الثورة السورية في مواجهة الأصولية والإرهاب/ علا شيب الدين
كان تأخّر فصائل الثورة في مواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)، خطأ فادحاً، مثلما كان تصديق البعض نصرة التنظيم نفسه للثورة، والقبول به كمساعد في إسقاط النظام، ينمّ ربما عن ضعف في الرؤيا وهشاشة في التخمين والتقدير. أيّاً يكن، رائعٌ أن استقبلت قوى الثورة في الميدان، عاماً جديداً، بإرادة التخلّص من “داعش”.
ربما كانت عنونة جمعة 3 كانون الثاني 2014 بـ”أبو ريّان ضحية الغدر” بعد اعتقال “داعش” الطبيب حسين السليمان (أبو ريان)، أحد قادة حركة “أحرار الشام”، ثم تسليمه بعد ذلك، جثة مشوّهة، عليها آثار تعذيب، كقطع الأذن وغير ذلك، إرهاصاً لحرب حقيقية ضد التنظيم المذكور، ولا سيما أنه هاجم مواقع لـ”الجيش السوري الحر” واقتحم مقاره. كما قد تنطوي المعركة التي انضمّ إليها رسمياً، العديد من الفصائل المقاتلة كـ”الجبهة الإسلامية” و”جبهة ثوار سوريا” وغيرها، ضد “داعش” في هذا الوقت، على رسالة ما، يُراد إيصالها قُبيل انعقاد “جنيف 2” الذي تمّ تحديد موعده في الثاني والعشرين من الشهر الجاري. الموعد الذي قد يؤجَّل مجدَّداً أسوةً بما سبقه من مواعيد حُدِّدَت ثم اُجِّلَت. فمَن ليس لديه خلاص أرضي داخلي، عليه ألا يعوّل على خلاص افتراضي خارجي.
وحيث أن التذبذب في المواقف حيال “داعش”، لم يعد وارداً بالنسبة إلى مَن قرر مجابهته، فإن مبادرة “جبهة النصرة” لوقف القتال، لم تكن ذات أهمية، ما دامت الفصائل الثائرة باتت تدرك، على ما يبدو، أن عليها أن تجزم وتعزم وتتقدم. هكذا، توالت انتصارات معقولة، أظهرت الحجم الحقيقي للكارثة وعمقها. فالمرء يكاد يُصعق عندما يعلم كم من مدن وبلدات ومؤسسات ومقار كان التنظيم قد استولى عليها بعد تحريرها من نظام الأسد، وكأنها حُرِّرت ليحتلها “الداعشيون”!
إن طرد الثائرين “داعش” من بعض المناطق والمقار في ريف إدلب، وحلب، ودير الزور وغيرها، حيث لا تزال المعركة مستمرة لتحرير بقية المناطق، وتسليم بعض أمراء التنظيم أنفسهم للثائرين، وإطلاق المئات من المحتجَزين في سجون “داعش”، وإعلان الكثير من عناصر التنظيم السوريين، انشقاقهم عنه وانضمامهم إلى فصائل أخرى، وفق ما نسمع ونتابع…، ذلك كله، بمثابة رد اعتبار إلى الثورة التي جرى تشويه سمعتها عبر ربطها بالإرهاب والتكفير، وخطوة متقدمة ربما، لسحب البساط – إن جاز التعبير- من تحت أقدام النظام تالياً، من خلال فضح ارتباطه بـ”داعش”، فقصف النظام بلدة بنش بريف إدلب (مثلاً)، بعد طرد “الجيش السوري الحر” عناصر”داعش” منها، إنْ هو إلا دليل إضافي على أن النظام لم يكن ليستهدف أياً من مقار “داعش” على رغم علمه بها، لطالما تعمّد قصف المدنيين السوريين من الأطفال والنساء والأبرياء بأنواع الأسلحة كافة. ربما يكون في ما يأتي من السطور، ما هو أعمق دلالة، ليس فقط على التنسيق بين النظام و”داعش”، بل أيضاً على تشابههما فكراً ونهجاً وسلوكاً.
مَن هم “الداعشيون”؟
مقتل محمد قطاع في حزيران 2013، برصاص ملثّمين، في الرأس. الطفل الفقير الذي لم يتجاوز الرابعة عشرة من العمر في حلب، بعد اتهامه بـ”الكفر” و”سبّ الرسول”، في الشارع، أمام عائلته وعلى مرأى من العيون، وتقديمه عبرة لمَن اعتبر، كان صادماً، جارحاً، ولقي استنكاراً واسعاً في التظاهرات وغيرها. حينذاك، لم يكن ربما يُعرَف الشيء الكثير عن تنظيم “داعش” وأجنداته، بالنسبة إلى الغالبية. لكن مع مرور الأيام، كان الضباب ينقشع عن هذا التنظيم، وكانت تتوالى انتهاكات خطيرة تكشف أكثر فأكثر تورّطه فيها. في الرقة، حسبما تم تداوله من خلال ناشطين ميدانيين وإعلاميين، أقدمَ التنظيم على إعدام ثلاثة أشخاص رمياً بالرصاص، متذرعاً بأنهم من “شبّيحة النظام” وينتمون إلى “الطائفة العلوية”. حدث ذلك أمام الناس، في ساحة لها رمزية خاصة، كونها كانت منطلق التظاهرات المدنية السلمية. كما خُطفَ الأب اليسوعي باولو المعروف بمواقفه النبيلة. الأب الذي عاش عمراً في سوريا، قبل أن يطرده منها النظام بسبب مناصرته ثورة شعبها عام 2011. للسبب نفسه ربما، اختطفه تنظيم “داعش” في الرقة. عدا خطف الكثير من الصحافيين الأجانب، والكثير من الناس في كل المناطق التي انوجد فيها التنظيم.
في ما يخص الحياة اليومية للأهالي، كانت هناك إجراءات مهينة من شأنها الانتقاص من حريات الناس والتدخل في حيواتهم الشخصية، من مثل منْع التنظيم للتدخين وفرض إطلاق اللحى على الرجال، وارتداء النقاب على النساء. ناهيك بخطف ناشطين سلميين، وإعلاميين، وعاملين في مجال الإغاثة، واغتيال قادة في “الجيش السوري الحر”، واقتحام مكاتب إعلامية وتخريب محتوياتها أو مصادرتها.
بعد إعلان الفصائل المقاتلة، الحرب على “داعش”، تكشّف أكثر، الحجم الحقيقي للانتهاكات التي طالما مارسها التنظيم في حق الأهالي في المناطق التي انوجد فيها. ثمة شهادات مرعبة أدلى بها أشخاص كانوا محتجَزين في سجون “داعش” بعدما تمكّن الثوار من فكّ أسْرهم. شهادات من قبيل وجود أطفال بعمر سنتين في سجون “داعش”، وتعذيب نساء، وإجبار معتقلين على الصلاة وهم مقيَّدو الأيدي إلى الخلف، وتجويع وإهانات لفظية وتكفير، وتصفيات، وتعذيب نفسي وجسدي لا يقلّ فظاعة عن التعذيب في سجون النظام. إضافة إلى مجازر ارتكبتها عناصر “داعش”. ثمة مقابر جماعية عُثر عليها بالقرب من مقار التنظيم، كتلك التي اكتُشفت في بلدة كفرزيتا بريف حماة وغيرها، حسبما أفاد الأهالي والناشطون والإعلاميون. بعدما تحررت بلدة الدانا، أبرز معاقل “داعش” بريف إدلب، اكتشف الثوار، كما ظهر في فيديوات تناقلتها وسائل الإعلام، كميات هائلة من الأدوية وحليب الأطفال، كان التنظيم قد صادرها في وقت سابق، من المنظمات الإغاثية، في حين كان الأهالي في حاجة ماسة إلى تلك المواد وغيرها.
هؤلاء هم “الداعشيون”. ما ذُكر ليس إلا بعضاً من ممارساتهم التي هي “خير” ما يمكن أن يعرِّف بهم.
دولتان وثورة
لمّا كان الشعب السوري قد ثار على نظام يعتبر نفسه الدولة، ويفهم الدولة على أنها سجون ومعتقلات وجيش وأمن وشرطة، واستبداد واستيلاء على السلطة والثروة، وزجر وقهر وقسر، فإن من البديهي أن يثور على تنظيم أيضاً يعتبر نفسه الدولة، ويفهم الدولة على أنها تكبيل للحريات، واستباحة للكرامات. على ضوء هذا، يمكن استيعاب لافتة يقول المكتوب فيها: “أغلبُنا أصبح مطلوباً للدولتين”، حملها ثائرون في إحدى التظاهرات المناوئة لتنظيم “داعش” والنظام الأسدي.
النظام والتنظيم، كلاهما يستمد وجوده من أعداء وهميّين، كالغرب، ويستند إلى إيديولوجيا أو عقيدة مسوِّغة تضمن استمراره في تسلّطه. الاختلاف بينهما يكمن في الألفاظ المستعمَلة فحسب، إذ الأول يعادي الغرب لفظياً كـ”امبريالي”، والآخر يعاديه باعتباره “كافراً”، أمّا عملياً، فالاثنان يضمران، ويبيّنان بالفعل عداوة ضارية لـ”أوطانهم” وناس “أوطانهم” الحقيقيين، الطيبين، الأحرار. يستند الأول إلى إيديولوجيا بعثية طوباوية، معتبراً حزب “البعث العربي الاشتراكي” قائداً للدولة والمجتمع. بينما ينصّب الآخر نفسه مدافعاً عن الله ورسوله، وعن الدين الإسلامي الذي يعتبره ديناً ودولة، مع أنه ما من شيء يُفسد الدين ويشوّهه، مثل الزجّ به في صراعات سياسية دنيوية. نهجُ الأول في التعاطي مع أيّ معارض، خارجٍ على “سننه”، هو التخوين. ونهج الآخر، التكفير. في الشكل، من شأن نظامٍ جوهرُه أمني استخباراتي، كنظام الأسد، لجوء رئيسه ورجالاته إلى استراتيجيا إخفاء العيون بنظارات شمسية سوداء. في إجراء كهذا، ثمة خوف وتخويف في آن واحد. إذ وحده الخائف يخيف. يخاف الديكتاتور افتضاح أمره باعتباره كاذباً، فيخيف، وفي كلا الحالين هناك ضعف وعبودية واستعباد. إذ الحرّ لا يخفي نفسه لأنه لا يكذب. ولأنه لا يكذب، لا يخاف، وليس مضطراً للتخويف والاستعباد تالياً. إنه الواضح، المنير، المستنير. ينسحب الأمر عينه على أولئك الملثّمين من رجالات تنظيم “داعش”. الظلم والظلام والظلامية، سمات جوهرية للنظام والتنظيم. كره النور والحرية والديموقراطية، قاسم مشترك بينهما.
على هامش المذكور آنفاً، وهامش لافتة من لافتات كفرنبل (ضمير الثورة السورية) مؤرَّخة بالثالث من كانون الثاني 2014، تقول: “تعدَّدَ الأعداء، والثورة واحدة ومستمرّة”، في الإمكان التعريج على حزب كردي شموليّ، شأنه شأن تنظيم “داعش” والنظام الأسدي، معادٍ للحرية، وهادف إلى شلّ أي حراك ثائر مدني سلمي، أو سياسي، أو عسكري غير منضوٍ “تحت سقفه”. إنه حزب “الاتحاد الديموقراطيPYD”، الذي لا يختلف، في معنى ما، عن النظام و”داعش”، في ما ارتكبه من انتهاكات في حق نشطاء سوريين كرد، مدنيين سلميين، واتهامهم بـ”التجسس والأردوغانية”، وغير ذلك من اتهامات تشبه اتهامات النظام في “النيْل من هيبة الدولة وإضعاف الشعور القومي”، وتشبه اتهامات “داعش” في “الكفر وسبّ الرسول والتعدّي على الذات الإلهية”. تجدر الإشارة إلى أن الأمين العام للحزب، صالح مسلم، كان قد حاول، أسوةً بالبعض من أعضاء “هيئة التنسيق” التي تقول إنها تؤيّد “التغيير السلمي الديموقراطي”، وينخرط الحزب المذكور “المسلَّح” في صفوفها، حاول تبرئة نظام الأسد من مجزرة الكيميائي في غوطتي دمشق الشرقية والغربية في 21 آب الماضي!
* * *
لا تشكّل الحرية خطراً على الإيمان والتقوى، بل القضاء عليها من شأنه القضاء على كل ما فيه صلاح للفرد والمجتمع. ربما يكون هذا بعض ما خلص إليه الناس من خلال تجارب مرّة خاضوها مع تنظيم “داعش” في المناطق السورية التي انوجد فيها التنظيم، وبعدما ضاقوا ذرعاً بالتعصب الجاهل، وبفظاعات تُرتكب باسم الدين الإسلامي، وفظاظات تعمّ، بغاية خلقِ الفتن والمصادمات بين الطوائف. مَن يتأمل في الهتافات والشعارات المرفوعة في التظاهرات المناهضة لـ”داعش”، مثل هتاف: “إلّي بيسرق ثورة خاين. إلّي بيقصي الآخر خاين” في إحدى تظاهرات مدينة الباب بحلب، قد يصل إلى نتيجة مفادها أن حرية الرأي والتعبير والتفكير ضرورة اجتماعية. الجدير بالذكر هنا، أنه في جلّ هتافاتهم، آثر المحتجون الثائرون، وضع الأسد و”داعش” في الخانة نفسها، بشكل يجلو الأفهام وينمّي الفكر. إن تشابه الاستبدادَين المجرمَين، الأمني العسكري والديني، في الفساد وفي كل شيء، كان من شأنه استعمال المفردات نفسها في الثورة عليهما، فالثورة نفسها التي قالت (مثلاً) من قبلُ للنظام الأسدي:”بدنا نحكي عالمكشوف/حراميّة ما بدنا نشوف”، قالت للتنظيم المرتبط بـ”القاعدة”: “داعش دولة حراميّة”.
في حين يبدو البعض كأنه سلّم بواقعِ تحوُّل سوريا ساحة مفتوحة، تُصفّى على أرضها حسابات خارجية، وتتنازعها مصالح وأجندات لاوطنية، يصرّ البعض الآخر من السوريين، على ضرورة عدم الاستسلام لهذا الواقع أو التسليم به، بالرغم من استفحاله. ربما لهذا، نجد الإصرار عينه لدى السوريين، على أن الشعب السوري هو مَن يحدد شكل دولته ومصيره، كلما شعروا بأن ثمة مّن يريد سحق كلمتهم وقرارهم. وبما أن الناس يصنعون تاريخهم داخل مجتمعاتهم، كان “طبيعياً” أن يثور السوريون على تنظيم “داعش” ذي العقيدة التكفيرية الدخيلة على المجتمع السوري. أكثر من ذلك، فإن ربط فكرة الدولة بالإنسان الأنا الحرّ، من شأنه جعْل هذه الفكرة موضوعاً بالفعل، وإلا سوف يبقى الناس مستندين إلى الزائف من كل شيء. لذا، لم تكن الحرية لتسقط من أذهان مَن ثار من السوريين والسوريات، الحقيقيين والحقيقيات. ثمة لافتة مهمّة، رُفعَت في مدينة السويداء، في بدايات الثورة بتاريخ 17 نيسان2011، تقول: “إن الشعب هو القائد للدولة والمجتمع” لا “البعث” ولا غيره. قد يكون مفيداً الآن وكل آن، استحضار هذه الجملة وربطها بإرادة حرة، كون العبد لا يصنع تاريخاً.
أصوليتان وثورة
الثورة التي فجّرها منذ ما يقترب من ثلاثة أعوام، أطفالٌ كتبوا على جدران مدرستهم عبارات الحرية، واستمرت شهوراً طويلة، مدنية سلمية، حاملةً معول الهدم نفسه الذي حمله من قبلُ الأطفال؛ تحاربها بالخطاب، أو بالاحتراب الميداني، أو بالاثنين معاً، أصوليات معادية للحرية والديموقراطية، تتفاوت وتختلف في تأثيرها وفاعليتها وقوتها وأهدافها وغاياتها وتحالفاتها وارتباطاتها. “القاعدة” من جهة، التي تحارب النظام والثورة في آن واحد، إذ بات واضحاً عداء تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام/داعش” المرتبط بها، للثورة والثوار. إيران ممثلةً بنظام حكم ديني أصولي، لم يتوان عن الانخراط في القتال إلى جانب النظام، واضعاً من أجل ذلك ثقله العسكري والمالي والسياسي، مستقدِماً إلى سوريا، ميليشيات شيعية مرتبطة به، من لبنان “حزب الله” والعراق “أبو الفضل العباس” وغيرها من ميليشيات مجيَّشة طائفياً ومعبأة، بدأت تجهر منذ منتصف 2012، بانخراطها في القتال إلى جانب النظام متذرعةً بحماية المراقد الشيعية والمقامات، وغير ذلك من مزاعم طائفية، من جهة أخرى.
لا نبوح بسرّ ربما، عندما نتكلم عن سياسات المجتمع الدولي حيال سوريا، كسياسات رامية إلى استنزاف الأصوليتين المذكورتين، الواحدة بالأخرى، واستنزاف الثورة والنظام بهما دفعة واحدة، بحيث لا يخرج أحد من هذه الحرب، منتصراً. إحدى السياسات تلك، إدراج الاتحاد الأوروبي، الجناح العسكري لـ”حزب الله” على لائحة الإرهاب بتاريخ 22 تموز2013 – وكأن الحزب نصفه إرهاب ونصفه الآخر سلام ومحبة وإخاء وديموقراطية!- قبل ذلك، كان مجلس الأمن قد أدرج “جبهة النصرة” على لائحة الإرهاب، بعد إدراج أميركا لها على اللائحة نفسها بتاريخ 11 كانون الأول 2012. هكذا، يكون “التوازن العادل” قد حصل. إرهاب يساند النظام، وإرهاب يساند الثورة، يستنزفان بعضهما بعضاً، وعندما تحين لحظة الاستحقاق الدولية، يكون العنوان العريض لها هو الإرهاب الذي يجب أن يتحالف النظام والثورة لمواجهته، فيتم بذلك تغييب القضية السورية الأساسية، وهي قضية سياسية في المقام الأول، قضية شعب ثائر على نظام جائر. قد يدخل في السياق نفسه، السعي إلى طبع “جنيف 2″، بطابع “الحرب على الإرهاب”، وفق ما يتوارد من تحليلات وتفسيرات، أو السعي إلى تحويل القضية السورية إلى قضية إنسانية، وقضية إغاثة، كما يبدو مثلاً من خلال سعي الأمم المتحدة إلى توجيه الأنظار في اتجاه اللاجئين السوريين، وصرفها عن السبب الأساسي الذي جعلهم لاجئين.
ضمن لعبة تقاسم الأدوار، وادعاء الاختلاف والانقسام نفسها التي لعبها الأميركان والروس (مثلاً)، لطالما نسّق الطرفان وخطّطا واتفقا في شأن الصراع السوري، كلٌّ وفق مصالحه، ربما تندرج الخصومة المعلنة بين “جبهة النصرة” وتنظيم “داعش” التابعَين لـ”القاعدة”. وقد لا يكون مصادفة، أن يؤكد الجولاني، أمير “جبهة النصرة”، يوم 7 كانون الثاني 2014، عداء الجبهة الأساسي للنظام، عبر مبادرة طرحها لوقف القتال بين الفصائل الثائرة المقاتلة و”داعش”، محاولاً ربما استمالة تلك الفصائل، عبر اتهام “داعش” بـ”تأجيج الفتنة”. ثم تكفير العدناني، المتحدث باسم “داعش”، بعد ذلك، جميع فصائل الثوار، وتوعّدهم بـ”جيوش من المقاتلين”، وتهديد أعضاء “الائتلاف” بـ”قطع رؤوسهم”. هكذا، تصير “القاعدة” كأن بعضها ضد النظام (جبهة النصرة)، وبعضها ضد قوى الثورة السياسية والمدنية والعسكرية (داعش)، بشكل يشبه إلى حد كبير “انقسام” المجتمع الدولي بين دولٍ مع النظام، ودولٍ “صديقة” “مع” الثورة. من شأن ذلك، على ما يبدو، إطالة أمد الصراع، وفقاً لمخطط الاستنزاف المذكور الذي يبدو الجميع من خلاله، متفقاً على تأجيج التطرف، وإقصاء الاعتدال، وتغييب قوى الثورة الأصلية المؤمنة بالدولة المدنية الديموقراطية، خلف ألعاب لغوية بهلوانية كاذبة، من قبيل “دعم المعارضة المعتدلة”.
كاتبة سورية
النهار