صفحات سورية

الثورة السوريا تجاوزت محدداتها الايدلوجية


    محمود الزعبي

    إذا كان القرن الثامن عشر ه قرن الثورة الفرنسية والقرن التاسع عشر قرن الإكتشافات العلمية في الطب والقرن العشرين قرن التحول من النظام الإقطاعي إلى النظام البرجوازي فإن القرن الواحد والعشرين هو قرن الثورات العربية بإمتياز لتحررها من أنظمتها الدكتاتورية

    فلو نظرنا لأسباب الثورات عبر المراحل التاريخية المتعددة لوجدنا أن هنالك قاسمآ مشتركآ ولدّ هذه الثورات وهو أنّ هذه الأمم وجدت نفسها في الدرك الأسفل ولا خيار لها فإما أن تنتفض على واقعها وتنهض أو تسحق

    فأحد اسباب ثوراتنا العربية المباركة ليس سببه المؤامرات الكونية على أنظمتها ولكن بسبب القصور الهيكلي الدائم لهذه الأنظمة ولا يكون العلاج إلاّ البتر والتغيير الجذري لأنّهاء البلاء والداء

    والخيار أصبح بين موت الأمة أو نهاية هذه الأنظمة البالية المتعفنة التي كانت وراء عجز هذه الأمة العظيمة بمقاييس التطور والإستقلال الخارجي والمكانة الدولية لعدم وجود شرعية لهذه الأنظمة

    فلو عرّفنا الشرعية بالمفهوم العام لوجدنا أنّها العلاقة بين طرفين هما الحاكم والمحكوم

    يقبل فيها الطرف الثاني بحق الطرف الأول بالتحدث بإسمه والسهر على أمنه والتصرف بمدخرات الأمة وفق أنظمة تضمن الحقوق والواجبات للطرفين دينيآ , أدبيآ ,وأخلاقيآ وبحسب الأعراف المتبعة

    فهي قضية مركزية لها مدلولاتها في بناء الأمم وتطورها فيمكن تقييم هذه الشرعية من خلال رابط العلاقة العكسية بينها وبين العنف الأمني والفساد داخل المجتمع

    فكلما تعاظمت الشرعية قل الفساد والسطوى الأمنية وكلما قلت الشرعية زاد الفساد والسطوى الأمنية وهو دليل على إنهيار وفقدان الشرعية

    فبالنظر إلى أنظمتنا السياسية نكتشف حالة اللا شرعية التي تعاني منها

    هذه الأنظمة التي تسعى دائمآ للبحث عن غطاء إيدلوجي يسمح لها بالإستمرار بالحكم وشعارات رنانة لا تصلح حتى لمدينة أفلاطون الفاضلة

    فالقول أن القوة تكفي وحدها لإضفاء الشرعية تعني أن السلطة تقرّ مسبقآ بحق العنف في إجتثاثها وتقرّ بأنها موجودة بالرغم من الناس وتقبل مسبقآ بالعيش في حالة تأهب دائم وإستعداد لقمع أي حراك شعبي

    والإشكالية الكبرى أمام أنظمتنا اليوم هي أنها لا تستطيع الإعتماد على أي من مصادر الشرعية المعروفة , أو بالأحرى أنها فشلت فشلآ ذريعآ في التجذّر في أي منها

    الثورة الشعبية القائمة في سوريا تطرح سؤالا هاما ومصيريا وهو مستقبل هذا البلد سياسيا بما يتلأم مع دورها الاقليمي في المنطقة ومكانتها التاريخية

    والسؤال الاخر كيفية تعاطي النخب السياسية للديموقراطية المنشودة بعد سقوط النظام مع لأ خذ بعين الاعتبار بشعار الثورة الرئيسي وهو المطالبة بالحرية

    إنّ الشعب نادى بالحرية و الديمقراطية لأنه يريد أن يكون له دور حقيقي في بناء حياته و مواجهة المخاطر التي تحيق بوجوده، سواء كانت هذه المخاطر خارجية أو المخاطر الداخلية المتمثلة في الفقر و الفساد و العجز الاقتصادي و الأزمات الاجتماعية. إنّ كل هذه القضايا، قضايا التحرّر و الاستقلالية و صدّ العدوان و التنمية و البناء الحضاري تحتاج إلى أجوبة أكثر عمقاً و شمولية.

    ربّما لا تزال أجواء الحماسة و الانفعال تشدّنا اليوم إلى مَشاهد الشباب العزل في مواجهة ألة القتل، لكن ذلك لا يلغي حقيقة غياب الرؤى النظرية المكتملة للمستقبل ، المتمثلة في غياب ما اصطُلح على تسميته “سورية الجديدة” المشروع القادر على تأمين الشروط اللازمة لبناء حياة كريمة تتوفّر فيها مقوّمات حقوق الفرد و كرامة الأمّة.

    لقد فشلت النّخب السياسية في بلورة هذا المشروع نتيجة انغماسها على مدار اشهر في صراعات أيديولوجية، هذه الصّراعات التي من طبيعتها أنها تنشأ من الواقع الذي يتجاوزها لتبقى أسيرة عقول متكلسة متمترسة حول مقولات و رؤى نظرية مقيّدة لحركة الفكر ذاته و من بعد ذلك حركة المجتمع. إذْ من ميزات العصر االثوري الجديد هزيمة الأيديولوجيا بعد أن علا صوت الجماهير الفاعلة.

    إنّ الرّؤى الأيديولوجية هي التي كرّست هذه الإشكاليات المستعصية و الأغاليط التي تمثلت في مجموعة من الثنائيات الزائفة في الوعي العربي ، كثنائية العروبة و الإسلام، و الرجعية و التقدّمية ، و النهضة و الانحطاط ، و المجتمع الديني و المجتمع االعلماني، و ما ينبثق عن هذه الثّنائيات المزيّفة من قضايا و تفرّعات أكثر زيفاً و بعداً عن الواقع. إنّ صوت الشعب السوري في معظم الساحات كان قادراً على تجاوز محدّدات الأيديولوجيا ، فالناس عبّروا عن أنفسهم كمسلمين بعيداً عن تناقضات الإسلاميين، كانوا مسلمين و لم يكونوا سلفيين أو إخوانا مسلمين أو غير ذلك، و كانوا عروبيين من دون أيديولوجيا قومية ، وكانوا مدنيين من دون أن يكونوا ليبراليين و علمانيين ، و الأهم من كلّ ذلك أنهم كانوا كلّ هذا و في الوقت نفسه.

    فالشعب السوري العظيم رسم خارطة الطريق وعلى السياسين المضي في هذا الطريق

    وفي هذه الأيام التاريخية التي نعيشها بتزايد نضج البدائل التي ولدت من آلامنا تصنع ملامح مستقبل سيعود فيها للأمة مجدهاوللشعوب سيادتها وللأنظمة شرعيتها وللمواطنين كلاامتهم

    رحم الله شهداء ثوراتنا العربية وكل الشكر لهم لأنهم أعطوا لكل حاكم عربي حجمه الحقيقي ووضعوا كل محكوم عربي أمام مسؤولياته

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى