صفحات العالم

الثورةُ السوريةُ وتباينُ مواقف الشيوعيين

عبدالله خليفة
مع تطور هيمنةِ البرجوازية البيروقراطية في أنظمةِ رأسمالياتِ الدول في فصلِ العديدِ من الفئات والشخصياتِ عن جماهيرها الشعبية وتوجهها للاندماج في هذه البرجوازيات وأطروحاتها الزائفة عن التحول الاشتراكي أو القومي أو الوطني، استطاعتْ قوى عديدة في هذه الأحزاب من الانفصال عن هذه القيادات والانخراط في النضال الشعبي ضد الدكتاتورية العنيفة.
ولا تخجل قيادةُ الحزبِ الشيوعي السوري الموحد من إصدار بيان يؤيد مشروع التصويت على الدستور بنعم في خضم المذابح الرهيبة التي يقومُ بها النظام التي تجرى في الكثير من المدن السورية ويُضاف إليها تفجيرات النظام نفسه في المدينتين الرئيسيتين دمشق وحلب اللتين يسيطر عليهما بشكل واسع.
يقول بيانُ الحزب المذكور:
(وقد احتوى المشروع على عدة نصوص إيجابية أخرى تكفل حرية القول والتعبير ومساهمة الأحزاب في الحياة السياسية، وصون الكرامة الشخصية وعدم توقيف المواطن إلا بقرار قضائي وحق التظاهر السلمي، وحق الإضراب عن العمل وتكوين الجمعيات واعتبار المواطنة مبدأً أساسياً، وعدم التجديد لرئيس الجمهورية إلا لولاية واحدة، وبناء الاقتصاد على أساس التنمية والتخطيط والعدالة الاجتماعية).
من المؤكد أن الأفواهَ الحرةَ هنا مغلقة، والتباينُ شاسعٌ بين ضرب المدن بمدافع الدبابات وبين مثل هذه اللغة الرقيقة التي تريدُ صونَ الكرامة الشخصية وحق الاضراب عن العمل، في وقت تمت استباحة الحياة فيها وأُهدرت الكرامة البشرية.
وصلت الانتهازية هنا إلى ذروتها في هذا العمى السياسي، وعدم احترام الذات بالصمت إذا كانت الجثثُ السياسيةُ وصلت إلى هذا المستوى من التفسخ.
في مواجهة ذلك ثمة القواعد التي لم تتلوث، ولم تعش هذا الانفصال المنفعي وقاربت عنفوان الشعب في ثورته ضد نظام فاشي واجه الناس العاديين والمدن بالقذائف والمجازر.
يقول أحد بياناتها:
(في هذه اللحظة التاريخية التي يمر بها شعبنا السوري، وفي ظل التضحيات العظيمة التي يبذلها من أجل استعادة حريته وكرامته، وإيماناً منا بمشروعية الأهداف ونظافة الوسائل التي تبنتها الحركة الجماهيرية منذ انطلاقتها حتى الآن وقد كنا مشاركين بها منذ لحظة انطلاقها في كافة المدن، نعلن، نحن بعض قواعد الحزب الشيوعي السوري وكوادره، انحيازنا التام والنهائي للانتفاضة السلمية الباسلة، ونعتبر أنفسنا جزءاً لا يتجزأ من مخاضها الثوري).
بطبيعة الحال هذا موقف متأخر كثيراً، كما فيه من بساطة الوعي الشيء الكثير، وهو أمرٌ طبيعي لدى هؤلاء العاملين في ما تُسمى أشكال الوعي(الشيوعي)، وهي ليست سوى أشكال من الوعي البرجوازي الصغير التابع للمافيات الحاكمة حيث عاش هؤلاء الأعضاء بعيداً عن فهم النظام الرأسمالي الحكومي الشمولي الذي راح يتحلل على مدى ربع قرن، في قمعه المتواصل للجمهور وتدخله في قمع الشعب اللبناني وفرض حكم الطوائف الاستغلالية المحافظة عليه، سواءً على المستوى السوفيتي المركز المصدر لمثل هذه الأفكار- الأوهام، أم على مستوى النظام السوري المستورد لها والمحول لها لنظام استغلالي طائفي محافظ.
غيابُ نضالِ هؤلاء من أجل الديمقراطية والليبرالية والماركسية وتماهيهم مع وعي اشتراكي زائف، يُصورُ تحكمَهُ في المُلكية العامة بأنه اشتراكية، يتوضحُ في صمتِهم وغفلتهم على مدى السنوات المصيرية السابقة، في السكوت عن قمع الناس وصمتهم على تصاعد الآلة العسكرية الهائلة للنظام وتشكيل جبهة وطنية ليس فيها من الجبهة شيء، ورضاهم بقمع القوى السياسية المختلفة بما فيها قمع الدينيين والبعثيين الآخرين فليست الجبهة المذكورة سوى ديكور سياسي استعراضي لدكتاتورية عائلة الأسد والمقربين منها.
لكن الأوان لم يفت هؤلاء المنسحبين من الانتهازية عبر فهم طبيعة هذا الانسلاخ الفكرية العميقة المفترضة، وتوجيههم الناس نحو الحداثة الحرة والديمقراطية وتكوين سوريا جديدة موحدة ذات تطور ديمقراطي تعددي حقيقي وتركهم الكليشهات الزائفة للبيروقراطيات(الاشتراكية) المزعومة وحفاظهم على القطاع العام متجاوزاً للهيمنات الحزبية المختلفة وتعبيره عن مصالح الشعب بأسره، وسبرهم أغوار المجتمع بالتحليل ورؤية صراعاته الاجتماعية القادمة بخطورةٍ وبشراسةٍ وصعوبةٍ وتضخمَ الوعي الديني السطحي اليميني وهو يشكل خطراً آخر على مصير الثورة وتطور الشعب السوري وكذلك الاحتمالات الرهيبة لتطور الإرهاب وقوى التفكك القومية والطائفية.
إن وقوقف قيادات «يسارية» مع نظام بهذه الدموية هو أمرٌ لا يُصدق ومأساوي لكنه يدل على مبلغ الفساد في هؤلاء وتوقف أدوات التحليل الموضوعية لديهم، وتوقفها هو تعبيرٌ عن العلو عن التراب والناس والتماهي مع القوى الاستغلالية، لهذا تغدو اللغة وقد فقدت قدرتها على ذكر الحقيقة البسيطة المشاهدة من ذبح وكأنها أُصيبتْ بالعمى الكلي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى