التهديد القادم من بعض الثوار المتطرفين
ديفيد إغناتيوس
تقوم كتيبة «التوافق» التابعة للجيش السوري الحر بقيادة الكفاح المسلح في حي الصاخور بالجانب الشرقي من مدينة حلب المحاصرة، وتقوم هذه الكتيبة بإرسال تقارير لهيئة تنسيق جديدة تعرف باسم «المجلس العسكري»، حسب تصريحات القائم بأعمال قائد الكتيبة مصطفى شعبان.
ولكن انتظر لحظة، حيث أخبرني مقاتل شاب يدعى «ثائر» بأن هناك ست أو سبع كتائب أخرى تقاتل في حي الصاخور أيضا، فيما يراه كثيرون على أنه المعركة الحاسمة في مدينة حلب. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: من يقوم بقيادة هؤلاء المقاتلين الذين ينتمون لكتائب متباينة؟ وماذا عن الجهاديين التابعين لجماعة «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم القاعدة والتي يقال إنها تقوم بعمليات هناك؟ ومن الذي يديرهم؟
وفي ظل هذا المشهد المربك، يمكنك أن ترى جوهر المشكلة التي تواجه المجلس العسكري في حلب وغيره من المجالس الأخرى في جميع أنحاء سوريا، التي تحاول تنسيق العمليات القتالية التي يقوم بها الجيش السوري الحر ضد الرئيس بشار الأسد. إن التحدي المتمثل في فرض النظام والانضباط في حي طارق الباب، الذي يعد مقر الثوار في شرق مدينة حلب، يتكرر مئات المرات في جميع أنحاء البلاد.
وتنبع المشكلة من حقيقة أن سوريا تشهد ثورة حقيقية وشعبية بدأت من القاعدة وانطلقت إلى القمة، ونشأت بصورة عفوية في مناطق مختلفة في سوريا، وكل منطقة الآن توجد بها الكتائب الخاصة بها، ويبحث معظمها عن التمويل من العرب الأثرياء في منطقة الخليج. وما لم تجتمع هذه المجموعات، التي تشبه الميليشيات، حول مصدر واحد للتمويل والتسلح، فمن غير المرجح أن تشكل قوة مقاومة موحدة ضد الأسد.
وبالنظر إلى عدم وجود تخطيط عسكري منسق، فإن الهجمات الإرهابية ستكون واحدة من أفضل الخيارات التكتيكية المتاحة أمام الثوار. ووقفت في الطريق إلى شمال حلب أمام محل شهير يسمى «السلطان للحلويات»، وهو المحل الذي اكتسب شهرة واسعة عقب قيام مالكه بتسميم المعجنات التي يصنع منها الحلوى، لأنه كان يعلم أن جنود الأسد سيقومون بنهب المحل عندما يمرون في المدينة. ويقال إن هذه المعجنات المسممة قد أدت إلى مقتل 70 جنديا من جنود الأسد واستشهاد مالك المحل.
وقامت منظمة سورية أميركية يطلق عليها اسم «فريق الدعم السوري» بإطلاق مسعى جديد لتنظيم هذا التمرد الفوضوي بشكل أفضل. وكان يقظان الشيشكلي، وهو أحد أعضاء هذا الفريق، قد سافر إلى سوريا في شهر فبراير (شباط) الماضي للقاء ضباط الجيش السوري الحر وتشجيعهم على تجميع تلك الكتائب في مجالس عسكرية. ويحظى الشيشكلي بمصداقية كبيرة لأن جده كان رئيسا سوريا يحظى باحترام كبير خلال فترة الخمسينات من القرن الماضي.
وبحلول فصل الصيف، ظهر العقيد عبد الجبار العكيدي قائدا للمجلس العسكري الجديد في منطقة حلب، كما ترأس العقيد عفيفي سليمان مجلسا جديدا في محافظة إدلب، وترأس أحمد بري المجلس العسكري في حماه. وقام الشيشكلي بتقديمي لهؤلاء القادة الثلاثة في سوريا الأسبوع الماضي، وقالوا لي إنهم يريدون مساعدة من الولايات المتحدة، ولكن هذا لم يتحقق. ومن دون توزيع المال والسلاح على هؤلاء الثوار، فسوف تفقد هذه المجالس العسكرية الصديقة للولايات المتحدة قوتها على التنسيق بسرعة كبيرة.
ويتمثل المركز البديل للقوة في الثورة السورية في الشبكة الجهادية السلفية التي بدأت تظهر على السطح حاليا، ومن الخطأ أن ننظر إلى جميع أفرادها على أنهم ينتمون أو يطمحون للانتماء لتنظيم القاعدة. وفي الحقيقة، فإن معظم أفراد تلك الشبكة هم من السنة الملتزمين دينيا، الذين يعرفون أنه يمكنهم الحصول على التمويل اللازم لقتال الأسد من خلال اللعب بورقة الجهاديين.
وقال أديب الشيشكلي، وهو الشقيق الأكبر ليقظان الشيشكلي وأحد مؤسسي الحركة السياسية المعارضة المعروفة باسم «المجلس الوطني السوري»: «إطلاق لحيتك هو أسهل طريقة للحصول على الأموال».
وأخبرني سوريون بأن قوة هذه المجموعات المتطرفة تتنامى في جميع أنحاء البلاد، وخير مثال على ذلك هو إحدى المجموعات السلفية في إدلب التي يطلق عليها اسم «صقور الشام»، والتي يترأسها شخص يطلق على نفسه اسم «أبو عيسى»، الذي يعمل حاليا على تكوين تحالف مع مجموعة سلفية مماثلة يطلق عليها اسم «أحرار الشام». ويقال إن أبو عيسى قد سافر إلى مدينة أنطاكيا التركية الحدودية خلال الأسبوع الماضي لكي يلتقي بأحد رجال الأعمال الخليجيين الذي قد يساهم في تمويل تلك الجماعة.
ومن بين الجماعات الجهادية التي تسعى لفرض سيطرتها جماعة «مجلس شورى الدولة الإسلامية»، التي يقال إن رئيسها السابق محمد العبسي قد قتل في الآونة الأخيرة بعدما رفع العلم الأسود الخاص بتنظيم القاعدة في معبر باب الهوى الحدودي. وعندما احتج أنصار الجيش السوري الحر على جماعة العبسي بشأن العلم، رد المتطرفون قائلين: «ما الخطأ في وضع اسم الله على العلم؟». وقد اختفى العلم الأسود الآن، ولكن المواجهة بين الجهاديين والمعتدلين قد بدأت للتو.
وأخيرا هناك «جبهة النصرة» التي تفتخر علنا بانتمائها لتنظيم القاعدة. وقال يقظان الشيشكلي إنه حاول تحذير أحد المسؤولين في الآونة الأخيرة قائلا: «هؤلاء الناس بيننا، وإذا لم تقدموا المساعدة الآن، فسيكون هناك الكثير والكثير منهم». وفي الحقيقة، ما أراه داخل سوريا يثبت أن الشيشكلي كان على حق.
* خدمة «واشنطن بوست»
الشرق الأوسط