صفحات العالم

التغيرات الدولية حول الأزمة السورية


خيري عمر

تتجه المواقف الدولية نحو سوريا لمزيد من التباعد والتباين، وبشكل يتقارب مع بلورة تحالفات دولية متناقضة المصالح، وفي ظل هذا المناخ تشهد سوريا حالة من تزايد العنف تجاه المدنيين، وصارت الأحداث تتجه نحو إخماد الثورة بكل الوسائل الممكنة، وهذا التوجه يرتبط بسياق السياسة الدولية المرتبطة بإدارة الأزمة السياسية في سوريا، وخاصة ما يتعلق منها بالصراع الدولي على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط وهو ما تشترك فيه عدة أطراف دولية، وهذا ما يثير تعقيد مسار الثورة السورية.

وفي الأيام الأخيرة، اتجه النظام السوري لاستعادة زمام المبادرة من الجيش الحر، حيث اعتبر أن اندلاع المعارك في دمشق وحلب يشكل تحدياً للنظام، ولذا اتجهت القوات النظامية لإخماد الثورة في المدينتين مهما كانت التكلفة الإنسانية والعسكرية، ويمكن ملاحظة وجود علاقة ارتباطية بين زيادة عنف الجيش السوري وبين الاختلاف الدولي حول تسوية الأزمة في سوريا، حيث لا يقتصر الاختلاف أو التناقض الدولي علي النقاش السياسي ولكنه يمتد لتزويد وإمداد سوريا بالسلاح الروسي وبشكل يفوق بكثير تسليح المعارضة السورية (الجيش الحر)، وهذا الاختلال ظل خارج النقاشات الدائرة في الأمم المتحدة (مجلس الأمن)، ومن ثم فإن استمرار هذا الوضع سوف يغري الجيش السوري بالاستمرار في إخماد الثورة.

وقد تؤدي هذه السياسة لزيادة العنف الانتقامي تجاه المدنيين، وبشكل عام تشير هذه السياسة إلى أن النظام السوري تبنى استراتيجية صفرية تقوم على أن استمراره يرتبط بتعميق التحالف مع إيران وأن إخماد الثورة هو الشرط اللازم لبقاء التحالف مع إيران والنظام البعثي، ومن ثم يعد التحالف الإيراني ـ السوري سياسة حدية واختيار وحيد في ظل تباين المصالح الدولية.

ويمكن القول أن استمرار النظام السوري الحالي صار يعد من محددات السياسة الخارجية الإيرانية، فمن خلال التحالف مع ‘الأسد’ تسعي إيران لترسيخ نفوذها السياسي ونقله للمنطقة العربية، وفي هذا السياق يظل الدعم الإيراني لاستمرار التحالف مع سوريا استراتيجية ثابتة تحت رعاية أجهزة السياسة الخارجية والتي تشمل ملف الأمن القومي وتطوير التكنولوجيا النووية.

ويكشف لقاء وزيري الخارجية الإيراني والسوري في 28 يوليو 2012عن أنه رغم اعتماد إيران على إمداد سوريا بالدعم غير المباشر، فإنها أعلنت منذ أيام عن تضامنها مع استمرار النظام القائم، واعتبرت أن ‘فكرة القيام بعملية نقل منظم للسلطة في سوريا وهم’، وهو تصريح لوزير الخارجية (علي صالحي)، وهو تصريح لا يحمل تهديداً للبلدان العربية وداعمي الثورة السورية، بقدر ما يشير لصعوبة نقل السلطة في سوريا في وقت تقترب فيه البلاد تقترب من حالة الفوضى، وهي الحالة التي تتهم فيها إيران بعض الدول العربية بأنها تدفع بعدم استقرار سوريا وتشارك في تدميرها، وبهذا المعنى، تتطلع السياسة الإيرانية لتعريف الخصوم والأعداء في المنطقة العربية من خلال الاقتراب والابتعاد عن مساندة الثورة السورية كمعيار لتصنيف علاقات التعاون والعداء في العلاقات السياسية.

وقد وضح من التصريحات الإيرانية التي ظهرت عقب اللقاء السوري ـ الإيراني، أن إيران تعتبر أن استمرار النظام السوري يمثل خط الدفاع الأول عن إيران، وهو ما يعزز تزايد تدخلها العسكري إذا ما نشبت حرب إقليمية.

ولعل النتيجة الأكثر أهمية لهذا اللقاء تكمن في أنه تزامن مع تشكل تنسيق سياسي بين بعض الدول بما يمهد لتحالفات دولية خلال الفترة القادمة، فمن خلال متابعة ردود الفعل على المواقف السورية والإيرانية، يلاحظ أنه بينما زاد تشدد روسيا والصين في كثير من المحافل الدولية والتأييد العلني للنظام السوري، فإن دول الخليج وتركيا صارت أكثر تناولاً وإدراكا للتهديد الإيراني، حيث انتشرت تعليقات تشير إلي ضرورة تشكيل تحالف إقليمي لمواجهة الخطر الإيراني ومساعدة الثورة السورية، حيث تعتبر بلدان الخليج العربي أن الدعم الإيراني لنظام ‘الأسد’ يشكل حالة من التغلغل الإيراني في المنطقة العربية ويلقى هذا التحالف تأييد الأوربيين والأمريكيين.

وعلى مدي اشتعال الأزمة السورية، تتجه الأمور لبلورة تحالفين متناقضين في المصالح السياسية والاستراتيجية، حيث الأوربيين والأمريكيين من جهة والصينيين والروس من جهة أخرى، وهو ما يعد امتداداً لصيغة الحرب الباردة، ولعل تصاعد الأحداث في الفترة الأخيرة يساعد في زيادة تناقض المصالح بين كل هذه الأطراف، وهو وضع يشير إلي أن التدخل الدولي في سوريا سوف يكون من خارج الأمم المتحدة، وذلك بسبب الانقسام في مجلس الأمن، وهذا المدخل يتسق مع إعلان الولايات المتحدة عن دعم المعارضة السورية وتوفير الإسناد السياسي لها بشكل رسمي، وهو تصرف يناظر الدعم العسكري الروسي للنظام السوري.

ولعل التهديد الأكبر للدول العربية وليس سوريا فقط، هو أن تكون الأراضي العربية منطقة لتصفية الصراعات الدولية، حيث تبلور الأحلاف وتزايد التناقضات سوف يؤدي لاحتدام صراع سياسي أو عسكري، فالصراع الأمريكي ـ الروسي حول النفوذ في منطقتي الشرق الأوسط والقوقاز هو صراع على الميزات الجيو استراتيجية في هذه البلدان.

ولعل دخول سوريا في حزام الصراعات الدولية يشكل تحدياً للثورة السورية، ويفرض عليها الانحياز لكتلة دولية، ربما تكون الكتلة الغربية الأكثر تفضيلاً، لكن الانحياز في حد ذاته لا يضمن تحقيق الثورة لأهدافها، غير أنه في اقل الأحوال سوف يؤدي لتغيير النظام السوري وإزاحته، ولكنه لا يضمن توافر فرصة تكوين نظام جديد يراعي التطلعات الوطنية ووحدة الدولة.

ويتحدد الموقف السياسي في البلدان العربية على أسس مختلفة تجمع ما بين المصالح الدائمة ومراعاة التغير والتحول السياسي، وهنا يمكن الإشارة لنوعين من القيود على تصرفات البلدان العربية:

1. فبينما المعيار الأساسي لبلدان الخليج العربي يتحدد في ضرورة تفكيك التحالف الإيراني ـ السوري وهو ما يتلاقى مع رغبة العديد من البلدان العربية في تغيير النظام السوري، كما أنه يتلاقى مع المصالح الأمريكية في عزل إيران، ومن ثم فإن التعاون لإسقاط ‘الأٍسد’ سوف يتقيد بسقف السياسة الأمريكية وطبيعة تصورها لإدارة التعاون والصراع في المنطقة.

2. كما أنه في ظل عدم نضج المسار الثوري في بعض البلدان العربية لا يمكن التنبؤ بمدى مساهمتها في الترتيبات الإقليمية، حيث من المتوقع أن تشهد حالة انكفاء على الشؤون الداخلية التي تشهد الكثير من الجدل والاختلاف، وهو ما يعني أن النظم الجديدة تقود دول ضعيفة وغير متماسكة، وهذا ما ينطبق بشكل كبير على كل من مصر وتونس.

وفي هذا السياق يمكن القول أن التعامل الدولي مع سوريا سوف يعكس التباين في المصالح السياسية، وهو ما يتضمن عدة احتمالات، من بينها نشوب حرب إقليمية يترتب عليها إسقاط النظام السوري واحتواء الثورة، وهذه النتيجة تعد كارثية للبلدان العربية، وخاصة في ظل تراجع فرص المبادرات السياسية بعد انهيار مبادرة ‘كوفي عنان’، وهو ما يشكل أيضا تحدياً لعملية التحول السياسي التي اندلعت في بلدان الربيع العربي.

‘ كاتب مصري

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى