الثورة السورية : من يمثلها؟
رياض خليل
من الصعب توخي الدقة في معرفة حقيقة التمثيل السياسي للثورة السورية ، لدواع من أهمها الأمنية ، غير أن المتابع يلتقط المؤشرات التي تمكنه من معرفة من يمثل الشارع الثائر على الأرض .. على الرغم من ضبابية المشهد .
من بين الكثير من التسميات المعبرة عن تمثيل الثوار على كامل الساحة السورية ، برزت في الداخل السوري ثلاث قوى رئيسية :
– الهيئة العامة للثورة السورية
– المجلس الأعلى للثورة السورية
– هيئة التنسيق الوطنية
يضاف إليها معارضة الخارج ، التي اتخذت عدة تشكيلات تنظيمة ، تمحورت بتيارين :
– إسلامي
– علماني ليبرالي
وفي الواقع لايمكن التقليل من شأن أي من تلك الهيئات والمجالس في الداخل والخارج من حيث تمثيلها الفعلي للشارع الثائر على أرض الواقع ، ولايمكن بالتالي الطعن في شرعيتها السياسية الثورية المعارضة ، تحت حجة الاختلاف بالرأي والرؤية ، ومنهجية العمل من أجل تغيير المشهد السياسي السوري القديم ، وإحالته على التقاعد .
ومالايختلف عليه هؤلاء .. هو الهدف المشترك والمركب : نقل السلطة بأقل كلفة ، وبناء سوريا الديمقراطية . أما ماهو محل خلاف .. فيتركز على الوسائل والأساليب والمنهجية ، أي كيف يمكننا النجاح في إزاحة السلطة القائمة ؟ وفي ظروف مجحفة بحق الثوار ، وغير متكافئة ؟ تلك إشكالية تسببت في تأخير وحدة الرؤية والعمل بين القوى الممثلة للشارع المعارض حتى الآن . ولابد أن نذكر هنا أن ثمة شخصيات مستقلة وازنة وفاعلة منخرطة في العملية السياسية المعارضة عموما ، وتلعب دورا في مآلاتها .
المجلس الوطني
المجلس الوطني حسم المنافسة ، وخرج من المباراة فائزا بالضربة القاضية ، وأصبح عمليا الممثل الشرعي للشعب السورة الثائر بأغلبيته الساحقة ، وبشقيه : الصامت وغير الصامت ، فلماذا هو وحده المعتد به كممثل وحيد أو لنقل رئيسي للثورة السورية ؟
لأنه ببساطة يتكون من أهم وأبرز وأكبر كتلتين سياسيتين على الأرض : الهيئة العامة ، والمجلس الآعلى ، وهما من يمثل الشارع والتنسيقيات ، ويقود الاحتجاجات اليومية في كل مكان من سوريا ، فإذا أضفنا لهما قوى المعارضة الخارجية ، يصبح المجلس الوطني هو المحصلة لتلك القوى الداخلية والخارجية المتحدة والمتفقة على الأهداف والوسائل ، ويصبح المجلس هو الممثل الشرعي لأكبر كتلة من الشعب السوري المعارض .. وبحيث يستحيل على أحد مجرد التفكير بمنافسته ، أو التشكيك بمشروعية تمثيله للشعب السوري . والمجلس يضم شخصيات تمثل تيارات سياسية متنوعة ، انضوت تحت بند الثورة من أجل الديمقراطية ، ولم يشذ عن القاعدة حتى الآن سوى :
هيئة التنسيق الوطني
التي بقيت حتى الآن مترددة .. وخارج السرب ، ومتمسكة نسبيا بمبادئها التي أعلنتها وانطلقت منها منذ البداية لمواجهة استحقاقات الثورة ، وهي تمثل قسما من الحراك السياسي أكثر من الشعبي ، وقد نجحت قليلا في الدخول إلى الجمهور .. وتكوين قواعد ، إلا أنها لاترقى إلى ( النزول ) إلى الجمهور العريض المتظاهر بقوة في الشارع ، وجمهور هيئة التنسيق هو أقرب إلى فئة أو شرائح من المثقفين والبورجوازية الصغيرة ..التي تتخبط في منطلقاتها النظرية ورؤاها ، وتتأرجح في خليط من التيارات والأحزاب والشخصيات ، التي يجمع فيما بينها خيط واحد هو انضواؤها تحت عنوان الإيديولوجيات المتفقة على كراهية وتخوين الغرب والعالم الحر ولاسيما أوروبا والولايات المتحدة ، والتشكيك بنواياهما ، ثقافيا وسياسيا ، وهي بذلك تتفق وتلتقي مع ثقافة البعث الحاكم في سوريا . ولايزالون يتشبثون بعقلية ماقبل سقوط ” جدار برلين ” وهزيمة الفكر الشمولي القومي والشيوعي والديني . ولاننسى أن معظم الأحزاب المنضوية تحت مايسمى التجمع الوطني ( وهو قاعدة الهيئة ) هي نفسها النسخة المنشقة عن أحزاب الجبهة الوطنية الحاكمة في سوريا . وتحمل الكثير من الجينات المشتركة عموما .
المطلوب من هيئة التنسيق
المطلوب من هيئة التنسيق قد يكون صعب المنال والتحقق ، لأنها بالأصل كتلة غير متجانسة فكريا وسياسيا ، ولا جامع بينها سوى وقوفها ضد احتكار السلطة السياسية ، وطابعها الاستبدادي ، ولكن مشروعها السياسي ليس له شعبية حتى الآن نسبيا . وهذا مايوجب عليها إعادة النظر في أطروحاتها ، وطريقة تعاملها مع الشارع ، وتجسيد إرادته وتطلعاته إلى مسائل ومطالب حيوية من أهمها كيفية حمايته من القتل اليومي المنظم . وهو المهمة الأكثر إلحاحا في الوقت الراهن ، والتي تهم الشارع ، لأنه كما يقال : ياروح مابعدك روح ، والروح غالية ، ولاأحد يفرط بها ببساطة ومجانا وبلا مقابل . وعلى هيئة التنسيق أن تجد حلا لوقف القتل اليومي المنظم والاعتقالات ، وإن لم تفعل ، فسوف ينفض عنها الجمهور الثائر ، وستفقد قاعدتها الشعبية ، وبالتالي شرعيتها السياسية التمثيلية .
وأرى أن تنخرط هيئة التنسيق في الحراك السياسي العام ، وتنضم إلى المجلس ، لتسجل نقطة لصالحها تاريخيا ، وليس الوقت مناسبا ، للشذور عن القاعدة السياسة التي ا نبثقت عن الواقع وفرضت نفسها عليه كضرورة نضالية تاريخية ملحة ، وأعني بها : المجلس الوطني .