صفحات سورية

الثورة السورية بين التنظير والتطبيق


أحمد العجيلي

منذ انطلاقة الثورة الســــورية، ومواكبتها للربــــيع العربي في سائر الأقطار العربية، والذي بدأ في الأقطار التي ترزح تحت حكم الديكتاتوريات الجمهورية ، انطلقت مع هذه الثورة العديد من الشعارات التي صدحت بها حناجر السوريين، وتزينت بها لافتات المظاهرات السلمية في سوريا.

وهنا يجب الوقوف على أهمية هذه الشعارات من حيث سعي السوريين الحثيث إلى تطبيقها على أرض الواقع، وعدم الاكتفاء بترديدها فقط كما هي حال شعارات النظام المفرغة من محتواها، والتي أثبت النظام نفسه أنها مجرد حبر على ورق في مكاتب القيادة القومية والقطرية لحزب البعث، من مثل شعارات (الوحدة والحرية والاشتراكية). ناهيك عن ملل وسأم السوريين من ترديد هذه الشعارات، وخاصة بعد اندلاع ثورة الكرامة؛ في حين أنّ شعارات الثوار في السورية أثبتت مدى صدقيتها، وجديتها على الأرض من خلال تعاضد السوريين، وانضوائهم تحت تلك الرايات التي رفعوها. فلم تكن أحداث درعا سوى تمثيلاً حقيقياً لرغبة السوريين في العيش بكرامة، وحرية، بدلاً من حياة الذل والمهانة التي أجبرهم النظام على القبول بها على مدى أربعة عقود. فردّ الشعب السوري بقوة على إهانته، وخرج مطالباً بكرامته، مردداً صوتاً واحداً صدحت به حناجر الثوار في عموم أرجاء سوريا:’الموت ولا المذلة’. إذ أصرّ السوريون على المضي في ثورتهم، غير آبهين بالموت لأنه المطلب البديل لهم في حال عدم تلبية مطلب الحرية والعيش الكريم.

أما قولهم: ‘ واحد واحد واحد …الشعب السوري واحد’ فهو لم يكن مجرّد شعار ازدانت به لافتاتهم، أو مقطوعة موسيقية ترددت ضمن أغاني الثورة، بل على العكس تماماً نجد أنّ هذا الشعار يعبّر عن مدى وعي السوريين، وإدراكهم أنّ النظام سيلعب على ورقة الطائفية؛ فعمد الشعب السوري بكافة تلويناته إلى التدليل على صحة هذا الشعار، والسعي إلى تطبيقه بشكل جدّي وفعّال على أرض الواقع، فصدرت البيانات السياسية من كافة الطوائف والقوميات في سوريا مندّدة بجرائم النظام، ومعلنة بأنها ثورة شعب واحد على نظامٍ جائر يعمل على تفرقتهم، وتشتيت شملهم.

بالإضافة إلى تشكّل العديد من الكيانات والهيئات السياسية المعارضة، والمؤلفة من سياسيين وناشطين يمثّلون كافة أطياف الشعب السوري، الأمر الذي أسقط ورقة الطائفية من يد النظام، على الرغم من وجود بعض الحالات هنا وهناك والتي لا يمكن اعتبارها ظاهرة عامة.

ومع تنامي الشعور لدى السوريين بتخاذل المجتمع الدولي، ووقوفه عاجزاً أمام التدخل الروسي والصيني السافر في مجلس الأمن، قرر السوريون الاعتماد على أنفسهم، والدفاع عن حريتهم مهما كلّفهم هذا الأمر من ثم أدركوا منذ البداية أنه ثمنٌ باهظ، فتشكّلت كتائب من الجنود المنشقين عن جيش النظام، ومن المدنيين المتطوعين تحت مسمّى (الجيش الحر). وهنا لا بدّ من الوقوف على سيميائية العنوان، والتركيز على مدلولاته اللفظية على أرض الواقع، بعيداً عن العديد من المسميات التي حفظها السوريون عن جيشهم مثل: ‘الجيش العقائدي’ و’حماة الديار’ وغير ذلك الكثير من تلك المسميات التي عمل النظام على إفراغها من محتواها، في حين أنّ تسمية ‘الجيش الحر’ تؤسس لمنظومة فكرية جديدة داخل المجتمع السوري، تختلف جذرياً عن جملة المفاهيم والمقولات التي أسسها نظام البعث. ومما لاشكّ فيه أنّ إسباغ هذه الصفة على جيش الثورة، يعدّ بمنزلة رسالة لهؤلاء الجنود كي يلتزموا الأخلاق التي يتحلى بها الجندي السوري الحر، أي بمعنى آخر الابتعاد عن صفات جنود جيش الأسد وكتائبه، ونبذ هذه الممارسات التي تجلت بالقتل، وإحراق الجثث، وإزهاق أرواح الأطفال والنساء والمعتقلين.

ناهيك عن تسمية أيام الجمعة المختلفة، وما حملته تلك المسميات من بؤر دلالية تكشف عن وعي السوريين بثورتهم، وإيمانهم بقداسة مطالبهم، ومن بين تلك الأسماء نجد: (جمعة آزادي) في إشارة إلى تعاضد العرب والكرد في خندقٍ واحد ضدّ الاستبداد، وجمعة ‘أحفاد خالد’ بما تتضمنه هذه التسمية من إشارة إكبار، وما تعطيه من دفع معنوي لأبطال حمص بعد تعرضهم لمجازر ممنهجة من قبل جيش النظام؛ وقد لا يغيب عن أذهاننا تسمية ‘أبطال جامعة حلب’ التي عبّر بها السوريون عن وقوفهم إلى جانب طلاب جامعة حلب في انتفاضتهم، وصولاً إلى تسمية ‘نصرة دير الزور’ تعبيراً من أبناء الشعب السوري وقوفه إلى جانب هذه المدينة المنكوبة التي لاقت ما لاقته من قتل وإرهاب وتشريد على أيدي جنود الأسد.

فالسوريون حاولوا منذ البداية التأكيد على صدق مقولاتهم، والعمل على تحقيقها مهما بلغ الثمن، وهم لابدّ منتصرون في ثورتهم مهما طال أمد هذه الثورة المباركة.

‘ كاتب سوري

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى