التعاون والتنسيق الأمني والاستخباري بين النظام في سورية والولايات المتحدة الأميركية
د. قصي غريب
بعد أن تعرضت الولايات المتحدة الأميركية في 11 أيلول 2001 الى هجمات على نيويورك وواشنطن، بدأت مرحلة جديدة في السياسة الخارجية الأميركية تقوم على مبدأ لا حياد في الحرب ضد الارهاب، فأعلن الرئيس جورج دبليو بوش أكثر من مرة : ” أما أنت معنا أو ضدنا في الحرب على الارهاب “، وكرر مراراً : ” أما أنت معنا أو أنت مع الارهابيين “، وتماهياً مع هذه السياسة الأميركية أدان النظام في سورية الهجمات، فبعث الرئيس بشار الأسد الى الرئيس بوش رسالة دعا فيها الى تعاون دولي لاجتثاث أفة الارهاب من جذورها وبذل النشاط الدؤوب للدفاع عن حقوق الانسان في الحياة بسلام وأمن، وعلى الرغم من هذا الموقف المتزلف، فقد هاجم ريتشارد أرميتاج نائب وزير الخارجية الأميركية النظام في سورية وطالبه بوقف دعمه للارهاب، ولكن احتج النظام على تصريحه وأكد على انه يقف الى جانب الولايات المتحدة في الحرب ضد الارهاب، مما دعا الرئيس بوش الى القول ان : ” السوريين تحدثوا إلينا بشأن كيف يمكنهم المساعدة في الحرب على الارهاب، إننا نأخذ ذلك مأخذ الجدية وسنعطيهم فرصة ليفعلوا ذلك “. ولاثبات حسن النية والولاء عرض النظام في سورية مساعدته على الولايات المتحدة في مجال مكافحة الارهاب، وبدأت أجهزته الأمنية باتخاذ خطوات ملموسة في ما يتعلق بالبحث في الحسابات المصرفية السورية لأشخاص ومنظمات تسمى ارهابية، وزودتها بمعلومات استخبارية عن خلايا تنظيم القاعدة العاملة في سورية وأوربة، كما عرض الرئيس بشار أن يساعدها في تحقيقاتها، فوصل الى سورية وكلاء من مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي في 2002 للتحري عن أعضاء تنظيم القاعدة الذين كانوا في سورية أو الذين لهم علاقات مع مواطنين سوريين، وأبدى الأميركيون امتناناً للمسئولين السوريين لمساعدتهم، فالرئيس بوش اتصل بالرئيس بشار لشكره، وقد أكد كبار المسئولون الأميركيون، أن المعلومات التي قدمتها السلطات السورية مكنت من احباط هجمات على أهداف أميركية، وأنقذت حياة الكثير من الأميركيين. وكان الرد الأميركي لمساعدة النظام في سورية أن قامت ادارة الرئيس بوش بمكافأته بان بقيت صامتة على تواجده العسكري في لبنان، وأسهمت في انتخابه عضواً غير دائم في مجلس الأمن في تشرين الاول 2001.
وفي سبيل تحسين النظام في سورية صورته، ولاثبات الولاء التام لدى واشنطن، فان أجهزته الأمنية ومنذ هجمات 11 أيلول 2001 والى اليوم تتعاون مع وكالة المخابرات المركزية الأميركية، فهناك خط اتصال وتعاون ثنائي بينها وبين ونظيرتها في سورية، ضد تنظيم القاعدة وغيرها من التنظيمات الاخرى، فضلاً عن مراقبة مواطنين سوريين، فقد صرح رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي بيل غراهام بعد زيارة إلى سورية التقى بالرئيس بشار في شتاء 2002، ان سورية قد تعاونت في مكافحة الارهاب، وفي 21 حزيران 2002 أكد فينست كاينسترار المسئول السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية عن مكافحة الارهاب الى صحيفة واشنطن بوست : ” ان سورية تتعاون بشكل كامل مع التحقيقات حول تنظيم القاعدة والأفراد المرتبطين به، وفي بعض الحالات طالبت سورية بتأجيل اعتقال بعض الأشخاص من أجل التنصت على مكالماتهم الهاتفية ومتابعة تنقلاتهم لابلاغ الولايات المتحدة عنها “، وعلى الرغم من هذا التعاون والولاء التام، فقد أكد وزير الخارجية الأميركية كولن باول، ان تعاون النظام في سورية في الحرب ضد الارهاب لا يعني اننا سنتراجع عن الانتقادات ضده، بسبب تأييده للمنظمات الارهابية، لقد ساعدونا ونحن نقدر ذلك، ولكن هذا لا يمنع عن التجادل وتوجيه النقد لهم.
وفي الفترة الأخيرة كشف موقع ويكيليكس من خلال وثيقتين أميركيتين سريتين صادرتين عن السفارة الأميركية في دمشق، ان النظام في سورية وفي مقدمته الرئيس بشار الأسد لا يزال يعرض خدماته الأمنية والاستخبارية على المسئولين الأميركيين، من خلال استعراض دوره أمامهم في مكافحة الارهاب، وكفاءة ومهارة مخابراته في التعامل مع ما يسمى بالتنظيمات الارهابية، وقدرتها الخارقة على اختراقها، والتغلغل فيها وكشف عملياتها حتى خارج سورية، فقد كشفت الوثيقة السرية الأولى الصادرة عن السفارة الأميركية في دمشق تفاصيل اللقاء الذي جرى في شباط 2009، وجمع الرئيس بشار الأسد ومعه وزير الخارجية وليد المعلم، والسفير في واشنطن عماد مصطفى، وبثينة شعبان مع وفد من الكونجرس الأميركي برئاسة السيناتور بنيامين كاردين، ومعه من مجلس الشيوخ، بنيامين كاردين، وشيلدون وايتهاوس، وروجر وايكر، وتوم اودال،ومن مجلس النواب مايك ماكنتري، وجوين مور، والقائمة بأعمال السفارة الأميركية في دمشق مورا كونيللي، وعدد من أعضاء السفارة. وقد ورد في الوثيقة ان السيناتور توم أودال سأل الرئيس بشار : ما الرسالة التي تريد من السيناتور كاردين رئيس الوفد إيصالها للإدارة الأميركية الجديدة ؟، فكان جوابه : أنه رأى مصلحتين مشتركتين بين سورية والولايات المتحدة وهما السلام في المنطقة ومكافحة الإرهاب – وبالفعل فقد تكررت زيارات المسئولين الأميركيين الى دمشق وكان على رأسهم جورج ميتشل المبعوث الخاص للشرق الأوسط وجيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشئون الشرق الأدنى – وان نظامه والولايات المتحدة يتشاركان المصلحة في 70 % من الأمور والباقي هو اختلاف في وجهة النظر وأعاد التأكيد على أن نظامه ليس عدواً للولايات المتحدة، وانه أنقذ أرواح الأميركيين، موضحاً أنه في 2002 سلّم معلومات لملك البحرين حول هجوم وشيك على مواطنين أميركيين – هنا أكد عماد مصطفى السفير السوري في واشنطن أن وزير الخارجية الأميركية كولن باول بعث برسالة يعرب فيها عن امتنانه لهذه المساعدة – وأن نظامه كان في مقدمة من حارب الإرهاب منذ أن قمع جماعة الإخوان المسلمين في 1982، وزعم ان نظامه قد أرسل في منتصف الثمانينات وفداً إلى أوربة للتعبير عن الحاجة لتشكيل ائتلاف لمكافحة الإرهاب، إلا أنه لم يلق آذاناً صاغية حينها، وإنه يريد أن يعرف متى ستتبنى الولايات المتحدة نهجاً جديداً تجاه الإرهاب ؟، فعندما جاء الى دمشق وليم بيرنز مساعد وزيرة الخارجية الأميركية وممثلين عن الجيش الأميركي ووكالة المخابرات المركزية الأميركية، أكدنا لهم اننا جاهزون للتعاون وبعد ان غادروا انتظرنا أن يرسلوا اقتراحاتهم ولكن لم يصلنا شيء.
أما الوثيقة السرية الثانية فهي برقية للقائم بالأعمال الأميركي في دمشق تشارلز هنتر، تضمنت اجتماع كان قد عقده دبلوماسيون سوريون في 18 شباط 2010 في دمشق مع مسؤولين أميركيين، وقد ورد فيها إن اللواء علي المملوك مدير إدارة المخابرات العامة السورية، قد ظهر فجاءة في الاجتماع الذي كان يعقده وفد أميركي برئاسة دانيال بنجامين منسق مكافحة الإرهاب في الإدارة الأميركية، مع فيصل المقداد نائب وزير الخارجية السورية، وعماد مصطفى السفير السوري في واشنطن ، وقد فسر المقداد حضور المملوك بأن الرئيس بشار طلب منه المشاركة في الاجتماع، وعدها بادرة إيجابية تلي الاجتماع الذي عقده قبل ذلك بيوم واحد الرئيس بشار الأسد مع وليم بيرنز مساعد وزيرة الخارجية الأميركية، وشدد على أن الاجتماع ليس بداية لتعاون في مجال الأمن والاستخبارات بين سورية والولايات المتحدة, وإن المداولات قد تكون نقطة انطلاق لتعاون محتمل بين الطرفين في المستقبل.
الا أن بنجامين، شدد على أن التعاون في جهود مكافحة الإرهاب جزء ضروري من خارطة طريق تحسين العلاقات الثنائية على الرغم من بعض القضايا الخلافية، ولكن يجب مواصلة العمل والتعاون ضد التهديدات الماثلة أمام الولايات المتحدة وسورية ومن بينها انتشار الجماعات التكفيرية في المنطقة، وكانوا المملوك والمقداد ومصطفى يصغون بانتباه الى الشرح الذي قدمه المسئول الأميركي.
وقد تحدث المملوك عن العلاقة بين التقدم في الموضوعات السياسية الخاصة بالعلاقات السورية الأميركية، والتعاون المحتمل في مجالي الأمن والاستخبارات، وكرر ما قاله المقداد من أن مشاركته في الاجتماع ليست مؤشراً على بداية تعاون أمني واستخباري أميركي سوري، بل نقطة انطلاق لاحتمال تعاون لم يبدأ بعد، ونوه الى أن تجربة 30 عاماً من قتال الجماعات ( المتطرفة ) في سورية، مثل جماعة الاخوان المسلمين، تعطي دليلاً على التزام نظامه بمكافحة الارهاب، الذي كان أنجح من الولايات المتحدة والدول الأخرى في المنطقة في مجال مكافحة التنظيمات الإرهابية قائلاً : ” لأننا كنا عمليين لا نظريين لكن إذا تعاونا سوياً سنحقق نتائج أفضل وسندافع عن مصالحنا المشتركة بشكل أفضل “، وأرجع نجاح نظامه لقدرة مخابراته على التغلغل داخل تلك الجماعات، وقال : ” من حيث المبدأ نحن لم نهاجمهم أو نقم بقتلهم على الفور، نحن نقوم بالتحرك في الوقت المناسب “، ووصف عملية اختراق الجماعات الارهابية وزرع عملاء داخلها، بانها معقدة وأدت الى اعتقال عدد من الارهابيين، وتفكيك خلايا، ومنع المئات منهم من التسلل الى العراق.
وبناء على ما تقدم فان هناك تعاون وتنسيق أمني واستخباري وثيق وعالي المستوى، – ولا سيما حتى على مواطنين سوريين – بين نظام العصابات الذي يحكم بلادنا بالقوة المفرطة والقهر المنظم والذي يدعي الممانعة والمقاومة، وبين الولايات المتحدة الأميركية التي يتهم النظام المنتفضين ضد استبداده وفساده ( بالعمالة ) لها وهم اليوم يمثلون أغلبية الشعب السوري.
إذا كان التعاون بين النظام السوري والمخابرات الأمريكية يقتصر حول تنظيم القاعدة والإرهابيين والتكفيريين فهذه نقطة تحسب له لا عليه ، ومعظم الأجهزة الأمنية في العالم تضافرت جهودها للقضاء على هذه التنظيمات الإرهابية ولم ينتقد المعارضون لها جهودها ، اللهم إلا المرتبطون بهذه التنظيمات الإرهابية أو المتعاطفون معها .
ثم ألم تكن تعلم ، أن التعاون الاستخباراتي كان موجودًا بين أمريكا ونظام صدام عبر مكتب رسمي للسي آي إيه في بغداد ؟ وأن أمريكا ساهمت بإحباط جميع المحاولات الانفلابية العسكرية ضد صدام ؟ وأنها كانت تزوده بصور الأقمارالصناعية للمواقع الحربية الإيرانية في حربه ضد إيران ..تلك الحرب التي شاركت فيها البعثيون أيتام عفلق كمجندين متطوعين في قواطع الجيش الشعبي الذي كان يترأسه طه ياسين رمضان ! كل ذلك لم يمنع أمريكا من التضحية به عندما نضجت الظروف فهي تعمل وفق مبدأ “تزغيط البط ” أي تسمينه لتحين ساعة ذبحه على يديها ! وهكذا هي مع النظام السوري ، فأنت لم تأت بشيء جديد ، و كل مافي الأمر أنك صرت تحشو كلامك بأسماء الأعلام الأجنبية لتبدو عليك الثقافة