الثورة السورية تُنهي عامها الأول وسط عجز عربي ودولي
ربى كبّارة
تُنهي الثورة السورية عامها الأول الذي حصد نحو 8500 ضحية من دون أن يفلح استبسال المنشقين العسكريين وبطولات الشرائح الشعبية المعارضة وصمودها الاسطوري في دفع الولايات المتحدة والغرب إلى تغطية تسليح الثوار حفاظاً على مصالح إسرائيل، رغم قناعة معظم العرب وفي مقدمهم دول “مجلس التعاون الخليجي” بأنه الحل الوحيد للتخلص من نظام الرئيس بشار الأسد.
فاستبعاد البيت الأبيض للتسليح بات قاطعاً إثر مواقف المسؤولين الإسرائيليين الأخيرة بعد أن كان ملتبساً بذرائع مختلفة منها الخوف من الإسلاميين الأصوليين مثل “القاعدة” والخوف من الفوضى والحرب الأهلية، وتبعه في ذلك الغرب وفي مقدمه فرنسا. فقد أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كما وزير دفاعه ايهود باراك عن قلقهما من سقوط نظام الأسد لأنهما يريدان استمرار الهدوء في هضبة الجولان على ما كان عليه منذ نحو أربعة عقود.
كما أشارت دراسات عدة إلى خشية إسرائيل من أن يتخذ النظام التالي موقفاً معادياً منها لتثبيت شرعيته الداخلية، في حين أن نظام الأسد بحاجة الى شرعية خارجية تحتم عليه الاستمرار في مواقفه المرنة. يُضاف إلى ذلك احتمال قيام الولايات المتحدة، في حال أتى نظام مقرب منها، بمساعدته على حلّ مسألة الجولان بطريقة قد لا ترضي الإسرائيليين.
وأسوة بالولايات المتحدة والغرب باتت تركيا تربط تدخلها بأي شكل من الأشكال بوجود غطاء دولي، بحيث لن تتعدى الدعوات الى إقامة ممرات إنسانية حدود الكلام، لأنها بحاجة الى حماية إذا لم يوافق عليها النظام السوري.
أما دول “مجلس التعاون الخليجي” وعلى رأسها السعودية الداعية الى دعم “الجيش السوري الحر” بالمال والسلاح، فليس لها حدود مشتركة مع سوريا تسمح بالتفرد في التصرف. فهي لا تتمتع بسلطة فرض طرق التسليح التي تمرّ حكماً إما عبر الحدود مع تركيا أو العراق أو الأردن أو لبنان.
كما سقطت الرهانات على احتمالات مرونة مستجدة في الموقف الروسي من دعم بشار الأسد بعد فوز فلاديمير بوتين في الانتخابات الأخيرة، رغم طلب وزير خارجيتها سيرغي لافروف المشاركة في اجتماعات الجامعة العربية السبت المقبل.
فالحماية الروسية لنظام الأسد في مجلس الأمن الدولي مستمرة من دون أن تبرر تراخي المواقف الدولية، بعد تشددها، بما وفّر له فرصة إضافية لحصد المزيد من الضحايا من دون أن يدفع ذلك المجتمع الدولي الى التدخل فعلياً، خارج الاستنكار اللفظي ووصفه بـ”مجرم حرب”، بل هو يوفد اليه السبت المقبل كوفي أنان مبعوثاً من الأمم المتحدة في استعادة للعمل على حل سياسي رفضه فعلياً الأسد منذ أول مبادرة عربية قبل أشهر عدة. لكن الأسد، وكما سبق له أن استغل عمل المراقبين العرب، وافق على استقبال أنان لاستثمار النصر الميداني الذي حققه في بابا عمرو في حمص وفق مراقب سياسي لبناني يتوقع أن يجهد أنان لإقناع الأسد بوقف إطلاق النار وفق بنود مبادرة العرب الأولى قبل مطالبتهم في الثانية بتنحيه مقدمة لأي حوار سياسي.
ويحاول الأسد الاستفادة من الوضع القائم، مستبقاً وصول أنان، لمحاولة استعادة زمام الأمور عبر اتباع سياسة الأرض المحروقة من خلال القصف الوحشي للأحياء المدنيّة بعد حصارها ومنع الإمدادات عنها بما يدفع “الجيش السوري الحر” الى الانسحاب للحد من الخسائر المرتفعة كما حدث في بابا عمرو.
وكانت حمص مرشحة لتصبح بنغازي سوريا بعد فقدان الأمل بإقامة مناطق عازلة حدودية. وحالت، وفق المصدر نفسه، ثلاثة أمور دون ذلك: روسيا بالفيتو والمساعدة التكنولوجية، إيران بالمال والعتاد، والولايات المتحدة بانحيازها الى الموقف الإسرائيلي. ويواصل نظام الأسد بالأسلوب نفسه مع درعا والرستن وحماه وريف دمشق وريف حلب وإدلب وجبل الزاوية، ما سيدفع “الجيش السوري الحر” للعودة إلى استراتيجية تجنب السيطرة الكاملة على منطقة ما والحوؤل دون سيطرة القوات النظامية براحة على أي منطقة سيطرة كاملة من دون أن تتعرض حواجزها للضربات، بما سيرهقها ويساعد على مزيد من الانشقاقات.
ويبقى السؤال، هل يتمكن الأسد في الأيام المقبلة من القضاء على كل بؤر الثورة المسلحة التي كان اللجوء اليها حتمياً مع ارتفاع أعداد الضحايا وازدياد عدد العسكريين المنشقين؟. وتدل المؤشرات على أنه لن يتمكن بالتأكيد. فعسكرة الثورة لم تقضِ على سلميتها وما زالت الأراضي السورية تشهد يومياً مئات نقاط التظاهر المطالبة برحيل النظام، واعتمدت أخيراً في مواجهة شراسة القمع أسلوب التظاهرات الطيارة المتنقلة بإعداد قليلة ولوقت قصير، ووصلت الى قلب دمشق وحلب المدينتين اللتين طالما تفاخر النظام بأنهما خارج إطار التمرد.
فمع استمرار الثورة، السلمية والمسلحة، لن يبقى التدخل الخارجي عبر فرض ممرات إنسانية بحماية برّية أو جوّية وعبر التسليح مستبعداً خصوصاً مع تعالي أصوات في الولايات المتحدة، مثل صوت السناتور جون ماكين، تدعو إلى ضربات جوية لقوات الأسد.
المستقبل