صفحات العالم

التغيير من داخل النظام… تمنٍّ لا واقع


سركيس نعوم

لا يزال البعض القليل من العرب والاميركيين يعتقد ان الحل للحرب الدائرة في سوريا رسمياً بين نظام آل الأسد وغالبية الشعب السوري، وعملياً بين الحكم الأقلوي المحتكر السلطة منذ اكثر من اربعة عقود والغالبية السنّية المُبعدة عنها والمحرومة كما معظم السوريين حقوق المواطنة، لا يزال هذا البعض يعتقد ان الحل لكل ذلك قد يكون بمبادرة اركان في النظام الحاكم الى الانقلاب على الرئيس بشار الاسد، وبايقاف الحرب، وابداء الاستعداد للحوار مع ثوار الداخل والخارج بغية تلافي الوقوع في التقسيم،والبحث معاً عن نظام جديد يحفظ حقوق السوريين، ويُبعِد عنهم شبح ديكتاتورية الاقلية كما الغالبية”.

هل الاعتقاد المذكور في محله؟

يجيب متابعون اميركيون من قرب لأوضاع سوريا والمنطقة ان الادارة في واشنطن دعت، عند بدء الثورة السورية وحتى بعد اشهر قليلة من اندلاعها الرئيس الاسد الى المبادرة الى الاصلاح الجدي. وكانت مقتنعة قبل عسكرة الثورة التي كانت سلمية بأن التفاهم بين نظامه والغالبية المطالبة بدولة ديموقراطية حرة وبتداول السلطة وبالمساواة أمر مكن رغم الخلافات المذهبية العميقة التي كانت تعشش في نفوس السوريين. لكن عدم تجاوب الاسد على نحو جدي، وقيامه باصلاح شكلي وفي الوقت نفسه باستعمال قوته العسكرية والامنية لاخماد الثورة، أقنع ادارة اميركا بأن بشار الاسد “فالج لا تعالج”. ويومها اعلنت رسمياً وللمرة الأولى منذ نشوب الثورة ان على الاسد ان يتنحى. ثم بدأت العمل الجدي مع حلفائها في العالم والمنطقة العربية، كما مع خصومها او المنافسين مثل روسيا والصين، من أجل التفاهم على صيغة تفرض تخلِّي الاسد عن السلطة، وتُفِسح في المجال أمام حوار المعارضة ومن يمثلهم النظام حول سوريا الجديدة. طبعاً تساءلت اميركا في تلك المرحلة، جراء عناد الاسد، استمراره في القتل والتحدي، اذا كان في الامكان حصول تغيير في النظام السوري من داخله، ينحي الاسد وحلقته الضيقة التي يحكم من خلالها او تحكم من خلاله شعب سوريا بالحديد والنار. وقد تكون جرت مشاورات واتصالات لمعرفة ما اذا كان هذا الخيار محتملاً وممكناً ولكن أحداً لم يتحدث عن نتائجها. ويشكل استمرار الحرب بل تصاعدها وتحولها اهلية – مذهبية على نحو شبه رسمي اعلاناً غير مباشر لفشلها. لذلك يعتقد المتابعون الاميركيون انفسهم ان مجرد طرح هذه الفكرة من جديد اليوم قد يكون فيه من التمني اكثر مما فيه من الواقع. فأهل النظام، أي عسكره، قادة وانصاراً، كما شعبه مقتنعون بأن انتصار الثورة سيعني ابادتهم او الانتقام منهم او في احسن الأحوال تهميشهم. وهم ليسوا في وارد قبول هذا الأمر، وخصوصاً ان عندهم خياراً آخر قد يلجأون اليه دفاعاً عن النفس هو الانكفاء الى جغرافيتهم بعد توسيعها، اذا نجحوا ايضاً في ذلك. ومن هناك، ومع استمرار دعم ايران لهم كما روسيا ربما، يستطيعون الصمود ولا سيما اذا انشغل الثوار المنتصرون (الغالبية) في اعادة بناء الدولة على غالبية الارض السورية وفي تنظيم انفسهم، وان استعداداً لجولة أو جولات اخرى مع “التقسيميين”.

لا يمنع ذلك، يقول المتابعون انفسهم، تعرُّض الرئيس الاسد لمحاولة اغتيال قد تنجح أو تفشل وقد يكون منفذها من “داخل” غالبيته أو من خارجها. لكن هذا الأمر يوقع سوريا، في الفوضى الكاملة ويدفع الحرب الى الاستمرار، الا اذا غيَّر ذلك المواقف الدولية والاقليمية المتناقضة من وضع سوريا ودفع اصحابها الى العمل معاً عسكرياً وسياسياً وديبلوماسياً لوقف حربها وازالة اسبابها، او إلا اذا دفع ذلك اميركا وحلفاءها الى التحرك انفرادياً ورغم رفض روسيا والصين وايران، لانهاء الحرب السورية.

ماذا يقول “الاسلاميون العرب” على تنوعهم عن الرهان على انقلاب على الاسد من داخل النظام؟

يقول مرجع كبير منهم ان آل الاسد لم يتركوا أحداً في “شعبهم” قادراً على منافستهم من داخل. فعل الراحل حافظ ذلك وأكمل نهجه بشار. ويقول ايضاً ان الخوف الاقلوي من الأكثرية يجمع الصفوف. ويقول ثالثاً ان كثيرين اعتبروا ان آصف شوكت قبل اغتياله مؤهل لدور كهذا جراء علاقات له مع الخارج. لكن الذين يعرفونه من داخل يصفونه بالعقدة لأنه كان الاكثر تشدداً في “الحلقة الضيقة” حول بشار. ويقول تالياً ان شوكت كان المستهدف بانفجار دمشق، ذلك ان المعلومات المتوافرة عنه تشير الى ان التفجير من بعد ارجئ نصف ساعة لأن شوكت وصل متأخراً الى اجتماع خلية الأزمة.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى