صفحات سورية

الثورة التي لا تجبّ ما قبلها

 

فارس فارس

انشقاق

عد اعتياد السوريّين على مسلسل الانشقاقات السياسيّة، كان لا بدّ من جزءٍ دراميٍّ آخر للمشهد ولكن بنكهةٍ ثقافيّة. وبالمقارنة بين المشهدين، تزداد الرؤية صعوبةً في المشهد الثقافيّ، لا سيما وأن تلك الانشقاقات لا تترافق مع مانشيتات تلفزيونية، عدا عن اقتصار معرفة تاريخ المنشقّين على قلّةٍ من المتابعين لوسطٍ ثقافيّ كان مكرّسًا لأسماء معدودة، تختبئ في ظلّها الأسماء الأخرى التي هيّأت نفسها للانشقاق حين تميل الكفّة، فينتقلون من النّقيض إلى النّقيض، وتمتلئ جعبتهم بالذكريات الثورية متناسين تاريخهم الحقيقيّ من مصافحاتٍ ووجبات غداء وعشاء في القصر الرئاسيّ، أو ملفاتٍ أسبوعية وشهرية عن “عبقرية القائد” و”أناقة الليدي الأسد”، أو تمويلٍ من كبار ضبّاط الأجهزة الأمنية، لتختفي تلك الحياة فجأةً، وتظهر ملفاتهم الجديدة في مديح “القادة الجدد”، دون أن يكلّفوا أنفسهم أحيانًا مشقّة تغيير الكلمات، فتغيير اسم “القائد” يكفي لتكريسك مطبّلاً ومزمّرًا في مديحٍ ثوريٍّ هذه المرة.

صورة على الحدود

علم الثورة الأخضر بنجماته الثلاث، يزيّن غطاء الرأس للرجال، وأعناق النّساء، على خلفيةٍ ثابتة هي معبر “باب الهوى” بجملته المبهجة: “أهلاً بكم في سوريا الحرّة”.

تكفي هذه العناصر البسيطة لإثبات فحولتكَ الثورية، وبأنكَ لا تقلّ شأنًا عن أيّ ناشطٍ مدنيٍّ في المظاهرات، أو حتى مقاتلٍ في الجيش الحر. ولا بدّ من علامة النّصر الشهيرة وابتسامةٍ واسعة تُظهر بياض الأسنان المعتنى بها جيّدًا.

اختيار للصورة، ثم رفع على صفحة الفيسبوك، وانتظر عدّاد اللايكات المتسارع.. ولكن ثمّة خطأٌ بسيط: لن تظهر جملة معبر “باب الهوى” حين تكون في الأراضي السورية، إلا إذا كانت تلك اللافتة بوجهين متطابقين!

محو الأمية الثورية

الكفّان هما ذاتهما. ولعلّ خبير “المانيكور” هو ذاته!

الفارق الوحيد، هو اختلاف الجملة على الكرتونة، والتي ينبغي أن تكون تعليميةً بالضرورة.

الصورة التي توالدت بغزارة، بين الممثلين والممثلات بشكلٍ خاص، تصلح لأن تكون جزءًا آخر من البرامج التعليمية التي كانت تنتشر على التلفزيون الرسميّ؛ ولا بدّ لنا حينها، نحن الطلاب في مدرسة الثوريّين الكبار، من أن نصفّق بإعجابٍ ودهشة لهذه الجمل الخارقة، بل وأن ننسخها على صفحاتنا الفيسبوكية وقلوبنا كوشم!

بَلِّكْ عليها تنجلي!

ثلاث مراحل يمرّ بها المناضل الفيسبوكيّ المثقف:

مرحلة إرسال طلبات الصداقة وتوزيع لايكاتٍ غزيرة، مرحلة الردّ على كل التعليقات وتقليل اللايكات على صفحات “المنافسين”، أما المرحلة الأخيرة فلا يصلها إلا “كل ذي شأنٍ عظيم” وهي البلوك لكلّ من يخالفه الرأي.

في بلاط المُفسبكِ المثقف أنت أمام خيارين فقط: إما التهليل لعبقريته، أو التجرّؤ على مخالفته وتحمّل البلوك الذي سينالك لا محالة.

ولا بدّ لنا من أن نحمد الله لأن هؤلاء لا يمتلكون سجونًا مثلما كان يفعل النّظام، وإلا لكانت هناك صفحات بالمئات “الحرية لفلان” ضحية مخالفة آراء العباقرة الجدد؛ ولكن هذا لم يمنع البعض من إنشاء صفحاتٍ ساخرة عن “ضحايا البلوك لفلان”، الذي لا يكترث طبعًا، فصفحته تخلو من أي مُعارض… وبكل ديمقراطية.

بوست أبو الـ 500

اجتنب الموبقات الخمس:

تخفيف اللهجة الثورية، تغيير رأيك حتى لو كنت مخطئًا، انتقاد أخطاء الجيش الحر وجبهة النصرة، مدح غيرك من المثقفين المنافسين، والحديث عن النازحين واللاجئين.

أما المعصية الكبرى فهي “بدعة” النقد الذاتيّ، إلا في حالةٍ وحيدة هي انخفاض عدد اللايكات. حينها، عدْ بهدوءٍ إلى آخر تحديثات صفحتك الفيسبوكية، وتسلّل إلى صفحات من سبقوك باللايكات، وتحاشَ الوقوع في مثل هذه الزلّة أو تلك، ثم ابتسمْ برضا حين تحقيق الهدف الحقيقيّ لثورتك الخاصة: أي “بوست أبو الـ 500 لايك”!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى