التعليم في شرق سورية..داعش يقضي على مستقبل الطلاب وحاضرهم/ حلب – رامي سويد
أنهى مروان ويامن وعدنان، أبناء مدينة منبج التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في ريف حلب الشرقي، عامهم الثالث دون الذهاب إلى المدرسة، ما جعل الأطفال الثلاثة، يدخلون فعلياً في عداد الأميين، بعد بلوغهم عامهم العاشر، دون أن يملكوا القدرة على تمييز الحروف أو الكتابة والقراءة.
يعد مروان ويامن وعدنان، نموذجاً لمئات آلاف الأطفال والشبان، ممن ضاع مستقبلهم التعليمي، لأنهم يعيشون في مناطق سيطرة داعش، الذي لم يكتف بإغلاق المدارس العامة، بل ضيق التنظيم على معاهد التعليم الخاص، قبل أن تتسبب أحكامه الشرعية بإغلاق غالبيتها العظمى، ليصل التنظيم أخيراً إلى منع الطلاب الجامعيين من التوجه لإكمال دراستهم في الجامعات التي تواصل عملها في مناطق سيطرة النظام السوري، ما وضع مستقبل مئات آلاف الأطفال والشبان السوريين في مهب الريح، دون أن يكترث التنظيم بذلك، مكتفياً بافتتاح مدارس قليلة تدرس مناهج كفيلة بتخريج منتسبين جدد للتنظيم.
منع التعليم العام
يعد التعليم الابتدائي والإعدادي في سورية إلزامياً لكل الأطفال، حتى عمر خمسة عشر عاماً، إلا أن حالة الفوضى والاضطرابات التي عمت المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام السوري، بالإضافة إلى تحول عدد كبير من المدارس في هذه المناطق إلى مراكز لإيواء النازحين من مناطق أخرى، تسببت في توقف عدد كبير من المدارس التي تقع في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، عن العمل.
” ومع سيطرة داعش تدريجيا مطلع العام الماضي على محافظتي الرقة ودير الزور شرق سورية وسيطرته على ريف حلب الشرقي وأجزاء من ريف الحسكة وريف حمص الشرقي، قررت قيادة التنظيم إغلاق جميع المدارس الموجودة في مناطق سيطرته، بذريعة أن هذه المدارس تقوم بتدريس مناهج تتعارض مع رؤية التنظيم للشريعة الإسلامية.
يؤكد الناشط الحقوقي ياسر الجميلي أن التنظيم قرر منذ سيطرته على ريف حلب الشرقي إغلاق كافة المدارس العامة في المناطق التي يسيطر عليها بعد أن وضع يده على هذه المدارس، قبل أن يعلن أن جميع العاملين في المنظومة التعليمة من مدرسين ومديرين وموجهين ومدرسين غير مثبتين ومستخدمين وحراس في المدارس “مرتدون عن الإسلام” ويجب عليهم جميعا حضور دورات شرعية في مراكز افتتحها التنظيم لهذا الغرض.
يضيف الناشط السوري لـ”العربي الجديد”: “أطلق التنظيم على هذه الدورات الإلزامية اسم دورات الاستتابة، وأجبر جميع العاملين في المنظومة التعليمية على حضورها لمدة أسبوعين، وقام دعاة تابعين للتنظيم بإعطاء الحاضرين دروسا في العقيدة والفقه الإسلامي وفق رؤية التنظيم قبل أن يجري القائمون على الدورات، امتحانات للحاضرين يحصل بموجبها الناجحون على شهادة “استتابة” ويضطر الراسبون لإعادة الدورات.
أدى ذلك إلى تفكيك المنظومة التعليمية العامة في مناطق سيطرة داعش بشكل نهائي، وتحولت المدارس التي كان يرتادها مئات آلاف الأطفال من أبناء المناطق التي يسيطر عليها التنظيم إلى مقرات عسكرية لعناصر التنظيم أو مبان لمؤسساته الأمنية أو الإدارية أو لمراكز إيواء نازحين في حالات قليلة.
تدمير التعليم الخاص
لم ينجُ التعليم الخاص من قضاء داعش على المؤسسات التعليمية في مناطق سيطرته، إذ بدأ التنظيم منذ سيطرته على ريف حلب الشرقي ومدينة الرقة وريفها في شهر شباط/فبراير العام الماضي بالتضييق على معاهد التعليم الخاص في هذه المناطق، حتى وصل الأمر في شهر آب/أغسطس الماضي إلى إصدار قرار بمنع تدريس عدد من المواد التعليمية، على رأسها الفلسفة والكيمياء، بحجة عدم اعتمادها على الشريعة الإسلامية بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
يؤكد ياسين الكرامي، مدرس لغة فرنسية من مدينة منبج بريف حلب الشرقي التي يسيطر عليها داعش، الأمر قائلاً لـ”العربي الجديد”: “كنت أدير معهداً خاصاً لطلاب المرحلتين الثانوية والإعدادية بمنبج، بدأ التنظيم بالتضييق علينا من خلال طلب عناصره منا أن نستخرج رخصة لنواصل عملنا، بالفعل قمنا باستخراجها بعد أن دفعنا مبلغا ماليا للمؤسسة التي تشرف على عملنا في التنظيم والتي يُطلق عليها اسم “ديوان التعليم”، في مرحلة لاحقة أصدر التنظيم قراراً بإلغاء مواد تدريسية من المناهج، كما أجبرنا على إلغاء أجزاء من مواد أخرى، كان ذلك مترافقا مع منع التنظيم للاختلاط بين الذكور والإناث على مستوى المدرسين وعلى مستوى الطلاب من الصف الأول، أيضا ترافق ذلك مع تقييد التنظيم على الأجور التي نتقاضاها لقاء عملنا في التدريس من الطلاب، دفعنا كل ذلك إلى إغلاق معهدنا الخاص، وانتقلت شخصيا للعمل في التجارة، وبعض زملائي باتوا يعملون في بيع الخضر وسائقين على سيارات أجرة”.
لا تعليم جامعياً
الطلاب الجامعيون من أبناء المناطق التي يسيطر عليها داعش شرق سورية توقفوا عن الدراسة أيضا، فقد منع التنظيم منذ نهاية صيف العام الماضي، الطلاب الجامعيين من المقيمين في مناطق سيطرته من التوجه للدراسة وتقديم الامتحانات في الكليات الجامعية التي تواصل عملها في مناطق سيطرة النظام السوري في دير الزور وحلب وغيرها.
حنين عمر طالبة في قسم اللغة الإنكليزية بجامعة الفرات بدير الزور أوضحت لـ”العربي الجديد”: “أن مسلحي داعش على حاجز بلدة معدان على طريق دير الزور ــ الرقة قاموا بمصادرة بطاقتها الجامعية عندما كانت عائدة من كليتها الواقعة بمناطق سيطرة النظام السوري في دير الزور نحو مدينة الرقة في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، كما طالبوها بعدم العودة إطلاقا إلى الجامعة تحت طائلة المحاسبة الشديدة”. وتابعت “مسلحو التنظيم قاموا بالأمر نفسه مع جميع زملائي، الذين اعتادوا على التوجه نحو جامعاتهم في مناطق سيطرة النظام السوري”.
تدمير جيل كامل
خلال عام دراسي كامل لم يتلق الأطفال في مناطق سيطرة داعش في شرق سورية أي حصص دراسية، قبله ولمدة عامين دراسيين، في ظل الاضطرابات والفوضى التي سيطرت على هذه المناطق، حصل الطلاب على دروسهم بشكل متقطع وغير منتظم.
يؤكد ناشطون محليون في شرق سورية، (رفضوا ذكر أسمائهم)،على غياب إحصائيات، حول عدد الطلاب المنقطعين عن التعليم في مناطق سيطرة داعش، يقول الناشطون لـ”العربي الجديد”: “لا يمكن تقدير عدد سكان هذه المناطق أصلاً بسبب النزوح الكبير الذي شهدته هذه المناطق إلى تركيا وإلى مناطق سيطرة المعارضة السورية شمال سورية وإلى مناطق سيطرة النظام السوري وقوات “حماية الشعب” الكردية شمال شرق سورية بالإضافة إلى نزوح عدد من سكان مناطق سيطرة المعارضة السورية إلى مناطق سيطرة داعش هربا من القصف الكثيف الذي يشنه طيران النظام السوري على هذه المناطق”.
آلاف الطلاب الجامعيين توقفوا كذلك عن دراستهم، الأمر الذي تسبب بخسارتهم لكل جهودهم وتحصيلهم العلمي السابق بسبب عدم قدرتهم على إكمال دراستهم، مع إغلاق الكليات الجامعية التي كانت موجودة في الرقة.
بدائل لا تفي بالغرض
لجأ سكان مناطق سيطرة داعش في سورية، من المقتدرين مادياً، إلى الاتفاق مع مدرسات خصوصيات يقمن بتدريس أبنائهم في البيوت، آخرون اعتمدوا على أنفسهم في بذل جهود بتعليم أطفالهم مبادئ القراءة والكتابة والحساب، من هؤلاء معمر عبد الحليم مهندس من سكان مدينة دير الزور، يؤكد معمر أن أبناء العائلات المتعلمين في مناطق داعش التي منع فيها التعليم، باتوا يقومون بمحاولات ذاتية لتعليم أبنائهم المنقطعين عن الدراسة.
معوقات كثيرة تواجه هؤلاء بحسب عبد الحليم، على رأسها عدم توفر الكتب المدرسية لدى معظمهم بسبب منع التنظيم تداول هذه الكتب وإحراقه لكل ما وقعت يد عناصره على نسخ منها، بالإضافة إلى عدم توفر الكهرباء والتوتر الدائم بسبب انتهاكات التنظيم اليومية ضد السكان وقصف قوات النظام السوري للمناطق السكنية والنزوح والمشاكل المادية التي يعاني منها السكان بسبب توقف أعمالهم.
مدارس شرعية
بعد إغلاق داعش للمدارس العامة ومعاهد التعليم الخاص في مناطق سيطرته، أصدر ديوان التعليم التابع للتنظيم منهاجاً تعليمياً ليتم اعتماده في المدارس التي افتتحها، والتي استقبلت طلابا بأعمار تتراوح بين 8 و12عاماً من أبناء عناصر “داعش” وأبناء العائلات المقربة منهم.
” في شهر شباط/فبراير الماضي نشر المرصد السوري محتويات المنهاج، الذي تضمن ست مواد تعليمية فقط هي مادة التوحيد، وهي مؤلفة من 179 صفحة، ومادة اللغة العربية، وهي مؤلفة من نحو 30 صفحة وتتضمن شرحًا لألفية ابن مالك، ومادة الرياضيات وهي مادة مكونة من 64 صفحة، ومادتا الفيزياء والكيمياء وهي مادة مكونة من 25 صفحة، والعلوم الطبيعية وهي مادة مكونة من 37 صفحة، واللغة الإنكليزية وهي مؤلفة من 30 صفحة.
الناشط محمد الخلف أكد لـ”العربي الجديد” أن عدد المدارس الشرعية “التي افتتحها داعش في الرقة لم يتجاوز 25 مدرسة فقط، في مقابل ست مدارس في مدينة منبج بريف حلب ومدرستين فقط في كل من مدينتي البوكمال والميادين بريف دير الزور ومدينة الباب بريف حلب الشرقي، قائلا “كيف تحل هذه المدارس أزمة التعليم المنتشرة، لا أحد يعلم”..
العربي الجديد