبال، فالقوى الكونية الكبرى، لا تنجر بمثل هذا السهولة وراء الصراعات الفرعية بالنسبة لها، رغم خطورة ما يجري في سوريا، وعليه فإن المرء قد تصيبه حيرة أولية في محاولة فك شفرات المشهد الروسي الأميركي – السوري، وفي مثل هذا الحال تكثر التأويلات وتتباين الطروحات، إلا حال توافر حد معين من المعلومات الأولية التي تفصل بين الجد والهزل.
هل يمكن أن تكون سوريا قد وقعت في فخ جديد قد نصبه الصياد الأميركي الماهر للدب الروسي من جديد، حتى يقيده، ويوقف نشاطه ويمنعه من القفز إلى ما هو أبعد وأهم من اللحظة الآنية، بمعنى أكثر وضوحا ومباشرة: هل سوريا يمكن أن تكون أفغانستان أخرى تعمل على كسر الهيبة الروسية الصاعدة من جديد؟
يلزم هنا بداية الإشارة إلى أمر مهم، وهو أنه يفترض أن ما يجري من دعم روسي لسوريا يتم من وراء الولايات المتحدة وضد رغبتها الحقيقية، لكن حال وجود صفقة ما، فإن الأمر يعتبر مختلفا، وقد يكون بالفعل مصيدة للروسي. ما الذي يدفعنا إلى الحديث في هذا الإطار؟
بلا شك ما كتبه المحلل العسكري الإسرائيلي أليكس فيشمان، في مقاله الافتتاحي عبر صحيفة «يديعوت أحرونوت» بتاريخ 31 أغسطس (آب) الماضي، حيث اعتبر أن «روسيا وإيران» وبموافقة من الولايات المتحدة، اتخذتا قرارا استراتيجيا للقتال إلى جانب الأسد لإنقاذه، مؤكدا أن سلاح الجو الروسي بدأ يحلق في سماء سوريا، وأن المقاتلات الروسية ستشن خلال الأيام القريبة القادمة غارات على مواقع لتنظيم داعش، وكتائب إسلامية معارضة للأسد.
هنا يتذكر المرء الإشكالية التاريخية في أفغانستان من جديد وكيف أن سنوات ممتدة من عام 1979 وحتى عام 1989، كانت المسمار المهم الذي دق في نعش الشيوعية العالمية وانهيار الاتحاد السوفياتي نفسه عام 1991، ولهذا يرى البعض أن التكرار التاريخي وارد هذه المرة، سيما وأن روسيا من وجهة نظر عدد كبير من المحللين السياسيين، كانت سببا في وجود تنظيم القاعدة الذي بدأ علي الأراضي الأفغانية، مثلما كانت أميركا سببا في بروز تنظيم داعش. غير أن واقع الحال يختلف هذه المرة إذا أردنا مقاربة موضوعية… كيف ذلك؟
المعروف أن دخول السوفيات إلى أفغانستان في عام 1979، كان غزوا إمبرياليا إمبراطوريا، كان يراد به ومنه تشكيل تحد واضح لحلف الأطلسي، وربما الاقتراب بأكبر قدر من الخليج العربي، حيث مخزون العالم الاستراتيجي من النفط.
أما في الحالة السورية فالأمر مختلف، إذ أصبح من وجهة نظر البعض، ضرورة ملحة لإنقاذ نظام الأسد، فلا إيران ولا ميليشيات حزب الله استطاعت أن تحافظ على الأرض، أو توقف تمدد الفصائل السورية المسلحة، ولا التحالف الدولي قادر علي إخراج «داعش» من مناطق سيطرته في سوريا والعراق، ولذلك أصبحت مشاركة سلاح الجو الروسي في أرض المعركة أمرا لا مفر منه.
وفي المحصلة النهائية فإن الروس، إن لم يكن هناك تنسيق حقيقي مع الأميركيين، يفضلون مواجهة «داعش» في أرض العرب عن أي خيار آخر، وبخاصة خيار انتقاله إلى منطقة القوقاز الروسية، ومعروف أن «داعش» قد أعلنت منذ أيام تبنيها هجوما على ثكنة للجيش الروسي في جنوب داغستان، وقتل وجرح الكثير من الجنود حسب بيان أصدرته.
لم يكن الروس بعيدين عما يجري في المنطقة، ففي الثامن من شهر يوليو (تموز) المنصرم، قال نائب وزير الخارجية الروسي لشؤون مكافحة الإرهاب أولينغ سايرومولوتوف، في تصريحات لوكالة تاس الروسية: «نحن نحلل ونتابع تصريحات قاعدة تنظيم داعش المحرضة للقتال بشأن مسألة نقل القتال إلى مناطق شمال القوقاز وآسيا الوسطي»، مبينا أن «هؤلاء المقاتلين لن يجلبوا معهم الإرهاب فقط، إذا عادوا، بل الأفكار المتطرفة أيضا، وسيشكلون مصدرا للأفكار السلبية التي تؤثر في المجتمع، وخصوصا على الشباب المؤمن».
امتداد «داعش» يبدو أنه أخذ في الاقتراب من أفغانستان ولهذا قال سيرغي لافروف الشهر الماضي، إن بلاده مستعدة لتقديم جميع أنواع الدعم لأفغانستان بهدف القضاء على الجماعات المسلحة هناك.
وفي كل الأحوال تبقى الحقيقة واضحة: «إن لم توضع نهاية سريعة للأزمة السورية، فإن أخطارا كثيرة تتهدد الأمن العالمي تقف وراء الباب ولا يعلم إلا الله وحده مداها ومنتهاها».
ما موقف واشنطن بعد قدوم الروس إلى سوريا؟/ جوش روغين
صحفي أميركي
خلصت إدارة الرئيس أوباما وأجهزة الاستخبارات الأميركية إلى أن روسيا سوف تبدأ في تنفيذ المهام القتالية الجوية من قاعدة جوية جديدة لها داخل سوريا، ولكن هناك خلافا داخل الحكومة الأميركية حول ما يتعين عليهم القيام به إزاء ذلك.
عقد اجتماع لكبار المسؤولين يوم الخميس في البيت الأبيض على مستوى لجنة نواب مجلس الأمن القومي الأميركي لبحث كيفية الرد المناسب على الزيادة المطردة في عدد الأفراد والمعدات العسكرية الروسية في مدينة اللاذقية، وهي المدينة الساحلية السورية الخاضعة لسيطرة حكومة بشار الأسد. ولقد دعا الرئيس أوباما مسؤولي الأمن القومي في حكومته، لإعداد خطة في أقرب وقت ممكن، في الوقت الذي تتواصل فيه تقارير الاستخبارات حول الخطط الروسية لبناء قاعدة جوية هناك. والخيارات المطروحة تتمثل في محاولة مواجهة روسيا في الداخل السوري، كما يدعو البعض داخل أروقة البيت الأبيض، أو التعاون مع روسيا هناك في المعركة القائمة ضد تنظيم داعش الإرهابي.
بدأت وزارة الخارجية الأميركية بالفعل في اتخاذ خطواتها لمواجهة التحركات الروسية، على سبيل المثال، عن طريق مطالبة كل من بلغاريا واليونان رفض السماح بتحليق الطائرات الروسية المتجهة إلى سوريا عبر أجوائهما. غير أن وزارة الخارجية اتخذت تلك الخطوات من تلقاء الذات، ولما علم الرئيس أوباما بالأمر أعرب عن استيائه من الوزارة بسبب عدم متابعة المسار الاعتيادي المشترك بين الوكالات الحكومية الأميركية في ذلك الصدد، على نحو ما أفاد به بعض المسؤولين هناك. ويريد الرئيس من فريق الأمن القومي الأميركي أن يصل إلى توافق في الآراء في أقرب وقت ممكن من الأسبوع المقبل.
بالنسبة لبعض المسؤولين داخل البيت الأبيض، فإن الأولوية تكمن في حشد المزيد من الدول في القتال ضد تنظيم داعش، كما أنهم أعربوا عن قلقهم من تعريض العلاقات الأميركية الروسية إلى مزيد من التوتر. وإنهم ينظرون بجدية في قبول التصعيد العسكري الروسي في المنطقة كأمر واقع، ثم العمل مع موسكو لتنسيق الغارات الجوية الأميركية الروسية في شمال سوريا، وهي المنطقة التي تقود الولايات المتحدة فيها جهود قوات التحالف الدولي بصورة يومية.
وبالنسبة للكثيرين داخل إدارة الرئيس أوباما، وعلى الأخص أولئك المعنيين بالملف السوري، فإن فكرة قبول المشاركة الروسية في القتال ضد «داعش» تعد أقرب ما تكون بالاعتراف الصريح بأن جهود إسقاط نظام حكم الرئيس السوري قد فشلت. بالإضافة إلى أنهم يخشون أن روسيا سوف تهاجم الجماعات السورية المعارضة التي تحارب نظام الأسد مستخدمة الحرب ضد تنظيم داعش كغطاء لذلك.
يقول أحد المسؤولين بالإدارة الأميركية، إن «النيات الروسية هي الاحتفاظ بالأسد على رأس الحكومة، وليس محاربة (داعش). لقد ظهرت بطاقاتهم على الطاولة الآن».
تُظهر الاستخبارات الأميركية في الوقت الحالي أن روسيا تخطط لإرسال قوة عسكرية إلى سوريا قادرة على ضرب الأهداف البرية. ولقد أخبرني مسؤولان أميركيان أن أجهزة الاستخبارات الأميركية جمعت أدلة تفيد بأن روسيا تخطط لنشر مقاتلات «ميغ 31» و«سوخوي 25» في اللاذقية خلال الأيام والأسابيع القادمة. وتتضمن المعدات العسكرية التي وصلت سوريا بالفعل أبراج مراقبة الحركة الجوية، ومعدات صيانة الطائرات، ووحدات الإعاشة لمئات من الأفراد.
أجرى وزير الخارجية الأميركي جون كيري اتصالا هاتفيا بنظيره الروسي سيرغي لافروف السبت الماضي لحثه على إيقاف الحشد العسكري الروسي في سوريا، غير أن الوزير الروسي أخبر السيد كيري بأن المؤسسة العسكرية الروسية لا تفعل شيئا خطأ وأن الدعم الروسي لسوريا لن يتوقف.
يعد ذلك تحولا في الأحداث عما كان عليه الوضع خلال هذا الصيف. ففي يوليو (تموز)، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصالا هاتفيا بالرئيس باراك أوباما، ووفقا لما أفاد به السيد أوباما، كان الرئيس الروسي قد بدأ في التحرك بعيدا عن مساندة الرئيس السوري الضعيف.
ولقد صرح الرئيس أوباما لصحيفة «نيويورك تايمز» قائلا: «أعتقد أنهم يساورهم شعور بأن الأسد يفقد قبضته تدريجيا على مساحات أكبر وأكبر من الأراضي السورية بمرور الوقت، وأن هزيمة النظام الحاكم السوري ليست وشيكة الحدوث، ولكنها باتت التهديد الأكبر يوما بعد يوم. مما يمنحنا فرصة جيدة لإجراء محادثات جادة معهم».
ولكن منذ ذلك الحين، ظل الرئيس الروسي بعيدا عن إجراء أي حوار جاد مع الولايات المتحدة، حيال التوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة السورية. وفي الوقت الذي بدأت التعزيزات العسكرية الروسية في الوصول إلى سوريا الأسبوع الماضي، أعلن الرئيس الروسي على الملأ أن الرئيس السوري بات مستعدا للتفاعل مع أطياف المعارضة «الصحية»، وهو الموقف الذي يبتعد كل البعد عما كانت تروج له الولايات المتحدة، والذي من شأنه جلب حركات المعارضة السورية المدعومة من جانب الولايات المتحدة إلى جولة جديدة من المفاوضات مع النظام السوري الحاكم.
أخبرني السيناتور بن كاردين، النائب الديمقراطي البارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي يوم الأربعاء قائلا، إن «الدعم الروسي لنظام الأسد ليس مفيدا في شيء على الإطلاق، بل سوف يعود بنتائج عكسية.
يخطط الرئيس الروسي للتركيز على مكافحة «الإرهاب» في خطابه في وقت لاحق من هذا الشهر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. كما تعتزم روسيا كذلك استضافة اجتماع على مستوى الوزراء على هامش الاجتماعات يدور حول مكافحة التطرف، والذي تصفه بأنه سوف يضم كل الجماعات التي تقاتل نظام الأسد في سوريا، ومن بينها المدعومون من الولايات المتحدة.
هناك حالة من القلق داخل أروقة الإدارة الأميركية، حتى بين أولئك الداعين إلى مواجهة الإجراءات الروسية في سوريا، ومنشؤها أن الولايات المتحدة لا تتمتع بالنفوذ الكافي لمواجهة التحركات الروسية. فإذا ما قرر الرئيس أوباما عدم قبول وجود القوات الجوية الروسية في سوريا، فسوف تكون أمامه عدة خيارات، ولكل منها عيوبه أو قيوده.
يمكن للولايات المتحدة فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على روسيا، على الرغم من أن العقوبات الدولية الحالية والمتعلقة بالأزمة في أوكرانيا لم تغير من حسابات الرئيس الروسي في شيء، وهناك فرصة ضئيلة للغاية في أن تنضم الدول الأوروبية إلى جولة جديدة من فرض العقوبات على روسيا. وقد توجه الولايات المتحدة تحذيرا إلى روسيا أن قاعدتها الجوية الجديدة في سوريا، هي من قبيل المبررات الكافية لكي تزيد المعارضة من هجماتها، ولكن ذلك التحذير قد يدفع السيد بوتين إلى مضاعفة نشر قواته العسكرية هناك. ويمكن أيضا للولايات المتحدة محاولة إيقاف تدفق الأسلحة الروسية إلى سوريا، ولكن ذلك قد يعني الضغط على دول مثل العراق للوقوف في وجه بوتين وإيران، وقد لا يوافق الجانب العراقي على ذلك.
صرح السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام الأربعاء الماضي قائلا إنه «قد يحاول فرض العقوبات على روسيا من جانب الكونغرس الأميركي إذا لم تتحرك إدارة الرئيس أوباما في ذلك الاتجاه». وأضاف أن «التدخل العسكري الروسي في سوريا من شأنه أن يزيد من تفاقم التهديدات الإرهابية ومشكلات اللاجئين السوريين بأسوأ مما عليه الوضع الآن».
وتابع النائب الجمهوري يقول «إنها فرصتنا لصفع روسيا وبقوة، لأن ما يقومون به يعرض أمن أميركا للخطر. إن الروس يوجهون صفعات للرئيس أوباما ولوزير خارجيته كيري. إنها إهانة كبيرة لجهودهما ومحاولة الوصول إلى تسوية دبلوماسية في سوريا. كما أنهم يزيدون من احتمالات بقاء الأسد في السلطة، مما يعني ألا تصل الحرب السورية إلى نهاية أبدا».
إن مخاوف البيت الأبيض من تصاعد حدة التوتر مع الجانب الروسي داخل سوريا مخاوف مشروعة فعلا، ولكن التعاون مع القوات الروسية على الأرض أو في الجو من شأنه تقويض كافة مستويات المصداقية المتبقية لدى الولايات المتحدة لدى المعارضة السورية ولدى دول الخليج العربي الداعمة لها. قد لا تتمكن الولايات المتحدة من إيقاف مشاركة روسيا في القتال بالحرب الأهلية السورية، ولكن على أدنى تقدير لا ينبغي على الولايات المتحدة أن تظهر بمظهر المتواطئ مع موسكو. فإذا ما حدث ذلك، فسوف تتأكد الشكوك بأن الرئيس أوباما يعمل فعليا، وبصورة غير مباشرة، على المحافظة على نظام حكم الرئيس الأسد.
*بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
سورية بين «نظرية» بريماكوف و«هجوم» بوتين/ جورج سمعان
«العسكرة الروسية» في سورية لم تتضح معالمها كاملة بعد. لكنها بالتأكيد تندرج في إطار سياسة استراتيجية. إنها خطوة في إطار مشروع قديم. وتطور طبيعي لنهج الرئيس فلاديمير بوتين. نهج عبر عنه أفضل تعبير يفغيني بريماكوف في أكثر من مناسبة وكتاب وخطاب. حتى يخيل أن سيد الكرملين يسير على خطى نظرية صديقه الذي نعاه قبل أشهر. وصفه بأنه رجل دولة وعالِم وسياسي ترك إرثاً ضخماً جداً. وأنه أراد دوماً أن يستمع إلى آرائه في القضايا الدولية. وخلاصة النظرية أن بلاده الضعيفة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي لا يمكنها مواجهة الولايات المتحدة والغرب عموماً. لكنها يمكن أن تعود قوة عظمى كما في السابق بالحفاظ على «الخارج القريب» من الفضاء الروسي. أي الجمهوريات السوفياتية السابقة. ثم الانطلاق بالتدريج نحو الأبعد. دعا إلى تمتين عرى «رابطة الدول المستقلة» (روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا ومولدلفيا وجورجيا وأرمينيا وأذربيجان وتركمانستان وأوزبكستان وكازخستان وطاجيكستان وقرغيزستان). ونادى باكراً، مطلع التسعينات، بقيام «المثلث الذهبي» مع الهند والصين. لم يحض على مقاطعة أميركا بل حض على التفاوض معها. وبالفعل قاوم الرئيس الروسي سعي «الناتو» إلى ضرب طوق حول بلاده. لم يتردد لحظة، كما هو معروف، في اقتطاع أوسيتيا وأبخازيا من جورجيا عندما شعر بأنها تسعى إلى دخول الحلف، واستضافة جزء من «الدرع الصاروخية» للأطلسي. كما لم يتردد في القفز إلى أوكرانيا واقتطاع ما طالته يده. وهو يرفع عصا التهديد في وجه دول البلطيق بذريعة حماية المجموعات الروسية في هذه البلدان.
وبريماكوف هو أيضاً صاحب مقولة أن روسيا «لا يمكنها إلا أن تكون في الشرق الأوسط، ولا أريد أن يتكون انطباع لدى أيّ كان بأنها تنوي الذهاب من هناك». وهذا ما يريد تأكيده الرئيس بوتين من انخراطه العميق في الأزمة السورية. وهو استمع إليه بوجوب استعادة صداقات السوفيات التاريخية مع العرب، من مصر إلى العراق وما تيسر بينهما في الطريق. والواقع أن روسيا منذ أيام بطرس الأكبر تجد صعوبة في التصالح مع الغرب، أي أنها ترفض سيطرة أميركا وأوروبا عليها، ليس بمعنى القوة أو الحرب، بل بالمفاهيم الثقافية وطرق الحكم والإدارة وسياسة الناس. تؤمن بأن لها دوراً خاصاً ومختلفاً. والدعاية التي يروج لها الإعلام الروسي اليوم استعادة للإعلام السوفياتي: الغرب هو العدو. مع فارق واضح أن الناس كانوا أيام الحرب الباردة يتوقون إلى الانعتاق وعيونهم على أوروبا وأميركا. فيما تحفزهم اليوم روح قومية صاعدة. ويقفون خلف زعيمهم على رغم كل ما يقال عن المعارضة. وعلى رغم أن الأزمة الاقتصادية مستفحلة بفعل العقوبات وتدني أسعار الوقود.
ولا شك في أن الرئيس بوتين أفاد في «هجومه» من «قعود» الإدارة الأميركية الحالية، أو اعتكافها وترددها في المبادرة الجدية والمواجهة، ليعزز نفوذه ودوره في أزمتي جورجيا وأوكرانيا أو في أزمات الشرق الأوسط عموماً وسورية خصوصاً. وكان من سنوات بدأ بتحديث المؤسسة العسكرية وتحويل جيشه قوات محترفة معززة بأفضل الأسلحة. ومعروف أن موازنة هذه المؤسسة ربما كانت نسبياً الأكبر في العالم: نحو عشرين في المئة من الموازنة العامة للبلاد. التدخل في سورية إذاً يأتي في إطار مشروع وخطة ليسا جديدين. والهدف معروف: منع سقوط نظام الرئيس بشار الأسد خصوصاً المؤسسة العسكرية، والحفاظ على الحضور الروسي الراجح في الشرق الأوسط وبناء قاعدة ثابتة في بلاد الشام. إضافة إلى استعادة العلاقات القديمة مع مصر والعراق. والهدف أيضاً جر أميركا وأوروبا إلى طاولة تفاوض تشمل أزمتي سورية وأوكرانيا وغيرهما من القضايا الكثيرة العالقة بين الطرفين. وكان اختيار توقيت التدخل مدروساً، وإلا لماذا لم يتم سابقاً عندما كان النظام في دمشق يتعرض لما تعرض له من تراجع في الأشهر الأخيرة؟ خطا الرئيس بوتين خطوته فيما المعنيون الآخرون بأزمة سورية منشغلون بأزماتهم. ولا حاجة إلى سرد ما تواجهه أميركا وأوروبا وتركيا ودول الخليج وإيران ومصر… من صراعات داخلية وحروب على حدودها، أوما تعانيه من تداعيات الاتفاق النووي وأزمة اللاجئين وغير ذلك مما بات معروفاً.
لذا ليس مبالغة القول إن الكرملين فرض قواعد جديدة على اللعبة. وما على جميع المعنيين بأزمة سورية سوى إعادة النظر في حساباتهم ومقارباتهم. والحديث عن احتمال رفع التحدي إلى حد الانخراط الميداني في الحرب يرفع وتيرة الضغط على هؤلاء. والهدف إرساء تسوية سياسية مرضية لموسكو، وفتح حوار في شأن الأزمات الأخرى وعلى رأسها أوكرانيا من أجل فك طوق العقوبات. وهذا هو الثمن الأساس الذي تريده روسيا. يمكنها أن تصبر على ضائقتها كما فعلت طهران التي لم تجد واشنطن في النهاية مفراً من الحوار معها. وقد نجح الرئيس بوتين حتى الآن في فرض أجندته على الجميع: أولوية الحرب على الإرهاب. وقد بدأ التنسيق بين القيادتين العسكريتين في موسكو وواشنطن. ولعلهما سيتقاسمان الأدوار: هذه تتولى «داعش» سورية، وتلك «داعش» العراق. ليس ضرورياً جلوس الطرفين الآن للبحث في سبل التنسيق. يمكن تكرار نموذج العراق حيث يخوض التحالف الدولي حربه على «الدولة الإسلامية» وتخوض إيران حربها هي الأخرى، كل بوسائله في أطار قواعد مدروسة ومصانة. والتنسيق نفسه هذا سينسحب أيضاً على الإسرائيليين الذين أغاروا أكثر من مرة على مواقع في قلب سورية بذرائع كثيرة. وهو ما سيحمله بنيامين نتانياهو إلى موسكو وهو يسمع بعض دوائره التي لا ترى ضرراً في الوجود العسكري الروسي إذا كان سيؤدي إلى إطالة الحرب التي تستنزف فيها إيران وينشغل بها «حزب الله»!
ولماذا لوم روسيا في فرض هذه الأولوية؟ أهل التحالف بدلوا في الأولويات. بريطانيا وفرنسا قررتا أخيراً، بعد أميركا، الانضمام إلى الطائرات الأميركية التي تضرب التنظيم الإرهابي في سورية. وأهملوا شروط أنقرة التي أصرّت على ضرب نظام الرئيس بشار الأسد أيضاً. صحيح أن القوى الغربية لا تزال تتمسك بشعار رحيل الأسد، لكن انخراطها العسكري في الأجواء السورية ليس عملياً سوى رفع أولوية محاربة الإرهاب على أي قضية أخرى. أي ان مواجهة الإرهاب لا تسير بالتوازي مع التسوية السياسية التي تصر عليها واشنطن والعواصم الغربية وبعض العرب. والسؤال اليوم: هل يبدل التدخل الروسي في المعادلات الحربية على الأرض؟ حتى الآن يصعب تحقيق إنجازات عجز عنها الجيش السوري وحلفاؤه. مثل هذا الأمر يستدعي الزج بآلاف الجنود. إذاً هل يكتفي الروس بإعادة هيكلة الجيش السوري ومده بالعتاد الحديث اللازم لضمان بقاء النظام في المناطق التي يسيطر عليها حالياً مع تحسين بعض المواقع هنا وهناك؟ أم أن هناك هدفاً آخر من الحرب على «داعش» «علناً» هو تحقيق إنجازات على الأرض ترغم كل أطياف المعارضة، خصوصاً «الائتلاف الوطني» والفصائل العسكرية التي تسمى معتدلة على تليين موقفها؟
من المسلم به أن الجبهات الساخنة التي تهدّد النظام يمسك بها «الجيش السوري الحر» والفصائل الإسلامية، من «أحرار الشام» إلى «جيش الإسلام» وغيرهما من ألوية و»جيوش». والانتكاسات الأخيرة التي أصيب بها كانت على هذه الجبهات، فضلاً عن تدمر التي استولى عليها تنظيم «الدولة الإسلامية». وأي تحرك روسي لاستعادة بعض ما فقده النظام يعني أن تشمل «الحرب على الإرهاب» حكماً كل هذه الفصائل «المعتدلة» وغير المعتدلة. في ضوء هذا الواقع ربما هدف التدخل الروسي إلى إرغام المعارضة على القبول ببقاء الرئيس الأسد، إن لم يكن لفترة معينة، فعلى الأقل القبول بتقاسم السلطة معه، كل في أرضه. علماً أن الأسد سيزداد تشدداً بعد الدعم الروسي. وهو أعلن أخيراً أن لا تسوية سياسية قبل دحر الإرهاب. أمام تطور كهذا لن يكون أمام المعارضة سوى خيارين: إما مواجهة التدخل الروسي وتوسعه، وإما القبول بخطة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا بلا أسئلة وتحفظات، على رغم ما يكتنف مآلاتها من غموض وتعمية، ومحاولة دفن بند الهيئة الحاكمة بصلاحيات مطلقة بين بنود أخرى كثيرة لا تعدو كونها مجرد قرارات وإجراءات يمكن هذه الهيئة اتخاذها مستقبلاً.
لا أحد يتوقع أن يجازف الرئيس بوتين في الذهاب بعيداً. لا تغيب عن باله تجربة أفغانستان. ومن المبكر توقع حدود التدخل في سورية. الثابت حتى الآن أن الولايات المتحدة لم تبد معارضة. بل سارعت إلى التنسيق. وقد ينتقل هذا من التكتيك العسكري كما قالت إلى حوار سياسي ما دام أنها هي الأخرى لا تمانع في «رحيل مؤجل» للأسد، ولا تريد سقوط النظام من دون ضمان «اليوم التالي». وإذا كانت موسكو ستساعدها على أهدافها الرئيسة في محاربة «داعش» فقد لا تجد غضاضة في مجاراتها في التسوية السياسية. وسيد الكرملين قادر على انتظار موعد لقائه مع الأميركيين والأوروبيين، ما دام أنهم سكتوا من قبل عن جورجيا وأوكرانيا. لكن الانتظار طويلاً ربما حمل مفاجآت غير محمودة، فالتدخل قد يتدحرج ليهدد «نظرية» بريماكوف و»هجوم» بوتين!
الحياة
الدكتاتور الضاحك/ أمجد ناصر
من معرفتي ببعض الذين يعرفون الدكتاتور بشار الأسد، أستطيع أن أتخيّل ضحكته البلهاء، وهو يرى كلّ “الأطراف” الدولية حائرة بشأنه. ويمكن تخيّله وهو يضحك الضحكة البلهاء نفسها، وهو ينظر إلى جموع الشعب السوري تهبُّ على الغرب بحثاً عن ملجأ آمن. في الحالتين، سيفكر أن العالم أخطأ بحقه، وشرائح كبيرة من الشعب السوري في مقدمة هؤلاء. انظروا، سيقول، ألم يكن أفضل لكم لو صدّقتم، من البداية، أن مصيري من مصير هذه البلاد؟ إنْ بقيتُ تبقى، وإن ذهبتُ تصبح قاعاً صفصفاً. صدق الدكتاتور. هو الوحيد الذي طلع يعرف كل الحكاية، وهو الوحيد الذي لم يقدّم تنازلاً لأحد، منذ شعارات أطفال درعا إلى نزول عسكر القيصر الروسي على شاطئ دويلته الاحتياط.
لم يصدّق الناس أنَّ شعار الشبيحة القائل: الأسد أو نحرق البلد، كان حقيقةً لا مجاز فيها. لم يكن، مثل أقوال “أصدقاء سورية”، كلاماً في كلام. طلعت كل كلمة في هذا الشعار صحيحة. كلّ كلمة فيه أبيدت مقابلها ثلاث محافظات، وشُرِّد مليون، وقتل وجرح واختفى مئات الآلاف. حتى وهو في حضيضه العسكري، عندما كان على وشك الفرار من مخبئه الدمشقي إلى الساحل، لم يقدّم الدكتاتور تنازلاً إلى دُعاة جنيف ورُعاتها. لا جنيف الأولى ولا الثانية، فهو ينتظر جنيف الثالثة أو الرابعة، ليكون على رأس طاولتها غير المستديرة، ويضحك أمام الكاميرات ضحكته منبَتّة الجذور مع شعبه، وآلامه، ويقول أنا السوري المنتخب بشار الأسد، أقصى ما أقدمه لكم (لمعارضيه) أن تعملوا معي. ضمن سقفي وشروطي.
الآن، أكثر من أي وقت مضى، تأكّد للدكتاتور الضاحك ببلاهة أنه رقم صعب في المعادلة الدولية. شيء يذكّرنا بالمرحوم أبو عمار الذي كان دائم الحديث عن الرقم الفلسطيني الصعب الذي حوَّله ورثته إلى أسهل رقم في العالم.
الآن، بعد كل جولات الاسترضاء العربية للقيصر الروسي، ومحاولة سحب البساط، قليلاً، من تحت قدمي بشار الأسد، يؤكد الروس لنا وللعالم أحد أمرين: إما أنهم كانوا يضحكون على زوّارهم العرب، رفيعي المستوى، أو أن هناك، حسب الفيلم الأميركي الشهير، شيئاً ضائعاً في الترجمة. فكيف ننتقل من كلام الزوار العرب، رفيعي المستوى، وكلام قادة “الائتلاف الوطني” الذي يشير إلى عدم تمسّك الروس ببشار الأسد، إلى إنزال قوات ومعدات ثقيلة في معقل الأسد العائلي؟
هذه نقلة لا تعقب فهماً وقناعات كالتي خرج بها زوار موسكو العرب، قبل أقل من شهر. أقصد أن هناك خطأً في الأمر، خطأ في الفهم، خطأ في التقدير؟ لا أدري. وبصرف النظر عن هذا كلّه، نحن اليوم في واقع مختلف تماماً من عمر المأساة السورية.
لا نعرف، نحن الذين نقرأ الصحف ونشاهد التلفزات، ما يجري وراء الأكمة، إن كان هناك شيءٌ وراء الأكمة غير الأكمة نفسها. فثمة من يقول إن ردَّ الفعل الأميركي الضعيف على التورّط الروسي المباشر في سورية ليس بريئاً. لا أقصد متواطئاً مع الروس، ولكنه قد يكون مشجِّعاً، من دون أن يبدو كذلك، على مزيد من تورّطهم. استدراج لوضع يشبه أفغانستان ثانية، تنهي هذا الطور المتنفِّج للقيصرية الروسية الجديدة. هناك من يقول إن الروس رؤوسهم حامية، وسرعان ما يقعون في الفخّ. ولكن، حتى لو صحَّ هذا، فهو خبر سيئ لنا. إنه يعني المزيد من الحرب. المزيد من الدمار. المزيد من التشريد السوري الذي بزَّ أي تشريد بشري معاصر.
أما إن كان الروس أصحى، اليوم، من تكرار ورطة أفغانستان، فليس أقل سوءاً من الأول، لأن على من يريد حلاً سياسياً لسورية أن يجلس مع بشار الأسد، على تلال من الجماجم تسمّى حواراً.
والحال، ماذا سيقول “حلفاء” الشعب السوري وأشقاؤه، الذين دفعوا ثورته إلى السلاح، لمَن ماتوا وهُجِّروا ودُمِّرت بيوتهم؟ من الذي يستطيع أن يقول لهم: عفى الله عمّا مضى؟
التحالف الدولي والتدخل العسكري الروسي في سورية/ خيري حمدان
اعترف الجنرال الأميركي، فرينك غورينتس، قائد القوات الجوية الأميركية في أوروبا، بأنّ القوات الجوية الروسية، تمكنت بشكل ملحوظ من تجاوز التخلّف التقني الذي تعرّضت له في سباق التسلّح مع أميركا في المرحلة الانتقالية. وجاءت تصريحاته في اجتماع رابطة سلاح الجو في أوروبا. وأوضح الجنرال أنّ التفوّق العسكري الذي تمتعت به القوات الجوية الأميركية مقابل القوات الروسية تراجع. يبدو هذا واضحًا من التحديّات التي تبديها القوات الجوية الروسية في أقاليم عديدة، والقدرات التي أظهرتها في المعارك التي شهدتها شرقي أوكرانيا، وتوجّهاتها الأخيرة للتدخل في الملف السوري لصالح بشار الأسد.
روسيا ترأس مجلس الأمن:
وضعت روسيا أولويات عديدة في أثناء توليها الرئاسة الدورية لمجلس الأمن، وفي مقدمتها دعم ترشّح الهند والبرازيل لتصبحا عضوين دائمين في المجلس. وطالبت كذلك بانضمام دول إفريقية للعضوية الدائمة للمجلس، وفقًا لتصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي قال إنّ مجلس الأمن يحافظ على حيويته وعلى كل المتطلبات للعب دور أساسيّ في المستقبل لحلّ الأزمات الدولية. وأضاف، في حديثه لوكالة الأنباء الروسية “تاس”، إنّ المجلس تعرّض لعملية إصلاحية رُفِعَ على إثرها عدد أعضائه من 11 إلى 15 عضوًا، ويجري الحديث حاليًا عن موجة جديدة، بهدف توسيع المجلس وزيادة أعضائه الدائمين. وأكد لافروف على دعم هذه التوجهات، وأوضح أنّ الدول النامية في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية محرومة من التمثيل، وهناك ضرورة لحصولها على عضوية دائمة، وأفاد بأنّ روسيا بصدد عقد اجتماعات وزارية لتحليل ودراسة المخاطر الإرهابية القادمة من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وهناك إمكانية لعقد اجتماع رفيع المستوى بين الرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين في نيويورك، على هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة، لمناقشة الأوضاع في سورية، كما قال ديميتري لسكوف المتحدث باسم الكرملين، لكن الحديث ما زال مبكرًا لنشر تفاصيل اللقاء، لانعدام أيّة إشارات أو اتفاقيات من الطرف الأميركي. ولا تستبعد إدارة الرئيس أوباما انعقاد لقاء خاص مع الرئيس بوتين في أثناء الدورة 70 للهيئة الأممية في سبتمبر/أيلول الجاري. ويُذكر أنّ السلطات العراقية لم تجب، حتى اللحظة، على مطالب واشنطن، بشأن إغلاق أجوائها أمام الطيران العسكري الروسي المتوجه إلى سورية، وتأمل أميركا أن تحذو العراق حذو الدول الأخرى، وتغلق أجواءها أمام الطيران العسكري الروسي.
بوتين يطالب بدعم الأسد ضدّ داعش:
لم يكتف بوتين بالتدخل المباشر لصالح الأسد، بل طالب دولا أخرى باتّخاذ الموقف نفسه، بعد ارتفاع مستوى الوجود العسكري الروسي في سورية. وقد صرّح أنّه يدعم الحكومة السورية
في توجهاتها ضدّ الإرهاب، ولن تتوقف بلاده عن تقديم التجهيزات العسكرية المطلوبة للفوز بالمعركة ضدّ داعش، وسيُطرد الإرهابيون بعيدًا عن الإقليم. في الوقت نفسه، أشار المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إلى ضرورة تنشيط الحوار مع واشنطن، لإيجاد مخرج للأزمة السورية. وحسب محللين سياسيين عديدين، هناك مخاوف لتذرع موسكو بمواجهة داعش، لتسليح دمشق ودعم الأسد لمواجهة جماعات المعارضة السورية.
وأوضح بوتين كذلك أنّ الدعم الروسي لسورية يبعد شبح النموذج الليبي بعد مقتل معمر القذافي، ما سيؤدّي إلى الحدّ من معدّلات اللجوء بعيدًا عن الإقليم. وحسب قوله، تشعر موسكو بالقلق من رغبة تنظيم داعش وطموحه لتوسيع مدى نفوذه في أوروبا وروسيا وجنوب شرق آسيا، وهناك مخاوف من عودة مقاتلي داعش إلى هذه الدول. وأضاف أنّ الأسد على استعداد لمشاركة المعارضة السورية المعتدلة في الحكم والسلطات. وتحدّث بوتين، في طشقند خلال اجتماع منظمة معاهدة الأمن الشامل المعروفة “بحلف طشقند”، عن رفع مستوى الوجود العسكري الروسي في سورية، وتعرّض بلاده لضغوط دولية متزايدة لموقفها المؤيّد للأسد.
لكن، من الصعب الثقة بالتصريحات الروسية، أخذًا بالاعتبار الأوضاع على الأرض، حيث يسيطر تنظيم داعش على مناطق واسعة في الشمال والشرق، ونظام الأسد مستمر في حملاته الدامية ضدّ مناوئيه للحفاظ على قلعته في دمشق، أمّا أوروبا وأميركا فلم تتمكنا من إحراز تقدّم ملحوظ ضدّ داعش، ولا توجد خيارات كثيرة، فإمّا تخطّي الأسد وإعلان حرب شاملة ضدّ التنظيم، أو التحالف معه لتحقيق هذا الهدف، ويدرك بوتين جيّدًا المأزق الغربي. لذا، سارع إلى دعم نظام الأسد في محاولة لاستباق الأحداث.
كما أعلن بوتين في 14 سبتمبر/أيلول أنّ روسيا مستمرة بشحن المساعدات والمعدّات والتجهيزات العسكرية للأسد، لدعمه في حربه ضدّ تنظيم داعش، وحثّ على تشكيل تحالف دولي ضدّ الإرهاب في الإقليم، توافقًا مع سياسة موسكو تجاه سورية التي لم تتغير منذ العام 2010، الداعية إلى عرقلة أيّة مبادرة أميركية لإطاحة نظام الأسد، وعلى الغرب أن يقبل بهذا النظام شريكاً في مواجهة داعش والتنظيمات الإسلامية المتطرفة.
وتقدم روسيا التي شهدت عزلة شاملة من العالم الغربي، بسبب تدخلها في أوكرانيا، نفسها
” بمثابة المخلّص الوحيد والشريك الأهم للعالم الغربي في مكافحة الإرهاب، وتنظيم داعش تحديدًا. ويتمثل المشروع الذي يسعى بوتين إلى تبنّيه مدعومًا من وزير خارجيته، سيرغي لافروف، بتشكيل تحالف غربي عريض مع الدول العربية لدعم الأسد في مكافحة التطرّف الإسلامي، وتنظيم داعش تحديدًا، بمشاركة القوات الكردية والعراقية وإيران وحزب الله، ويمكن لروسيا أن تلعب دورًا محوريًا في هذا التحالف، وهناك إمكانية، حسب الرؤية الروسية، لحصول هكذا تحالف على تفويض من مجلس الأمن الأممي والقضاء على المتمردين الجهاديين. بعد ذلك، تعيد روسيا الأسد إلى طاولة المفاوضات ومراقبة المرحلة الانتقالية السياسية، ما سيساهم في توطيد سلطة الأسد، وسيطرح بوتين تفاصيل خطّته هذه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. يحاول بوتين في ذلك تقريب المسافة بين الرؤية الروسية والغرب في مكافحة داعش والجهاديين، وبالتالي، إلى إعادة مركزه السياسي الدولي ورفع الحصار عن روسيا، وغضّ النظر عن التدخل الروسي في أوكرانيا، وقبول ضمّها للقرم أمراً واقعاً.
قلق أميركي ورفض شراكة الأسد:
هاتف وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، زميله الروسي، سيرغي لافروف، للمرة الثالثة في الأيام العشرة الماضية، حسب تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأميركية لوكالة أسوشييتد برس. وأكّد كيري على ضرورة التعاون بشأن مكافحة الإرهاب وتنظيم الدولة الإسلامية في الإقليم، لكنّه قال إنّ استمرار الدعم الروسي للأسد سيؤدّي إلى رفع مؤشرات العنف، وإطالة أمد المواجهة والفتّ في عضد التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب في الإقليم. وأكد كيري كذلك على ضرورة التوصّل إلى حلّ سياسي انتقالي، والبحث عن بدائل للسلطة في دمشق. وأوضح لزميله لافروف أنّ الولايات المتحدة شكّلت تحالفًا دوليًا يضمّ قرابة 60 دولة، ولا يمكن لنظام الأسد أن يحظى إطلاقًا بثقة هذه الدول. ورحّب كيري بمشاركة روسيا في حلول بنّاءة من دون الاعتماد على الحلّ العسكري، والحلّ السياسي هو الوحيد والممكن للأزمة السورية من خلال تبادل السلطة وتسلّم حكومة جديدة للسلطات في دمشق.
وأشار رئيس معهد التقييم الاستراتيجي الروسي، ألكسندر كونوفاليف، إلى المخاطر التي قد تواجه روسيا لمخالفتها توجهات المجتمع الدولي بشأن الملف السوري، قد يرفع الرئيس الروسي من شعبيته الدولية إثر التدخل العسكري الروسي في ساحة القتال، والظهور بدور المخلّص في أوروبا والشرق الأوسط، حال حسم المعركة، لكنّها وجهة نظر خاطئة، وهناك إمكانية لمواجهة القوات الروسية الموجودة في سورية لقوات التحالف، وبالتالي رفع مستوى العنف والقتال وتأليب الجهاديين ضدّ التحالف الجديد بزعامة روسيا.
ويُذكر أنّ الأسد صرّح، في حوار مطوّل مع وكالة الأنباء الروسية ريا، أنّه على استعداد للتعاون مع أيّ طرف دولي بشأن مكافحة الإرهاب ومواجهة داعش، بما في ذلك تركيا والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية وقطر وفرنسا، على أن تغيّر هذه الدول مواقفها السياسية تجاه دمشق. وأردف قائلا إنّ هذه الدول تدعم المنظمات الإرهابية، ولا يمكن مكافحتها لمخاطر الإرهاب وحدها والحال كما ذكر. وأشاد بتعاونه الحثيث مع روسيا وإيران والعراق التي تواجه مخاطر الإرهاب أيضًا.
لم يتأخر الردّ التركي، وسرعان ما خاطب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، المجتمع الدولي بضرورة توحيد الجهود لإسقاط نظام الأسد الشمولي، واستبداله بنخبة تأخذ بالاعتبار إرادة الشعب السوري. كما أشار أردوغان إلى مبادرته التي رفضها التحالف الغربي لتأسيس منطقة عازلة على الحدود التركية السورية، لاستقبال اللاجئين وتقديم الدعم والمساعدة فوق أراضيهم من دون الهجرة واللجوء إلى أوروبا.
ومن المتوقع كذلك أن يقوم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بزيارة رسمية إلى موسكو، للوقوف على تفاصيل الدعم العسكري الروسي لدمشق، حيث تخشى إسرائيل من مخاطر تكديس أسلحة استراتيجية في سورية على المستوى البعيد.
ويذكر أنّ الولايات المتحدة الأميركية كشفت عن وجود طائرات سمتية روسية في مطار
” سوري، حسب تصريحات نقلتها “رويترز” عن مصادر عسكرية أميركية أكّدت وجود أربع طائرات ومقاتلات أخرى، من دون تحديد توقيت وصولها إلى المطار السوري المعني. وحسب تقديرات خبراء أميركيين، هناك قرابة 200 مقاتل روسي ودبابات ومدافع وغيرها من التقنيات القتالية في مطار عسكري قرب اللاذقية.
وحسب بيانات نشرها المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن روسيا تنشغل، حالياً، ببناء وتعبيد مدرج جديد في المطار الموجود قرب اللاذقية، لاستقبال طائرات عسكرية ضخمة، محمّلة بتمديدات وتجهيزات قتالية حديثة. ولا تسمح القوات الروسية بدخول أيّ مدني أو عسكري سوري إلى المنطقة. وأكّد المرصد هبوط طائرات عسكرية روسية محمّلة بمئات المستشارين والخبراء العسكريين في المطار المذكور. وترغب موسكو كذلك بتوسيع مطار الحميدية في جنوب محافظة طرطوس، والذي يستخدم عادة لرشّ المنتجات الزراعية بالمستحضرات الكيميائية، حسب تصريحات مدير المرصد السوري، رامي عبد الرحمن.
داعش وأزمة اللجوء:
وتراهن روسيا على المخاوف الأوروبية من مخاطر توسّع نفوذ داعش، وارتفاع موجات اللجوء إلى القارة الأوروبية عبر كل المنافذ الممكنة، كما تراهن على عامل الوقت الذي يعمل لصالح الأسد في الوقت الراهن، إذ تبدو روسيا في صورة المنقذ والعامل الحاسم للتخلّص العسكري من داعش. ومواجهة التنظيمات الإسلامية المتطرفة في الإقليم وتقديم الأولوية لنظام الأسد وتفضيله أمام داعش وغيره من التنظيمات الإسلامية، على الرغم من استمرار الأسد بتقتيل شعبه وتهديم المدن والقرى غير الخاضعة لإرادته، لكن سمانتا باور السفير الأميركي في الأمم المتحدة قالت إنّ اللعبة المزدوجة مع نظام الأسد استراتيجية خاسرة، وحذرت في تصريحاتها لوكالة CNN أنّه من غير الممكن أن يكون الأسد جزءاً من الحلّ، لأنّه يقتل شعبه، ويسمّمه بالغازات الكيميائية، ويقذف بالبراميل المتفجرة فوق رؤوس العباد، حتى وإن كان همّ الأسد وشاغله القضاء على داعش، لا يمكن لهذا النظام تحقيق السلام والنجاح في مواجهة الإرهاب والقضاء عليه.
وصرّح وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، أمام اللجنة البرلمانية للسياسة الخارجية أنّ الحكومة البريطانية قد توافق على التدخل الإيراني والروسي لحلّ الأزمة السورية، على أن يبقى الأسد في سدّة الحكم عدّة أشهر في المرحلة الانتقالية.
وخلاصة القول إن هناك إمكانية لمواجهة عسكرية بين التحالف الذي تترأسه روسيا والتحالف الدولي ضدّ تنظيم داعش في الإقليم في المنظور البعيد، ويرفض الغرب جملة وتفصيلا أن يكون الأسد جزءاً من الحلّ، باعتباره جزءاً من الأزمة، في وقت تصرّ فيه روسيا على إنقاذ نظام الأسد بشتّى الطرق الممكنة.
العربي الجديد
سورية بين العم سام والدب الروسي/ محمد أبو رمان
تلاشى الضباب الدبلوماسي الكثيف عن انعدام رؤية لأيّ أفق سياسي جديد في سورية، بعد أن ارتفع سقف التوقعات في الأشهر السابقة، بوجود تفاهمات أولية دولية وإقليمية حول الخطوط العامة للحل السياسي، ما ترافق مع كسر حواجز ملحوظة في هذا السياق، تمثّلت بتنشيط قناة الحوار السعودية- الروسية، وزيارة رئيس المخابرات السوري السابق، علي مملوك، السرية إلى السعودية.
لا يهدف الدعم الروسي العسكري الجديد المكثّف لبشار الأسد إلى تعزيز الجهود الدبلوماسية، بل يعكس فشلها، وفي الوقت نفسه، عملية جراحية سريعة لإنقاذ نظامه الذي بدأ يتهاوى عسكرياً بصورة متسارعة، وغير مسبوقة، وخسر في الأشهر القليلة الماضية وجوده في مساحات شاسعة، وتّوج ذلك بالهزائم المتتالية في محافظة إدلب، ووضع قواته المتبقية المحاصرة المهزوزة في كل من دير الزور ودرعا، فضلاً عن القلق الكبير اليوم على وضع دمشق.
إذاً الروس يسعون إلى الإبقاء على حليفهم، حتى لا يفقدوا أوراقهم كاملة في اللعبة السورية، وهم لذلك يخططون لإبقائه لاعباً في الساحة السورية، حتى لو على مساحة محدودة، وممثلاً لطوائف محدودة من الشعب، أو ما بات يطلق عليه في أوصاف النظام “سورية المفيدة” التي تربط بين دمشق وحمص ومساحة من غرب سورية، وصولاً إلى اللاذقية وطرطوس.
اليوم أكثر المتفائلين والمؤيدين للنظام السوري لم يعودوا يتوقعون، أو يأملون، الحسم العسكري لصالحه. لكن، في الوقت نفسه، تتمثل الرسالة الروسية السافرة الجديدة في أنّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لن يسمح بحسم عسكري للطرف الآخر، حتى لو أدى إلى ذلك إلى تورط عسكري روسي مباشر وكبير لدعم الأسد.
في المقابل، ماذا عن الموقف الأميركي؟ من الطريف أنّ تصريحات الجنرال الأميركي، لويد أوستن، أكبر المسؤولين العسكريين في الشرق الأوسط، أمام الكونغرس، جاءت متزامنة مع
“الجنرال الأمريكي لويد أوستن اعترف بأن من تبقى ممن دربتهم بلاده كمعارضة معتدلة، خمسة أو ستة فقط” التطور النوعي في الموقف الروسي، إذ اعترف أمام لجنة في الكونغرس بأنّ عدد من تبقى مما تسمى قوات المعارضة المعتدلة الذين دربهم الأميركيون، هم فقط خمسة أو ستة، بعدما قضت جبهة النصرة على الوجبة الأولى، 54 شخصاً، ولم يتبق إلاّ هذا العدد المحدود. وقد بدت تصريحات أوستن أشبه بالنكتة التي تعكس حجم التناقض في الموقف الأميركي، وغياب الاستراتيجية الفاعلة التي كان من الممكن أن تكون حاسمة في إنهاء نظام الأسد مبكّراً، لكنّها اليوم حاسمة في بقاء الأسد وحالة الفوضى الراهنة.
أبعد من ذلك، فإنّ أوباما، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، هو شريك حقيقي للروس وحلفاء الأسد، ويجمعهم هاجسان رئيسان كفيلان بإيجاد الأرضية المشتركة للتعاون التي يتحدث عنها الروس حالياً. الأول يتمثّل بسؤال اليوم التالي لسقوط نظام الأسد، الذي أصبح فزاعة يرفعها المسؤولون الغربيون والأميركيون دوماً في وجه المعارضة والدول العربية المعادية له. ويتمثل الهاجس الثاني في صعود الحركات الإسلامية السنية، وفي مقدمتها تنظيم داعش الذي تعتبر واشنطن قتاله أولوية لها اليوم، وضمنياً يمثّل العدو رقم 1 قبل الأسد.
على الرغم من ذلك، ما زال الرئيس أوباما وإدارته يتمسكان بالموقف المسبق المعلن بعدم قبول الأسد شريكاً في الحرب على الإرهاب، بوصفه السبب الأول والمباشر لصعود تنظيم داعش. لكن، عند هذا التقاطع تحديداً يبدو حجم التناقض في الاستراتيجية الأميركية تجاه سورية بدرجة أولى، والعراق بدرجة ثانية، إذ إنّ الإدارة الأميركية قبلت بالشراكة مع النظام السوري في الحرب على الإرهاب، عبر غياب الدعم الأميركي عن المعارضة المسلحة، وفشل الأميركيين في المشروعات المعلنة لتأطير معارضة معتدلة على مقاس الأجندة الأميركية، ومن ثم الاشتراك مع حلفاء الأسد في توجيه الضربات لتنظيم داعش، ومعه جبهة النصرة التي تنتمي إلى القاعدة، ورفض التعاون مع فصائل أخرى كبيرة، مثل أحرار الشام.
دفعت هذه الأجندة الأميركية المعقّدة في سورية محللين أميركيين إلى الاعتراف (بعد اعتراف الجنرال الأميركي أوستن، وزيادة الدور الروسي) بأنّ المسؤولين في واشنطن أنفسهم لا يدركون ما هي الاستراتيجية الأميركية في سورية، الأمر الذي سيزداد تعقيداً ومفارقاتٍ مع دفع الروس الإدارة الأميركية إلى ضرورة التنسيق معهم في سورية، على الأقل فنياً، لتفادي أي صدام بين القوتين الدوليتين هناك، خصوصاً في الغارات الجوية، في حال قرر الروس المشاركة فيها.
هل ثمّة فشل أميركي، إذاً، في سورية مقابل نجاح روسي؟.. من الصعب الحسم بهذه النتيجة، ذلك أنّ النتيجة الراهنة من تلاشي الحل الدبلوماسي ومزيد من الانخراط في الصراع المسلّح، قد ينظر إليه الأميركيون بأنّه مأزق نجوا منه، ولم يقعوا فيه، بينما يتورط الروس عسكرياً من غير أن يكونوا قادرين على الحسم العسكري، وهو التورط الذي يبدو حالياً محدوداً ومؤطراً، إلاّ أنّه قد يتطور، لاحقاً، ليجد الدب الروسي نفسه في وحلٍ شبيه بالوحل الأفغاني. لكن، في النهاية من الواضح أن السوريين من سيدفعون ثمن هذه المضاربات الدولية.
العربي الجديد
نَفَس جديد للحرب السورية/ محمد ابرهيم
سلسلة المواقف الروسية الاخيرة أكدت أن لا مكان للالتباس الذي كان سائداً قبل أسابيع حول بداية تفاهم أميركي – روسي على التمييز بين مستقبل النظام السوري ومستقبل الأسد شخصياً. والكلام الروسي عن أن مصير الرئيس يحدده الشعب السوري، معطوفاً على اعتبار الجيش السوري طليعة القتال ضد “داعش” واشباهه، يعني سحب قضية الرئيس من التداول وانتظار الجواب الغربي على العرض الروسي الواضح: تحالف دولي يشمل النظام السوري، ورأسه، ضد الارهاب أو استمرار الحرب السورية.
روسيا أكدت شحنات السلاح الجديدة للنظام، وهذا كشف عن أنها من نوعية متطورة، وبدأت ساحات المواجهة تشهد على فاعليتها. ومقابل النفي الروسي لتقارير التدخل المباشر في المعركة تولى وزير الخارجية السوري وليد المعلم الافصاح على أنه يمكن الاستعانة لاحقاً بقوات روسية اذا اقتضت ظروف المعركة ذلك. وتولى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التغطية الاستراتيجية للموقف الروسي بالاشارة الى أن معركة سوريا هي رأس جبل الجليد للمعركة مع الارهاب الاسلامي الممتد من أوروبا الى شرق آسيا، وبذلك تكون روسيا معنية مباشرة بنتائجه.
واذا أردنا تلخيص الموقف الروسي الجديد بكلمات قليلة يمكن القول انه منع سقوط النظام السوري، ورئيسه، أيا تكن ظروف توازن القوى بين التنظيمات المسلحة، التي يغلب عليها الطابع الاسلامي، وما بقي من الجيش السوري والميليشيات الملحقة به، مع الاقرار بأن ذلك يشمل فقط الساحل السوري، وما أمكن الاحتفاظ به من خط المدن الداخلية.
هذا الحسم الروسي يواجهه ارتباك ما يمكن تسميته التحالف الدولي – الاقليمي الذي يجمعه شعار اسقاط الأسد قبل إسقاط “داعش”. فقد تعرضت الخطة الاميركية لمواجهة “داعش” لانتكاسة كبيرة عندما كُشِفَ عن هزال عمليات التدريب الاميركي الجارية في تركيا للمعارضة المعتدلة في امتداد هزال نتائج الضربات الجوية للائتلاف الدولي ضد “داعش”. وتحولت الحرب السورية الى بند محوري في الانتخابات التركية القريبة، بحيث تنعكس أية انتكاسة جديدة لحزب أردوغان على الالتزام التركي بأولوية اسقاط النظام.
وفي مقابل الثقل الروسي المستجد في الحرب السورية تجد الدول الخليجية نفسها في مواجهة استنزاف الحرب المكشوفة في اليمن في ظل صعوبات مالية كبيرة ناجمة عن انهيار اسعار النفط. هذا اضافة الى ان مواجهة التحدي الروسية في سوريا تطرح مشكلة القوى الجاهزة لاستقبال أي تطوير نوعي في المساعدات الخليجية وتأثير ذلك على صدقية شعار مكافحة الإرهاب.
نَفَس جديد تكتسبه الحرب السورية من واقع ان شعار مكافحة الإرهاب يخفي تحته خلافات كبرى حول مستقبل المنطقة. ومقابل الدعوة الروسية الصريحة لابقاء القديم على قدمه يتهرب المعسكر المقابل من الجواب، حقيقة، على سؤال أية سوريا يريد؟
النهار
روسيا تقلب الموازين في سوريا والمنطقة/ مصطفى اللباد
قلبت روسيا الموازين السورية والإقليمية بوجودها العسكري المعلن والمتزايد على الساحل السوري، بعدما جعلت التوازنات الإقليمية السائدة في الشهور الأخيرة هباءً منثوراً. أغلق الوجود العسكري الروسي في سوريا فصلاً مهماً امتد في المنطقة خلال العقد المنصرم، مفاده استئثار القوى الإقليمية بالصراعات وإدارتها بعدما فُتح الباب أمام عودة البعد الدولي لهذه الصراعات. من الآن فصاعداً، لم تعد الصراعات المحلية في ساحات الصراعات بالمنطقة حكراً على القوى الإقليمية الثلاث إيران والسعودية وتركيا، حيث يترسخ البعد الدولي للصراعات المحلية بصورة أكثر كثافة، وهي نتيجة سياسية عميقة تفيض على حدود الجغرافيا السورية والصراعات فيها وعليها.
التدخل الروسي في سياقه الزمني
كان ملاحظاً أن النجاحات العسكرية التي حققتها المعارضة السورية خلال الشهور الممتدة من ربيع العام وحتى الصيف الماضي تهدد جدياً بقاء النظام السوري. بالتزامن مع ذلك، أغلقت أميركا والسعودية أفق الحل السياسي المفضل روسياً عبر تأسيس «حكومة انتقالية» في سوريا يلعب فيها بشار الأسد دوراً مهماً، حيث طالبت السعودية باستبعاد الأسد من أي تسوية سياسية. ثم تطورت الأمور باتجاه الاتفاق الأميركي ـ التركي في تموز من هذا العام، والذي سمح لأميركا باستخدام «قاعدة إنجيرليك» لمقاتلة تنظيم «داعش»، وهو تطور نوعي لافت. وبدت موسكو غير واثقة من أن استخدام القوات الأميركية لهذه القاعدة سيخصص حصرياً لمقاتلة تنظيم «داعش»، وإنما قد يمتد إلى تكرار السابقة الليبية في سوريا وانفلاش التنظيمات الإرهابية عبر الحدود. كما أن القرب الروسي الجغرافي من المشرق العربي، والانخراط المعلن لفصائل جهادية متحدرة من الشيشان وجمهوريات آسيا الوسطى السوفياتية سابقاً في التنظيمات الإرهابية المقاتلة على الأرض السورية، يشكل تهديداً مباشراً لروسيا عند ارتداده إلى الأراضي الروسية. هنا تختلف الحسابات الروسية عن مثيلاتها الأميركية في تقييمها لخطر «داعش» وأخواتها، على الأقل لاعتبارات القرب الجغرافي، حيث تستدعي مباشرة البعد الدولي للصراع في سوريا. يضاف إلى ذلك خشية بوتين من قدرة تركيا والسعودية ودول الخليج وخصوم النظام السوري مجتمعين على إقناع الرئيس الأميركي باتخاذ سياسة أكثر تشدداً حيال النظام السوري، خصوصاً مع فشل السياسات الأميركية الواضح حيال سوريا منذ العام 2011 حتى الآن.
من ناحية أخرى، ومع توقيع الاتفاق النووي بين إيران والغرب، فقد ارتابت موسكو من أن أميركا ربما تكون أقرب إلى تسهيل إسقاط النظام السوري لمعادلة النفوذ الايراني في المنطقة. ولعل لقاء الملك السعودي سلمان والرئيس الأميركي أوباما في البيت الأبيض والتصريحات الثنائية بخصوص سوريا قد قرع أجراس الإنذار مدوية في الكرملين. وبرغم امتناع أوباما عن التورط العسكري المباشر ضد النظام السوري حتى الآن بما أفقده صدقيته وهزّ صورته بوضوح، إلا أن بوتين ربما شعر بعدم وجود ضمانات كافية لاستمرار ذلك الامتناع في الفترة المقبلة. ومع تحليق الطيران الروسي في الأجواء السورية، يستبعد بوتين بخطوته الأخيرة وفوراً إمكانية توجيه ضربات جوية أميركية للنظام السوري من قائمة الاحتمالات الممكنة. وبرغم فوائد التسلسل الزمني للأحداث في تسليط الضوء على التطورات السورية، إلا أن قدراته التفسيرية تظل غير كافية مع ذلك.
الاستراتيجية الروسية الأوسع
يمكن تلخيص سياسات بوتين منذ توليه مقاليد الحكم في روسيا بمسألتين أساسيتين: الأولى داخلية ومفادها تأمين السيادة الكاملة لروسيا على أمورها الداخلية، عبر تحييد التأثير الخارجي على سياسة روسيا الداخلية وحشد الشعب الروسي وراء الفكرة الوطنية. أما المسألة الثانية فهي الحفاظ على حرية حركة على المسرح الدولي تسمح لروسيا بالحفاظ على مصالحها وراء البحار عموماً، وفي جوارها الجغرافي المباشر خصوصاً.
ويعني ذلك أن تتحدى روسيا النظام الدولي أحادي القطبية، عبر خلق موانع جيو ـ سياسية في مناطق جغرافية مختلفة لموازنة الضغوط الأميركية عليها في جوارها الجغرافي المباشر. وفي حين اضطرت روسيا في بداية التسعينيات من القرن الماضي إلى الانكفاء داخل حدودها، بعد تفكك الاتحاد السوفياتي السابق، فقد عادت وتماسكت اقتصادياً بمرور الأعوام. حينها عمدت روسيا إلى إيجاد موطئ قدم لها في الصراعات الدائرة بالمناطق الجغرافية المحيطة بها، والتي تشكل أولوية أمنها القومي.
حدث ذلك في أوسيتيا الجنوبية وفي أبخازيا قبل سبع سنوات، ثم عاد وتكرر في شبه جزيرة القرم. ضمت روسيا شبه جزيرة القرم إليها، حيث يؤمن ذلك الضم «قاعدة سيفاستوبول» – مطل روسيا الوحيد على المياه الدافئة في البحر الأسود ـ ما يمكن روسيا لوجستياً من الوصول لاحقاً إلى البحر الأبيض المتوسط والمياه الدافئة. ثم عاد التوتر مع أوكرانيا ليتصاعد مع إعلان جمهوريتي «دونتسك الشعبية» و «لوهانسك الشعبية» في شرق أوكرانيا المواليتين لموسكو والمتمتعتين بمظلتها.
وتأتي شرق أوكرانيا في مقدم الأولويات الروسية، ومرد ذلك أن تمكّن النفوذ الغربي من أوكرانيا سيشكل تهديداً لبطن روسيا الرخوة من الجنوب الغربي. كما أن روسيا تنظر إلى شرق أوكرانيا باعتباره المخزن الأرثوذكسي الممتاز لمواجهة الزيادة السكانية الكبيرة للمسلمين داخل الاتحاد الروسي، وهو اعتبار مفصلي في الحسابات الروسية الداخلية. وفوق ذلك الاعتبار المهم يعطي وجود الانفصاليين في شرق أوكرانيا روسيا أداة ممتازة لمقارعة الغرب ومواجهة عقوباته الاقتصادية وضغوطه السياسية، عبر تسعير المواجهات في أوكرانيا بحسب الحاجة والمقتضى. في هذا السياق الأوسع يمكن رؤية الوجود العسكري الروسي المتزايد في سوريا ودعم القوات الموالية للنظام هناك، خصوصاً في مدن الساحل السوري. والمؤشرات الراهنة تدل على بقاء طويل لا عابر، لأن حجم ونوعية العتاد الروسي في اللاذقية وقابليته للتوسع كيفياً ونوعياً تتجاوز بكثير مهمة محاربة الإرهاب المعلنة. ومن شأن التحصن والتمكن من اللاذقية وطرطوس على الساحل السوري أن يؤمن لروسيا إطلالة ممتازة على شرق البحر الأبيض المتوسط، وموقعاً لا يبارى في التأثير على موازين القوى بالمشرق العربي والمنطقة.
في المقابل يبدو الثمن/المخاطرة السياسية مقبولاً، حيث تابعت موسكو على مدار السنوات الماضية السياسة الأميركية الضعيفة حيال سوريا، وتعرف أن إدارة أوباما ليست في وارد التصعيد المقابل في سوريا. وتدل السوابق التاريخية في جورجيا والقرم وأوكرانيا على أن روسيا فرضت إرادتها العسكرية في ساحات المواجهة بالوكالة مع أميركا، وأن الثمن كان عقوبات اقتصادية لا ترقى في شدتها إلى المكاسب الجيو ـ سياسية التي أحرزتها موسكو.
تكتيكات روسيا السورية
تعرف روسيا أن أي مفاوضات للحل النهائي في سوريا عرضة للفشل، لأن ذلك يتطلب موافقة جميع الفصائل المتحاربة ومن ورائها القوى الإقليمية الداعمة لها، وهو أمر غير مؤكد الحدوث. تحتاج موسكو إلى مناطق اهتمام مشترك مع واشنطن لخوض حوار معها حول جوارها الجغرافي من موقع الند والمقايض. في المقابل، تحتاج واشنطن إلى روسيا وإيران والقوات الموالية للنظام للوصول إلى حل سياسي تفاوضي في سوريا. وكلما اعتمدت واشنطن على موسكو لتسهيل الحل التفاوضي، تقدمت روسيا أكثر نحو تغليب منطقها الجيو ـ سياسي، وامتلكت ورقة مقايضة ممتازة في مواجهة الغرب وتدخلاته في فناء روسيا الخلفي. لذلك، فإن وجود روسيا المستجد في سوريا، بهذا الاتساع، يوفر الأرضية المناسبة للتفاوض حول سوريا مع واشنطن، ويمكّن موسكو من حفظ وجود مستدام في شرق المتوسط والمشرق العربي حال فشل المفاوضات مع واشنطن على الملف السوري وعبره إلى باقي الملفات المهمة لروسيا. على الأغلب، سيكون النظام السوري مرتاحاً أكثر عند الدخول في مفاوضات سياسية الآن بعد التدخل الروسي، لأنه سيضمن استمرار سيطرته على مناطقه المفضلة أو ما يعرف باسم «سوريا المفيدة»، وهي المناطق الممتدة من الساحل الى دمشق عبر حمص وحماة والتي تؤيدها كل من روسيا وايران.
على المدى المنظور، منعت الخطوة الروسية سقوط بشار الأسد الآن، وهي نتيجة كانت ستشكل خسارة سياسية كبرى لروسيا بعد كل الدعم والمساندة التي قدمتها للنظام خلال السنوات الماضية. أما على المدى المتوسط، فإن الحضور الروسي على الساحل السوري يعزز المركز التفاوضي لموسكو حيال واشنطن في ملفات المقايضة المختلفة، ضمن مفاوضات الوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية، وهو المنطق الأساسي الذي تعتمده موسكو في مقارعة النفوذ الأميركي في جوارها الجغرافي المباشر. وفي النهاية، وعلى المدى البعيد، يرسخ الوجود الروسي على الساحل السوري مع استمرار غياب أفق الحل السياسي فكرتين لا رابط مباشر بينهما: «سوريا المفيدة» مع مخاطرها التقسيمية الكبرى على البلاد، وتصاعد التوتر الروسي ـ الأميركي عالمياً وانعكاساته السلبية على بؤر الصراع المختلفة بينهما.
وفقاً لمنطق إدارة الصراعات الجيو ـ سياسية بين واشنطن وموسكو بالوكالة حول العالم، ربما تكون الخطوة الروسية مقدمة لحل سياسي في سوريا، لكن ضمن إطار ترسيخ البعد الدولي للصراعات المحلية وإنهاء احتكار القوى الإقليمية لإدارتها.
السفير
لا تثقوا ببوتين في سوريا/ أندرو فوكسال
في 4 سبتمبر (أيلول)، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده تمد دمشق بمساعدات عسكرية في مواجهة «داعش» – الدعم الذي جرى تعزيزه مؤخرًا. كما دعا لتشكيل «صورة ما من تحالف دولي لمحاربة الإرهاب والتطرف». ويأتي هذا متماشيًا مع سياسة موسكو حيال سوريا، والتي تميزت بالاتساق منذ عام 2010، وتقوم على إعاقة أي خطوة مدعومة أميركيًا لإسقاط الأسد، والعمل بدلا من ذلك على إجبار الغرب على إقرار وجوده كشريك.
ورغم أن الغرب فرض حالة من العزلة ضد روسيا بسبب تصرفاتها، فإنها تطرح نفسها حاليًا كمخلص غير متوقع – وشريك لا غنى عنه في إطار الجهود الغربية ضد التطرف.
ومع ذلك، عادت الشكوك في أن موسكو تستغل الإرهاب لتحقيق مصالحها للظهور على السطح. في يوليو (تموز)، ذكرت «نوفايا غازيتا»، إحدى الصحف القليلة المستقلة المتبقية داخل روسيا، أن مكتب الأمن الفيدرالي الروسي عمد إلى السيطرة على تدفق المتشددين من شمال القوقاز إلى سوريا، حيث انضم الكثيرون منهم إلى «داعش». وخلص التحقيق الذي عرضته الصحيفة إلى أن المكتب أسس «ممرا آمنا» يسمح للراديكاليين المتشددين بالانتقال عبر تركيا، وذلك لأن موسكو تفضل أن يقاتل هؤلاء المتشددون في سوريا بدلا من روسيا.
بطبيعة الحال، لا تتناسب هذه السياسة مع زعم موسكو قيادتها الجهود الدولية ضد الإرهاب. من جانبه، قال الرئيس أوباما إنه شعر بـ«التشجيع» من مكالمة تلقاها من بوتين لمناقشة الأوضاع في سوريا، وإن هذا «يطرح أمامنا فرصة لإجراء حوار جاد». في الواقع، لا ينبغي أن يخدع أوباما بمثل هذه المكالمة.
وتبدو سياسة بوتين الكبرى حيال سوريا – التي يروج لها وزير خارجيته سيرغي لافروف – واضحة: أن الدول الغربية والعربية، التي تمثل التحالف الحالي ضد «داعش»، ينبغي أن تتعاون مع الأسد، بجانب القوات الكردية والعراقية. وربما تنضم إيران و«حزب الله» وروسيا لهذا التحالف. وترى موسكو ضرورة أن يحصل مثل هذا التحالف على تفويض رسمي من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وأن ينزل بعد ذلك الهزيمة بحركة التمرد المتشددة.
ومن المفترض أن تفرض روسيا بعد ذلك الأسد على طاولة المفاوضات، وتتولى الإشراف على فترة انتقال سياسي تحافظ على نظامه. من جهته، ينوي بوتين إلقاء خطاب أمام الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة حول هذه الخطة في وقت لاحق من هذا الشهر.
في خضم جهوده للترويج للتقارب بين روسيا والغرب في ما يخص التعامل مع «داعش»، يأمل بوتين إعادة تأهيل صورته، مثلما فعل بعد هجمات 11 سبتمبر. آنذاك، نجح بوتين في إقناع الغرب بأن التهديد الذي يواجهه داخل أفغانستان ومناطق أخرى هو ذاته ما تواجهه روسيا في الشيشان. وعبر القيام بذلك، نجح الرئيس الروسي في التخفيف من حدة الانتقادات الغربية الموجهة للوحشية الروسية في الشيشان.
ورأى الكرملين في حماس الغرب تجاه التعاون مؤشر ضعف. وقد دفع ذلك بوتين نحو الاعتقاد بأن بمقدوره التصرف كيفما يحلو له داخل روسيا، والإفلات بذلك. ولا يزال هذا الاعتقاد قائمًا – لكنه لم يعد مقتصرًا على روسيا.
حال إقرار تقارب جديد حول سوريا، سيصبح من السهل نسيان أوكرانيا. وينطوي ذلك على مخاطرة تقويض العقوبات التي يفرضها الغرب على صلة بأوكرانيا، وإمداد بوتين باعتراف ضمني بضم روسيا للقرم وهيمنة موسكو على شرق أوكرانيا.
وبذلك يكون بوتين قد انتصر على النظام العالمي الذي فرضه الغرب بعد نهاية الحرب الباردة. وسينظر أعداء أميركا، من الصين إلى إيران، إلى هذا التطور باعتباره دعوة لإعادة تعريف علاقاتهم مع واشنطن.
لذا، ينبغي على الغرب دراسة جميع الخيارات المتعلقة بسوريا – بما في ذلك تشكيل ائتلاف دولي مع روسيا ضد «داعش». إلا أنه حال اختيار هذا المسار، يجب أن يشك الغرب في إمكانية الثقة في بوتين، وفي المعلومات الاستخباراتية التي تقدمها روسيا، وفي إمكانية تقديم الكرملين العون في التفاوض بخصوص إقرار تسوية دبلوماسية داخل سوريا يمكن للغرب وحلفاؤه العرب تأييدها.
لقد كشفت جورجيا وأوكرانيا ما يحدث عندما لا يتصدى الغرب لدبلوماسية روسيا القمعية. لا يجب أن نترك بوتين يملي علينا شروط التعاون، لأن السماح بذلك ينطوي على مخاطرة تكرار أخطاء الماضي.
* خدمة «نيويورك تايمز»
الشرق الأوسط
هل «الأفغنة» سيناريو واقعي لسوريا؟/ عريب الرنتاوي
ما أن انتشرت أنباء الحشد العسكري الروسي في سوريا، حتى تطايرت التحليلات المحذرة من ولوج سوريا طريق «الأفغنة»…. خصوم روسيا بالذات، سارعوا للتبشير بسقوط الكرملين في مستنقع سوريا الذي لا شفاء منه، مذكرين بسقوط الاتحاد السوفياتي السابق وتفككه، في أوحال أفغانستان وكهوفها.
هل «الأفغنة» سيناريو واقعي لسوريا؟
ظاهريا، تبدو المقارنة مغرية للباحثين والمحللين، فثمة قاسم مشترك بين التجربتين: «المجاهدون» في أفغانستان، ووريثتهم الشرعية غير الوحيدة، «داعش» في سوريا … مع ترجيح لكفة هذا الاحتمال، في ضوء نجاح «داعش» في حشد القوى وفرض السيطرة على الأرض، بما لم يتح للقاعدة والقوى المشكلة لها تحقيقه من قبل.
لكن هذه القراءة الظاهرية، تخفي قصوراً في الولوج إلى عمق المسألة … بين التجربتين مسافة من الزمن تمتد لأزيد من ربع قرن، وضعت خلالها الحرب الباردة أوزارها، وتغيرت قواعد اللعبة والعلاقات الدولية تغيراً جذرياً … في أفغانستان استبطنت المواجهات الروسية – الجهادية، حرباً بالوكالة بين موسكو وواشنطن، وخلف كل من العاصمتين، وقف محور دولي وإقليمي وازن، وحلف عسكري ضارب: الناتو ووارسو…
أما في سوريا، فقد تتوفر لأول مرة منذ الحرب على النازية، الفرصة لمشاهدة قوات أمريكية – روسية، تقاتل من الخندق ذاته، عدواً مشتركاً … النازية وحدت الجيش الأحمر بقوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، و«داعش» توفر فرصة لورثة الجيش الأحمر للقتال إلى جانب قوات التحالف بزعامة الأطلسي في الحرب الكونية على الإرهاب … المشهد مغاير تماماً.
في أفغانستان، وقفت غالبية دول الإقليم والعالم إلى جانب «المجاهدين» ضد «الخطر الشيوعي»، تجندت أجهزة مخابرات دول عربية وإسلامية كبرى، وعواصم دولية وازنة، لتجنيد «المجاهدين» ونقلهم وتدريبهم وتسليحهم وتمويلهم … اليوم، تقف غالبية دول الإقليم، في صف واحد ضد «الخطر الجهادي»، بوصفها تهديداً لأمن الإقليم والعالم.
فيما الدعوات لا تتوقف عن تقطيع أوصال «داعش» وتجفيف منابعها ومواردها، وتنخرط باستمرار دول وجماعات في الحرب على الإرهاب… وكثير من الأطراف العربية والإسلامية التي ناصبت «السوفييت» العداء في تلك الأزمنة، تبدو اليوم، على صلة وثيقة بالروس، من القاهرة إلى الرياض مروراً بعمان وأبو ظبي وغيرها.
استقطابات الحرب الباردة وتحالفاتها، لم تكن تسمح بتوصل الفرقاء إلى حلول سياسية وسطية أو توافقية … كانت الحرب في أفغانستان بمثابة معركة «كسر عظم» بين معسكرين … في سوريا، لا تكف الأطراف الدولية الكبرى وكثير من العواصم الإقليمية الفاعلة، عن التبشير بضرورة السير على مسارين متلازمين: الحرب على «داعش» والبحث عن حل سياسي للأزمة السورية.
وثمة إرهاصات شديدة الدلالة، على عمق التحوّل في مواقف وأولويات الاتحاد الأوروبي تحت ضغط طوفان الهجرة واللجوء من جهة وتفاقم خطر الإرهاب من جهة ثانية، فضلاً عن السياسة الأمريكية الآخذة بالتبدل بتسارع ملحوظ، ودائماً بالاقتراب من الرؤية والمقاربة الروسيتين، وليس بالابتعاد عنها أو الصراع معها.
ثمة بعد آخر لا يجب إغفاله بحال، ونحن ننظر في احتمالات انزلاق سوريا في «سيناريو الأفغنة»، وبالتالي تورط روسيا في دهاليزها وأوكارها، وأعني به، «العامل الإيراني»، ذلك أن عدداً من العواصم العربية والإقليمية، تنظر بارتياح، أو على الأقل، بقدر قليل من القلق، إلى «التورط الروسي» في سوريا، بوصفه أداة لإضعاف الدور الإيراني فيها.
الرياض على سبيل المثال، تفضل استئثارا روسيا بسوريا، يكون بديلا عن ارتهان دمشق للسياسات والمصالح والحسابات الإيرانية، حتى بوجود خلاف سعودي روسي حول مستقبل الأسد، أو دور الأسد في مستقبل سوريا.
إسرائيل بدورها، تفضل من وجهة نظر نظرية الأمن القومي، توسيع النفوذ الروسي على حساب النفوذ الإيراني في سوريا، فهي هنا على الأقل، ستكون مطمئنة إلى أن موسكو لن تندفع في تسليح وتدريب حزب الله وحماس أو أية فصائل وأحزاب مندرجة في إطار ما بات يعرف بـ «معسكر المقاومة والممانعة».
معنى ذلك، أنه في ظل تراجع فرص الحسم العسكري للأزمة السورية، ومع تنامي خطر «داعش» وتهديد الإرهاب المستوطن والمنبعث من سوريا، وفي ضوء طوفان الهجرة واللجوء، فإن كثيرا من عواصم الإقليم (الرياض، تل أبيب، أبو ظبي، عمان) وغيرها، لن تجد مشكلة في القبول أو التكيف مع «التورط الروسي» في الأزمة السورية، طالما أنه سيضعف تلقائياً، نفوذ إيران وتأثيرها في تقرير مستقبل سوريا.
ولهذه الأسباب مجتمعة بالذات، سيكون من الصعب ترجيح «السيناريو الأفغاني» لمستقبل سوريا، أو لمستقبل الدور الروسي فيها … وأغلب ما يكتب ويقال في هذا الصدد، يصدر إما عن تعجّل واستخفاف أو ربما عن «تفكير رغائبي» لأصحابه، ممن ما زالوا يراهنون على خيارات الحسم العسكري والتدخل الدولي لإسقاط النظام وتنحية الأسد.
رفع مستوى الدعم العسكري الروسي أم بداية غزو سوريا؟/ عمر كوش
التدخل الروسي
التدخل في سوريا
أهداف وحيثيات التدخل
القلق الأميركي
يثير رفع مستوى الدعم العسكري الروسي للنظام السوري، ووصوله إلى درجة الوجود المباشر على الأراضي السورية، أسئلة حول التوقيت، وحول حيثيات وأسباب وأهداف وجود جنود وخبراء روس، باتوا يتحكمون بمطارات وأماكن عسكرية، فضلاً عن قيادة طيارين روس لطائرات حديثة، تقصف مواقع الثوار والفصائل العسكرية المعارضة، والحاضنة الشعبية لهم.
التدخل الروسي
لا شك أن روسيا البوتينية (نسبة للرئيس فلاديمير بوتين)، عبر تدخلها في جورجيا عام 2008 واقتطاع إقليمين منها (أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا)، وفي أوكرانيا عام 2014، وفي سوريا منذ بداية الأزمة إلى اليوم، تطمح إلى لعب دور الدولة العظمى، التدخلية، ذات الأذرع الطويلة، والنفوذ الواسع، كما تطمح لأن تمسك بخيوط جميع الملفات الساخنة، فيما يكشف واقع الحال أنها ليست أهلاً لمثل هذه التحديات، ولا تملك ممكنات ومؤهلات القيام بمثل تلك الأدوار، على مختلف المستويات، الاقتصادية والعسكرية والسياسية والثقافية، كونها أقرب إلى دولة ريعية، يعتمد اقتصادها، بشكل أساسي، على ما تجنيه من بيع النفط والغاز والأسلحة.
وقد تأثر الاقتصاد الروسي كثيراً في الآونة الأخيرة، مع هبوط أسعار النفط، وتراجع قيمة الروبل (الدولار الأميركي يعادل 68 روبلا)، حيث ارتفعت معدلات التضخم بالعشرات، مع ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية إلى حد 30%. وشهدت روسيا هجرة كبيرة لرؤوس الأموال، وصلت قيمتها إلى مئتي مليار دولار.
وبالرغم من الصعوبات الاقتصادية، التي تواجهها روسيا، فإنها مازالت تحافظ على تدخلاتها العسكرية، من خلال الحفاظ على وجودها العسكري الواسع في الجمهوريات السوفياتية السابقة.
وتنشر روسيا أكثر من تسعة آلاف جندي في شرق أوكرانيا حيث يتواجه الجيش النظامي الأوكراني مع انفصالين موالين لروسيا، حسبما أعلن ذلك الرئيس الأوكراني “بترو بوروشنكو” في المنتدى الاقتصادي العالمي الماضي، الذي عقد في دافوس (سويسرا)، إضافة إلى أكثر من خمسمئة دبابة وقطع مدفعية ثقيلة وآليات لنقل الجند.
ويورد تقرير لمجلة “نيوزويك”، في ديسمبر/كانون الأول 2014، أن عدد القوات المرابطة في أرمينيا يبلغ 3200 جندي روسي، وفي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية سبعة آلاف جندي، وفي ترانسنيستريا 1500، وفي قيرغيزستان خمسمئة جندي، وفي طاجيكستان خمسة آلاف جندي.
وأرسلت روسيا أكثر من عشرين ألف جندي، عند احتلالها شبه جزيرة القرم، حسبما صرح الرئيس الروسي، معتبراً أن هذا العدد تجيز نشره معاهدة مع أوكرانيا في القاعدة البحرية الروسية في سيباستوبول.
أما عدد عناصر القوات المسلحة الروسية يتراوح بين سبعمئة وثمانمئة ألف عنصر، فيما لا يزال الجيش الروسي يعتمد على المجندين، في حين أن عدد العاملين (المتطوعين) فيه يبلغ حوالي ثلاثمئة ألف عنصر.
التدخل في سوريا
يتسق التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، مع نمط النهج الانتقامي، الذي سلكه الرئيس بوتين حيال الثورة السورية، منذ انطلاقتها في منتصف مارس/آذار 2011، وحيال أغلب القضايا الدولية التي طرأت في السنوات الأخيرة على الصعيد العالمي.
ولم يخف بوتين طموحه حول استعادة مجد روسيا الغابر، واعتبر أنصاره أنه أوفى بوعده في جورجيا، وفي شبه جزيرة القرم، وأوكرانيا، وسوريا، من خلال الاعتماد على لغة القوة في تنفيذ ذلك الطموح الإمبراطوري، المعادي لطموحات الشعوب، والمحاكي لماضٍ روسي في غزو أفغانستان عام 1979، وفي حرب الشيشان الأولى (1994-1996)، وحرب الشيشان الثانية (1999-2000) وسواها.
ويثير رفع مستوى الدعم العسكري الروسي لنظام الأسد، في أيامنا هذه، مخاوف من تحوله إلى تدخل عسكري مباشر، أو غزو روسي جديد، ويحاكي هذا التدخل الروسي، التدخل الإيراني في سوريا، حيث دفعت إيران إلى سوريا بعشرات آلاف المقاتلين من خبراء وعناصر في الحرس الثوري الإيراني، والمليشيات الطائفية، مثل حزب الله اللبناني، والمليشيات العراقية والأفغانية وسواها.
وازداد الوجود العسكري الروسي بشكل نوعي وكمي، خلال الأيام الماضية, حيث يقدر المحللون العسكريون أن أكثر من ألف جندي روسي دخلوا إلى سوريا، عبر ميناء طرطوس، الذي توجد فيه القاعدة العسكرية الروسية، وتوزعوا على محافظات اللاذقية وحماة وإدلب، كما دخل أيضاً مئات الخبراء والطيارين الروس، الذين بدؤوا بإعادة تأهيل، وإدارة مطار “حميميم” العسكري، الواقع بالقرب من مدينة اللاذقية، بشكل كامل.
وأرسلت روسيا إلى سوريا عتاداً عسكرياً متطوراً، شمل ست طائرات مقاتلة من طراز ميغ -31، وقاذفات قنابل من طراز “سوخوي 27″، وسوخوي 34 – SU” حديثة جداً، ويقودها جميعاً طيارون روس، إلى جانب مئات المدرعات وناقلات الجند الحديثة أيضاً، وقد رصدت الفصائل المقاتلة والثوار، تحليق طائرات الميغ والسوخوي، فوق عدة مناطق في إدلب وريف حماة، وقامت بغارات على بعض المواقع خلال الأسبوع الماضي.
أهداف وحيثيات التدخل
لا شك في أن الهدف الأساس لـ موسكو من رفع مستوى الدعم العسكري هو منع تهاوي نظام الأسد، وإسناد ودعم قواته والمليشيات التي تقاتل دفاعاً عنه، التي تلقت هزائم عديدة، وآخرها فقدان السيطرة على مطار أبو الظهور، وبالتالي تمكينه على الأقل من الحفاظ على ما تبقى من المناطق تحت سيطرته.
ويأتي هذا الدعم العسكري النوعي لنظام الأسد، بعد محاولات الدبلوماسية الروسية تسويق حلّ سياسي، يبقي على الأسد، ويشرك المعارضة والأسد في قتال التنظيمات المتطرفة، ضمن تحالف رباعي إقليمي، يجمع النظام السوري مع العربية السعودية وتركيا والأردن، والهدف من ذلك تسويق الأسد، وتلميع صورته، وإعادة الشرعية الدولية إليه من باب محاربة “الإرهاب”.
وأظهرت حيثيات التحرك الروسي الدبلوماسي، الذي نشط مؤخراً، أنها مبينة على فهم، يعتبر أن عناصر الحل أو التسوية التي تسعى إليها موسكو، ترى في الأسد رجلها الأوحد، وتنهض على أفكار نظرية، على طريقة الخبراء الروس في الشرق الأوسط، التي تنمذج دول المنطقة في قالب شرقي، أو بالأحرى استشراقي، مبني على تصور ثابت لطبيعة نظام الحكم، وشكل الدولة، وسوى ذلك. وهو نموذج أقرب إلى النموذج السوفياتي المندثر، والمفصول عن الواقع ومستجداته.
وجاء التدخل الروسي العسكري في سوريا كردة فعل كيدي على فشل المسعى السياسي الروسي، وعدم قبوله من قبل قوى المعارضة السورية والفصائل المعارضة، إلى جانب رفض المملكة العربية السعودية وتركيا وسواها لمنطلقات وتصورات الحل الروسي.
غير أن الهدف الأعمق للتدخل الروسي في سوريا، ليس محاربة “الإرهاب” كما يحاول الساسة الروس قوله للعالم، بل إنهم يريدون أن يتخذوا الأزمة السورية مثلاً لإظهار مدى قوتهم وتأثيرهم في الأزمات الدولية، بعد أن أعلنوا عودة اللاعب الروسي من جديد إلى مسرح الشرق الأوسط، خصوصاً بعد الثورة الليبية، التي أحسوا من خلالها أن الغرب أبعدهم وتجاهلهم، ويريدون من الدول الغربية أن تحسب حسابهم وتشركهم في حّل القضايا والأزمات الدولية.
لكن، هنالك فرق شاسع ما بين أن تعود روسيا دولة قويّة، كي تؤكد حضورها في منطقة الشرق الأوسط، بحيث لا تتجاهل مصالحها الولايات المتحدة الأميركية ومعها دول الاتحاد الأوروبي، وبين أن تكون روسيا المعرقل لأي حلّ سياسي في أزمة دولية، مثل الأزمة السورية.
ويبدو أن الساسة الروس يهدفون إلى إعطاء تمركزهم في المنطقة العربية بعداً إستراتيجياً جديداً، يطل على المياه الدافئة للبحر الأبيض المتوسط، وقد تتحول اللاذقية إلى سيباستوبول (مدينة أوكرانية توجد بها القاعدة البحرية الروسية منذ القياصرة)، خاصة أن قوات النظام السوري فقدت كامل محافظة إدلب تقريباً، بحيث أصبح ميناء اللاذقية يواجه خطر المعارضة، ما يعني خسارة القاعدة الروسية في طرطوس أيضاً، لذلك ليس مصادفة أن تكون ذراع التدخل الروسي هي ذراع بحرية في سوريا، امتدت حتى مطار حميميم القريب من اللاذقية.
القلق الأميركي
لا شك في أن التدخل الروسي المتزايد في سوريا، والذي وصل إلى حدّ إنزال أعداد كبيرة من الجنود والمستشارين الروس، كان من المفترض به أن يلقى ردّ فعل قوي من طرف الإدارة الأميركية، بوصفها إدارة الدولة العظمى في العالم، لذلك استغرب العديد من المراقبين ردة فعل الإدارة الأميركية، التي لم تبد سوى قلقها حيال التدخل العسكري الروسي في سوريا، بل إن بعضهم يذهب إلى القول إن الأمر تمّ بالتنسيق ما بين واشنطن وموسكو، خاصة أن إدارة الرئيس، باراك أوباما، لم تبذل جهداً حقيقياً لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، بالرغم من أنها تنادي به على الدوام، كما أنها لم تقدم ما يكفي لمساعدة مقاتلي المعارضة السورية والشعب السوري.
ولعل الساسة الروس يريدون إرسال رسالة للإدارة الأميركية، مفادها أن أي عملية تسوية دولية مقبلة، لا يمكنها أن تنجح دون ضمان حصة كبرى لهم فيها، بعد أن اكتشفوا تردد وتخلي إدارة أوباما عن تقديم دعم حقيقي للمعارضة السورية، مع بداية قبولها لبقاء الأسد، مقابل أولوية الحرب على تنظيم الدولة، ولعل ما هو مبطن أيضاً هو عدم رغبة موسكو أن تترك الكعكة السورية كلها لنظام الملالي في إيران، وعلى هذا الأساس حرص ساسة موسكو على الاجتماع ليس فقط بمسؤولين غربيين وعرب وسوريين، بل بقاسم سليماني المسؤول العسكري عن معركة الدفاع الإيرانية عن بشار الأسد.
الجزيرة نت
عن السابقة السورية والمفارقة الروسية/ حسن خضر
ينبغي التوقف أمام التصريح الذي أطلقه، مؤخراً، وزير الخارجية في نظام آل الأسد، وجاء فيه أن نظامه سيطلب، إذا اقتضت الحاجة، تدخل الروس عسكرياً. لا تصدر تصريحات كهذه، في العادة، دون مشاورات مسبقة. لذا، يمكن القول إن الروس، وإلى جانب زيادة وجودهم العسكري في سورية، في الآونة الأخيرة، أعطوا النظام، ووزير خارجيته، الضوء الأخضر للتلويح بأمر التدخل العسكري.
ومن الواضح أن الأمريكيين التقطوا الرسالة، فتراجعوا خطوة إضافية إلى الوراء، ليعلنوا على لسان وزير خارجيتهم أن الحل السياسي، في سورية، غير مشروط برحيل الأسد “فوراً”، فقد “يبقى”، والكلام للسيد كيري، بعض الوقت. وبما أنهم دخلوا في مباحثات عسكرية مع الروس، في لقاءات تجمع وزيري الدفاع في البلدين، فليس من السابق لأوانه القول إن المطروح على طاولة المفاوضات العسكرية يتجاوز سورية نفسها، ويشمل الترتيبات السياسية، والوضع الاستراتيجي العام في منطقة الشرق الأوسط.
ولا توجد ضمانة، في الواقع، للقول إن المفاوضات العسكرية ستقود الأمريكيين والروس إلى خارطة طريق سياسية وعسكرية موّحدة، في الشرق الأوسط، إذ لا ينبغي التقليل من حجم التعقيدات السورية المحلية، على الأرض، والتداخلات الإقليمية والدولية، التي تجعل من جسر الهوّة بين الطرفين أمراً بالغ الصعوبة. ومع ذلك، فإن تراجع الأمريكيين خطوات إضافية إلى الوراء لا يبدو أمراً بعيد الاحتمال.
وفي السياق نفسه، يصعب التفكير في احتمال أن تؤدي زيادة الوجود الروسي، والتلويح بالتدخل، والقتال على الأرض، إضافة إلى “مرونة” الأمريكيين، إلى تقريب موعد “الحل” السياسي في سورية، حتى وإن لم يعد مشروطاً بالرحيل الفوري لبشّار الأسد. ومنشأ استبعاد هذا الاحتمال أن نظام آل الأسد لن يقبل بأقل من استسلام المعارضة، حتى وإن اقتضى الأمر هدم المعبد على من فيه، وما فيه.
وليس في كل ما تقدّم ما يمثل أخباراً جيدة بالنسبة للمواطنين السوريين، الذين يهيم نصفهم، تقريباً، في، وخارج بلاده، بلا مأوى، ويموت في عرض البحر، ويدفع الثاني التكاليف الباهظة لانهيار الدولة، والحياة المدنية، والخدمات، ومخاطر العيش بين رحى الميليشيات الإرهابية، وميليشيات النظام. وكلتاهما من القماشة نفسها، حتى وإن اختلفت الرايات والغايات.
والأسوأ من هذا كله أن “مرونة” الأمريكيين بشأن “بقاء” الأسد “لفترة من الوقت”، وفي حال تكريسها، تؤسس لسابقة مُرعبة في السياسة الدولية، وعلاقة الحكّام بالمحكومين، في كل مكان آخر من العالم، وربما تصبح العلامة الفارقة، على التركة التدميرية للإمبراطورية الأمريكية عشيّة خروجها التدريجي من المنطقة.
فكما خلق صعودها الإمبراطوري في هذا الجزء من العالم، بعد الحرب العالمية الثانية، هزّات كثيرة نجمت، ضمن أمور أخرى، عن انحيازها السافر للدولة الإسرائيلية، التي ارتكبت جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، فإن خروجها التدريجي يؤسس لمرحلة يصعب أن يكون الأمن والاستقرار من سماتها الرئيسة.
وبقدر ما يتعلّق الأمر بالسياسة الدولية، فإن سلام العالم، بعد الحرب العالمية الثانية، الذي استدعى معاهدات وقوانين، ومؤسسات قضائية وسياسية دولية، تضمن عدم تكرار جرائم الإبادة والتطهير العرقي، يبدو في مهب الريح، ويفتح الباب على مصراعيه أمام شريعة الغاب.
وهذا، بدوره، يصدق على علاقة الحكّام بالمحكومين، التي بدت في العقود القليلة الماضية، (في ظل محاكمات المسؤولين عن جرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية، في رواندا، والبوسنة، ناهيك عن ملاحقة آخرين بالتهمة نفسها) وكأنها أصبحت محكومة بضوابط، ومرجعيات، وقوانين دولية، تتجاوز حدود الدولة القومية نفسها، تبدو، الآن، في ظل “المرونة” الأميركية، والجرائم التي ارتكبها نظام آل الأسد بحق مواطنيه، وكأنها في مهب الريح. بمعنى آخر، يمكن تكرارها في أماكن أخرى من العالم، والتذرّع بالسابقة السورية.
كانت حماية الإمبراطورية الأمريكية للدولة الإسرائيلية، التي مارست التطهير العرقي، وارتكبت جرائم حرب، مصدراً لزعزعة الاستقرار في العالم العربي، وسلسلة الحروب العربية ـ الإسرائيلية. وإذا أفلت نظام آل الأسد، من العقاب، فسيكون في السابقة السورية ما يشكّل مصدراً لزعزعة الاستقرار، وما لا يحصى من الحروب الأهلية الباردة والساخنة.
والمفارقة في هذا الشأن: إذا كانت الحماية الأمريكية السافرة للدولة الإسرائيلية هي العلامة الفارقة لتاريخ الإمبراطورية الأمريكية في الشرق الأوسط، فإن حماية نظام آل الأسد، في ظل الطموح التاريخي للاندفاع في آسيا الغربية، هي علامة الروس الفارقة.
وإذا صح أن التاريخ يكرر نفسه مرّة في صورة مأساة، ومرّة في صورة ملهاة، فإن انتقال الروس من دور المدافع عن “الأنظمة التقدمية” في العالم العربي، في عقود مضت، إلى دور المدافع عن “أنظمة الأقليات” “والجمهوريات الوراثية” في الوقت الحاضر، يبدو أقرب إلى الكوميديا السوداء، منه إلى أي شيء آخر.
موقع 24
من الانتداب الفرنسي إلى التدخل الروسي/ منير الخطيب
رعى الفرنسيون خلال فترة انتدابهم على سورية سيرورة تشكل الدولة الوطنية السورية، لذا لم تكن تلك الدولة الوليدة ثمرة الثورات التقليدية المسلحة التي قامت في الأرياف، وانتهت قبل الاستقلال، بل ثمرة الحياة السياسية والثقافية التي تبرعمت في المدن بتأثير الانتداب، الذي نقل الكيان السوري الناشئ من تاريخه السلطاني، المحلوي، ووضعه على مسار مغاير، لتخطّي المحلوية وثقل الإرث السلطاني العثماني.
ومثلما ارتبط نشوء «جنين الدولة الوطنية» السورية بالسياق العالمي لصدمة الحداثة، كذلك فإن انتقال سورية من مرحلة التشكل المتعثر للوطنية السورية، إلى مرحلة طمسها وإجهاضها في سديم ثوران المنظومة القومية الاشتراكية، التي بدأت مع الوحدة المصرية – السورية، وتتابعت مع اغتصاب البعث للسلطة، ارتبط مع تصفية آثار العصر الكولونيالي في المنطقة العربية وغيرها من مناطق العالم، وسيطرة القطبية السوفياتية – الأميركية على العالم وسيادة منطق الحرب الباردة.
لم يكن ممكناً للنظام السوري القيام بتصفية آثار المرحلة الوطنية، لولا انتقاله إلى صف المعسكر الاشتراكي تحت مظلة الحرب الباردة، وقيامه ببناء تفاهمات مزدوجة مع السوفيات والأميركيين معاً. فنكوص سورية إلى ما قبل تاريخها الوطني، كان المعادل الداخلي للنكوص إلى العصر السوفياتي – الأميركي المتأخر عن عصر الاستعمار، الذي كان في الوقت ذاته عصراً تنويرياً وتحديثياً على المستوى الكوني.
في حقبة البعث المتداخلة مع مضامين الحرب الباردة ومتطلباتها، تأسست البنى الأيديولوجية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية، التي خرجت من أرحامها الحرب الدائرة في سورية حاضراً. فكان لنزع الصفة الوطنية عن الجيش السوري في السبعينات، مع نزعها عن الدولة بعامة، أكبر الأثر في انحداره الراهن إلى مجرد ميليشيا مذهبية، استخدمته السلطة في حربها على شعبـ»ـها»، وساهم الاحتكار المطلق للسلطة والثروة في تلك الحقبة مترافقاً مع تعميم «الثقافة القومية الاشتراكية» في نمو «المجتمع» التقليدي العميق في الأرياف والمدن الهامشية وأطراف المدن الكبرى، كرد فعل على حالة الاستلاب المفروضة على السوريين، مما جعله خزان انبعاث التنظيمات المتطرفة، التي لا تؤمن بالمسألة الوطنية.
لم يتراخ تغول «الدولة التسلطية» بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الثنائية القطبية، وازدادت صلادة «المجتمع» التقليدي بتأثير السياسات السلطوية الداخلية التي عمقّت تهميشه من طريق ما عرف بإجراءات «اقتصاد السوق الاجتماعي» التي جمعت بين «الانفتاح» الاقتصادي والانغلاق السياسي، بما يلبي مصالح الأوليغارشية الأقلوية المالية – العسكرية الحاكمة. كما كان استدعاء «المجتمع» التقليدي من قبل النظامين السوري والإيراني، من خلال دعم التنظيمات الإسلامية المسلحة، بهدف الضغط على الوجود العسكري الأميركي في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، من عوامل تفعيله عسكرياً وسياسياً وأيديولوجياً.
لخصّت الثورة السورية، التي انفجرت في آذار (مارس) 2011، تاريخ الكيان السوري: فالحراك الشبابي السلمي، المدني في البداية، كان يستبطن العودة إلى سورية ما قبل تاريخها البعثي، في حين أن حرب السلطة والحرب المضادة لها بعد خنق الحراك السلمي، تنتمي جذورهما ومقدماتهما إلى صميم التاريخ البعثي.
ويأتي التدخل الروسي الحالي في سورية، بعد مضي ما يقرب من قرن على دخول الفرنسيين إليها، مسجلاً فرقاً كبيراً عن الانتداب الفرنسي بداية القرن الماضي، هو ذات الفرق بين حالة صعود الوطنية السورية وحالة انهيارها الراهنة.
وعلى رغم عدم اتضاح حدود التدخل الروسي بعد، ومدى تنسيقه مع الإدارة الأميركية والقوى الإقليمية الفاعلة في الوضع السوري، فإن وقوف روسيا بقيادتها البوتينية طيلة خمس سنوات خلف النظام السوري، عسكرياً وسياسياً، بهدف كسر إرادات السوريين التواقة للتغيير، وحنينها إلى بعث ماض إمبراطوري فاقدٍ للمعنى الكوني، وعارٍ من أي إرث ديموقراطي وتنويري، وتراكب سياساتها ومواقفها مع واقع الحرب في سورية، وتحولها إلى عدو قومي بنظر غالبية السوريين، وانحيازها التاريخي إلى خيارات مماثلة لخيار غروزني في التعاطي مع التطرف الإسلامي، يشي بأن هذا التدخل سيسهم في تعميق التحاجزات بين السوريين واحتجاز البدائل الوطنية الممكنة.
* كاتب سوري
الحياة
أوباما ــ بوتين… أوكرانيا مقابل سورية؟/ واشنطن ــ منير الماوري
يؤكد السجال الدائر بين واشنطن وموسكو حول “من طلب لقاء القمة”، بين الرئيسين باراك أوباما وفلاديمير بوتين، في نيويورك، الإثنين المقبل، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنّ الاتفاق على مسودة حلّ للملف السوري لا يزال صعباً، على الرغم من أن لدى أركان الإدارة الأميركية مجموعة من “الأفكار” التي لا ترقى إلى صفة المبادرة أو الحلّ، وتتمحور جميعها حول وضعية الرئيس بشار الأسد في المرحلة الانتقالية العتيدة التي يفترض أن تفصل بين “سورية الأسد” و”سورية الجديدة”.
ملامح الأفكار الأميركية لا تزال غامضة، ويتحدث عنها مصدر أميركي مطلع لـ “العربي الجديد” بتردد، نظراً إلى أن “لا شيء محسوماً بعد”. وبحسب المعلومات، فإن إدارة أوباما، وإنْ لم تصرّح بذلك علناً، بدأت تتقبّل على نحو تدريجي فكرة بقاء مشروط لرئيس النظام السوري بشار الأسد لفترة انتقالية، يتم خلالها إدخال تغييرات جوهرية في تركيبة نظامه وإشراك المعارضين له في حكومة وحدة وطنية.
ويجمع مراقبون مؤيدون للثورة السورية على استحالة إدخال تغييرات جذرية في تركيبة النظام السوري مع الإبقاء على رأس النظام. ويكاد هؤلاء يتفقون مع رؤية من تبقى من مؤيدي النظام محلياً وخارجياً ممّن يعتقدون باستحالة الحفاظ على النظام السوري، في حال تم إجبار الأسد على الرحيل.
أفكار تتزامن مع حديث البيت الأبيض عن أهمية التوصل إلى اتفاق بشأن انتقال سلمي للسلطة في سورية، من دون الإشارة إلى مصير الأسد في الاتفاق المأمول، أو اشتراط رحيله قبل تطبيق الاتفاق. كما بدأ الحديث الأميركي عن الدور الروسي في الملف السوري يتزايد، إذ أشار المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش أرنيست، إلى تأثير سياسة العزل السياسي على موسكو، لكنّه أشاد بـ “الدور الإيجابي” لموسكو خلال المفاوضات النووية مع إيران، في إشارة على ما يبدو إلى أن ذلك الدور أسهم في خلق تقارب أميركي روسي تجاه بعض الملفات الشائكة التي يأتي في مقدّمتها الملفان السوري والأوكراني.
وفي ظل الاعتراف الأميركي بدور موسكو في إنجاح الاتفاق النووي مع إيران، من غير المستبعد أن يكون المقابل هو تنازلات أميركية لروسيا ذات صلة بالأزمة السورية، وهو ما بات يعتبره كثيرون “منطقياً” في إطار المعطى الروسي المستجد منذ التدخل العسكري المباشر في تسليح الجيش السوري وقيادة بعض فرقه بهدف منع سقوطه، لكي تفاوض موسكو باسمه على اتفاق حل نهائي. ويربط مراقبون بين الأزمتين الأوكرانية والسورية، ملمحين إلى وجود تنازلات روسية في الملف الأول مقابل مكاسب في الملف الثاني. لكن الأمر الأكثر وضوحاً، هو التغيير الذي طرأ على موقف إدارة باراك أوباما تجاه الأزمة السورية، من ناحية تخفيف نبرة الإصرار على رحيل الأسد. وقد يكون هذا التغيير نابعاً من حسابات أميركية أحادية الجانب، أو بناءً على تفاهمات ثنائية مع موسكو تجاه حزمة من الملفات السياسية المختلف عليها. بل وصلت بعض التكهنات إلى حدّ القول إنه لم يبق على إبرام الصفقة الأميركية الروسية بشأن سورية، سوى الاتفاق على السماح لبشار الأسد بترشيح نفسه للرئاسة عقب الفترة الانتقالية، حسب الإرادة الروسية، أو منعه من الترشح، حسب التمني الأميركي.
قمة أوباما ـ بوتين
يرى مراقبون أن القمة بين أوباما ونظيره الروسي فلاديمير بوتين المرتقبة تعدّ تراجعاً عن فرض سياسة العزل على موسكو بسبب الأزمة الأوكرانية، في مقابل التنازلات الأميركية الملموسة بشأن سورية، وقد تتمخض هذه العناصر في نهاية المطاف عن صفقة ترضي موسكو بالدرجة الأولى، وتغضب غالبية الشعب المصرّ على إسقاط النظام.
وكانت الأزمة الأوكرانية المتمثلة في دعم موسكو للتمرد الانفصالي في شرقي أوكرانيا، قد أدت إلى توسيع الهوّة، ليس بين أوباما وبوتين فحسب، ولكن بين الغرب الداعم للحكومة الأوكرانية بزعامة الولايات المتحدة، وروسيا الداعمة للانفصاليين في أوكرانيا.
ولتقليل المخاوف السائدة بشأن أي تنازلات أميركية محتملة بشأن هذين الملفين، شدّد البيت الأبيض على لسان جوش أرنيست، على أن القمة الأميركية ــ الروسية المتوقع أن تتم يوم الإثنين، تأتي بناءً على طلب من الرئيس الروسي، ولم تكن من ضمن جدول لقاءات الرئيس الأميركي على هامش حضوره الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة. لكن البيت الأبيض أقرّ بأن قمة أوباما ـ بوتين لن تكون مجرد مناسبة لالتقاط الصور، بل من المحتمل أن تسفر عن تفاهمات تمهّد الطريق لتنسيق وتعاون بين الجانبين تجاه عدة قضايا، جازماً بأن الأولوية هي للملف الأوكراني، فضلاً عن أن “لدى أوباما رسالة يريد إيصالها إلى بوتين بشأن سورية، وهي أن مضاعفة دعمه لنظام بشار الأسد هو رهان خاسر، لن يسفر إلا عن إطالة أمد الأزمة السورية، وهو دعم لا يخدم مصلحة أي من الشعبين الروسي أو الأميركي”.
الكلام حول الجهة التي طلبت اللقاء لم يجد كبير المستشارين السياسيين في الكرملين يوري أوشاكوف، أمس الجمعة، حرجاً في تكذيبه، مشيراً إلى أن “الإدارة الأميركية هي التي اقترحت الاجتماع”. وقال أوشاكوف للصحافيين إن البيت الأبيض أعطى رواية “محرَّفة” لمسار الأحداث، لافتاً إلى أن “الكرملين يتوقع سلوكاً أكثر مهنية من الجانب الأميركي في مثل هذه الأمور في المستقبل”. وشدد أوشاكوف على أن سورية ستكون الموضوع الرئيسي في النقاش بين بوتين وأوباما، فضلاً عن أوكرانيا.
خدمة أميركية للأسد
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، باتت سورية مادة رئيسية للتراشق بين المتنافسين على ترشيح الحزبين الكبيرين “الجمهوري” و”الديمقراطي”. ويكاد يجمع مختلف المرشحين على أنّ سياسة أوباما تجاه سورية خاطئة، بل وتساورهم الشكوك بشأن حقيقة ما تريده إدارة أوباما لسورية، ويلمحون إلى رغبة أوباما في بقاء الأسد.
وفي هذا السياق، يقول المرشح دونالد ترامب، الذي يتصدّر استطلاعات الرأي بين المتنافسين على ترشيح الحزب “الجمهوري”، إن الولايات المتحدة في ظل الإدارة الحالية تقدم خدمة جليلة للأسد عن طريق استهداف خصومه. وتابع ترامب، في حديث تلفزيوني أدلى به لشبكة “سي إن إن” الإخبارية مستهزئاً من سياسة الإدارة الحالية تجاه سورية: “أكاد أجزم أن الأسد ينظر إلينا حالياً، وهو غير مصدّق نفسه أن الأميركيين يقتلون عدوه”، في إشارة إلى “داعش” الذي يلتقي الأميركيون والنظام السوري على محاربته. وأضاف “لا بد أن الأسد يخاطب نفسه حالياً بالقول إن الدور الأميركي ضد أعدائي هو أعظم ما مررت به طوال رئاستي”.
وأشار ترامب إلى أنه في حال فوزه بالرئاسة، فإنه سيعتمد سياسة خارجية يصعب التنبؤ بها، وهو ما سوف يمنع الخصوم من الاستعداد لمجابهتها.
غير أنّه أعرب عن مخاوفه من أنّ أي مواجهة مع روسيا على الأرض السورية قد تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة، مشدّداً على أن مصلحة روسيا في القضاء على “داعش” تفوق بكثير المصلحة الأميركية، وهو ما يُفهم منه وجود استعداد لديه لغض النظر عن إطلاق يد روسيا في سورية.
العربي الجديد
في الصراع الدولي وأدواته/ مصطفى زين
كانت روسيا والصين تخوضان الصراع الدولي بالأيديولوجيا ودعم الأحزاب الشيوعية وتحويلها إلى أدوات في الصراعات الدولية والوطنية والقومية، لكنهما تحولتا إلى الرأسمالية، الأولى بعد انهيار الحزب والدولة السوفياتية، والثانية بعد «ثورة» الرئيسين دينغ كيساو بينغ وجيانغ زيمين الذي ابتدع نظرية الاقتصاد الاجتماعي بدلاً من الاقتصاد الشيوعي. هذا التحول لم ينعكس على الداخل فحسب، بل طاول العلاقات الخارجية، فأصبحت بكين وموسكو تبحثان عن أسواق لمنتجاتهما، وحماية هذه الأسواق والتوسع فيها، مستخدمتين قواعد المنافسة الرأسمالية، ويلاحظ أي مواطن عادي في أوروبا أو الولايات المتحدة أو في دول العالم الثالث انتشار المنتجات الصينية، وفي استطاعتنا القول إن الصين شهـــدت ثورة صناعية ولو متأخرة أكثر من قرنين عن أوروبا. هذه الثورة جعلتها أقرب إلى الدول الرأسمالية منها إلى الدول الاشتراكية أو النامية. فهناك أسس مشتركة بين الصناعيين، بغض النظر عن ملكية وسائل الإنتاج، على ما يقول المؤرخ الفرنسي ريمون آرون. ولا بد لهذه الأسس من أن تفرز علاقات مختلفة على المستويين الداخلي والخارجي، إذ يصبح التنافس بين النظم السياسية محركاً للتاريخ، وليس الصراع الطبقي (آرون). أما روسيا التي تعتمد على النفط والغاز، في الدرجة الأولى، فحـــاولت، وتحــاول، المحافظة على خطوط الإمداد، وإنشاء خطوط جديدة.
بمعنى آخر، أصبح تنافس الدولتين مع الغرب رأسمالياً- رأسمالياً، وليس رأسمالياً- شيوعياً. أي أن الصراع الأيديولوجي انتهى ليحل مكانه البراكسيس (الواقع). وهذا ما لم تدركه دول كثيرة في العالم الثالث، دول ما زالت تتحكم بها أنظمة متخلفة لم تتطور مثلما تطور النظام الصيني أو الروسي، على رغم أن الصراع يدور على أرضها والمنافسة على مواردها.
الموقفان الروسي والصيني من الحروب في سورية وعليها، على سبيل المثال، وقبلها الحرب على العراق وليبيا، يوضحان المدى الذي وصل إليه الصراع بين الرأسماليين الجدد (في موسكو وبكين) والرأسماليين القدماء. صحيح أن الدولتين تخشيان انتقال التطرف الإسلامي إلى عقر داريهما. لكن الصحيح أيضاً أنهما تحاولان من خلال ذلك ترسيخ نظام عالمي جديد لا يتحكم به الغرب وحده، وقد وضعتا أسساً لذلك من خلال منظومة شنغهاي المتوقع أن تتطور لتصبح أشبه بالاتحاد الأوروبي اقتصادياً وبالحلف الأطلسي عسكرياً، والتدخل في سورية وغيرها جزء أساسي من بناء هذا النظام الجديد. فالقاعدة العسكرية في اللاذقية رد على القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة. والاتفاق في منظومة شنغهاي يضمن لها العودة إلى حديقتها الخلفية في آسيا الوسطى، بعدما كادت واشــنطن تسيطر على كل دول الاتحاد السوفياتي السابق وتطوقها من كل الجهات.
الولايات المتحدة من جهة، وروسيا والصين ومعهما دول البريكس من جهة أخرى، تخوض صراعاً على تثبيت قواعد الاشتباك في نظام عالمي جديد، نظام نحن أدواته، يخرج من رحم معاناتنا وتدمير بلداننا بأيدينا.
الحياة
تدخل عسكري روسي لملء “الفراغ”/ محمود الريماوي
تم التدخل الروسي المباشر في سورية بضوء أميركي برتقالي. قوبلت التسريبات الصحفية الإسرائيلية المبكّرة عن نقل طائرات وقوات ومعدات روسية إلى اللاذقية وطرطوس بصمت أميركي، فلما أصبح التدخل تحت الضوء، جاء الرد الأميركي خافتاً، فواشنطن مع محاربة داعش، الهدف المعلن للتدخل الروسي، بأية طريقة، وباتت تمنحها الأولوية على ما عداها. لكن، لم تمض أيام، حتى تغيّر الهدف الروسي المعلن، وأصبح بدلاً من محاربة داعش “الحفاظ على الدولة السورية”، كما أوضح بوتين لدى استقباله نتنياهو في الكرملين، وفي لقائهما الثنائي، جرت طمأنة تل أبيب على أنها ليست مستهدفة، ولن يقع احتكاك روسي إسرائيلي في الجو، وأن جبهة الجولان لن تُفتح. وقد أثار ذلك بعض القلق الأميركي، كما في تصريحات متكررة للوزير جون كيري، من أن تكون مهمة القوات الروسية تأمين الأسد، غير أن هذا القلق الطفيف لم يبلغ حد الاعتراض الصريح على التدخل الروسي. وقد تركت المسائل الفنية المتعلقة بتحركات قوات التحالف والتحركات المنتظرة للقوات الروسية لاتصالات عسكرية، تتم بعيداً عن الأنظار. وعلى كل حال، هناك سابقة “مشجعة”، فقوات “الدولة السورية” لم تصطدم، أو تحتك، بطائرات التحالف على مدى عام، وهذا أمر مرشح للتكرار مع تحركات القوات الروسية. إذ تنهمك قوات “الدولة السورية”، بلا توقف، في قصف المدنيين في حلب ودير الزور وحمص وريف دمشق ومناطق أخرى، وفي قصف فصائل المعارضة المختلفة، وتتخلل ذلك طلعات جوية ضد داعش في تدمر شرق البلاد.
مع انقضاء النصف الأول من العام الجاري، وصل الوضع الميداني إلى نقطة حرجة. فالنظام يخسر المزيد من المناطق، ما يتطلب تقديم دعم نوعي له، يتخطى الدعم الذي يقدمه حزب الله والمليشيات العراقية والإيرانية والأفغانية، أو أن يتم تقديم دعم نوعي لفصائل المعارضة في مواجهة الطائرات، كي تحقق مزيداً من المكاسب. وبما أن واشنطن وأصدقاء آخرين لسورية دأبوا على مراقبة الوضع عن بُعد، والاستغراق في التأمل، وضاعت بوصلتهم بين محاربة داعش أو الضغط على النظام، فكان أن حزم الكرملين أمره، وسط هذا الفراغ، لكي يتقدم بنفسه، مُستبقاً ذلك بستار كثيف من محادثات نشطة مع المعارضة السورية في موسكو، تبشر بشق الطريق نحو حل سياسي. ما حمل بعض أطراف هذه المعارضة على القول إن تغيراً قد بدأ يطرأ على المواقف الروسية.
التدخل الروسي يراه غربيون مشابهاً لاقتحام أوكرانيا التي تجرأ شعبها على نشدان التغيير، بما قد لا يتوافق مع رؤية القيادة الروسية لمصالح بلادها. تجرأ السوريون أيضاً على مثل ذلك. وبالنسبة إلى موسكو بوتين، فإن الجيوش المدعومة من موسكو هي التي تصنع التاريخ، وليس
“عقيدة عدم التدخل العسكري الأميركي، ولو بجندي واحد، التي يعتنقها باراك أوباما شجعت الكرملين على اعتناق عقيدة مضادة” الشعوب، والأخيرة يمكن الاستغناء عنها. فموسكو ليس لها علم باقتلاع ملايين السوريين من ديارهم، وبملايين أخرى، تئن تحت وطأة الحصار في الداخل، ولا بالمتسبب بذلك، ولا تعنيها عودة المشردين إلى موطنهم. عقيدة عدم التدخل العسكري الأميركي، ولو بجندي واحد، التي يعتنقها باراك أوباما شجعت الكرملين على اعتناق عقيدة مضادة. القوات الروسية الحالية، مثل نظيرتها السوفييتية سابقاً، تدافع عن الجيوش المحكومة من حزب حديدي، في وجه الشعوب، وتلجأ في سبيل ذلك إلى القوة الماحقة الساحقة، على غرار الحملة الروسية على غروزني، قبل نهاية القرن الماضي.
من حق السوريين، بل من واجبهم، أن يتشاءموا من هذا التطور، فالأمور تتجه إلى مزيد من التعقيد، وإذا كان مئات الآلاف قد سقطوا بأسلحة روسيةٍ، استخدمها النظام على مدى اربع سنوات، من دون أي قيد من موسكو المزودة بالأسلحة، بل إن مُدناً دمرت بشكل شبه كامل، فكيف سيكون الأمر عليه مع التدخل الروسي المباشر الذي سيكون أصحابه معنيين باستعراض قوة الدولة العظمى، واستخدام أسلحة متطورة، وبالحفاظ على ما تبقى من الدولة السورية، ولو كانت طريقة ذلك تؤدي إلى القضاء على ما تبقى من السوريين، أو تشريدهم في أنحاء المعمورة؟
جرى الحديث، في العامين الماضيين، بكثافة عن منطقة آمنة ومناطق حظر جوي، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، ورفضت الإدارة الديمقراطية في واشنطن، على الدوام، تقييد حركة الطيران السوري الذي واظب على إلقاء ما لا حصر له من براميل متفجرة على المدنيين، وعلى أحياء سكنية، إضافة إلى مقاتلي المعارضة. المسؤول العسكري الأميركي السابق، ديفيد بترايوس، شدد، في شهادة له أمام الكونغرس الثلاثاء الماضي، على أنه كان في وسع واشنطن تقييد حركة الطيران السوري. الوجود الروسي العسكري في سورية سيطوي هذه الصفحة، مخافة وقوع احتكاك “عسكري” بين القوتين العظميين، ولأن هناك دولة روسية الآن على أراضي الدولة السورية، وفي أجوائها ومياهها الإقليمية!
هل معنى ما تقدم أن أمراً واقعاً جديداً تكرّس على الأرض؟ الجواب، وإلى إشعار آخر: نعم. إلا إذا أعاد مخططون عسكريون واستراتيجيون في واشنطن حساباتهم، حول الانكفاء الأميركي الذي سُرعان ما يُترجم إلى اندفاع روسي وإيراني في الشرق الأوسط. هذا مع الأخذ في الاعتبار ان المعارضة المسلحة لن توقف معاركها، وقد تراهن على خسائر روسية في معارك برية محتملة، بما يناظر الخسائر الإيرانية وخسائر حزب الله. من دون أن يقلل ذلك من مخاوف لجوء القوات الروسية إلى سياسة الأرض المحروقة، وهي سياسة ليست جديدة، فقد سبق أن استخدمها النظام على نطاق واسع، لكن الخشية هي من استخدام أسلحة روسية أشد فتكاً وتدميراً، من أجل إبعاد شبح الهزيمة السوفييتية في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، وبحيث يدفع السوريون ثمناً فادحاً (فوق ما دفعوه من أثمان) لتلك الهزيمة، بعد نحو ثلاثة عقود على وقوعها.
أما الحلول السياسية، فلن تتخلى عنها موسكو، والدليل تحرك أسطولها الجوي والبحري! ومن المنتظر، في هذا السياق، إعادة إنتاج مبادرات سابقة إيرانية وروسية، تطمس تطلعات السوريين وحقوقهم الأساسية والمرجعية الدولية للحلول، وتكافئ من فتك بهم، وهو ما قد يعبّر عنه خطاب منتظر للرئيس فلاديمير بوتين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، يدلل فيه على أن التدخل العسكري الروسي في سورية لدفع الحل السياسي إلى أمام.
العربي الجديد
بوتين “بيمون”/ حسام كنفاني
يحلو لكثيرين، ممانعين، ومؤيدين للنظام السوري، إطلاق تسمية “أبو علي” على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على اعتبار أنه يقف بوجه “المؤامرة الكونية” التي تحاك ضد بشار الأسد، ومن خلفه النظام الإسلامي في إيران. لا يلتفت هؤلاء إلى أي مؤشرات لدى بوتين تناقض الشعارات التي يقوم عليها النظامان، السوري والإيراني، والتي قد تكون في مقدمتها إسرائيل. هذه أمور ثانوية في ظل الدعم، غير المسبوق، الذي يظهره الرئيس الروسي. دعم أساسي لإبقاء نظام الأسد في دمشق، ومنعه من الانهيار، وحفظ ماء الوجه الإيراني هناك، وبالتالي، فإن أي أمور أخرى “لا تفسد للود قضية”.
من هذا المنطلق، لم يقف أحد من منظّري الممانعة، أو أنصار الأسد، عند التصريحات الصادرة عن القيادة الروسية، أو المعلومات الواردة في الصحف الإسرائيلية، بعد القمة التي جمعت بوتين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. هي تصريحات ومعلومات حالياً “هامشية”، ولا تصب في لب “الصراع الأساسي”، أي صراع البقاء. ولا بأس من تقديم تعهدات إلى إسرائيل بأن النظام في سورية سيكون حامياً أبدياً للحدود مع دولة الاحتلال، وأن الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة ستكون في مأمن دائم. أساساً لا فرق مع تعهداتٍ أو بدونها، فهذا هو الحال في الجولان المحتل، منذ أكثر من أربعين سنة، وما كان النظام السوري إلا ظاهرة صوتية في هذا المجال، أو داعماً من بعيد لقتالٍ بالوكالة، يقوم به حزب الله بسند مباشر من إيران. يتحدث الروس بالتأكيد مع إسرائيل باسم إيران، وهم الوكلاء الحصريون اليوم لترويج إيران ما بعد الاتفاق النووي في المجتمع الدولي، بصرف النظر عمّا حكي سابقاً عن بنود مخفية في ذلك الاتفاق، تدعم ما أبلغه الروس رسمياً للإسرائيليين.
“بوتين بيمون”، هذا التعبير العامي المشرقي الذي يؤشر إلى أنه يحق للرئيس الروسي ما لا يحق لغيره، قد يكون لسان حال النظامين السوري والإيراني؛ وهما يتلقيان تصريحات الرئيس الروسي من جهة، والدعم العسكري والسياسي المباشر من موسكو من جهة ثانية. كيف لا؟ وهذا الدعم أصبح عنصراً أساسياً وحاسماً في معركة بقاء النظام السوري، والحفاظ على النفوذ الإيراني في المنطقة. فالدخول الروسي المفاجئ على خط الوضع القائم في سورية ليس وليد رغبة موسكو بالتمدد خارجياً فقط، بل هي رأت فيه خياراً لا بد منه، لإنقاذ ما تبقى من نظام الأسد، وخصوصاً مع شعورها أنه بات على شفير انهيارٍ لا يمكن لموسكو تحمله في الوقت الراهن، على الأقل ليس قبل ترتيب النفوذ في المنطقة مع “الشركاء” أو “الخصوم” الغربيين. أيضاً التدخل الروسي ناجم عن إدراك أن الاستراتيجيات الأخرى التي كانت معتمدة على الأرض من النظام وحلفائه الإيرانيين، والمليشيات التي تدور في فلك الاثنين معاً، ما عادت ذات جدوى، فالأمور تزيد سوءاً، ومحاصرة دمشق تقترب، فكان لا بد بالنسبة لهم من وضع استراتيجية مختلفة بديلة، تعطي النظام على الأقل جرعة من المعنويات. وهذا ما ظهر في تصريحات وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، والذي خرج، للمرة الأولى، ليتحدث بنبرة شبه عسكرية عن أن الدخول الروسي “سيقلب الطاولة على الذين تآمروا على سورية”.
مثل هذا التهديد العابر لحدود المعارك الداخلية ما كان يصدر سابقاً عن أي مسؤول سوري، حتى في ذروة الدعم الذي كان يتلقاه النظام من الحليف الإيراني الأساسي، والذي بدا من معارك الزبداني، وغيرها، أنه أضعف مما كان يظن، وأن ترويجه نفسه بأنه قوة عظمى غير قابل للصرف ميدانياً. لذا، كانت الأمور محتاجة قوة عظمى حقيقية، تنقذ ما يمكن إنقاذه، حتى لو كان ذلك عن طريق تأمين “كيان بديل” لنظام الأسد، وليكن الساحل السوري.
هذه الخدمات والمعنويات التي يؤمنها بوتين، بالنسبة للنظامين السوري والإيراني ومريديهما، أهم بكثير من أي تعهدات تقدّم لإسرائيل في هذه المرحلة، خصوصاً أن “بوتين بيمون”.
العربي الجديد
أميركا ـ روسيا والألم السوري/ بيار عقيقي
من غير الواقعي الاعتقاد بأن الولايات المتحدة “ترفض” التدخّل الروسي في سورية، لا بل من غير المستحبّ تصديق أن الأميركيين قد يواجهون الروس في موضوع القواعد العسكرية في الساحل السوري. ومن غير الوارد إطلاقاً أن يقع الصدام العسكري بين الروس والأميركيين، مهما كانت الذريعة، ما لم تُقصف موسكو أو واشنطن. غير ذلك، كل ما يحصل بينهما يُدار بأطرافٍ أخرى، أو بتدخّل مباشر لطرف دون آخر.
قد يعود السبب إلى مؤتمر يالطا (1945) أو إلى التجارب النووية المتبادلة (الحرب الباردة 1947 ـ 1991)، وحتى إلى أزمة الصواريخ النووية الكوبية (1962). ومع أن كلاً من روسيا والولايات المتحدة أغرق الآخر في مستنقعات ـ حروب، كفييتنام بالنسبة للأميركيين وأفغانستان بالنسبة للروس، فإن ذلك كله لم يلغ مبدأ “عدم الاشتباك المباشر”. وإذا تمّ الاعتبار أن روسيا السوفييتية أقوى من روسيا البوتينية، فإن التدخّلين العسكريين للجيش الروسي، في جورجيا (2008)، وفي أوكرانيا عبر ضمّ شبه جزيرة القرم (2014)، لم يدفع الولايات المتحدة إلى القيام بردّ فعلٍ عسكري، بل تمّ الاكتفاء بالعقوبات الاقتصادية أو رسائل التنديد، ما يفيد بأن الروس والأميركيين يدركون الخطوط الحمر، ولا يريدون تجاوزها.
لذلك، لا يخرج التدخّل الروسي في سورية من هذا السياق، وأي لقاءٍ أو حديثٍ بين الطرفين لن يتخطى إطار “تنظيم التوازن”، سواء التقى ويلتقي مسؤولون عسكريون وسياسيون روس نظراءهم الأميركيين، أو حتى في اللقاء المرتقب بين الرئيسين باراك أوباما وفلاديمير بوتين، على هامش أعمال الدورة الـ70 للجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد غد الاثنين. على أن التشبّث الروسي بـ”سورية المفيدة” لم يكن ليأتي لولا جملة عوامل، أبرزها: نيل الأميركي اتفاقاً نووياً مع إيران، ما دفعه إلى إغلاق، لا إقفال، باب الشرق الأوسط خلفه. كما تمّ الاتفاق على ضمان “أمن إسرائيل”، بعد زيارة رئيس وزراء دولة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أخيراً إلى موسكو، وتعهّد بوتين أمامه بـ”عدم تضارب المصالح الجويّة بين الطائرات الروسية والإسرائيلية في الأجواء السورية”، فضلاً عن “عدم إمكانية فتح جبهتي جنوب لبنان والجولان السوري بوجه الإسرائيليين”.
ولا تقف المسألة عند هذا الحدّ، بل إن التدخّل المُستتبع بشرط “التفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد”، ليس بطبيعة الحال بنداً روسياً فحسب، بل بات مرغوباً به أميركياً وأوروبياً. كل لأسبابه: الأميركي بسبب اعتماده مبدأ “الواقعية السياسية”، ببراغماتية قلّ نظيرها، تحت شعار “المحافظة على المصالح الأميركية”، والأوروبي بسبب تدفّق المهاجرين إليه، تحديداً من سورية. بالتالي، إن بعض “الممانعة” الأميركية في السؤال المتوقع أن يطرحه أوباما على بوتين، في لقائهما، حول “جدوى مساعدة الأسد”، يُمكن إدراجه في سياق “إبداء الاهتمام بالوضع السوري والشعب السوري” فقط، وهو أمر لم يحصل فعلياً في السنوات الماضية، حين شُرّد هذا الشعب وقُتل. وفي هذا الصدد، لا يُمكن تجاهل تأكيد الأميركيين أن “برنامج تدريب المعارضة السورية فشل، كون عدد المتدرّبين فعلياً لم يتخطَّ الأربعة أو خمسة عناصر”. وفي هذا التصريح نوعٌ من حركة استباقية، تُمهّد، ليس فقط لمرحلة انتقالية في المواقف، بل أيضاً لمرحلة دعم قوات النظام، على اعتبارها أنها “القوة الوحيدة الموجودة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)”.
بالتالي، سيبقى الكلام عن “مرحلة انتقالية سياسية” كلاماً، تماماً كما كان الكلام عن “دعم الشعب السوري في ثورته”، على أن “الواقعية السياسية”، الأميركية والروسية، ستدفع نحو التفاهم في مرحلة لاحقة على خطواتٍ، قد تكون مفاجئة لأي متتبع لسير الأحداث في السنوات الأخيرة، لكنها ستُكرّس المؤكد: أن لا أحد يعبأ أو يبالي بالإنسان في الشرق الأوسط. وجميعنا بالنسبة إليهم، أرقام، في ملفات مكدّسة في البيت الأبيص أو الكرملين.
العربي الجديد
التدخل الروسي..واحتمال “الفدرلة” لسوريا/ منير الربيع
بسرعة غير متوقعة، بدأت الحركة السياسية تتفاعل حول سوريا، ويقرأ ذلك من خلال المواقف السياسية المستجدة لمختلف الأطراف.
وتأتي هذه المتغيرات على وقع حدثين بارزين تشهدهما الساحة السورية، الأول هو الدخول العسكري الروسي إلى مناطق نفوذ النظام، والثاني هو نجاح المفاوضات بين المعارضة والإيرانيين حول مدينة الزبداني في ريف دمشق مقابل منطقتي كفريا والفوعة في ريف إدلب، والإتجاه إلى إجراء عملية إنتقال لأهالي الزبداني باتجاه ادلب، فيما يخرج أهالي الفوعة وكفريا إلى المنطقة الممتدة بين ريف حمص والقلمون والزبداني.
شيء ما يتحضر لسوريا، كطبخة على نار دولية هادئة، لكن هدوءها لا يشمل معظم الشعب السوري الرافض لأي تسوية لا تعيد له حقوقه التي خرج يطالب بها قبل أربع سنوات ونصف. والغريب في التدخل الروسي، هو ما تبعه من صمت إقليمي إزاءه، لا سيما من قبل المملكة السعودية وتركيا، فيما الموقف الأميركي تدرج كالعادة، من رفض، إلى قبول ضمني، إلى الحديث عن ضرورة التنسيق والتعاون بين الجيش الروسي وقوات التحالف الدولي لضرب الإرهاب، وصولاً إلى موقف وزير الخارجية الأميركي جون كيري حول المرحلة الإنتقالية حين قال: “إن على بشار الأسد الرحيل لكن ليس بالضرورة على الفور”.
جملة المواقف هذه توحي، وكأن بداية نهاية الوضع القائم في سوريا قد بدأت، وما يحصل التحضير للمرحلة الجديدة. فسوريا اليوم تحولت إلى الرجل المريض، تقوده روسيا وإيران عسكرياً وسياسياً، فيما كل القوى الدولية تسعى إلى تقسام سوريا.
بمجرد دخول الروس من دون إثارة أي ضجة من أي طرف من الأطراف، يعني أن ثمة شيئاً قد تمّ تحضيره. ويظهر الصمت التركي للحفاظ على مصالحه مع الروس، ولبقائه قوة مؤثرة في الشمال السوري. ويبقى الروس في الساحل السوري، يعززون مواقعهم ويحافظون على مناطق نفوذهم. فيما الإسرائيلي حصل على ضمانات من الروس خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى موسكو، ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين. أما السعوديون فهمهم الوحيد كسر الهلال الشيعي وعدم هيمنة إيران على سوريا، مقابل إطلاق يدهم في اليمن.
وبذلك، يصبح نظرياً، الشمال السوري مع تركيا، والساحل مع روسيا، والجولان تحت السيطرة الإسرائيلية، فيما يبقى الخلاف على دمشق وحمص.
لا تدع هذه المواقف مجالاً للشك بأن هناك وجهة جديدة على الساحة الدولية في التعاطي مع الملف السوري، بغض النظر عن مدى نجاحها من عدمه. والتصعيد الروسي في سوريا، سيطيل أمد الأزمة ولن يسرّع في الحل، لأنه من غير الممكن النجاح في إصلاح الأوضاع وإنهاء الأزمة السورية مع بقاء بشار الأسد، ولو قبلت بذلك كل الدول. فالصعوبات التي تعترض بقاء الأسد كبيرة جداً، فكيف بأن يحكم بعد كل هذا الكم من الدماء.
كل ما يجري هو محاولات لعقد مؤتمر سوري جديد، قد يكون على غرار إتفاق الطائف، بمعنى عقد طاولة يجتمع حولها كل السوريين، ولا تستثني أحداً بمن فيهم النظام. ولا مشكلة للعرب بذلك، فهمهم الحفاظ على المصالح وعلى مقومات الدولة السورية مقابل إنهاء الهيمنة الإيرانية على سوريا، وهم يعتبرون الهلال الشيعي انكسر بالتدخل الروسي.
هذا في السياسة، وبحال نجاح هذه المساعي الدولية، فيعني أن سوريا ستذهب إلى الفدرلة على غرار ما هو حاصل في العراق. لكن يبقى السؤال الأساس ماذا عن معظم الشعب السوري الذي لم يستأذن أحداً حين خرج في تظاهراته مطالباً بالحرية؟ كل ما يجري لا يوحي بأن ثمة شيئاً سينضج سريعاً، إطالة أمد الأزمة مفتوح وإن بصيغة أخرى، وهذا الشعب لا يزال يراهن على دعم أي طرف إقليمي أو دولي يتبنى قضيته العادلة، التي تحولت إلى بازار لتحقق كل دولة مصالحها على الميدان السوري. أمام كل ذلك ليس لدى السوريين سوى أمرين، الأول إنتظار دعم عسكري فعلي بعتاد نوعي، لهزيمة الروس واستنزافهم كما جرى مع الإيرانيين، هذا بحال كانت بعض الدول وعلى رأسها السعودية غير موافقة على ما يقوم به الروس في سوريا. أما بحال كانت موافقة ليس لدى السوري إلّا العودة إلى هتافه الشهير “يا الله ما النا غيرك يا الله”.
المدن
بوتين يداهم أوباما في سوريا: الأمر لي!/ راجح الخوري
يتراجع الأميركيون إلى الصفوف الخلفية في الساحة السورية، في حين يقتحم فلاديمير بوتين الميدان عسكريًا بكثير من التحدي، ولكأنه يقول لباراك أوباما: لقد فشلتم في قتال «داعش».. تنحّوا جانبًا الأمر لي الآن.
ليست في هذا أي مبالغة، فقبل أسبوعين طرحت وزارة الخارجية الروسية السؤال: ما هي النتائج التي حصلنا عليها بعدما أرسل الائتلاف الدولي قوات لمحاربة الإرهابيين، ثم بدا وكأنه مغرم فقط بإحصاء عدد الغارات الجوية التي يشنها على مواقع «داعش»؟
في الواقع لم يكن هذا السؤال غريبًا، ففي أميركا تطرح منذ أغسطس (آب) من العام الماضي تساؤلات مشابهة طالما رافقت الغموض المتزايد في استراتيجية الإدارة الأميركية حيال الوضع في سوريا والعراق!
في هذا السياق، لم ينسَ أحد قول السيناتور جون ماكين إن استراتيجية أوباما مكتوبة بـ«الحبر الممحو»، ثم إعلانه أمام لجنة الدفاع والشؤون الخارجية في الكونغرس أن المقاتلات الأميركية التي تحلّق فوق مواقع «داعش» في العراق وسوريا غالبًا ما تعود من دون أن تلقي حمولتها من القنابل، وأن الأميركيين يمنعون شركاءهم في التحالف الدولي من قصف هذه الأهداف أحيانًا!
وهكذا عندما أعلن البنتاغون بداية الأسبوع أن روسيا نشرت في مطار حميميم قرب اللاذقية 28 طائرة مقاتلة بعيدة المدى قاذفة للقنابل، إضافة إلى عدد من طائرات الهليكوبتر الهجومية، وأن جسر الإمداد العسكري لقوات النظام يتصاعد كمًا ونوعًا، بدا وكأن الأميركيين فقدوا المبادرة على المسرح السوري، وأنهم باتوا يلهثون وراء الروس الذين قرروا إدارة الحرب ضد الإرهابيين على طريقتهم بعدما عجز الأميركيون عن تحقيق نتائج ملموسة رغم قولهم إنهم أوقفوا تقدم «داعش»!
لا يتحدث بوتين عن دور روسي متفرّد في هذه الحرب، فلقد سعى أولاً إلى تشكيل تحالف إقليمي يضم إيران والسعودية والأردن والنظام السوري، وهو أمر مستحيل، أولاً على خلفية تمسك موسكو ببقاء بشار الأسد وإفشال كل سعي إلى عملية انتقال سياسي ترسي حلاً سياسيًا ينهي مسلسل المذابح في سوريا، وثانيًا على خلفية التعارض الجذري مع سياسة طهران المؤيدة للنظام السوري، والتي تقاتل معه، وكذلك مع تدخلاتها وسياسة العربدة التي تقوم بها في المنطقة.
الآن تقول موسكو إن «التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب» الذي تقوده أميركا لم ينجح، وإن التفاهم بين واشنطن وأنقرة على فتح القواعد التركية أمام الطيران الأميركي وعلى انضمام تركيا إلى الحرب ضد «داعش» لم يغيّر شيئًا من وتيرة القتال البطيئة ضد التنظيم، ولهذا قرر بوتين أن يقتحم الساحة في ظل تحالف يضم روسيا وإيران والعراق والنظام السوري، وهو ما أيقظ كثيرًا من الهواجس العسكرية في واشنطن التي تخشى من حصول تصادم بين مقاتلات البلدين، خصوصًا أن الازدحام الجوي إلى تصاعد، حيث تحلق في الأجواء السورية مقاتلات أميركية وروسية وسورية وكذلك بريطانية وفرنسية!
البيت الأبيض كرر في الأسبوعين الماضيين القول إن واشنطن تريد من روسيا «المشاركة البنّاءة» مع التحالف الدولي بدلاً من أن تزيد من وجودها العسكري في سوريا، لكن المحادثات الهاتفية التي تكررت ثلاث مرات في عشرة أيام بين جون كيري وسيرغي لافروف لم تكن كافية على ما يبدو لجلاء الصورة العسكرية.
لهذا جاء الاتصال الهاتفي الأول منذ 13 شهرًا، بين وزيري دفاع البلدين أشتون كارتر وسيرغي شويغر، وأعلنت واشنطن أن حوار الوزيرين الذي استمر ساعة تقريبًا ركّز على سبل إبقاء جيشيهما بعيدين لتفادي أي صدام عرضي بينهما في الفضاء السوري، في حين ذكرت تقارير دبلوماسية أن الروس والأميركيين أنهوا مشاورات على هامش التدفق العسكري الروسي إلى سوريا، أدّت إلى التوافق على إنشاء غرفة عمليات مشتركة في سوريا تضم ضباطًا من هيئات الأركان في البلدين، وأنه ليس من المستبعد أن ينضمّ إليها ضباط بريطانيون وفرنسيون!
على أي حال فإن معالم الارتباك الأميركي حيال الهجمة الروسية على الساحة السورية كثيرة مضحكة – مبكية إذا جاز القول، ذلك أن جون كيري أعلن صراحة ما يوحي بأن واشنطن تلهث فعلاً وراء موسكو: «إن الولايات المتحدة تسعى للعثور على أرضية مشتركة مع روسيا. الجميع استولت عليهم العجلة. كنا كذلك طوال الوقت، غير أن مستويات الهجرة والدمار المستمر وخطر توسيع رقعة الصراع عبر خطوات أحادية الجانب تضع ثقلاً كبيرًا على الدبلوماسية في هذه اللحظة»!
الصورة الأكثر ارتباكًا وربما عيبًا تتضح من خلال المقارنة بين تدفق الطائرات الروسية التي تهبط في سوريا ناقلة الخبراء والمدربين والصواريخ، وبين شهادة الجنرال لويد أوستن قائد القيادة المركزية الأميركية المستقيل أمام الكونغرس نهاية الأسبوع الماضي، حيث قال إن أربعة أو خمسة من مقاتلي المعارضة السورية الذين دربتهم أميركا لا يزالون يقاتلون ضد الإرهابيين، ويأتي هذا بعدما كانت «جبهة النصرة» قد دمرت «الفرقة 30» التي دربها الأميركيون، واستولت على أسلحتها، وأسرت قائدها العام نديم الحسن، دون أن نسمع أي رد فعل من واشنطن.
وعندما يقول الجنرال لويد إنه «بالوتيرة الحالية البطيئة جدًا لن تتحقق أهداف برنامج التدريب»، وتعلن كريستين ورمث، وكيلة وزارة الدفاع، أنه يجري حاليًا تدريب 100 إلى 120 عنصرًا فقط، فمن الضروري النظر إلى برنامج أوباما لتدريب المعارضين المعتدلين الذي رصد له مبلغ 500 مليون دولار، وكان يفترض أن يخرّج 5400 مقاتل في السنة على مدى ثلاث سنوات على أنه فعلاً مسخرة المساخر، ولكأن البيت الأبيض يريد للدواعش المزيد من حرية الذبح والقتل!
من المبكّر الجزم ما إذا كان بوتين سيهزم الإرهابيين في سوريا أو أنه سيدخل رمالاً متحركة على الطريقة الأفغانية التي يعرفها الجيش الروسي جيدًا، لكن من الواضح أنه ألحق هزيمة معيبة سياسيًا وربما استراتيجيًا بأوباما في سوريا، إلا إذا كان أوباما دفعه إلى الانزلاق في حرب مذهبية تمتد من طرطوس إلى القوقاز مرورًا بالشيشان!
لكن لا مكان للخجل في واشنطن، فعلى امتداد أربعة أعوام كان جون كيري يكرر وراء أوباما أنه لا مكان للأسد في سوريا وعلى الأسد أن يرحل، واليوم يقول إنه على الأسد أن يتنحى ولكن ليس بالضرورة فور التوصل إلى تسوية، وغدًا لن يكون غريبًا إذا هتف مع أوباما: ليبق الأسد رئيسًا إلى الأبد لأنه أحرق البلد، وليستلق بوتين على ظهره ضاحكًا!
الشرق الأوسط