صفحات سورية

الثورة السورية في ذكراها الثانية

 

إدريس عمر

الثورة هي حاجة الشعب إلى التغيير,إلى إعادة الحرية والكرامة ,إلى إستعادة الذات المسلوبة من قبل أنظمة الاستبداد,أنظمة القمع التي سلبت الشعوب إرادتها وجعلت من شعوبها لاحول لها ولا قوة,جعلتها مكتوفة الأيدي ومكتومة الأفواه,وأصبح الفرد في ظل هذه الأنظمة القمعية مثل مسنن صغير يدور في آلة كبيرة بوظيفة أو بدون وظيفة.فرد مهمش يعاني الكثير من القهروالظلم والغضب في أعماقه.فرد لم يشعر أن هناك من يهتم به ويسهر على راحته, ويصون حياته وكرامته,ويحترم إرادته واختياره.هذه التراكمات التي عانت منها الشعوب العربية على مدار عقود طويلة أدت إلى ثورات الربيع العربي وما قام به البوعزيزي الذي أحرق نفسه ليس سوى صرخة في وجه نظام مافيوي همش المواطن وسلب إرادته وجعل من المجتمع رعيتة وجنده.

واستمد الشباب السوري القوة من ثورات الربيع العربي,من ثورة تونس ومصر وليبيا,ونزلوا إلى الشارع وقاموا بالتظاهر وطالبوا بالاصلاحات ورفعوا شعارات وطنية (واحد واحد الشعب السوري واحد ,وسلمية سلمية ,والشعب السوري ما بنذل) أصبح الأمل لدى الملايين من السوريين بأن الحرية قادمة وستزول حقبة سوداء عاشها الشعب السوري من حكم عائلي دكتاتوري فاسدعلما أنني أكدت في مقالة سابقة في اليوم الثالث من الثورة بأن أعداد المتظاهرين سيزداد وسيصل إلى مئات الالاف وأن المظاهرات ستعم كل البلاد أي من درعا إلى ديرك, بالرغم من أن النظام المجرم أعترف في البداية بأحقية مطالب الشعب, ولكن حاول وبكل قوة منع الناس من النزول إلى الشارع وقابل المتظاهرين بالضرب والتفريق وبالرصاص الحي.وأن المظاهرات كانت سلمية وحتى شهرها السادس لم يحمل أحد من المتظاهرين حتى عصا بل كانوا يحملون غصن زيتون ولكن نزل الجيش بقواته وعتاده إلى الشوارع في الوقت الذي كان من المفترض أن مهمة الجيش هي حماية حدود البلد من العدو.ولكن للاسف وقف الجيش إلى جانب النظام.

ولا يمكننا مقارنة الثورة السورية بمثيلاتها التونسية والمصرية والليبية التي اصطف الجيش في تلك البلدان موقفاً وطنياً مشرفاً أي إلى جانب الشعب بدلاً من الوقوف إلى جانب النظام أما في سوريا فكان خروج المتظاهر الواحد يعادل عشرة آلاف متظاهر مقارنة مع المتظاهرين التونسيين والمصريين ,لآن المتظاهر السوري كان يودع أهله وكان على يقين بأنه ربما لن يعود ثانية وحتى البعض جهز كفنه.هنا تكمن عظمة الثوار والثورة السورية الجبارة التي يشهد لها التاريخ بأن لامثيل لها.

أصر النظام على استخدام كل أنواع الاسلحة وأجبر الناس على حمل السلاح وتسليح الثورة لكي يعطي لنفسه المبرر بمحاربتها والقضاء عليها وبدأ ماكينته الاعلامية بفبركة الافلام والمقابلات وتصوير الثورة بأنها سلفية وإسلامية,وأنهم مدفعون من الخارج ومن خلال القتل الممنهج الذي مارسه تجاه الشعب, لم يدع مجالاً ألا أن يحمل الثوار السلاح للدفاع عن النفس وعن عائلاتهم.خصوصاً الجنود والضباط الشرفاء الذين انشقوا عن النظام ووقفوا بوجه آلة القمع.

والموقف الدولي كان متخاذلاً وغير انسانياً تجاه الثورة السورية بالاخص الدول التي دعمت النظام مثل روسيا والصين وايران الذين قدموا مختلف اشكال الدعم والسلاح واستخدام الفيتو ضد استصدار قرار بإدانة النظام السوري ومقابل ذلك لم يحصل الشعب السوري غير الدعم الشفوي وبعض التصريحات الخلبية وبعض المطالب الغير الجدية المطالبة بتنحي الاسد.قرأ النظام الرسائل الدولية جيداً واستمر في قتل الشعب بصورة ممنهجة حتى وصل به الامر إلى استخدام الطيران الحربي وصواريخ سكود والبراميل

المتفجرة والتهديد باستخدام الاسلحة الكميائية بدون أن يحرك المجتمع الدولي ساكناً.هكذا بقت الثورة السورية يتمية,وأن مطالبة المعارضة السورية في الداخل والخارج باستصدار قرار من مجلس الأمن بالحظر الجوي واقامة منطقة آمنة لم تلاقي آذان صاغية,وسوريا لم تكن مثل ليبيا حيث أن المعارضة السورية لم تكن بمستوى التضحيات التي قدمها الشعب السوري هذا ما جعل أن تخرج الامور عن السيطرة وبدأ الجهادين يتوافدون من مختلف دول العالم إلى سوريا لمناصرة الشعب السوري ضد نظام قاتل, وهذا ما جعل أن يدخل الحابل بالنابل وأصبح حجة بيد الغرب لكي لا يسلحوا الثورة السورية ولكي يتهربوا من المسؤليات الاخلاقية التي تقع على عاتقهم تجاه شعب يتعرض لابشع أنواع الابادة ,واستغل النظام أيضاً هذه الورقة وخُوف الغرب بأنه هو الافضل والعلماني وأن البديل هو تنظيم القاعدة. وهكذا استمر الوضع في سوريا وازداد سوءاً وأصبح الحل السوري دولياً والقرار بيد القوى الكبرى التي تراعي مصالحها ولا تدير بالاً على ما يتعرض له الشعب السوري من مجازر بشعة بحق الاطفال والنساء والشيوخ وتدمير المدن والبلدات وتهجير الملايين من السوريين وقتل أكثر من مئة ألف سوري وجرح مئات الالاف وآلاف من المعتقلين.

حتى الآن لا يوجد ارادة دولية لوقف حمام الدم في سوريا وهذا ما جعل أن يطول امد الثورة بالرغم من أن المعارضة حققت الكثير من الانتصارات بامكاناته المحدودة وسيطرت على نسبة كبيرة من الاراضي السورية ولكن هناك الكثير من القوى ترغب باستمرار الوضع على ماهو عليه في سورية أي أن لايتم الحسم لصالح طرف على آخر.وخاصة اسرائيل من مصلحتها أن تكون سورية دولة صعيفة ومقسمة وأن يكون بشار الاسد على رأس السلطة الذي كان دائماً الحارس الأمين لحدودها.

استمرت الثورة الفرنسية أيضاً طويلاً بالرغم من عظمة شعاراتها,الحرية-الاخاء–المساواة,وكل الثورات تمر بمد وجزر,ولكن في الاخير جاء من اصلح مسارها وأصبح لها اسم رائع بين الثورات وبلد كبير أصبح بلد الحرية والمساواة هي فرنسا.

أما الثورة السورية ورغم مرو عامان على ذكراها فأنها بحاجة إلى تصحيح مسارها وتحديد رؤاها وقيادة سياسية واعية تكون بمستوى المرحلة وتضع نصب أعينها التضحيات الجسام التي قدمها الشعب السوري في سبيل الحرية, وأن الثوار السوريين يبدون ملاحم بطولية في ساحات المعركة وأن الشعب لن يتراجع ولن يتخلى عن دماء الالاف من خيرة شباب سوريا وأطفالها ولن ترضى بأن يحكمها طاغية مثل بشار أرادت الدول الكبرى أم لا وستنتصر الثورة السورية وستصبح المثل الأعلى للثورات العالمية وستحقق أهدافها شاء من شاء وأبى من أبى.

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى