التنبؤ بمستقبل سوريا
خالص جلبي
تمنيت أن تكون لي عينان تسبران آفاق المستقبل فأطلع على مستقبل سوريا في عام 2012، هل ستتحرر من قبضة “البعث” أم ستعود مستكينة لسلطته، أم سيكتب لها مصير لا يعلمه إنس ولا جان؟
في مونتريال سألني أحد المعارضين السوريين: كيف ترى المستقبل من وجهة نظرك؟ قلت له أنا أنظر إلى المسألة من وجهة نظر فلسفية؛ فهناك يقين يواجهنا ولا يقين أمامنا! أنصت الرجل وتابعت كلامي: حين نقذف قطعة النقد المعدنية من يدنا، فهي على وجه اليقين سوف ترسو على الأرض، ولكن في نفس الوقت لا نعلم يقيناً على أي وجه سوف ترسو. ثم أضفت: كيف الأمر إذا نقلنا المسألة من عملة بوجهين إلى نرد بستة وجوه، أو إلى كرة متدحرجة بسطوح تماس لا نهائية كما في صالات القمار التي رأيتها في مازاجان والعيون تزيغ!
لقد استفدت من الكاتب الروسي “ليونارد راسترينج” في كتابه “مملكة الفوضى”، أن هناك تقاطعاً لا نهائي بين سلاسل السببية، وهناك في نموذج قطعة النقد المعدنية مالا يقل عن أربعة عناصر تتحكم بمصير قطعة النقد الملقاة؛ من قوة القذف، ونوع المعدن، والوسط الذي تخترقه، والسطح الذي يستقبلها؛ رمل أم صخر أملس أم مدبب؟ إن كل عنصر من هذه العناصر الأربعة يرتبط بدوره بسلسلة لا نهائية من العناصر الأخرى؛ فقطعة المعدن يمكن إدخالها في جدول مندليف المكون من 92 عنصراً، وزيادتها إلى مالا نهاية له من خلطات المعادن. إذا كانت لغتنا المكونة من 28 حرفاً تعطينا كلمات لا نهائية إلى لغات لا نهائية، فكيف بلغة العناصر المكونة من 92 عنصراً؟!
هذا المبدأ الفلسفي نفسه يمكن نقله إلى دنيا الفيزياء فيما لو سلطنا الحرارة على خمسة أوساط من الماء والشمع والحليب والبنزين والبارود؛ فأما الماء فيتبخر، والحليب يفور، والشمع يذوب، والبنزين يلتهب، والبارود يتفجر. وهذا تقريباً ما حدث في مصائر الأنظمة العربية الشمولية بخمسة أشكال: بن علي تبخر، ومبارك ذاب، واليمن فارت، وليبيا التهبت، أما سوريا فتفجرت.
وهناك فكرة قد تكون للأميركي فريدمان حول (Implode) و(Explode)، أي الانفجار للداخل والانفجار للخارج، والفرق بينهما أن انهيار نظامي مبارك وبن علي كان انهياراً سريعا للداخل، كما في التفجير الفني لبنايات وسط المدينة، أما التطورات المتوقعة في سوريا فقد تكون زلزالاً في سرة العالم العربي إن لم يكن عالمياً.
لقد كان أعقل القوم بن علي إذ هرب، وقامت الثورة المصرية بأناقة في إزالة نظام ينتسب للفرعون بيبي الثاني من الأسرة الوسطى قبل ثلاثة آلاف سنة وليس عصور الحداثة.
وفي سوريا قلبوا مجرى الزمن فنقلوا الجمهورية إلى ملكية مقلوبة على رأسها؛ فلا هي ملكية ولا هي جمهورية، بل أقرب إلى المماليك البعثية، وهو أمر ضد محور الزمن وطبيعة الحياة، لذلك فإنه لن يصمد!
الأفكار الفلسفية التي عرضتها على المعارض السوري في مونتريال ألقت بظلال تتراوح بين الشك واليقين، الأمل واليأس، لكنه مصير انطبق على نهاية القذافي، وقد يأخذ مجرى مشابها مع نظام البعث السوري.
النظام السوري يمر بمرحلة حرجة يقيناً، وسوريا تدخل منعرجاً خطيراً لا نعلمه قد تصح تسميته “ضربة الميلينيوم” التي لا تحدث خلال ألف سنة إلا مرة واحدة، وهذا رهن بيد الأقدار ووعي الشعوب.
الاتحاد