صفحات المستقبل

التفكير النقدي- بعيداً عن السياسة لكي نفهم السياسة


التفكير النقدي هو تقييم الأفكار أو المعلومات بحرص و بشكل مدروس بهدف تكوين رأي عن قيمتها الكلية. و يهدف إلى تعزيزالقدرة على بناء و تقييم الحجج و المرافعات و الفرضيات. و أهدف من طرحي لهذا الموضوع تسليط الضوء على تقنيات معالجة المعلومات و أساليب طرحها، لتزويد القارئ بأدوات بسيطة تساعده على فرز ما يقرأه أو يراه بشكل علمي و منهجي قبل أن تسيطر عليه العاطفة و تستميله مواقفه الشخصية في رفض أو قبول المادة المطروحة أمامه، و بذلك يستطيع المرء أن يبني حاجزاً أولياً يستطيع من خلاله تمييز الطيب من الردئ و الثمين من البخس. و أن يوجه تركيزه إلى ما يستحق فعلاً أن نمحنه وقتنا بغض النظر عن كونه يتفق أو يتعارض مع مواقفنا و آرائنا. فالقدرة على استخلاص المعلومات التي قد لا تروق لنا و التحقق منها مهم أكثر من استعراض المواضيع التي تدور دائماً في فلك فكرنا و مواقفنا ليمنحنا قوة وهمية مبينة على الانحياز و نقص المعلومات و التأييد العاطفي لا العقلاني أو الواقعي. و بنفس الأسلوب، إن لم يكن محتوى المقال صعب الفهم على القارئ فإنه سيساعد حتماً القارئ في الكتابة و بناء أسلوب فعال لتقديم وجهة نظره بأسلوب علمي معالمه واضحة و تأثيره مضمون. و بذلك يتجنب أن يساء فهمه أو أن ينتقد فيما لا يختص بطرحه و ما يريد التعبير عنه.

تقييم أسلوب تقديم و صحة المعلومات:

لا تحتوي كل المقالات و النقاشات على معلومات واضحة و مباشرة، بل إنها قد لا تهدف إلى ذلك أصلاً، فقد تكون مكتوبة أو منسقة بشكل يهدف إلى إقناعنا بقبول وجهة نظر محددة، أو لطرح رأي خاص، أو لمناقشة موقف ما في موضوع شائك. نتيجة، يجب علينا أن نميز و نفصل ما بين المعلومات عن المحتوى اللاموضوعي.

يمكن تعريف المحتوى اللاموضوعي بالمادة التي فيها آراء شخصية أو مشاعر أو أحكام أو حدس أو عواطف و التي لا تقدم معلومات دقيقة أو حيادية. يتطلب تمييز و تقييم المحتوى اللاموضوعي أن نفصل بين الفرضيات و معالجة المعطيات و الدلائل و أن نكون متيقظين لأي انحياز.

تقييم أنواع التصريحات و البيانات المختلفة:

فصل الحقائق عن الآراء:

الحقائق هي تصريحات يمكن التحقق منها و إثبات صحتها أو زيفها. يمكن قبول الحقائق من مصادر موثوقة و الوصول إلى استنتاجات و بناء الحجج و دعم الأفكار المطروحة.

أما الآراء فهو الكلام الذي يعبر عن المشاعر أو المواقف الشخصية أو المعتقدات و الذي لا يمكن أن يوصف بأنها صحيح أو خاطئ. يجب أن تعتبر الآراء وجهات نظر قد نقبلها أو نرفضها بدون التعرض إلى كونها صحيحة أو خاطئة، فهي الأمور كما تراها من النقطة التي تقف فيها و التي تعتمد على نشأة الشخص و خبراته و علومه و ما يتوفر له من دلائل و مصالح و معتقدات الخ…

و يستثنى من شخصية الآراء من يلمون بالمعلومات كاملة، فلا تعود آرائهم لمجرد طرح وجهة نظر تكمل الصورة من منظور آخر لأنها صارت عاملاً أساسياً في تشكيل و تقييم أفكارنا نحن. و ينضوي تحت الملمين بالمعلومات كاملة كل من المختصين و السلطات التي تتصل بالشأن المطروح.

التعميم و كيفية تمييزه:

التعميم هو كلام أو بيان يعبر عن مجموعة كبيرة أو فئة بأكملها من العناصر (البشرية أو غيرها) مبنية على ملاحظة أو تجربة مع جزء من تلك المجموعة أو الفئة. فالتعميم إذاً هو وصف تم اعتباره تجاه المجموعة بأكملها بناء على المعلومات المتوفرة عن جزء من الفئة. فهي قفزة ما بين دليل تمت ملاحظته إلى استنتاج منطقي لكنه غير مثبت. فقد لا تتوفر الإمكانية دائماً للكاتب أو المحاضر لكي يجمع بنفسه الأدلة عن كامل المجموعة و يقوم بتعميمها بناء على ما يظهر له. لكن يجب أن تتبع التعميمات دلائل تؤيد و تدعم دقتها، و إلا فإن التعميم غير صحيح و لا قيمة له. و يمكن التعميم لدى توفر هذين الشرطين:

– تجارب شخصية مع عدد كبير، أو نسبة كبيرة من عناصر المجموعة لكي توصف بتكرار الملاحظة.

– تم أخذ عينات على اساس علمي (إحصائي) و بشكل يغطي مختلف المواقف و الإحتمالات لكي يستطيع أن يصف الكل بدون أية استثناءات.

اختبار الفرضيات:

تبنى الفرضية عادة على دليل حقيقي لتفسير حدث ما أو مجموعة من الظروف و العوامل. و الفرضيات بطبعها تبريرات قابلة للتصديق و قريبة من الواقع. لكنها تبقى دائماً عرضة للنقاش أو النقض بمجرد توفر معلومات إضافية عليها. يتطلب التفكير و القراءة الناقدين أن نقيم صحة و مشروعية كل دليل يتم الاستناد إليه. و يتم ذلك التقييم على مرحلتين، الأولى بتقييم الدليل الذي بنيت عليه الفرضية، ثم البحث عن المعلومات أو الأسباب أو الدلائل التي تقود إلى تصديق الفرضية أو تكذيبها. و يمكن طرح الأسئلة التالية أثناء التقييم:

1- هل تشمل الفرضية كل المعلومات المتوفرة عن الموقف الموصوف؟

2- هل هي واقعية؟ بمعنى أنها يمكن و يحتمل أن تحصل فعلاً؟

3- هل هي بسيطة، أو تقل تعقيداً عن بدائلها؟ (تعتمد الفرضيات المعقدة على كمية أكبر من الحقائق من الفرضيات البسيطة و لذلك تكون الفرضيات المبسطة أكثر صحة و أسهل فهماً و تحققاً)

4- ما هي الإفتراضات و الإدعاءات الظاهرة و الخفية؟ و ما مدى صحتها؟

تقييم ملائمة المعطيات و الدلائل:

يستخدم الكتاب و المحاضرون الكثير من المعطيات و الدلائل لدعم أفكارهم التي يطرحونها. و يجب علينا أن نفكر بقيمة و نوعية هذه المعلومات، يجب أن ننظر وراء الدليل المطروح و أن نقيم نوعيته و مدى ملاءمته في سياق العرض.

تصنف الدلائل إلى الأنواع التالية:

– تجارب و ملاحظات شخصية.

– أرقام إحصائية.

– أمثلة عن وقائع حقيقية أو مواقف يمكن استعراضها و الرجوع إليها.

– التشبيهات و الاستعارات و المقارنات مع مواقف مماثلة.

– الوثائق التاريخية.

– نتائج التجارب و الإختبارات.

يجب تقييم كل نوع من أنواع الأدلة بالنسبة للرأي الذي تمثله. و يجب أن يكون الدليل مؤيداً بشكل واضح و مباشر و غير قابل للنقاش للقضية أو الأمر المطروح للنقاش.

تقييم المادة المقنعة:

بينما تهدف الكتب الدراسية إلى تقديم و تفسير المعلومات التي يمكن قبولها و اعتبارها موثوقة، توجد مصادر أخرى و التي قد تكون غاياتها مغايرة كلياً. تهدف بعض المصادر إلى الإقناع و المقاربة في الآراء دون أيه نية بالتعريف عن الحقائق أو المعطيات، و يجب أن يتم النظر إلى هذه المصادر بدقة و حذر. و يستخدم كتاب و محاضري الإقناع كلاً من البراعة اللغوية و الحجج المنطقية من أجل التأثير و السيطرة على الرأي.

كيف تميز اللغة الإقناعية؟

لا شك بأن اختيار الكاتب أو المحاضر للحقائق و للمفردات التي ينقلها عبرها سيؤثر حتماً على تجاوب القارئ أو المشاهد مع الموضوع المطروح. يهيئ سرد التفاصيل التي تصف حدثاً ما لتشكيل و بناء تصور المشاهد و القارئ عما حدث. يوصف اختيار بعض التفاصيل دوناً عن غيرها بالإنحياز أو الميل إلى إتجاه ما. و يسمح إختيار الكلمات الدقيق بالتلميح و الإشارة و الإيحاء بالأفكار دون ذكرها مباشرة. و يمكن الحصول على رد فعل إيجابي أو سلبي وفقاً لما يتم اخياره من مفردات و كلمات في تقديم ما يطرح شفهياً أو كتابياً. و يتم ذلك من خلال التلاعب بالمعاني الضمنية لما يستشهد به.

كيف تميز الإنحياز و عدم التجرد في الكلام أو الكتابة؟

يحصل الإنحياز عندما نعكس بكلامنا محاباة أو تفضيل أو إجحاف أو موقف مع أو ضد شخص أو شيء أو فكرة. و يعبر الكثير مما تقرأ و نسمع صراحة عن مواقف منحازة و غايات مغرضة و ميول خاصة مسبقة. و يمكن أن نسأل أنفسنا لدى معالجتنا أي موضوع السؤالين التاليين:

1 ما هي الحقائق و المعلومات التي حذفها المتكلم؟

2 ما هي المعلومات الإضافية التي يجب أن نذكرها؟

أما الطرح المغرض فيحصل عندما يختار الكاتب مجموعة من الحقائق و الكلمات مدعومة بنوعية محددة من التوصيف و نبرة معينة لينقل إلينا شعوراً أو موقفاً ما. و هدفه هو نقل هذا الشعور أو الموقف بدون ذكره صراحة لنتبناه و نتصرف على أساسه. يمكن أن نتحقق من المادة المغرضة بأن نسأل أنفسنا ما يلي:

1 ما هي الحقائق التي حذفت؟ ما هي المعلومات التي يجب إضافتها؟

2 ما هي الكلمات التي تترك انطباعاً سلبياً (أو إيجابياً)؟

3 ما هي انطباعاتي الخاصة لو استخدمت صفات أو كلمات مختلفة؟

تقييم المرافعات و الأطروحات:

ربما كانت كلمة مرافعة قليلة الاستخدام إذا ما قارناها بكلمة نقاش، إلا أن المرافعة هي جزء متكرر في حياتنا اليومية سواء كان على شكل المقالات أو المناقشات و حتى الأسئلة و الإجابات التي نستعرضها في كل الأماكن و المواقف. فالمرافعات هي التسلسل المنطقي الذي تقدم وفقه الأفكار. و هي عبارة عن تحليل فكري و تنسيق دقيق للمحاورات العقلية التي تؤدي إلى استنتاج معين في نهايته. تستخدم المرافعات لإقناعنا بقبول أو للدفاع عن موقف ما أو رأي معين. تعطينا المرافعة سبباً يقودنا إلى استنتاج ما. أما تحليل المرافعة فهو عملية معقدة و مفصلة. تساعد هذه الخطوط العريضة في ذلك التحليل:

1 تحليل المرافعة بتبسيطها و بتقسيمها إلى مجموعة من البيانات.

2 هل تستخدم التعابير بشكل واضح و ثابت؟

3 هل تم تحديد الفرضية (النقطة التي يراد إثباتها) بشكل واضح و مباشر؟

4 هل استخدمت الحقائق كأدلة؟ و هل يمكن التأكد من صحتها أو زيفها؟

5 هل طريقة التفكير و الاستنتاج صحيحة؟ (هل تتتابع الأفكار و تتوالى بشكل متسلسل؟)

6 هل تم الاعتراف بالانتقادات و مناقشتها و دحضها، أو على الأقل ذكرها في معرض الحديث؟

7 ما هي وسائل الإقناع أو أساليب الدعاية التي يستخدمها الكاتب و المتحدث؟ (محاكاة العواطف، الشتم و القذف، نداء السلطة.. الخ)…

طرح الأسئلة بهدف نقد و تحليل النص أو الحوار:

– ماهو مصدر الموضوع؟ بعض المصادر موثوقة و يمكن الاعتماد عليها أكثر من غيرها، تساعد معرفة المصدر في الحكم على دقتها و صحتها و سلامة الموضوع ككل. غالباً ما تكون المقالات و المواضيع التي يطرحها المختصون أو هيئات أو مجلات الأبحاث أكثر فائدة و موثوقية من الدوريات و المجلات و المحطات التجارية. و لتقييم المصادر يمكن أن نتفحص:

o سمعة المصدر، بدون الإعتماد على تقييمنا للمصدر بناء على توافقه مع آرائنا أو مشاعرنا.

o الجمهور و الفئة اللذان يتوجه إليهما المصدر.

o وجود مراجع أو وثائق مرفقة.

– ما هي مؤهلات و شهادات و خبرات المتحدث أو المؤلف أو الكاتب؟ يجب تقييم المادة التي تراجعها إن كان من يطرحها اختصاصياً في مجالها و هل تتوفر لديه المعرفة و القدرة على مناقشة الموضوع بدقة.

– لماذا كتبت المادة و لماذا تطرح؟ علينا تمييز الهدف الرئيسي للكاتب أو المحاضر أو المناقش أو الخصم. فإن كان الهدف إقناعنا بقبول فكرة ما أو وجهة نظر فعلينا عندها الرجوع إلى الأسلوب في معالجة الموضوع و الأدلة التي يستند إليها. أكثر من الاهتمام بموقفه الشخصي أو بما يمثله أو حتى بمصادره.

– هل الكاتب أو المحاضر حيادي؟ هل ينحاز لصالح أو يسيء إلى أو يفضل أو يعارض شخصاً أو أمراً أو فكرة ما؟

– هل يقوم المتحدث أو المؤلف بالافتراض؟ الافتراض هو فكرة أو مبدأ يقبلها الكاتب و يسلم بصحتها و لا يبذل أي جهد في اثباتها أو التحقق من عدم بطلانها.

– هل يرافع الكاتب أو المحاضر أو يتقدم بحجة ما؟ المرافعة هي تحليل فكري و تنسيق دقيق للحجج المنطقية التي تؤدي إلى استنتاج معين في نهاية تقديمها.

عارف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى