التقاطع الأميركي – الروسي – الإسرائيلي… حول التسليح
وليد شقير
تساور الكثيرين الشكوك في إمكان اعتماد الدول الغربية خيار تسليح المعارضة السورية، ولا يعير المتابعون لمجريات الأزمة السورية كبير اهتمام لما أعلنته الإدارة الأميركية عن اجتماعات متلاحقة في البيت الأبيض من أجل دراسة مروحة واسعة من الخيارات خلال هذا الأسبوع.
وإذا كان منشأ هذه المواقف الغربية والأميركية، خصوصاً خشية الجانب الفرنسي من الحملة العسكرية للجيش النظامي السوري وقوات «حزب الله» على مدينة حلب وريفها، عدم كسر التوازن بين المعارضة والنظام في سورية بعد إسقاط مدينة القصير، فإن مصدر الشكوك بإمكان تعديل الموقف الغربي هو أن السوريين وسائر العرب سمعوا تلويحاً متكرراً بإمكان مد المعارضة بأسلحة نوعية على مدى زهاء سنة، من دون انتقال هذا التلويح الى حيز التنفيذ العملي، بل ان واشنطن بقيت على حظرها السلاح على الثوار السوريين حتى ما قبل أسبوعين وأثناء معارك القصير نفسها التي دامت أكثر من 3 أسابيع، وبعد الإعلان من قبل «حزب الله» عن انخراط قواته في المعارك في الداخل السوري قبل أكثر من شهر.
وفي كل مرة لوّحت الإدارة الأميركية والدول الأوروبية بموقف كانت سرعان ما تتراجع عنه، فكان هذا دافعاً للنظام كي يرتكب المزيد من المجازر. هكذا حصل في ما يخص استخدامه السلاح الكيماوي الذي كان الرئيس باراك أوباما وصفه بالخط الأحمر وبأنه سيغير اللعبة، فإذا باللعبة تتغير لمصلحة استعادة النظام مناطق كان المعارضون سيطروا عليها بالأسلحة المتوسطة والخفيفة التي حصلوا عليها، إما من سوق بيع السلاح والتهريب من بعض الدول العربية، أو نتيجة غنائم الثكنات العسكرية التي سبق أن احتلوها.
وإذا كانت دول الغرب تلوّح بسياسة جديدة لمنع إسقاط حلب، فإن قوات النظام و «حزب الله» قد تستدير نحو منطقة أخرى، ريف دمشق أو محافظة درعا مثلاً، لتركز على استعادة السيطرة عليها. وقد يعفي ذلك دول الغرب من ترجمة تهديداتها اللفظية، تماماً مثلما حصل حين هدد الغرب بموقف من استخدام الكيماوي، فلجأ النظام الى استخدام صواريخ سكود المدمرة والمجازر البشعة بدلاً منه في السنة الأولى من الحرب.
لا سياسة أميركية جديدة في شأن الأزمة إلا مناورات تخدم صورة أوباما أمام الرأي العام، أو تخدم المبارزة بينه وبين الجمهوريين الذين يطالب بعض رموزهم في الكونغرس بسياسة أكثر فعالية منها تسليح المعارضة، أو تخدم السياسة الجوهرية للإدارة الأميركية القائمة منذ البداية على الآتي:
1 – ترك الأزمة مفتوحة لاستنزاف المتقاتلين في الداخل: الأصوليين السنّة الذين شكلت حرب سورية جاذباً لهم من الدول العربية والغربية الى بلاد الشام، و «حزب الله» الذي انجذب الى الميدان السوري منذ أكثر من سنة، وجاء إعلان الحزب عن انخراطه الكامل في هذه الحرب بعد انغماسه التدريجي، ليثبت لواشنطن صحة رهانها على استنزاف «المتطرفين السنّة والشيعة» اللذين هما خصمان لها. فهل ستجد ما هو أفضل من أن يتقاتل عدوان لها في سورية؟ وأخيراً استنزاف إيران التي تضطر الى تمويل انخراطها العسكري والسياسي في الأزمة السورية بمئات ملايين الدولارات في الشهر الواحد دفاعاً عن النظام.
2 – التنسيق مع موسكو في أي موقف طالما أن استبعاد التدخل العسكري المباشر كما حصل في ليبيا محسوم منذ البداية وعززه الفيتو الروسي – الصيني في مجلس الأمن على أي قرار. وتحرص واشنطن على تغليب التفاهم مع موسكو حيث يمكن ذلك وعلى بقاء الخلاف قائماً من دون التصادم حيث يصعب التفاهم، في ظل أولوياتها الدولية القاضية باستدارة اهتماماتها نحو المحيط الهادئ وشبه القارة الصينية. وأي خطوة تزيد من احتمالات الخلاف بين الرئيس أوباما ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، لن تقدم عليها، وخيار التسليح يخضع لهذا المبدأ.
3 – إن «المستشار» الأول للسياسة الأميركية في سورية هو إسرائيل. فما يخدم أمن الحليف الإسرائيلي تقدم عليه. ما يقلق الأمن الإسرائيلي وتحديداً تسليح المعارضة لن تقدم عليه، الى درجة أن واشنطن منعت دولاً من إرسال السلاح للمعارضة بعدما تدخلت إسرائيل لهذا الغرض بحجة الخشية من أن يصبح في أيدي المتطرفين من الثوار، والحرص على الأمن الإسرائيلي نقطة تقاطع روسية – أميركية تستفيد منها تل أبيب الى أقصى حد. الى درجة أن رد الفعل الروسي على قصف إسرائيل 3 مرات محيط دمشق، بحجة منع نقل أسلحة نوعية الى «حزب الله»، بقي خجولاً ورفعاً للعتب، وأن موسكو طمأنت تل أبيب الى أنها لم تسلم بعد شحنة صواريخ أس – 300 لدمشق.
باتت العلاقة الثلاثية الأميركية – الروسية – الإسرائيلية تتحكم بمجريات الأزمة بفعل هذا التقاطع. فإسرائيل تريد ضمانات لأمنها من النظام السوري، كي لا تلعب دوراً في إسقاطه، إذا كانت واشنطن تربط التسليح بموافقتها. وفي المقابل تريد ضمانات من المعارضة إزاء أمنها إذا أرادت أن تساهم في فك أسر السلاح لها من واشنطن وتبتز المعارضة والدول العربية المؤيدة لها كي تحصل على ثمن مساهمتها في إسقاط النظام، ليبقى الشعب السوري يدفع ثمن هذه اللعبة الجهنمية.
الحياة