الثورات العربية وكسر التابوات
عمار علي حسن *
لعبت الثورات العربية دوراً بارزاً في كسر التابوات السياسية، إذ هدمت جدران الرهبة بين السلطة والجماهير، وعَرّت الحكام، ووضعتهم في مرمى نيران النقد اللاذع والسخرية الزاعقة الحارقة، بأشكال وصيغ غير مسبوقة، ولم يعد أحد منهم بمنأى عن التناول والتداول الذي لا حدود له، ولا قيود عليه. وعلى التوازي، انكسر تابوان آخران يرتبطان بالدين والجنس، أو بالأحرى يتعلقان بالفهم الخاطئ والمتزمت والأحكام التقليدية الجامدة للدين، لا سيما التركيز على الطقوس والمظهر لا النفوس والجوهر، وكذلك المبالغة المَرضية في الخوف من كل ما يتعلق بالجنس، وكأنه ليس السبب في استمرار الحياة على الأرض، أو أنه لا يحظى بأهمية قصوى لدى الناس أجمعين.
حدث هذا نتيجة أمرين، الأول أن الثورات العربية ذات طابع شعبي، شاركت فيها الملايين فجأة، وهي صاحبة الحق في إنجاح موجاتها الأولى بلا منازع. وبعدما كان تجاوز هذه «المحرّمات الزائفة» مقتصراً على النخبة، اتسع هذا التجاوز ليطوّق قطاعات عريضة من البشر، لأن حركة النقاش وفيض الجرأة والشجاعة سارت على التوازي في العالمين «الافتراضي» و «الواقعي»، وإذا كان الأول يتمتع بالنفاذية واختراق السدود، لا سيما من خلال «الشبكات الإلكترونية للتواصل الاجتماعي»، فإن الثاني ازداد نشاطاً وتمكناً نتيجة روح الإقدام التي نفختها الطليعة الثورية في نفوس الجموع التي كانت تنتظر الإشارة الأولى للخروج العارم في غضب واحتجاج. وحين تجاور الناس وتحاوروا في الميادين والشوارع تساند بعضهم إلى بعض، وتبادلوا التحفيز والتشجيع، فأصبحوا يكسرون الكثير من الأشياء التي فرضت عليهم بوصفها «محرمات» يجب عدم الاقتراب منها أو الوقوع في دائرة الاشتباه حولها. مع أن الأمر ليس كذلك، إنما هو من صنع الأيادي والعقول الخشنة التي حرصت طيلة الزمن الفائت على قهر المواطنين تحت لافتات كثيرة.
أما الأمر الثاني فهو رفع هذه الثورات شعار «الحرية» و «الكرامة»، ونيل الأولى لا يمكن أن يتم على الوجه الأكمل، وهناك إجراءات وتدابير سياسية وآراء وفتاوى فقهية تقيدها بقسوة وتجبر، على رغم أن النص القرآني الكريم رفع من شأنها وجعل «التفكير فريضة» ودعا إلى تحرير الناس من الاستسلام لكل ما يستعبدهم ويسلب إرادتهم، وجعل علاقتهم بربهم مباشرة لا وساطة ولا وصاية فيها لأحد. أما الثانية، فكان بعض انتهاكها يتم من زاوية إزكاء المحرّمات والتلبيس على العقول بالمبالغة فيها. لكن هذا التطور الفكري والاجتماعي يبقى حتى هذه اللحظة فعلاً فردياً، الأمر الذي يضعف قدرته الدافعة وإمكاناته الكامنة على التغيير، بغية صنع واقع جديد ينتصر لإنسانية الإنسان. وبات الأمر في حاجة ماسة إلى «تنظير» و «تنظيم»، فالأول يضع الإطار أو التصور الشامل الذي نعود إليه ونحن ندافع عن الحريات الفردية والعامة، والثاني هو ركيزة أساسية لدوام هذا الدفاع وتعزيز أنصاره بمرور الزمن.
* كاتب مصري
الحياة