التصويت تحت التهديد/ دلال البزري
لم يكن ينقصْ اللاجئين السوريين في لبنان إلا مصيبة إضافية، لينفرد الشعب السوري كله بنكبته عن كل الشعوب الأخرى: فبعدما عاملتهم السلطات المختصة وكأنهم جزء من مشهد عام، تصيبهم الفوضى اللبنانية بقدر أكبر مما تصيب اللبنانيين أنفسهم، وبعدما باتوا “مصدرا لكل الشرور”، بعدما علتْ أصوات تدعو هذه السلطات إلى “تشديد الإجراءات الأمنية” بحقهم، لأنهم يرتكبون ما يرتكبون، أو إلى حماية سوق العمل اللبناني من منافستهم الشرسة… وهم على كرَبهم هذا، على نكبتهم التي لا تقاس بأي نكبة، حتى الفلسطينية منها، ها هم يتعرضون لنوع من الضغط السياسي، الفريد من نوعه أيضاً.
فبعدما انصاع “حزب الله” لتعليمات قيادته، وانخرط في معركة حماية بشار الأسد في سوريا، والقتال العسكري في صفوفه، أو خلفها، ها هو يخوض معركة أخرى، “سياسية”، “ديموقراطية”، في الأراضي اللبنانية: يضغط على أولئك اللاجئين ليصوتوا لبشار الأسد رئيساً للجمهورية، بعدما لفظهم من ديارهم ودمّرها؛ يجولون عليهم ويسجلون أسماءهم.. إما بالتهديد أو الإبتزاز.
الإعلام لم يتطرّق، بعد، إلى هذا الموضوع، لأنه، من بين الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري، تتسم هذه الجريمة تحديداً بعدم قدرتها على تحمل العلنية؛ فما أن يعرِّف بها الإعلام حتى يبطل مفعولها؛ فيما براهينها الملموسة تعصى على الإستكشاف. الجميع سوف ينفيها، هذه الضغوط، بعكس طبول المساعدات أو تقديمها. فهل اللاجىء المعرَّض لكهذا ضغوط، سوف يكون متمتعا بحرية تسمح له بالقول أمام الشاشة بأن عناصر “حزب الله”، أو “مندوبين” عنه، جاؤا إليه وفرضوا عليه، وعلى أفراد عائلته، التصويت لبشار الأسد رئيساً؟ ومن، في المقابل، من بين هؤلاء العناصر أو “المندوبين” الحزبيين سوف يعتلي المنبر ويتبجَّح بانتصاره على أناس فقدوا كل شيء، كل شيء… بكسره إنسانيتهم؟ وبأمرهم بالتصويت لبشار؟ الإعلام و”المندوبين” أقل شجاعة من ذلك…
لذلك علينا الإعتماد على مخيلتنا لنتصور ما يمكن أن يُهدَّد به اللاجىء السوري في لبنان؟ بما يمكن ان يُبتز؟ علينا توسيع خيال البؤس والمأساة كثيراً لنتصور أنواع الحرمان المستحدثة للضغط على الأضعف من بين الضعفاء، أو لإبتزازهم: بحياتهم؟ بحياة أعزّهم؟ بخيرهم؟ باستقرارهم؟ بأن ينقلوا أكياس النايلون فوق ظهورهم ويرحلوا عن الخيمة البائسة التي تأويهم وسط أحراج وعرة؟ فيتوهوا في البراري أو الأزقة؟ بشرفهم؟ بأن تهان نساؤهم وبناتهم؟ بأن يخضعهن لعبودية السمعة السيئة؟ بلقمة عيشهم؟ فلا يعودوا ينالون شيئاً، بعدما كانت بضعة ملاليم تعوض عن نكبتهم؟ (وهل يعوض عن نكبة؟) أم بعودتهم إلى ديارهم؟ بأن لا يعودوا إليها، أو يعودوا الآن… تحت النيران، لأن “أرض السلام” لا تتحمّلهم؟
الضغوط التي يمارسهما “حزب الله”، وربما أحزاب أخرى حليفة له، ليست رأياً ولا معلومة؛ انها واقع حال، تتسرب تفاصيله في التقاطع الحاصل بين روايات الناس. وهي، أي ضغوط “حزب الله”، مثل مشاركته في القتال في سوريا إلى جانب قوات بشار، ليست مدعاة لكبير عجب. انها من ضمن المنطق الحاكم ل”الخط السياسي” الخاص بالحزب. وهي على كل حال معركة يتواجه بسلاحه مع سلاح آخر، وإن كان أكثر منه شوكة. أما ان يستمر بهذا الخط كالقطر، لا يزيح عن سكته الحديدية قيد انملة، فيقاتل ويهدد بسلاحه من فقد كل شيء في حياته، فهذه وصمة عار أخلاقية دينية، قبل أن تكون انتهاكاً فاضحاً لكل قوانين الحرب والسلم.
غداً سوف نشاهد المزيد من التظاهرات المؤيدة لبشار رئيساً في شوارع بيروت. ويوم الاقتراع، سوف يقتظ مقر السفارة السورية في الحازمية بالزحف الجماهيري الحاشد، الآتي بالباصات، من نساء ورجال بائسين، فاقدين لكل شيء، تمكّنت اليد الطولى البعثية من جلبهم إلى حيث واجبهم الأول والأخير: طاعة بشار، التصويت لبشار، بعدما حولهم الى كتلة هلامية يتلاعب بها “حزب الله” بتكاليف قليلة جداً.