صفحات العالم

الثورة السورية ستستمر… اين خُطَّتها؟


    سركيس نعوم

تعتمد الادارة الاميركية الحالية، كما سابقاتها، على مجموعات بحثية متنوعة بعضها موضوعي بغية تقويم الأزمات الكبيرة التي تواجهها في العالم، وتحليل اسبابها واستشراف نهاياتها وربما اقتراح بعض الاجراءات لانهائها. إحدى هذه المجموعات البعيدة من الأضواء قامت بمتابعة الأزمة السورية التي تطورت من ثورة شعبية سلمية على نظام قمعي الى ثورة مسلحة، وهي قيد التحوّل الآن حرباً أهلية فعلية بل حرباً مذهبية بين الغالبية السنّية والاقلية العلوية، وتوصلت في النهاية الى استنتاجات من المفيد عرضها على الرأي العام اللبناني والعربي ولاسيما في ظل انقسامه بين مؤيد للنظام السوري وداعم لمعارضيه. وبين رافض للتدخل الاميركي في الأزمة ومطالب به. وذلك كله كي يعرف الرأي العام كيف يفكر الاميركيون فعلاً، وماذا يتوقع منهم، بل ماذا يطلب منهم.

الاستنتاجات المشار اليها ثلاثة هي الآتية:

1- من الناحية العسكرية اصبح واضحاً اليوم ان حصيلة الصراع في سوريا ستكون أكثر فوضوية خلافاً لما تأمَّله المشاركون فيه. فالنظام لن ينجح في القضاء على المجموعات المسلَّحة. وإذا كان هناك شيء يقال فهو ان الممارسات القاسية التي لا ترحم للنظام ضمنت النجاح لاعدائه في عملية تجنيد الناس المستعدين للقتال مع المعارضة اياً تكن اخطار ذلك وكلفته. وبذلك يبدو ان النظام وبتصميم منه، ومعارضيه وبإهمال منهم نجحوا في جعل قسم كبير من الطائفة العلوية تشعر أن لا خيار عندها إلا ان تَقتُل أو تُقتل.

2- ليست هناك امور كثيرة يمكن توقعها من النظام السوري، وخصوصاً تجاوبه إما مع الضغوط التي تمارس عليه أو الاغراءات التي تقدم اليه، وذلك من اجل التوصل الى حل للأزمة الخطيرة قابلٍ للحياة. ويعود ذلك الى طبيعته والى غياب الدولة المؤسساتية في سوريا والى انتهاء الكينونة السياسية للدولة (Entity)، الامر الذي جعل النظام عاجزاً عن الانخراط في البحث عن تسوية او عن التوصل اليها. وهذا يعني ان ازمة التحركات او المواقف الدولية التقليدية من الذي يجري في سوريا، مثل الادانة او التأييد لهذا الفريق او ذاك ومثل التهديد بالعقوبات، لم تعد قادرة على تحقيق المطلوب منها. وعلى رغم ان الانسان يبقى متأملاً في التوصل الى مخرج مقبول للأزمة السورية فإنه لا يستطيع إلا ان يحبس انفاسه، ولاسيما عندما يبدو له وبوضوح ان النظام ينهار او يستسلم أو صار قريباً من مرحلة كهذه.

3- على المعارضة السورية ان تعيد التفكير في طريقة تعاملها مع المكونات المؤيدة للنظام وفي مقدمها العلويون، كما في طريقة تصرفها وكلامها وتخطيطها سواء بالنسبة الى هؤلاء او الى سوريا. طبعاً ليست هناك حتى الآن مجزرة مُوثَّقة لعلويين (ربما المستقبل يوثق بعضاً منها إذا جرت). لكن وبالنظر الى الأحداث وتسارعها وتطورها وديناميتها فان مجزرة كهذه تقف دائماً خلف الكوع (الزاوية). طبعاً تحاول المعارضة السورية التقليل من أهمية ميزاتها السلبية. فهي مثلاً تُحمِّل النظام مسؤولية تصاعد المذهبية بسبب تكتيكاته المثيرة للخلافات والشقاقات. وهي تعتبر تصاعد اللغة او اللهجة الدينية والاصولية عوامل جانبية قابلة للعودة عنها. وهي تعزو العمليات الجرمية لبعض المجموعات الى عدم الانضباط، ولا تبالي أو ربما لا تخشى تصاعد الوجود المرئي للجهاديين والمقاتلين الاجانب على الساحة السورية. وأي اخفاق في معالجة كل ذلك سيتحول هاجساً يطارد كل السوريين لاحقاً. ذلك ان خطر انتشار الانتقام المذهبي والقتل من دون تمييز، والتهجير على نطاق واسع هو حقيقي ومخيف.

في اختصار تعتقد المجموعة الاميركية نفسها ان المواقف مهمة ولكن الخطط الانتقالية مهمة ايضاً. إذ عندما تقول المعارضة انها ستُسقِط النظام فإن ما يفهمه العلويون او يسمعونه هو ان مصادر دخلهم وأعمالهم وحمايتهم الجسدية ستُزال كلها. وعندما تتحدث عن ”فكِّ” النظام بكل مؤسساته فإنهم يسمعون انهم سيعودون مواطنين من الدرجة الثانية. وعندما تتكلم عن العدالة والمحاسبة فإنهم يسمعون تهديداً بممارسة عقاب جماعي. لذلك على المعارضة ان تبذل جهوداً كثيفة لتوضيح مقاصدها ولطمأنة الاقليات، ولإعادة تحديد التغييرات التي ستنفذها وسرعتها ومداها. طبعاً قد يعتقد السوريون الذين عانوا 17 شهراً من قمع النظام البلا رحمة، والذين استيقظت عندهم غرائز الانتقام، فان طرح الموضوعات  اعلاه قد يكون مُسيئاً لهم. لكن ورغم ذلك، ترى المجموعة اياها، فإن إثارتها ضرورية لكي يكون الوضع الانتقالي الذي يريدون جديراً بتضحياتهم.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى