سليمان تقي الدين
شكّل الفيتو الروسي الصيني على مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي حول سوريا منعطفاً جديداً في الأزمة جعلها في مرتبة الأزمات الدولية. ردّ التحالف الغربي بهجوم سياسي تركّز على الموقف الروسي الذي أحدث صدمة قوية لم يعرفها الغرب منذ عقدين. سحبت الولايات المتحدة سفيرها من دمشق وتوعّدت الدول الأوروبية باتخاذ إجراءات ضد النظام السوري وأصدر الرئيس الأميركي حزمة جديدة من العقوبات الاقتصادية على إيران. يستعد مجلس التعاون الخليجي لمزيد من التصعيد، في ما اعتبره المجلس إهانة غير مسبوقة وتهميشاً لدوره. لم يكن هذا المشهد معزولاً عن تصعيد ميداني حاول فيه الطرفان الضغط للتأثير في مجرى القرار الدولي. لكن الدبلوماسية الروسية اتهمت الغرب بعدم إعطاء فرصة للحل السياسي وأنه يغذي المعارضة بالمال والسلاح لأهداف تتجاوز المسألة الإصلاحية والإنسانية، وتطلب من المعارضة الجلوس إلى طاولة مفاوضات لمعالجة المسألة الداخلية بكل تشعباتها. ومن المعلن أن وزير الخارجية الروسي سيحضر إلى دمشق اليوم برفقة قائد المخابرات ليؤكّد التصميم على مقاومة الاجتياح الغربي للمنطقة على المستوى الجيو سياسي وليبحث في احتمالات الحل السياسي للأزمة الداخلية. غير أن المناخ السائد في الداخل والخارج لا يوحي بإمكان الفصل بين النزاع الداخلي والنزاع الدولي حيث لم تستنفد كل الأطراف عناصر الضغط. فلا يبدو أن الأميركيين يستعجلون استدعاء الحوار والتفاوض على الملفات الإقليمية والدولية وهم يستنزفون النظام وسوريا طبعاً في المسار الذي يزعمون التحذير منه وهو خطر الحرب الأهلية.
وفي مجال آخر يعتقد الأميركيون بجدوى العقوبات الاقتصادية على كل من سوريا وإيران حتى لو كانوا يعتبرونها غير كافية. ولعل الفرنسيين يتولون أصالة ووكالة عن أطراف أخرى العمل على توحيد صفوف المعارضة وقد وجدوا في واجهتها السياسية الهشاشة والضعف على أرض الواقع.
تنعكس هذه المعطيات مزيداً من إراقة الدماء ومزيداً من التعقيدات التي باتت ترسمها خطوط المواجهة بعد أن تصاعدت دعوات الحسم العسكري ودعوات الدفاع العسكري عن النفس. في كل هذا ضاعت خارطة الإصلاح وأصبح صراع الإرادات وحسابات القوة يسيطران على لغة نافية للآخر متموضعة في مراكز النفوذ الدولي وحساباته. وكانت روسيا وربما ما يزال لها من دور أن تحاور معظم الأطراف لتأسيس حل وطني داخلي في ظل هذا التوازن الدولي الذي رسمه قرارها في مجلس الأمن. فإذا كانت روسيا لن تنجح في هذا التوجه فإن معاناة الشعب السوري ستكون مضاعفة وكارثية.
فهل يحمل وزير خارجية روسيا ما يمكن أن يتحوّل إلى مبادرة يقوم بها النظام المتأخر عن المبادرات السياسية العملية، أم أنه سيظل يتعامل مع الأزمة كما بدأ بوصفها جزءاً من صراع دولي وقد ينطلق من هذا «الإنجاز» للتوغل في مشروع تجديد النظام نفسه وآلياته وتجديد الإقصاء؟
المسألة الآن هي في أن إطفاء الحريق الداخلي بالمعالجة السياسية هو شرط ضروري وحاسم لكي لا يتجذر ويتعمّق هذا الصراع ويصبح منطق الحماية الخارجية مشروعاً أمام تفسخ الرابطة الوطنية السورية التي أعطبتها الأزمة إلى حد بعيد. إنها لحظة لقرار صياغة الوحدة الوطنية السورية في وجه ليس فقط المشاريع الخارجية بل كذلك في وجه ما تأسّس في هذه المنطقة من خلل سياسي وفوضى.
السفير
