الثورة السورية: المسارات المحتملة
مركز الجزيرة للدراسات
انطلقت الانتفاضة السورية ضد نظام حزب البعث بمظاهرة صغيرة في حي حريقة الدمشقي، استمرت زهاء نصف الساعة قبل أن تفرقها قوات الأمن وتعتقل عدداً من النشطاء الذي شاركوا فيها. ولكن المظاهرة الصغيرة سرعان ما أطلقت عشرات المظاهرات الأخرى في أنحاء مختلفة من سورية خلال الأسابيع التالية.
وكانت مدينة درعا الجنوبية، واللاذقية وبانياس في الشمال، ودوما في ريف دمشق، أبرز مواقع الاحتجاج، حيث ووجهت الحركة الشعبية بقدر هائل من عنف أجهزة الأمن، أدت إلى مقتل ما يقارب الثلاثمائة من السوريين خلال شهر واحد من الاحتجاجات. ولكن لا عنف الأجهزة ولا رواية إعلام النظام بوجود اختراق أجنبي مسلح من إرهابيين أو سلفيين نجح في إخماد الانتفاضة أو حصرها.
وهذا ما دفع الرئيس بشار الأسد، ربما، إلى محاولة احتواء الموقف بخطابين لمجلس الشعب ومجلس الوزراء، والإعلان عن إلغاء حالة الطوارئ ومحاكم أمن الدولة، إضافة إلى تقديم وعود مبهمة حول إصلاحات تالية.
وليس ثمة شك أن يوم الجمعة 15 إبريل/ نيسان مثّل انطلاقة جديدة للانتفاضة السورية، سواء من حيث أعداد المشاركين في المظاهرات الشعبية أو من حيث انتشار التظاهرات في كافة أنحاء سورية تقريباً، بما في ذلك مدن ذات أغلبية كردية ودرزية ومسيحية. في الأثناء، صادق الأسد، يوم الخميس 21 إبريل/ نيسان،على قرار مجلس الوزراء بإلغاء حالة الطوارئ ومحاكم أمن الدولة، وتسربت تقارير تفيد بأنه أصدر أوامره، مقابل ذلك، بقمع التظاهرات الشعبية التي دعا لها نشطون سوريون لليوم التالي. وهذا بالتأكيد ما حدث، فقد كانت الجمعة 22 إبريل/ نيسان يوماً مشهوداً في مسار الانتفاضة السورية، عندما وجهت قوات الأمن رصاصها للمتظاهرين كما لم تفعل من قبل، موقعة أكثر من مائة قتيل في يوم واحد.
بذلك، تكون سورية قد تخطت مرحلة كاملة من انتفاضة شعبها من أجل بناء دولة الحريات والديمقراطية والقضاء العادل، ومضت نحو مرحلة أخرى.
الحركة الشعبية:اتساع جغرافي وتنوع اجتماعي
منذ انطلاقة رياح الثورة العربية في أواخر ديسمبر/ كانون أول الماضي، وحتى بعد سقوط نظام الرئيس مبارك بمصر، قلة توقعت أن تندلع حركة شعبية سورية بمثل هذه السرعة. ولكن الحراك السوري الجماهيري، تصاعد في صورة ملموسة، وطال كافة أنحاء سورية تقريباً في مظاهرات الجمعة 22 أبريل/ نيسان. في الجمعة التالية، 29 أبريل/ نيسان، شهدت سورية مظاهرات في العديد من أنحاء البلاد، أطاحت بآمال النظام في احتواء الحركة عن طريق نشر قوات الجيش وتصعيد حملة القمع في درعا وريف دمشق.
الواضح، أن كافة طبقات الشعب السوري وفئاته قد انخرطت في المظاهرات، وأن عدد الفعاليات السورية السياسية وقيادات المنظمات المدنية والأكاديميين، المؤيدين للمطالب الشعبية، كبير ومتنوع
كما الحالة المصرية، لا يمكن القول أن ثمة حزباً أو حركة سياسية واحدة تقف خلف هذا الحراك، كما أنه لا يدين لقيادة فردية بعينها. الواضح، أن كافة طبقات الشعب السوري وفئاته قد انخرطت في المظاهرات، وأن عدد الفعاليات السورية السياسية وقيادات المنظمات المدنية والأكاديميين، المؤيدين للمطالب الشعبية، كبير ومتنوع. وحتى مناطق الأغلبية الكردية، التي برزت فيها نزعات قومية انفصالية خلال السنوات القليلة الماضية، سرعان ما تناست مطالبها القومية الفئوية، ورفعت شعارات الحرية والكرامة التي رفعتها مظاهرات المدن السورية الأخرى. ليس من الواضح بعد ما إن كانت المناطق ذات الأغلبية العلوية قد حسمت موقفها بالوقوف مع الحركة الشعبية، ولكن قيادات سورية علوية الانتماء معروفة بمعارضتها للنظام لم تتردد في دعمها للشعب ومطالبه.
وقد أدرك السوريون من البداية حساسية التنوع الإثني والطائفي، فرفعت المظاهرات شعارات تؤكد على وحدة الشعب والوطن، وعلى أن مطالبها لا تتعلق بفئة واحدة. وبالرغم من أن حجم الحركة الشعبية في دمشق وحلب كان أقل بكثير من حجمها في مدن مثل درعا وبانياس وحمص ومدن ريف دمشق الصغيرة، إلا أن ما سجل من حركات احتجاجية في المدينتين السوريتين الرئيستين يشير إلى أن التظاهرات لم تقتصر على طبقات اجتماعية محددة؛ وهي ظاهرة شبيهة بالثورات العربية في تونس ومصر واليمن وليبيا.
بيد أن الحراك السوري لم يفرز حتى الآن هيئة تتحدث باسم الحركة الجماهيرية وتبلور مطالبها في صورة واضحة.
نظام الحكم: وعد ووعيد
خلال الأسابيع القليلة الأولى، لم تجد الحركة الشعبية من نظام الحكم سوى التجاهل السياسي، ورد الفعل الأمني المعتاد من اعتقال عناصر المعارضة النشطة. ثم حاول الرئيس الأسد احتواء الموقف بتقديم بعض التنازلات ذات الطابع السياسي والاجتماعي، في نهاية مارس/ آذار وبداية إبريل/ نيسان، عندما بدأت حركة التظاهر في الاتساع وأعداد القتلى في التزايد.
الواضح أن النظام قد تبنى سياسة تقوم على تقديم وعود بإصلاحات محدودة وغامضة، ترافقها حملة قمع واسعة، تطال كل مراكز المعارضة الشعبية ودوائرها (خيار حماة، كما يوصف أحياناً)
فرفعت السلطة رواتب موظفي الدولة، ومنحت آلاف الأكراد الجنسية السورية التي كانوا محرومين منها منذ عقود، وأقيلت الحكومة. كما خرج الرئيس بخطاب ألقاه أمام مجلس شعبه، وعد فيه بتبني خطوات إصلاحية، مثل بحث رفع حالة الطوارئ والنظر في تعديل دستوري، مؤكداً على أن هذه الخطوات كانت قد أقرت في مؤتمر حزب البعث القطري قبل ست سنوات ولكن تطبيقها تأخر لتغيير في أولويات الحكم.
في ظهور الرئيس العلني الثاني، وجّه الأسد تعليماته وتوصياته للحكومة الجديدة بإعداد قرار رفع حالة الطوارئ، وتحدّث حول مسائل جزئية بحتة، تتعلق بكيفية تعامل الوزراء وموظفي الدولة مع المواطنين، وبضرورة مواجهة ظاهرة الفساد. ولكن الأسد لم يوجه حديثاً مباشراً للشعب السوري، ولا قدّم اعتذاراً له عن أعداد القتلى المتزايدة. كما أنه أكد على أن سورية تواجه مؤامرة خارجية، وحاول الظهور بمظهر الواثق المقتدر على الحكم في مواجهة الأزمة ووضع نهاية لها.
باتساع حركة التظاهر، تصاعدت معدلات العنف الذي وظفته أجهزة النظام لقمع المتظاهرين. ومع منتصف إبريل/ نيسان، كانت منظمات حقوق الإنسان السورية قد نشرت أسماء أكثر من مائتي قتيل. وفي العديد من المدن التي شهدت تظاهرات شعبية، سجل حضور مجموعات مدنية مسلحة، وصفت أحياناً من قبل النظام بمجموعات إرهابية مدفوعة من الأردن أو تيار المستقبل اللبناني، وقالت مصادر المتظاهرين أنها مجموعات مرتبطة بالأجهزة الأمنية.
والواضح أن النظام قد تبنى سياسة تقوم على تقديم وعود بإصلاحات محدودة وغامضة، ترافقها حملة قمع واسعة، تطال كل مراكز المعارضة الشعبية ودوائرها (خيار حماة، كما يوصف أحياناً).
ولتسويغ إجراءات القمع، لجأ النظام، حسب عدد من المصادر، كما لجأ النظامان المصري واليمني، إلى تسليح مجموعات أمنية (لا يستبعد أن تكون قطاعات منها من غير السوريين) لقمع المتظاهرين ووحدات وعناصر الجيش على حد سواء. فتحرك مجموعات المسلحين بحرية غير معهودة، في بلد مثل سورية، مع تجنبها كلية للمظاهرات المؤيدة للنظام، ووجودها في أغلب الأحيان قرب أو على أسطح بنايات رسمية، يشير بوضوح إلى أن هذه المجموعات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالنظام وأجهزته.
وقد لوحظ أن مظاهرات الجمعة 15 إبريل/ نيسان، التي سبقها توجيه من الرئيس الأسد بعدم استخدام القوة ضد المتظاهرين، لم تشهد حادثة قتل واحدة، لا للمتظاهرين ولا لقوات الجيش. فعندما عقد الرئيس عزمه على تجنب استخدام القوة، ولو ليوم واحد، اختفت المجموعات المسلحة كلية.
وصلت سياسة القمع ذروتها الأولى خلال الأسبوع التالي لمظاهرات الجمعة 22 إبريل/ نيسان، عندما سقط أكثر من مائة قتيل في سلسلة الاحتجاجات في كافة أنحاء البلاد، أغلبهم في ريف دمشق ودرعا. وفي اليوم التالي، أعطيت الأوامر لقوات الجيش، لاسيما الفرقة المدرعة الرابعة التي يقودها شقيق الرئيس، بإخضاع مدينة درعا ومدن ريف دمشق، في إشارة واضحة إلى أن النظام عقد العزم على قمع الحركة الجماهيرية بكل ما أوتي من قوة، بما في ذلك المغامرة بإنزال قوات الجيش إلى شوارع المدن الثائرة. فطالما لم تنجح وعود الإصلاح المحدودة والغامضة في احتواء الحركة الجماهيرية، أطلق النظام العنان لحملة القمع الشاملة. وحتى نهاية إبريل/ نيسان، كان القمع ولم يزل سيد الموقف.
الموقف الإقليمي والدولي: انقسام وحذر
كانت تركيا، التي ترتبط بروابط سياسية واقتصادية وثيقة بسورية، أول من طالب الرئيس السوري بتعهد برنامج إصلاحي شامل لتلافي تفاقم الحركة الجماهيرية. وقد تجلت المطالب التركية في اتصالين على الأقل بين رئيس الوزراء التركي طيب أردوغان والرئيس السوري الأسد، وفي زيارة قام بها وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو لدمشق، وعدة زيارات قام بها رئيس جهاز المخابرات التركية (ميت).
يبدو الموقف التركي أكثر حذراً حتى الآن من موقف إيران، الحليف الرئيس لنظام الحكم السوري، التي أعلنت دعمها للنظام وتبنيها لروايته القائلة بأن سورية تتعرض لمؤامرة خارجية
ولكن تباطؤ إجراءات الإصلاح وتصعيد الإجراءات القمعية جعل لغة المسؤولين الأتراك أكثر حدة في انتقادها لسياسة الرئيس السوري، بدون أن تحدث قطيعة نهائية بين أنقرة ودمشق. ويبدو الموقف التركي أكثر حذراً حتى الآن من موقف إيران، الحليف الرئيس لنظام الحكم السوري، التي أعلنت دعمها للنظام وتبنيها لروايته القائلة بأن سورية تتعرض لمؤامرة خارجية؛ بل إن ناطقاً باسم الحكومة الإيرانية قلل من شأن عدد ضحايا الانتفاضة السورية، عندما قارنه بضحايا الاحتلال الأميركي للعراق.
من جهة أخرى، تجاهل أغلب الدول العربية الحدث السوري، وهو ما انعكس أيضاً على غياب الشأن السوري عن بيانات ومواقف الجامعة العربية. والأرجح أنه حتى الدول العربية التي تود رؤية تغيير النظام في دمشق، أو تلك التي لا تكترث لمثل هذا التغيير، ليست واثقة تماماً بعد من أن التغيير ممكن. ولكن الموقف الرسمي العربي الحذر لم يمنع أغلب وسائل الإعلام العربية، لاسيما تلك المملوكة للعربية السعودية، من تكريس مساحات واسعة لتغطية الحدث السوري.
أما الدول العربية التي أبدت تعاطفاً مع النظام السوري فشملت تلك التي تواجه انتفاضات جماهيرية، أو تتوقعها، مثل ليبيا واليمن والجزائر. كما أن هناك مؤشرات على أن قلق القوى السياسية الشيعية الحاكمة في العراق من تطورات الوضع السوري لا يقل عن قلق الجارة إيران.
على المستوى غير الرسمي، يبدو أن هناك ارتباكاً في الساحة السياسية العربية في الموقف من الحدث السوري. فالقوى والشخصيات العربية التي عرفت بمناهضتها للنظام السوري، صعّدت من انتقاداتها وإدانتها لسياسته، وأعلنت دعمها للحركة الجماهيرية.
ولكن تلك التي عرفت بتضامنها مع مواقف سورية في دعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية ومعارضة السياسية الأميركية، فقد انقسمت إلى معسكرين رئيسيين: الأول، ويشمل أولئك الذين رأوا أن سورية تشهد ثورة شعبية مشابهة لما شهدته وتشهده دول عربية أخرى، وأن من الضروري تأييد الحراك الجماهيري وإدانة سياسة القمع التي يتبناها نظام الرئيس الأسد؛ والثاني، ويشمل أولئك الذين يرون أن الحالة السورية تختلف عن مصر وتونس، وأن من الضروري الدعوة إلى الإصلاح والتضامن مع النظام في الآن نفسه.
على المستوى الدولي، لم يكن ثمة من ردود فعل ملموسة من القوى الغربية والمنظمات الدولية تجاه الحدث السوري طوال النصف الثاني من مارس/ آذار. على العكس، أكدت التصريحات الصادرة من باريس وواشنطن على أن تدخلاً غربياً في سورية مشابهاً للتدخل في ليبيا لن يقع. وبدا وكأن القوى الغربية تخشى مواجهة المجهول الذي يمكن أن ينجم عن التغيير في سورية. على أنه يستشف من تصريحات الرئيس الأمريكي أن الولايات المتحدة تسعى إلى فك ارتباط سوريا عن إيران والتأثير على سياستها تجاه قوى المقاومة في المنطقة.
ومع تصاعد الحركة الجماهيرية ومعها سياسة القمع الرسمية، وزيادة أعداد الضحايا، اضطرت الدول الغربية إلى اتخاذ إجراءات عقابية ضد المسؤولين السوريين وإلى تصعيد لغة الشجب الرسمية لسياسة القمع السورية، بدون أن تعلن الدول الغربية الرئيسية عن المطالبة بتغيير النظام. لكن روسيا، من ناحية أخرى، تبدو أكثر تعاطفاً مع نظام الأسد ورفضاً لأي تدخل خارجي. وقد لعبت روسيا والصين دوراً رئيساً في تعطيل صدور بيان رئاسي عن مجلس الأمن الدولي يشجب نهج القمع في سوريا، بالرغم من أن البيان الرئاسي هو أضعف ما يمكن أن يصدر عن المجلس. فالموقف الدولي الوحيد حتى نهاية إبريل/ نيسان الذين يدين السياسة السورية صدر في قرار عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
سورية إلى أين؟
الواضح بعد مرور شهر ونصف على أولى التظاهرات السورية أن الشعب السوري ليس في وارد القبول بالعودة إلى الوضع السابق على اندلاع حركة الثورة العربية. لا وعود الرئيس بشار الغامضة والجزئية تبدو مقنعة لشعبه، ولا هو نجح في توكيد مصداقيته. كما لا يبدو أن الشعب السوري على استعداد لقبول روايات النظام المتضاربة والتي تفتقد إلى التماسك المنطقي والأدلة في تفسير ما يحدث في البلاد.
لا توحي طبيعة الشريحة الحاكمة في سورية، ولا سوابق نظام الحكم وسجله، أن من الممكن أن تحقق الثورة السورية أهدافها بالسرعة التي حققتها كل من مصر وتونس، أو حتى بقدر الخسائر المحدودة نسبياً في صفوف المصريين والتونسيين. فالشريحة السورية الحاكمة تدافع عن مصالح بالغة التعقيد، سياسياً واقتصادياً وطائفياً، محلياً وإقليمياً
وليس ثمة شك في أن الأرقام المتزايدة لعدد القتلى والجرحى والمعتقلين باتت أكثر دلالة على نوايا النظام من وعود الإصلاح الذي طال انتظاره. ولم يعد من المتيقن أن ينجح النظام في احتواء الحركة الشعبية، حتى إن أعلن عن برنامج إصلاح شامل وجذري، بجدول زمني؛ إذ ربما كانت الأحداث قد تجاوزت احتمال قبول الشعب باستمرار النظام مهما كانت خطواته.
النظام في مأزق يزداد تفاقماً. فالواضح أنه قرر منذ الجمعة 22 إبريل/ نيسان اللجوء إلى ما يعرف بخيار حماة، بمعنى إطلاق يد قوات الجيش الموالية لقمع مدينة درعا التي أصبحت رمزاً للانتفاضة، مهما كان حجم الخسائر في صفوف الأهالي والدمار الذي يمكن إيقاعه بالمدينة. وبإخضاع درعا، يعتقد أركان النظام، أنه يمكن تلقين المدن السورية الأخرى درساً كافياً لإخماد الحراك الشعبي، تماماً كما وقع في مطلع الثمانينات من القرن الماضي.
مشكلة النظام أن ما تشهده سورية ليس “حماة”، بمعنى أن الظروف الدولية والإقليمية الحالية، وسياق وعناصر وتوجهات وحجم ومطالب الثورة السورية اليوم، تختلف كلية عن تلك التي واجهها النظام السوري في نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات. ما يحتاجه النظام اليوم ليس قمع درعا وحسب، بل ربما قمع كل المدن السورية الثائرة، قبل أن يتمكن من الاطمئنان إلى العودة بسورية إلى ما كانت عليه. لكن مثل هذا الخيار بات مستحيلاً.
من جهة أخرى، لا توحي طبيعة الشريحة الحاكمة في سورية، ولا سوابق نظام الحكم وسجله، أن من الممكن أن تحقق الثورة السورية أهدافها بالسرعة التي حققتها كل من مصر وتونس، أو حتى بقدر الخسائر المحدودة نسبياً في صفوف المصريين والتونسيين. فالشريحة السورية الحاكمة تدافع عن مصالح بالغة التعقيد، سياسياً واقتصادياً وطائفياً، محلياً وإقليمياً، وترى بأم عينها مصير من خلعوا في تونس ومصر، وستجد داخل سورية وخارجها من يستميت في الدفاع عن الوضع الراهن.
ما يساهم في تعقيد الوضع السوري أن القوات المسلحة السورية موزعة إلى قطاعات مختلفة، سواء من جهة القيادة والدور أو من جهة الولاء للنظام، وهو ما سيجعل احتمال أن تلعب القوات المسلحة السورية، ككتلة واحدة، دوراً شبيهاً بدور الجيشين التونسي والمصري، أمراً مستبعداً.
الأرجح أن النظام يتمتع بولاء وحدات معتبرة في القوات المسلحة حتى اللحظة الأخيرة من وجوده. ومع أن ثمة جدلاً واسعاً حول استناد النظام إلى الطائفة العلوية السورية، فالمؤكد أن الطائفة العلوية ليست موحدة في كليتها خلف النظام، وأن حجم المنفضين من العلويين عن النظام ستتزايد مع تصاعد واستمرار الحركة الشعبية المعارضة.
بيد أن مصير النظام في النهاية، سيكون مرهوناً بتصميم الشعب السوري على التغيير وقدرته على مواجهة آلة القمع الهائلة، وبموقفي إيران وتركيا على وجه الخصوص، والموقفين العربي والدولي في مرتبة تالية. وفي حين أعلنت إيران عن دعمها الصريح للنظام، وتهوينها من حجم ضحايا الشعب السوري، فإن المتغير الهام الذي ينبغي انتظار تبلوره هو موقف تركيا، الحليف الإقليمي الثاني الذي ساهم في توفير مظلة حماية للنظام السوري خلال العقد الأخير، والذي ترتبط به سورية بروابط اقتصادية وثيقة، ويشارك سورية خط حدود طويل.
الجزيرة نت