الثورة تنقد ذاتها
رزان زيتونة
لا يبدو أن تقدما يحرز فيما يتعلق بسلوكيات عناصر من الجيش الحر في أي مكان أو منطقة. على العكس من ذلك، تذهب كل النداءات أدراج الرياح، ويزداد التذمر والضيق بين الأهالي والنشطاء، إلى حد وصل فيه الأمر إلى خروج مظاهرات في عدة مناطق تهتف هذه المرة من أجل إصلاح الجيش الحر نفسه وسلوكياته وتعامله مع المدنيين وبين عناصره وكتائبه.
لم يعد مفيدا القول بأن هذه الكتيبة أو تلك المجموعة تتسلق على الثورة وتنتحل اسم الجيش الحر. الانتهاكات والممارسات الخاطئة موجودة وبشكل واضح ضمن الكتائب والألوية المعروفة بالاسم. وحتى تلك الدخيلة، لم يعد من المفهوم تركها تمارس عمليات التشبيح والإذلال للأهالي والأخطاء الفادحة في القرارات العسكرية، في الأماكن التي تتواجد فيها كتائب للجيش الحر.
يكاد يكون ليس للمجالس العسكرية في أي مكان أية سلطة تذكر على كتائبها وقادتهم، وليس لهؤلاء سلطة تذكر على عناصرهم. الدعم المتأخر الذي بدأ بالوصول، لايزال فوضويا ويتحرك بين الأيدي بشكل عشوائي وغير مدروس وتلعب المحسوبيات وبناء التبعيات، فيه دورا كبيرا.
كثير من الكتائب “نظيفة” الأخلاق واليد والنيات، تترك من غير أي دعم يذكر وتبقى، رغم وجود الرغبة الحقيقية، عاجزة عن مواجهة سلبيات الكتائب الأخرى.
تدعم كتائب المتطوعين على حساب العسكريين المنشقين، والكتائب المؤدلجة على حساب تلك التي ليس لها ولاء إلا للوطن.
هي فوضى تنذر بالكثير من السوء، أردنا الاعتراف أم فضلنا دفن رؤوسنا في الرمال. يزيد على ذلك كله، السياسة الممنهجة التي يتبعها النظام في التدمير العشوائي لمنازل وممتلكات الأهالي، حرق الأسواق ونهبها، والتنكيل البشع بالسكان، بما يدفعهم إلى طلب رحيل العناصر المسلحة عن مناطقهم.
حصل ذلك في غير منطقة ومدينة من ريف دمشق إلى درعا وغيرها. أنا لست خبيرة عسكرية، ولا أعرف إمكانية أن ينتقل عناصر الجيش الحر إلى خارج المدن ليكفوا شر النظام عنها، ولا أبدي رأيا في ذلك.
لكن على الجيش الحر أن يعي جيدا ما يخضع له المدنيون من ضغوط هائلة، من خسارات لا توصف في الأرواح والممتلكات. أن يساعدهم في تجاوز هذه الضغوط، أن يعود جزءا منهم كما سبق وانبثق عنهم وكانوا حاضنته لأشهر عديدة. ذلك لن يكون باستمرار تجاهل شكاواهم من سلوك كثير من عناصره وكتائبه. لن يكون باستمرار تجاهله عدم وجود حد أدنى من التنظيم والتناغم بين كتاب المنطقة الواحدة، عدم وجود حد أدنى من القواعد الأخلاقية والقانونية المعلنة التي يلزم عناصرهم بالالتزام بها.
وكما شكل المدنيون حاضنة المسلحين بإمكانهم أن يكونوا عونا لهم في كثير من الأمور، فقط إذا قرر الجيش الحر أن يستمع لنداءاتهم وشكاواهم. بتشكيل هيئات التحقيق المستقلة من النشطاء المحليين في المناطق، بتخصيص لجان محايدة لتلقي الشكاوى، بإتاحة الفرصة لإجراء رقابة ومحاسبة من الأهالي على سلوكات الكتائب التي تمس حياتهم وممتلكاتهم وحرياتهم الشخصية.
لاريب من ناحية أخرى، أن النشطاء المدنيين قصروا جدا بحق أنفسهم ومناطقهم، حين تخلى العديد منهم عن أدوارهم، إما ملتحقا بالمقاتلين، أو تاركا إدارة الأمور المدنية للمسلحين. ضعفت التنسيقيات ولم تأخذ المجالس المحلية دورها المفترض بعد حتى في المناطق المحررة.
مؤخرا فقط، وفي مناطق محدودة، وعي كل من المقاتلين والمدنيين إلى حاجة بعضهم البعض، وبدأوا بالتماس إصلاح الأمور بمساعدة بعضهم البعض، لكن ذلك لايزال تجربة محدودة في المكان وعدد الكتائب.
نداءات المدنيين نفسها غير منتظمة في مطالبها وغير موحدة في جهاتها ولا تقدم حلولا عملية بديلة، وهو ما يجب أن يجري العمل عليه وتكثيف الجهود لأجله.
هذا لا يعفي الجيش الحر من المسؤولية، ولا يعطيه العذر لصم الآذان عن الشكوى بحقه.
إذا لم يكن من أجل شيء فكرمى للناس التي أحبتكم وهتفت لكم وحمتكم داخل بيوتها وقلوبها قبل أن يطالها القصف والحرق. أنتم حماة الديار…فأعيدوا لهذه العبارة معناها.