الثورة السورية وأطفال الأنابيب !
عبد اللطيف المنيّر
لا تقل انتهاكات المعارضة السورية الكلاسيكية منها والتي على الفضائيات ايضاً، حدةً على الثورة في سوريا، عن انتهاكات النظام السوري الحاكم بدمشق، مع فارق الأسلحة والأسلوب !
بيد أن الأولى قابلها المنتفضون بوجه بشوش وبصمت، والثانية قابلها بصدور عارية في مواجهة الرصاص الحي. لكن هذه الثورة الشريفة على النظام القمعي والذي ضرب الرقم القياسي بالعالم في مدة حكمه والتي قاربت على الخمسين عاما، استطاعت وبعد ان اجتازت ستة أشهر من عمرها الفتي، وبعد أن سدّ النظام السوري الأفق في تحقيق مطالبها، غيّرت بوصلة شعارتها وطالبت بإسقاط النظام، لا بل ومحاكمته على جرائمه اليومية، وذلك بعد أن نفذ صبرها واشتد عليها الموت والضرب.
هذه الثورة استفادت من تجارب اخواتها الثورات العربية الحديثة، وامتازت بسليمتها واصرارها على عدم حمل السلاح، وقالت للسفاحين بدمشق: “لا تصْغرّنَ أحداً، فإن البعوضة تُدمعُ مقلة الأسدِ !” وقالت باستحياء وبصمت دون البوح عالياً، ذلك احتراما لكل المعارضات في الداخل والخارج على السواء، واحتراماً لسنين نضالهم: انتم ومنذ انطلاق ثورتنا وأنتم تحاولون أن تكونوا حاملاً للثورة ! لانريد عمليات قيصيرية لقيادات سياسية مبكرة ! ولا نريد أطفال أنابيب لأهل غير شرعيين من الخارج. وهل تعلمون أننا قادرون أن ننجب ومن رحم الثورة قيادتنا السياسية التي تعبر عن هويتنا وهوية سوريا الجديدة للعالم ؟ ونحن نستطيع أن نخاطب الغرب دون وسطاء يتكلمون بأسم الثورة بعيداً عن أهدافها ؟
الثورة تريد منكم ايها المعارضات، أن تهيؤا لها ولادة قيادتها بهدوء وآمان، كما تود أن تهمس بأذانكم، أنها ستترك لكم فسحة ومساحة لتشاركوا معها ببناء سوريا الغد، وتؤكد لكم أن سوريا تتسع لكم جميعا ودون استثاء ودون اقصائية أو اي تهميش، على عكس ماتفعلون في مجالسكم، ومؤتمراتكم وجمعياتكم وحكوماتكم المظللة.
الثورة ليست فتاة قاصرة ! ولن تكون تحت عباءة حزب أو تيار، او جلباب الجماعات، ولن تكون طفلاً بالتبني لأي اجندة اقليمة أو دولية. الثورة بجدارة تستطيع أن تحتضن الجميع لأنها هي الأم وهي التي تدفع بشاباتها ونسائها وشبابها وشيبها وأطفالها إلى الموت في سبيل نيل الحرية لكم ولجميع السوريين.
بيد أن الفارق بين الثورة التي ستلد قيادتها السياسية، وبين المعارضة، أن الأولى تكتب المستقبل على مقاس سوريا الجديدة، بينما الثانية تكتب المستقبل على مقاسها هي ! الثورة أكبر من أي مصحلة آنية، وأوسع من أي منصب. الثورة وبالرغم من انزلاقات المعارضة وبياناتها المتضاربة ومحولاتهم في اقتناص الثورة حيناً، واغتصابها أحياناً، إلا أنها ستعفو وتغفر وتتغاطى عن كل ما تناله من المعارضة، وحتى عن رجالات النظام الذين لم تنغمس أيديهم بدماء السوريين أو شاركوا بنهب البلاد، بل سيجد الجميع مكانهم الطبيعي في بناء سوريا الحديثة.
مازال الجميع خلف الثورة متأخرين عن مايتطلع إليه اصحاب الصدور العارية. فهل يعي الجميع مصاعب المرحلة التي تعيشها الثورة، وما سيأتي عليها من معوقات ؟
كاتب سوري مقيم بأميركا
كلنا شركاء