صفحات سورية

الثورة السورية… والنفاق الأميركي


يحيى علامو

يظن المرء عندما تكون قضيته عادلة ولا لبس فيها أن القضاء سينصفه، وأن دعاة الحقوق سيؤازرونه، وأنه ماضٍ في نيل حقوقه بغض النظر عن قوة الخصم وشراسته، أي أن قوة الحق مسلّمة قانونية وأخلاقية شرعنتها الأرض والسماء. السوريون وغيرهم من بني البشر آمنوا بهذه المسلّمة وبعدالة قضيتهم فهبوا جميعاً للمطالبة بحقهم في الحياة كاسرين حاجز الخوف الجاثم على صدورهم منذ عقود، معتقدين أن أمم الأرض ستقف معهم ولن تجد غضاضة في ذلك انطلاقاً من مبدأ العدالة.

وبلا شك كان التأييد الدولي والشعبي كبيراً وزادته زخماً تلك العدوانية وشراهة القتل لدى النظام السوري، واعتقد الجميع أن الانتصار مسألة وقت وسيجد المجتمع الدولي طرقاً مناسبة لإرغام النظام على التسليم.

تنامت التصريحات وانعقدت المؤتمرات ووضعت الخطط، وثوار الأرض لا يبرحون الأرض رافعين شعار “الموت ولا المذلة”، وكلما مر الزمن تقلص الأمل بأي مساعدة حتى وصلت إلى شعار “مالنا غيرك يا الله”!

وبدأت تتكشف الحقائق بالعجز والخذلان الدوليين وآخرهما ما جاء في صحيفة “الراي” الكويتية وعلى لسان مراسلها في واشنطن ونورد مختصره “أن المندوبة الأميركية الأممية رايس رغم عقدتها الرواندية- نسبة الى مجازر رواندا- والتي عقدت العزم بعدها على أن تقف إلى جانب أي أزمة مماثلة لها نظراً لتقاعس واشنطن تجاه هذه المجازر… ففي ليبيا انتصرت لعقدتها ولكن في المسألة السورية خارت عزيمتها وأجهضت كل التدخل العسكري مع تأييد العقوبات الاقتصادية فقط، بل وطالبت بالحل السياسي بين الأسد ومعارضيه رغم المجازر مسوقة الأعذار… سورية ليست ليبيا وأن الدفاعات الجوية السورية ليست كنظيرتها الليبية… وإنشاء ممرات إنسانية تتطلب قوات غربية… والعسكرة تؤثر على أمن المنطقة وغيرها من الحجج”… وطبعاً رايس انعكاس طبيعي لنهج أوباما الذي يرفض أي تأثير سلبي على حظوظه الانتخابية بالولاية الثانية، ولو أبيد الشعب السوري، إضافة إلى حسابات تتعلق بأمن إسرائيل أولاً.

لسنا هنا بصدد التعويل على التدخل الخارجي لمناصرة ثورتنا لإدراكنا المسبق بالكلفة العالية لهذا التدخل ولإدراكنا أن النظام السوري لم يترك للثورة خياراً آخر لتحقيق حلمها بالكرامة والحياة. ولكننا نسلط الضوء على النفاق الدولي ولعبه بمصائر الشعوب، خصوصاً السياسة الأميركية التي ظن البعض، وخلافاً للعادة، بأنها أضحت منحازة للعدالة الدولية… لكن التفاؤل كان ساذجاً، وها هي أميركا تثبت أن الاستبداد وسادية النظم لا تعنيها شيئاً أمام قوة مصالحها.

وفي ضوء هذه السياسة المتخاذلة تجاه الثورة، نقول للنظام السوري كفى تسويقاً لنظرية المؤامرة الدولية ضدك، فكل التكتيكات الدولية المتبعة تجاه ثورتنا تأتي لمصلحتك وعن سبق إصرار أممي، فالفرص التي أتيحت لك لإجهاض الثورة لم تتح لغيرك من المستبدين كالقذافي مثلاً، ولكنك عجزت أنت والمجتمع الدولي المساند لك عن وقف الخيار الحر للشعب السوري المصمم على حجز مكان له تحت الشمس حتى لو تأخر شروقها.

الجريدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى