صفحات المستقبل

التيار الأحمر الإسباني والوجه العربي/ محمد بيطاري

تتسم طبيعة الجالية العربية في إسبانيا بعدم التنظيم وتنافر الجهود، ولا تعتبر جالية مهمة. ويظنّ القاطن في مدريد أن العرب أقلية لغيابهم عن الساحة السياسية والثقافية، إلا أن الشوارع والأحياء الشعبية تزدحم بهم.

عدم وجود إطار ينظّم العرب في اسبانيا، إضافة إلى حالة البعد الجغرافي والقطيعة الثقافية إلى حد ما مع البلد الأصل، حثّ الشباب العرب على الانضمام إلى أحزاب سياسية اسبانية، خصوصاً بعد بركان ثورات الربيع العربي التي استقرتْ رحاله في المشهد السوري.

أحدُ الأحزاب التي تولي اهتمامها للمهاجرين على وجه العموم، وللعرب على وجه الخصوص، بعد التحولات السياسية التي أحدثتها الثورات العربية على الساحة الإقليمية والعالمية، هو الحزب العمالي اليساري أو “التيار الأحمر” ذو الاتجاه التروتسكي، الذي يناضل لتحقيق الاشتراكية الأممية، أي أنّ الاشتراكية لا تَصِح أن تكون على نطاقٍ محلي، بل يلزم أن تكون أممية.

ازداد نشاط “التيّار الأحمر” بين العرب المقيمين في اسبانيا بعد خروج التونسيين بالآلاف إلى الشوارع في 18 كانون الأول 2010، بين الطلاب والنقابات العمالية وفي الأحياء الشعبية التي تعجّ بالسكان العرب من مختلف البلدان العربية.

رُبا من سوريا، تقيمُ في مدينة اشبيلية. التقت مع التيار الأحمر خلال زيارته للجالية السورية على سبيل “التعارف”، في خضّم الثورة السورية. تقول: “بعد التعارف وضعنا خارطة للبدء في تنفيذ نشاطات لدعم الثورة في اسبانيا”. تشرح ربا بإسهاب ما شعرت به من اهتمام نابع من التيار، وإلزام نفسه بنفسه على تحمل عبء شرح موقف الثورة السورية في اسبانيا، خصوصاً بعد نفاد وقت بقية الأحزاب اليسارية في رؤية المشهد السوري، وانشغالها بالوقوف ضدّ الامبريالية الأميركية. ولكن، ظهور بعض الناشطين كواجهة إعلاميةٍ أيضاً للحديث في نشاطات التيار، خطوة إلى الأمام، ومحسوبة بدقة من قبل التيار لتثبيت مصداقيتهم من خلال الناشطين، ودعم موقفهم من خلال هذا الناشط أو ذاك كـ”شاهد عيان”، فهل في نيتهم مجرد الاستخدام الإعلامي أم ينطلق ذلك من نية صافية؟ ووجب الذكر قبل التساؤل، أن التيار على اتصال مباشر مع التنسيقيات داخل سوريا، ويدعمها بشكل مباشر إعلامياً ومادياً، ويمارس الضغوط السياسية على الحكومة الاسبانية لمصلحتها. هذا ما يؤكده خوان، أحد أهم أعضاء التيار الأحمر في مدريد، بقوله: “نقوم بالمشاركة بحملة عالمية للدعم المادي والمباشر للثورة، وبالتحديد تلك القطاعات التقدمية كلجان التنسيق المحلية وبعض كتائب الجيش الحر واتحاد الطلبة الأحرار”. وخصص التيار نافذة الكترونية إعلامية على موقعه الالكتروني، لنشر أهم ما يكتب عن الوضع السوري والعربي، مرفقاً بـ”فيديوهات” نشرت على صفحات الثورة السورية، ومن صفحات “فايسبوكية” عربية أخرى. لكن من زاوية أخرى، لا ينفك التيار في الحديث داخلياً عن “الإسلاميين” ومدى خطورتهم على الثورة السورية، كأي حزب يساري جعل من “الإسلاميين” حديثه وشغله.

مي من أصل لبناني، طالبة في الجامعة المستقلة في مدريد، في قسم الدراسات العربية والأفريقية. كانت في صفوف الأناركيين اللاسلطويين، قبل انتقالها إلى صفوف “التيار الأحمر”. التقت مع كوادره خلال اعتصام طلابي السنة الماضية، على خلفية ارتفاع رسوم التسجيل الجامعي، التي ازدادت أربعة أضعاف، وهي مشكلة تشغلُ بال الحركات الطلابية، حيث لا يمرّ أسبوع إلا وترى تظاهرة في الجامعة بسبب ذلك. تقول: “ما لفت انتباهي هو اهتمام التيار بالطلاب العرب”. حاولت مي الاتصال بهم وبدأت تتردد على مكتب التيار في مدريد، تحضر نشاطاتهم، وتقرأ دورياتهم. “بدأتُ أتعرف على موقفهم من خلال ما أقرأه”.

لم تشهد مي ذاك الاهتمام في صفوف الأناركية كالذي شهدته من التيار. وهذا ينطبق على القضايا التي تخصّها كـ”عربية”.

وتحدثت سهيلة (من أصل فلسطيني)، عن آليات عمل الحزب داخلياً، وعلاقته مع أفراده، وطرق رفع القرارات من الكوادر، بحيث تكون القيادة الفعلية للتجربة الشبابية، واعتماد النقد والنقد الذاتي خلال الاجتماعات، أما عن انضمامها إلى التيار فقد كان من خلال الاحتكاك مع التيار في النشاطات النقابية التي ازدادت فعالياتها بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية التي تتعرض لها اسبانيا في السنوات الأخيرة.

فعلياً، لا يمكن أن تسير الأمور إن كانت بأكثر من يد. في النهاية هناك مسؤول، وهذا يبدو واضحاً من خلال خوان الذي يعتبر ضمنياً مسؤول الشباب داخل التيار في مدريد، من دون “البوح” بذلك، فهو يقدم نفسه كـ”عضو عامل”، ولكن من خلال إمساكه وإدارته لنشاطات مركزية في مدريد، يستطيع أي أحد أن يستخلص أنه مسؤول الشباب.

الأحزاب اليسارية في اسبانيا، منقسمة على نفسها في نقاط كثيرة (السياسات الداخلية والخارجية) مع خلافات أيديولوجية، بين مؤيد للاشتراكية الأممية ومعارض لها، أما السبب الآخر لانقسامها حديثاً فهو “الثورة السورية”. أهم الأحزاب اليسارية في اسبانيا، هي الاتحاد الشيوعي الاسباني (ماركسي لينيني)، حزب العمال الشيوعي الاسباني (ماركسي لينيني)، الحزب الشيوعي الشعبي الاسباني (ماركسي لينيني)، الحزب الشيوعي الاسباني (ماركسي لينيني ستاليني)، وعلى الضفة الأخرى الحزب الاشتراكي العمالي الذي يبقى بعيداً عن أجواء الأحزاب اليسارية، كونه الحزب الذي أمسك بالسلطة لسنوات طويلة، وخسر المعركة الانتخابية الأخيرة مع الحزب الشعبي (اليميني) الممسك بالسلطة حالياً في اسبانيا.

يبقى “التيّار الأحمر” الذي يواجه ضغوط الأحزاب اللينينية الستالينية واليسار الكلاسيكي في اسبانيا على خلفية دعمه للثورة في سوريا، ومن تابع الأخبار جدياً في الفترة الأخيرة، يعرف أن تهديدات بعض الأحزاب اليسارية للتيار ارتفعت نبرتها وأحدثت صخباً في أجواء اليساريين، بعد مناوشات بين الطرفين، فيما حاول بعضها منع التيار من رفع علم الثورة السورية في عدة مناسبات. ويردد خوان موقف التيار من هذه الأحداث: “لن توقف هذه الأساليب عزيمتنا، ونحن ندعم وسنبقى ندعم الثورة السورية بكل ما لدينا حتى إسقاط الديكتاتور بشار الأسد”.

(مدريد)

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى