التسوية مع الشيطان/ ضحـى حسـن
عن “المصالحة الوطنية” في بعض المدن والبلدات السورية
تقف إحدى مذيعات النظام السوري في ببيلا مرتدية سترة الدفاع الوطني، تحمل في يدها مايك وهي تبتسم لأحد مقاتلي المعارضة الذي يبادلها الابتسامة بدوره. بعد دقائق من دخول المحافظ والجيش السوري إلى المنطقة علت الأصوات تنادي باسقاط النظام، وظهرت جموع غفيرة تسير في شوارع البلدة، بعد ذلك، رفع علم النظام السوري على مبنى بلدية ببيلا، وسمعت هتافات من شوارع المدينة المدمرة تهتف “واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد”. بينما تصافح عناصر الجيش السوري الحر وعناصر جيش النظام وسط تهليل السكان.
لم تكن ببيلا هي المدينة الوحيدة التي وضعت رأسها بين فكي الأسد رغماً عنها، بل قدسيا والمعضمية وبرزة وبيت سحم ويلدا ومخيم اليرموك، لكن هناك ما آثار استغراب واستهجان الكثيرين، وطرح تساؤلات عدة حول الصور التي نشرت في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام، إذ نشر في صفحات المؤيدين تعليقات عدة تطالب بعنوان المذيعة المؤيدة من أجل معاقبتها على الابتسام لعنصر الجيش الحر، فيما آثار ابتسام الأخير لها استهجان المعارضة أيضاً. وظهرت صورة أخرى لأحد المراسلين المؤيدين يقف وسط عنصرين من الحر والنظام ويعانقهما سويةً.
تنص هذه التسوية – المصالحة الوطنية بين النظام السوري وسكان ببيلا على: وقف إطلاق النار، وتسليم مقاتلي المعارضة أسلحتهم الثقيلة، ورفع الحصار الخانق الذي تفرضه القوات النظامية على المناطق التي يسيطر عليها هؤلاء المقاتلون، والسماح بدخول المواد الغذائية إليها، ووضع حاجز مشترك عند مدخل البلدة، ورفع العلم الرسمي للنظام على مؤسسات الدولة في هذه المناطق.
“المصالحة الوطنية”، هي البند الرابع من البنود التي طرحت في مفاوضات جنيف 2، إذ يفسر هذا المصطلح التوافق الوطني والذي يهدف إلى تقريب وجهات النظر المختلفة، وسد الفجوات بين الاطراف المتخاصمة، وتصحيح ما ترتب عنها من أخطاء وإيجاد حلول مقبولة لها، بمنهجية المسالمة لا العنف.
النظام السوري نفذ البند الرابع بطريقته الخاصة، تحت المسمى نفسه، إذ قام بمحاصرة البلدة لمدة تزيد عن 10 أشهر، قام خلالها بتدمير ببيلاعبر قصفها بالمدفيعة الثقيلة وراجمات الصواريخ والطيران الحربي، كما قطع عنها الموارد الغذائية والطبية والخدمية من ماء وكهرباء. كان ذلك هو الخطوة الأولى باتجاه “مصالحته الوطنية” مع السكان، ليعرض عليهم الخضوع له تحت وعود بإيقاف القصف، وإمدادهم بكل ما قطعه عنهم.
“الموت ولا المذلة” هتاف ردده الشباب الملتفون حول عبد الباسط الساروت في مظاهرة خرجت وسط حمص المحاصرة رداً على ماحدث في ببيلا والمعضمية والمناطق الأخرى، ورفضاً للتسوية التي قاموا بها، هتف المتظاهرون من بين الدمار والركام مؤكدين على صمودهم ضد النظام السوري.
حمص المحاصرة أقامت تسوية أيضاً مع النظام، ولكن بشكل مختلف عن ببيلا، إذ توصل طرفا المعارضة والنظام بإشراف الأمم المتحدة إلى اتفاق تم تنفيذ جزء كبير منه، وهو إخراج النساء والأطفال والعجزة وإدخال المساعدات إلى من تبقى هناك.
في تلك الأثناء قصف النظام الأحياء المحاصرة وأطلق النار على النازحين، كما أكد ناشطون أن النظام قام باعتقال أكثر من 300 مدني من أهالي حمص الذين خرجوا من الحصار، وهم معتقلون في مدارس الأحياء الموالية.
المناطق المحاصرة في سوريا لم تعد قادرة على الصمود كثيراً في وجه ما تتعرض له بعد مرور كل هذا الوقت، التسويات والهدن والمصالحات الوطنية، تسميات كثيرة هي ليست إلا غطاء يخفي السكين الذي يضعه النظام في ظهر سكان هذه المدن، حتى يشرّعوا أبوابهم، بعد أن حطم منازلهم وقتل منهم ماقتل، ليكمل ما بدأه.
وفيما يغرق المجتمع الدولي في المفاوضات والحوار والنقاشات واللقاءات السياسية، في محاولة، على حد قوله، لإيجاد حل للأزمة في سوريا، يقوم النظام بحصار المناطق المحررة، ليقطع شريان الحياة عنها، ويقوم بإنهاكها وتجويعها حتى تقبل بـ”المصالحة الوطنية”، ويكلل نصره كما يظن، بصور كتلك التي عرضت في ببيلا.
ربما نحن لا نعرف كل التفاصيل، أو لربما من الصعب أن نصدق ان النظام استطاع فعلاً إعادة السيطرة بشكل أو بآخر على ببيلا والمعضمية وغيرهما. لكن التعرض للموت جوعاً أو تحت القصف بعد مضي عام تقريباً على حصار خانق دون أي أمل بالحصول على دعم أو مساعدة، كاف لأن يجعل من البعض مرغماً على توقيع تسوية مع الشيطان نفسه، وإن كان على يقين بأنه سيطعنه في ظهره قريباً.
موقع لبنان ناو