التنف وفصم”الهلال الشيعي”/ إياد الجعفري
ربما لا يشعر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، بالارتياح حيال سيطرة “داعش” على معبر “التنف” الحدودي بين سوريا والعراق، رغم أن هذا التطور يمثّل فصماً نهائياً لآخر تواصل برّي في جغرافيا “الهلال الشيعي” الذي سبق أن حذّر منه الملك، منذ العام 2004.
عدم ارتياح العاهل الأردني مبرر بطبيعة الحال، لكن، على الأغلب، فإن عدم الارتياح الأردني هذا، يقابله رعب في جانب المعسكر الآخر، “معسكر الممانعة”، بعد أن فقد آخر معابر التواصل البرّي بين “أقانيم” هلاله العتيد.
من يعرف الجغرافيا جيداً، ويملك ذاكرة شغوفة، يعلم تماماً أن التنف كان المعبر الرئيس، وحتى وقت قريب، لآلاف المقاتلين الشيعة العراقيين لدعم ونجدة نظام الأسد. ربما هذا السيل من الدعم البشري للأسد انحسر تدريجياً منذ تمدد “داعش” شمال العراق، في مطلع الصيف الماضي، لكنه بقي جارياً قبل أن يجف تماماً بقبضة “داعش”.
وكما أطل حزيران المنصرم بنقلة نوعية لهذا التنظيم، حولته إلى “خلافة” بمساحة تقارب ثلث كل من العراق وسوريا، فإن حزيران الجاري، يطل بنقلة نوعية أخرى، تُحيل نصف مساحة البلدين لصالح التنظيم ذاته.
على الجانب الآخر، يبدو أن “الهلال الشيعي” المأمول من جانب “معسكر الممانعة”، تشظى. الهلال الذي كان لوقت قريب يمتد من طهران مروراً ببغداد ودمشق وبيروت، فُصمت عُراه في أضعف نقاطه، “الأنبار”، ومن ثم “التنف”.
بطبيعة الحال، يعمل “داعش” وفق أجندته، فهو يسعى لتعزيز إمداداته في معركة الأنبار، والتي يبدو أنها ستكون عصيبة على الإيرانيين والعراقيين الموالين لطهران، حتى لو تدخلت “مليشيات الحشد الشعبي”. فمساحات شاسعة تمتد خلف الرمادي وصولاً إلى تدمر في قلب البادية السورية، يُحكم “داعش”، اليوم، السيطرة عليها.
ولأن معركة الأنبار ستُشغل إيران، يبدو أن الأسد الذي فقد آخر شرايين اتصاله البرّي بحلفائه في العراق، وصولاً إلى طهران، بات في زاوية حرجة.
يعتقد البعض أن النظام سلّم تدمر للتنظيم، وربما أيضاً هو من سلّم التنف له. لكن مجريات الأحداث لا ترسم مشهداً يخدم النظام، الذي أضحت معزوفته عن خطر “داعش”، وأنه الجدار الأمثل لمواجهتها، نشاذ، لا يمكن أن تطرب لسماعها آذان مسؤولي الغرب، بعد أن شاهدوا تقهقر النظام السريع أمام ضربات “داعش”. الأمر الذي يجعل النظام الطرف الأقل جدارة في الحرب على التنظيم بسوريا.
عدم الارتياح الأردني، والرعب في معسكر طهران، لا بد أنه قائم أيضاً في نفوس المسؤولين بالغرب، فهم يُشاهدون أخطر تنظيم مُنفلت العِقال، يُهدد العاصمة دمشق، بعد أن بات طريق البادية السورية الآتي من تدمر في قبضته. والغرب، كما يعلم الجميع، لا يريد أن يسقط النظام في دمشق دون ترتيب “اليوم التالي للأسد”، خشية أن يكون “المتطرفون” هم البديل.
لا يعلم أحد أين ستكون الضربة القادمة لـ “داعش”،…هل ستكون في حلب، أم في حمص، أم في حماه، أم في ريف دمشق حيث معقل زهران علوش، عدو “داعش” اللدود، أم في دمشق ذاتها، قلب النظام النابض.
لكن ما بات يعلمه الكثيرون أن الأوان يكاد يفوت تماماً، قبل أن ينهار النظام دون أن تكون أمريكا قد وجدت البديل “المناسب”، الذي لطالما تذرعت بغيابه، للجم محاولات إسقاط هذا النظام.
لا يعني ما سبق أن الوقت بات قصيراً كي نرى أعلاماً سوداء في قلب دمشق، فالتفسير الأكثر منطقية لتقهقر النظام السريع في تدمر والتنف، هو أن الأسد ومعاونيه قرروا سحب جنودهم ومقاتليهم بأقل الخسائر الممكنة، من المناطق والمواقع التي لا يملكون فيها التعزيزات الكافية للدفاع، ليعززوا بها مواقع أخرى أقرب الى وسط سوريا وساحلها وعاصمتها، حيث يريد النظام أن يتحصن في لحظاته الأخيرة.
لكن فصم عرى التواصل البرّي بين دول “الهلال الشيعي”، لا يمكن إلا أن يمثل بداية النهاية لأسطورة التماسك في معسكر قرر تضخيم ورطته مع ثورة السوريين، ليجد نفسه في ورطة أكبر مع انفلات “المتطرفين”. “المتطرفون” الذين باتوا اليوم على أبواب عاصمتين من عواصم هذا المعسكر، في تهديد غير مسبوق، تطلب من أحد رموز هذا المعسكر، أن يتحدث عن احتمال إعلان “النفير العام” لكل الشيعة، في مواجهة ما وصفه بأنه ” معركة وجودية”.
المدن