التركي الحائر و«المعلّم المتآمر»
زهير قصيباتي
ليس من الإنصاف اقتياد «الربيع العربي» وثوراته، بعد نصف سنة من الآمال والدماء والتضحيات، الى مقصلة الأحكام المتسرعة، لانتخاب «الخيبة» بوصفها المنتصر الكبير. تلك الخيبة هي الثورة المضادة التي تُقاد حتى عبر وسائل إعلام و «خبراء» في شؤون الأمة وأحوالها ونكساتها ونكباتها، وسباتها وصحوتها.
نصف سنة من زلزال الانتفاضات، لا يكفي النزول الى الشوارع ولا تحدي الدبابات بالصدور العارية، كما يصح القول ان قطف ثمار الربيع غداً وهمٌ يظلم شباب العرب.
وإذ لا تستقيم السياسة مع الأوهام، ولا التمنيات مع الوقائع، يجدر تتبّع رياح القلق لدى الدول المؤثرة في المنطقة وهي تواكب الفصل المرير في الربيع، كما لدى الغرب الذي لم يحوِّل بعد مجلس الأمن إلى جمعية خيرية، رفقاً بالإنسان العربي وحقوقه. ألم تستنفر إيطاليا وترتعب من «قنبلة» اللاجئين الفارين من جحيم كتائب القذافي… ألم تشترط المستشارة الألمانية انغيلا مركل لعهد الحرية في العالم العربي، فرص عمل للشباب العرب في بلدانهم؟
في الشهر السابع ربيعاً، لن تنجب الأنظمة ذات الشعبية الهابطة، الحريات هبةً سخية لمن يحتلون شوارع التغيير وساحاته. المنطقة مرشحة لمزيد من المواجهات مع المجهول الذي يجهله الغرب ذاته، ويتعمم انعدام الوزن.
القلق سيّد، بل الخوف على الكيانات، ومن الحروب «الطارئة»، وأسئلة معلّقة من نوع:
الثورة المضادة في مصر، هل يخمدها تفاهم متجدد بين المجلس العسكري و «ائتلاف شباب الثورة»؟ الائتلاف ذاته، من يجدد وحدته لتحصين الحوار؟
أي جديد يُقلِق دول مجلس التعاون الخليجي من إيران، فتكرر إدانة «استفزازاتها السافرة» و «التآمر» على أمن الدول الست الأعضاء في المجلس؟
لماذا تستنفر أنقرة سفراءها، فتستدعيهم، وتعتبر تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة انقلاباً في «التوازن» اللبناني قد يمهد لازدياد النفوذ الإيراني في المنطقة؟
… ولماذا يخشى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي أهدى الانتصار الكبير لحزبه في الانتخابات إلى بيروت ودمشق وغزة والمنطقة، ان «تستغل» طهران المأزق السوري لتحقيق هيمنة ساحقة في لبنان، تمهيداً لاستيعاب الصدمة التي تلقتها بالرد الخليجي الموحد على أحداث البحرين؟
على وقع مشهد «المخيمات السورية» في تركيا، هل من المبالغة القلق من استعادة السيناريو العراقي ورعاية الغرب «المنطقة الآمنة» الكردية في شمال العراق، بعدما أُرغم مئات الآلاف من أكراد هذا البلد على النزوح إلى ما وراء الحدود التركية؟
هل لتركيا أردوغان مزيد من الوقت والأمل بإقناع الحكم في سورية بأن انطلاقاً سريعاً لقطار الإصلاحات، وإبعاد أذرع أجهزة الأمن عن الشارع والمتظاهرين، هما المخرج الوحيد لإنقاذ سورية من سكة التدويل والتدخل الخارجي… وربما من نصائح مضلِّلة بالإصرار على «الحل الأمني»؟
لدى أنقرة، بات القلق من انزلاق المنطقة الى تقسيمات «طائفية»، يتجاوز سلاح بعضهم حين يوحي بسيناريوات «مؤامرة» بوصفها محركاً لزلزال الشارع. وما دام حزب أردوغان (العدالة والتنمية) لا يستبعد وهو ينصب الخيم للنازحين من سورية، «الاحتمالات الأسوأ» لليوم التالي، لا يخطئ على الأرجح من يعتقدون بتوجيه أنقرة أصابع «المؤامرة» الى دور ما لجهات في إيران، قد تسعى الى التعويض عن «الورقة السورية» إذا فقدت الأمل بقدرة النظام في دمشق على احتواء زلزال الغضب.
… وفي ربيع العرب، يصعب توقّع تنازل تركيا عن دورها، فيما إيران لا تكف عن تلقين الثورات دروساً في الحريات، وعن تحريض حكومات على الاقتداء بخبرتها في خنق أصوات الشباب!
وأما المنازلة التركية – الإيرانية التي تفادتها أنقرة في العراق، فلعلها اليوم باتت على مسافة قصيرة، هي ذاتها المسافة الفاصلة بين تركيا أردوغان وبيروت أو دمشق.
الحياة