بشار العيسىصفحات سورية

“الثورات في ميزان الشيطان”

بشار العيسى

في حديث لمجلة ” اسبري” يقول الباحث الفرنسي ” جان بيير فيليو”: أصبح الجو الثقافي اليوم بوضوح ناقدا للثورة، وهو الذي لم يكن يوما شديد الحماس لها….حين يتعلق الامر بسوريا، لم يعد مسموحاّ الحديث عن ثورة، بحجة ان هناك حرب اهلية، وأن هناك مجازر ترتكب من الجانبين الخ . عدد آذار نيسان 2013

بداية مع الثورة التونسية ومن ثم اليمنية والمصرية والليبية حدثت احتفالية اعلامية ثقافية الا ان الحالة الليبية خلقت قلقاّ لأكثر من سبب، سرعان ما تفجر حذراً مشوباً بعدم الترحيب تجاه الثورة السورية لأسباب غير القلق من الثورة الليبية لتداخل العديد من العوامل الاقليمية والدولية ربما للموقع الجيو سياسي لسوريا في حال انتصار ثورتها سلميا ستكون له آثار ارتدادية تتجاوز الحدود السورية الى اكثر من جوار وما ادراكم ما جوار سوريا!

سرعان ما اشهر سلاح الترهيب من القاعدة والمنظومات الجهادية والمشوب بالخوف المبطن على حقوق الاقليات التي لم تغب بخبث عن اذكاء هذا القلق، وآخرها التهديد بأهوال الحرب الاهلية! وكأن الحرب الاهلية تفعل أكثر مما يفعل هذا النظام المركب المحلي الدولي الاقليمي للشعب السوري.

اليوم وبعد مرور سنتين على الثورة السورية واكثر من مئة الف شهيد (ثمانون بالمئة منهم مدنيون سلميون)، وضعفه من الاسرى وملايين المهجرين داخل وخارج الحدود وهذا الدمار الهائل الذي أتى على نصف العمران في سوريا بل اكثر وتوقفت عجلة الاقتصاد نهائيا ( لم تعد خزينة البنك المركزي تحوي على اكثر من رواتب اربعة اشهر فقط) وتعرض اكثر من مليوني طفل الى رضوض نفسية وجسدية اقرب ما تكون الى الاعاقة (حسب اليونيسيف) ، تتم مباركة ثقافية يسارية الهوى خاصة، بملائكية غير بريئة لشيطنة الشعوب التي تَتُوق الى الحرية. كون هذه الحرية ترمي بأحمال ثقيلة في ركود مستنقع ثقافة وعقائد مضى على جمودها قرن من الزمان تعتاش من خطاب نظري لفظي ساهم مع القوى الاستعمارية في تدمير شعوبها.

صار ممنوعا التفكير بالحرية او حتى الحلم بها بغير انتفاضات شعبية تقابل بالرصاص واسلحة الدمار الشامل من انظمة تكافل العالمان الغربي والشرقي على رعايتها باعتبارها قوى منضبطة سهلة القياد تلبي المصالح على حساب الانسان وشرعة حقوقه الاممية.

يوما عن يوم يظهر بوضوح توافق طيف واسع من مصالح تتكامل ضد تمرد الشعوب من اجل الحرية باهظة الاثمان، تجهض الحاضنة الاجتماعية للثورات بحجم الخسائر المنظورة والمستترة. لقد حدثت وستحدث في المستقبل مراهنة احتيالية للقوى السائدة ليس على حق الشعوب في التحرر من انظمة استبدادية فاسدة رجعية بل ستطال هذه الممارسات والاحلاف ادق تفاصيل ومفاصل الثقافة المجتمعية التقدمية بغير المعيار اليساري التافه.

ستطال عملية التدجين هذه بالقمع والقسر والترهيب :

ـ حقوق المرأة والطفولة.

ـ حقوق الاقليات وسكونية الخرائط الملغمة بالاعتبارات الاستعمارية.

ـ نظم النقابات كمكسب تاريخي وفسحة نضالية لتصحيح الخلل في ميزان المصالح لم يعد رأسمال العولمة قادرا على تحمّله.

من هنا تم تجاهل الثورة الخضراء الايرانية لصالح اسوأ نظام رجعي في التاريخ البشري مدعم بمنظومة قمعية ثيوقراطية بأسلحة عصرية ورضا عالمي رغم الغبار المثار. لقد همشت حقوق المرأة والطفل والشعوب غير الفارسية ومن ثم الفارسي في توقه للحرية على مدى اربع وثلاثين سنة ( رغم رفع يافطة لجم نظام الائمة والملالي) لكنه بقي الطفل المدلل لقوى شيطانية تجاهلت شعوب الكرد والعرب والآذريين ومنظمة مجاهدي خلق ومن ثم الثورة الخضراء وتدحرج على السجادة الخضراء اكثر من راس بدأت به الثورة وبقي النظام المستولد على قدر طربوش نظام الشاه.

ها هو الغرب يمارس كما في فلسطين ومثلما يتجاهل حقوق الكرد سياسة النعامة المنقادة الى رغبات الحكام المستبدين لانظمة يتم دهنها بين فينة واخرى، بلعبة الكراسي الموسيقية ن اقول استعمارية لانها العملية الاجهاضية عينها منذ اليوم الذي تم فيه وأد الحركة الاصلاحية النهضوية في تونس الباي ومصر الخديوي بحجج واهية تم احتلال البلدين لوقف مسيرة النهضة فيهما حسب راي ” فيليو”.

تتم باجتهاد شيطنة حزب العمال الكردستاني في تركيا والثورة الخضراء ومعها منظمة مجاهدي الخلق في ايران والسلطة الفلسطينة والحركة الشعب السوري بحجة جبهة النصرة وما ادراكم ما جبهة النصرة ومن اتى بها ومن فتح لها الحدود ومن مولها وجعل لها السيطرة المنظورة؟

لقد استمرت الحروب الصليبية بأشكال اخرى بدأت بالكشوف الجغرافية، (ليس بما بين دفتي الكتاب المقدس بل بدفاتر الشيكات والسندات والقروض العابرة للقارات) التي راكمت ديون الدول المرشحة للنهوض والاصلاح ورهنت مستقبل ومصائر شعوب الشرق لسكونية افضت الى دويلات وانظمة فساد وادارات مموهة بقشور عصرية تتبع قوة المال وسطوة العسكر.

منذ الاحتلال البريطاني للهند حدثت حالة تلبس لخصها لاحقا جنرال امريكي بقوله: ان من يسيطر على الشرق الاوسط يسيطر على العالم : طريق التجارة العالمية والممرات البحرية، ومنبع مصادر الطاقة والمياه. لقد حدث هذا مع العثمانيين منذ القرن التاسع عشر وما زال الامر كذلك، تارة بحجة منع روسيا القيصرية من الوصول الى المياه واخرى الترهيب من الالحاد الشيوعي السوفياتي وحاليا من تصدير الارهاب الاسلامي وصدام الحضارات.

ففي سوريا التي زنّرت بالبعث وسلطة آل الاسد على مدى خمسين سنة تم خلع أسنان التطور وامكانيات التحول والخروج الى فسحة الحرية كما عبر “ميشيل سوراه” تتناسب عكساً كثافة التحرك السياسي لسوريا (الاسد) ضمن المشهد العالمي مع كثافة الحياة السياسية داخل البلد”

لقد وسعت بربرية دولة السلطة المستبدة في سوريا من مساحة تدخلها الدبلوماسي في ملفات الصراع الاقليمي عبر انهدام الصراع العربي الاسرائيلي والمضائق الكردية والتركية والعراقية والحرب اللبنانية،( الملفات دون الشعوب)، جعل من حضور الاسد الفاحش في الساحة اللبنانية عملية تكبيل للشعب السوري الى مرساة في عرض البحر فغدا الشعب مجرّداً من كل حقّ بالسياسية الا ما يضيف مضافا الى قيمة السلطة.

اليوم ثورتنا وليدة هذه الكثافة شديدة العتمة في فوضى تداخل مصالح دولية واقليمية تمضي بصرخة لا تتوقف للخروج من عتمة التعتيم المشترط على اهوال ومآسي تساوي بشيطانية اعلامية وثقافية ودبلوماسية فاسدة، بين القاتل والقتيل بين الشعب والمجرم بين الضحية والجلاد لبث الرعب في الاقدام على الحرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى