التطرف ليس غريباً عنّا/ إبراهيم غرايبة
تحول المتطرفون في المخيال الشعبي والإعلامي إلى كائنات هبطت علينا من الفضاء، وأما نحن فبريئون منهم، نؤمن بالاعتدال، وتاريخنا وأفكارنا على الدوام تشهد بالتسامح والتعدد والتنوع وقبول الآخر! وفي حمى الهياج التي أصابت الرأي العام ووسائل الإعلام بعد المواجهة المسلحة التي جرت بين القوات الأمنية ومجموعة من المتطرفين في مدينة إربد شمال الأردن، لم يعد مجال للتساؤل ببداهة: هل يعتقد المتطرفون اعتقادات مختلفة عما يعتقد معظمنا؟ أو مما قدم في رسائل ماجستير ودكتوراه نوقشت وأقرت في الجامعات الحكومية؟
لا يعتقد المتطرفون اعتقادات مختلفة عما يقدم في مناهج التعليم الديني في المدارس والجامعات والمساجد في الدول العربية والإسلامية، ولا يدعون إلى غير ما تدعو إليه المؤسسات والشخصيات الدينية الرسمية والاجتماعية، بل ما تقره وتطبقه القوانين والأنظمة والتشريعات النافذة في الدول العربية والإسلامية.
لذلك فالتخلص من التطرف لا سبيل له سوى أن نراجع أفراداً وحكومات ومجتمعات مواقفنا وأفكارنا ونتخلص من مصادر التطرف في أنفسنا وسلوكنا وسياساتنا وتشريعاتنا ومؤسساتنا، ويمكن ببساطة إيجاز التطابق بين المتطرفين والدول والمجتمعات والأفراد في عالم الإسلام مما يعتبر بداهة مورد العنف والاستبداد الديني والسياسي: الاعتقاد بأن ثمة حقاً نزل من السماء لتنظيم حياة الناس وفهم عالمهم المشهود، وفرض أحكام على الناس في تنظيم شؤونهم وعلاقاتها باعتبارها حقاً نزل من السماء، ومحاسبة الناس على اعتقاداتهم وآرائهم ومعاقبتهم بسببها، وفرض محتوى ديني على الناس في المدارس والجامعات والمساجد، والتدخل في إدارة وتنظيم الشأن الديني والمحتوى الديني، والاعتقاد بوجود نظام إسلامي أو ديني للحكم أو الاقتصاد أو البنوك أو التعليم أو الإعلام أو سائر شؤون الحياة، وفرض قانون ديني على الناس لتنظيم أحوالهم الشخصية والعامة، والتمييز بين الناس على أساس الدين في الحقوق والمواطنة، والإشارة إلى الدين في الوثائق الرسمية والشخصية، وقيام السلطة التنفيذية بدور ديني في التعليم أو الإفتاء أو الدعوة أو الوعظ والإرشاد.
فالتطرف هو كل تطبيق أو فهم للدين يتعدى الفرد والعلاقة بين الإنسان بما هو فرد وبين السماء، سواء كان هذا الانتقال من مجال الفرد إلى المجال العام تقوم به سلطة سياسية أو جماعة، أو كان في محتواه صحيحاً أو خطأً، معتدلاً أو متطرفاً، تنويرياً أم تقليدياً.
ويندرج في التطرف الدعوة إلى دور ديني تنويري مباشر للدول، أو أن تعيد الحكومات النظر في مناهج التعليم الديني في المدارس والجامعات وفي محتوى الوعظ والإرشاد في المساجد لتكون معتدلة وتنويرية وهي أيضاً تطرف ديني واستبداد سياسي. فأن يحول التنوير الديني إلى مادة مفروضة في المدارس والجامعات والمساجد يعني فرضه على الطلاب والمواطنين بالقوة، وأن تواصل الدولة دوراً وصائياً على المجتمع وقهرياً على ضمائر الناس ولا فرق في القهر الفكري أن يكون محتواه تنويراً أو تخلفاً.
لكن المطلوب هو أن تطور العمليات التعليمية والاجتماعية بمجملها لتكون في بيئة من الحريات والتفكير النقدي والإبداع والفلسفة والفنون وأن يقدم المحتوى العلمي في الشأن الديني أو الاجتماعي أو التاريخي من دون تحيز أو تقديس وبمناهج وأدوات نقدية وتعددية تسمح بالتقييم والنقد والترجيح والحياد.
فالدرس الأول والأهم مما حدث ويحدث من صراع وعنف ديني أن تكف الدول والجماعات والهيئات يدها عن الدين ولا تتدخل فيه بشيء وتتركه للأفراد من دون تدخل أو امتداد للشأن العام.
* كاتب أردني
الحياة