صفحات الرأي

الثقافة في مواجهة الإرهاب كيف؟/ إبراهيم عبد المجيد

 

 

كثيرا ما نسمع هذه العبارة، الثقافة في مواجهة الإرهاب، وهي بالتأكيد عبارة جذابة يندفع خلفها الكثيرون، بل وفي مصر عادة بعد كل عملية إرهابية نجد احتشادا في وزراة الثقافة معلنا بدء النشاط الثقافي في مواجهة الإرهاب، ومنذ أيام أقامت مكتبة الإسكندرية مؤتمرا تحت هذا العنوان، دُعيت إليه لكنني اعتذرت لسفري إلى الأردن.

والسؤال الذي أريد أن أذكِّرالجميع به، خاصة في مصر هو، هل جاء الإرهاب إلينا من الفضاء؟ هل هو من إنتاج دول أخرى صدّرته وتصدّره إلينا حقا؟ الإجابة على السؤال الأول واضحة، إن الإرهاب لم يأتِ من الفضاء، بل هو نتاج أرضي تام وراءه أفكار يتم الترويج لها من زمان، ووراءه نظم سياسية ودعم مادي رهيب لأصحابه، ومن ثم تكون الإجابة على السؤال الثاني واضحة، لكن من المهم أن نعرف إنه ليس صنيعة خارجية كاملة، بل هو صنيعة محلية أيضا وبالأساس. الذين عاصروا سنوات السبعينيات من القرن الماضي في مصر رأوا كيف وقف النظام السياسي تحت حكم الرئيس السادات مع الجماعات التي تسمي نفسها إسلامية، سواء الإخوان المسلمين أو السلفيين والوهابيين، في مواجهة الاشتراكيين والناصريين والقلة الموجودة ذلك الوقت من الليبراليين. كانت الأجهزة الأمنية تعتقل الفرق اليسارية، بينما تترك هؤلاء يقيمون معسكراتهم للتدريب على أعمال المصارعة والكاراتيه في الصحراء، ليعودوا يمارسون العنف على الطلاب اليساريين في الجامعات، بل وضعت لهم القوانين التي تعفيهم من أي مساءلة في اختراق قوانين المباني مثلا، فصار من يبني عقارا مخالفا للقانون يُعفَى من أي غرامة مالية أو عقاب بهدم العقار مادام يقيم تحته مسجدا، ورغم أن هذا القانون أُلغي أيام مبارك، فلا يزال من يفعل ذلك متأكدا من عدم قدرة أي جهة أخلاقيا أوعُرفيا على هدم العقار المخالف مادام فيه مسجد. وأخيرا تناقلت مواقع الفضاء الإلكتروني صورة لعمارة عالية جدا مخالفة لكل القوانين وعلى أرض زراعية وأعلاها مسجد ومئذنة، حتي إذا فكرت جهة في الهدم تبدأ بهدم المسجد وهذا محال! المسجد صار طريقة للنصب، بل أكثر من ذلك كان يتم تدريب عناصر في مصر تلتحق بحركة طالبان في أفغانستان ضد الاحتلال السوفييتي، بدعم مالي من السعودية ودعم عسكري من أمريكا، هؤلاء إرهابيون توزعوا في ما بعد على العالم من البوسنة إلى العراق إلى الشام، والذي حدث من انقلاب الثورة السورية إلى جماعات إرهابية مسلحة باسم الإسلام تم كله بدعم دول عربية وأجنبية. كثير جدا من الأمثلة تعرف منها أن شعار الثقافة في مواجهة الإرهاب شعار طيب بالمعنى الشعبي المصري، أي ساذج! على أن هناك إرهابا آخر ينمو على مهل وهو الناتج عن الظلم الاجتماعي والسياسي، الذي تقوم به النظم الديكتاتورية أو الشمولية، فما أكثر الذين تم القبض عليهم وحبسهم في هذه النظم، وحين يخرجون يكونون قد تشربوا أفكار الإرهابيين الحقيقيين، الذين سُجنوا معهم في زنزانات واحدة، كذلك القسمة الضيزى في الحياة الاقتصادية، إذ يتحمل الفقراء عبأ التنمية من أجل الأغنياء، بينما يفوز الأغنياء بكل ما يمكن من مزايا تتجسد في إعفاءات ضريبية غير مبررة أو منحهم أراضي بأسعار بخسة يقيمون عليها العمارات والتجمعات العمرانية، ويفوزون بالملايين لأنهم أصدقاء النظام، كل ذلك يدفع الفقراء إلى الاقتناع بالإرهاب، أو على الأقل عدم مقاومته.

الفن عموما لا يرضى بما حوله وينشد المبدعون دائما عالما أفضل حتى وهم يعبرون عن القبح السائد، المبدعون ليسوا في حاجة إلى من يطلب منهم مقاومة الإرهاب، وفي مصر مثلا في التسعينيات قامت وزارة الثقافة المصرية بجهد كبير في إصدار كتب ضد الإرهاب وإقامة مؤتمرات في كل البلاد، بل وفي الميادين أحيانا لكن في الوقت نفسه كانت المساجد المنتشرة بلا ترخيص ولا رقابة تهدم هذا الجهد كله في خطبة صلاة يوم الجمعة، يبدو لي المبدعون مساكين إذ يُطلَب منهم عمل ما يعملونه بالطبيعة، كأنهم يطلبون منهم شيئا جديدا، وأضحك على من يتصورون أن الأدب والفن سيستطيعان مواجهة الإرهاب، بينما تدعمه الدول نفسها وهي تقف أمام حرية التعبير وتعاقب الأدباء والمفكرين والمعارضين السلميين، طف بنا على كل البلاد العربية من عشرات السنين وقل لي كم عدد الكتاب الذين عرفتهم سجون الحكم، وهم الكتاب الذين يريدون عالما أفضل دائما تحلق فوقه العدالة، آلاف من الكتاب عرفوا سجون النظم الحاكمة، لقد أتى علينا وقت مثلا في مصر كان الكتاب ينظرون فيه إلى من لم يتم اعتقاله أو القبض عليه باعتباره عميلا للأمن، فعملاء الأمن لا يتم القبض عليهم إلا نادرا، من أجل التجسس على الآخرين في الزنازين! في مصر ارتفعت صيحات ضرورة التجديد الديني، ولكن ماذا كان مصير من حاولوا ذلك غير السجن؟ القوانين السارية تتيح ذلك وهي لا توجه إلا إلى المفكرين أو الأدباء، باختصار كل الأمور تؤدي إلى الإرهاب ما دام السجن مفتوحا لمعارضي النظم السياسية السلميين، الذين لا يملكون إلا أصواتهم وكتاباتهم، بل إن مغنية مثل شيرين عبد الوهاب المصرية قالت كلمة على سبيل السخرية من مياه النيل في إحدى حفلاتها في الإمارات العربية – فيما أظن في دبي – لاقت من النقد الكثير جدا واتهمت بأحط الاتهامات، ولم يغفر لها إنها قالت يوما من قبل أنها حلمت بالسيد الرئيس يضع لها العنب بين شفتيها وهي نائمة!

أيها السادة الذين يطلبون من الأدباء مكافحة الإرهاب، الأدباء يبحثون دائما عن عالم أفضل مهما عبروا عن القبح، وهم لا يرضون ولن يرضوا أبدا عن كل ما هو غير إنساني، وعلى رأسه الحكم الشمولي في أي مكان بصورة دينية أو عسكرية، وكذلك الإرهاب، لا تطلبوا منهم الوقوف ضد الإرهاب لأنهم يفعلون ذلك بالفطرة، لكن أقيموا العدل ليقل الإرهاب ودشنوا برامج تعليمية عظيمة، وابنوا المدارس والجامعات وانهوا القوانين التي تمنع حرية الفكر واعدلوا بين الناس، الإرهاب صنيعة سياسية قبل أي شيء، رغم كل مسوح الدين، وافصلوا بين الدين والدولة، فيبتعد الدين عن الإرهابيين، ويبتعد الناس، واتركوا الأدباء يكتبون عن القبح ليعرف الناس الجَمال الغائب أو حتى يحلمون به.

كاتب مصري

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى