التعليم في دمشق.. “حسَب الحي”/ يمنى الدمشقي
دمشق
دخلت الثورة السورية عامها الخامس، وبقي الخاسر الأكبر في الحرب هم الأطفال، فمن الاعتقال إلى الموت والأمراض التي أصابت فئة كبيرة منهم، وصولاً إلى دفعهم إلى استخدام السلاح وتصويرهم متباهين بذلك، وليس انتهاءً بالتعليم، حيث باتت مشكلة التعليم من أخطر المشاكل التي تواجه سوريا بعد حرمان الكثير من أطفالها من الدراسة.
ووفق آخر إحصائية لـ”اليونيسف” فإن حوالى مليوني طفل سوري، داخل سوريا، محرومون من التعليم وواحدة من كل 5 مدارس دُمّرت أو حولت إلى مركز إيواء أو ثكنة عسكرية. ففي دمشق، مثلاً، يتوقف ذهاب التلاميذ إلى المدارس على المنطقة التي يعيشون فيها. ففي أحياء مثل برزة والقابون دُمِرَتْ غالبية المدارس بشكل جزئي وتوقف التلامذة لفترة عن الدراسة بسبب نزوح معظمهم خارج أحيائهم أثناء الاشتباكات بين المعارضة المسلحة والنظام. وكانت “مدرسة الحياة” في حي القابون قد أستهدفت من قبل النظام بقذائف صاروخية تسببت بمقتل 17 طالباً، وأغلقت المدرسة بعد هذه الحادثة شهرين كاملين لينقطع بعدها عدد من الأطفال عن الدراسة، وفقاً لإحدى المدرّسات.
أما في مخيم اليرموك، جنوب العاصمة دمشق، والذي يعاني من حصار خانق منذ أكثر من عامين، تضاف إليه الاشتباكات العنيفة التي تدور فيه منذ أيّام، فإن التعليم بات من الكماليات. وتقول وسام، إحدى المشرفات على عمل احدى الجميعات الخيرية في المخيم، إنها تقوم بإحضار أطفال من المخيم إلى مركز الجمعية وتحاول أن تنظم لهم أنشطة كالرسم والقراءة “لكن كثيرين يرفضون ويعانون من عزلة دائمة”.
وتقول فاتن، وهي أم لأربعة أطفال، اثنان منهم في التعليم الأساسي، أنها باتت تخشى إرسال أطفالها “إلى المدرسة خوفاً من أن يتحدثوا في السياسة فيسببوا مشاكل لنا ولأبيهم”، لا سيما أنهم يقطنون في حي مجاور لحي مؤيد للنظام السوري، حيث يتجمع أبناء مؤيدين للنظام وأبناء معارضين له في المدرسة نفسها، لتبدأ المناوشات بين الطرفين. وقد بات السلاح منتشراً بشكل كبير بين الأطفال دون سن الـ15 عاماً حيث يقوم بعضهم بحمل السكاكين أو “الموس” أو المسدسات في محاولة منهم لترهيب زملائهم.
وتراجعت أمل عن إرسال ابنتها (الثالث إعدادي) إلى المدرسة منذ بدء الحديث عن أمراض تنتشر في المدارس، حيث تقول إن “أكثر من ثلثي التلاميذ في مدرسة ابنتي مصابون باليرقان وقد سمعنا عن حالات وفاة. فآثرتُ أن تتلقى دروساً خصوصية في البيت”.
وتبقى المشكلة الاقتصادية إحدى أسباب امتناع الأهل عن إرسال أبنائهم إلى المدارس في سوريا، حيث تعجز عائلات كثيرة عن شراء القرطاسية وثياب المدرسة والكتب وتأمين متطلبات التعليم لأطفالها، فيلجأ الأطفال في هذه الحالة إلى الأعمال الشاقة كحمل الحجارة والرمل أو العمل في محال السيارات والبقالة لمساعدة أهلهم.
وإضافة إلى امتناع الأهل عن إرسال أبنائهم إلى المدرسة فإن الكثير من التلاميذ يرفضون الذهاب الى المدرسة، ويتحججون بصعوبة المناهج ومرابطة الأمن على أبواب مدارسهم ومضايقة زملائهم لهم.
بينما يختلف الوضع قليلاً داخل دمشق وفي المناطق الأكثر هدوءاً. ففي مناطق الصالحية وشارع بغداد والمالكي، التي يسيطر عليها النظام بشكل كامل، يذهب الأطفال إلى المدارس بوتيرة شبه عادية ويقومون بمختلف النشاطات المدرسية.
وقد لجأ العديد من نشطاء الثورة إلى تأسيس معاهد دراسية بديلة عن المدارس الرسمية، تدرّس مناهج جديدة، إضافة إلى دورات في اللغة الإنكليزية والفرنسية والكومبيوتر. وتُموّل هذه المعاهد من أشخاص يعيشون في الخارج. وقد لاقت هذه المعاهد ترحيباً كبيراً من الأهالي والطلاب في حي برزة، مثلاً، إذ استطاعت أن تؤوي عدداً كبيراً من المنقطعين عن الدراسة (حوالي 400 طالب في “معهد المستقبل” في حي برزة)، ومن جهة أخرى استطاعت تأمين فرص عمل للمدّرسين.
وفي الغوطة الشرقية، أسست مديرية تعليم خاصة بأهالي المنطقة. وأكد محمد عبد الرحمن، أحد مؤسسي هذه المديرية، لـ”المدن” ان “المديرية أنشئت في أيلول 2014، وتقوم بتنظيم المناهج في المدارس داخل المنطقة، بعد حذف مادة القومية العربية وكل ما يتعلق بنظام الأسد في المواد الأخرى كمادة التاريخ. في حين يتقدم التلاميذ بامتحانات في نهاية العام الدراسي ويحصلون على شهادة موقعة من الحكومة المؤقتة التابعة للمعارضة السورية”. لكن المشكلة تكمن في عدم تمكن المديرية من تأمين رواتب المدرسين بشكل دائم وتهرب الحكومة من واجباتها، مما قد يجعل الوضع التعليمي أسوأ في حال استمر الوضع على ما هو عليه، فـ”بعض المدرسين يتذمرون نتيجة سوء الحالة الاقتصادية”، كما يقول.
المدن