الثورة تواجه عيوب الديمقراطية
احسان طالب
ميزة الأنظمة السياسية الوضعية ، قابليتها الدائمة والمتجددة للنقد والتصحيح، ما يعني أنها في حالة مستمرة من التطوير والإصلاح، بذلك تتيح تلك الأنظمة لذاتها فرصة دائمة للبقاء والملاءمة مع البيئات الإجتماعية والسياسية المبنية على تركيبات خاصة أوجدتها الطبيعة التاريخية لمجتمعات نشأت ونمت وتوارثت ثقافات، وعقائد حازت على مصداقية واعية وإدراك مصطنع، حتى باتت قريبة من العصمة والتقديس. هذان المتقابلان ـ الأنظمة السياسية الوضعية ، والإرث التاريخي المقدس ـ باتا اليوم أكثر من أي مرحلة تاريخية مضت مرغمان على وضع تسويات ومقاربات تحقق التعايش والوئام بينهما تحت ضغوط شعبية وثقافة تحررية متجددة أفرزتها ثورات الربيع العربي. ما يحدث في معركة الدستور المصري الذي طرح للإستفتاء 15-12-2012 يدلل على وعي مجتمعي مدرك لقيم الحرية والتشاركية السياسية وجوهر الوطنية كقيمة جامعة .
عيوب جوهرية :
التمييز المدرسي في قضية الديمقراطية يفرض تبسيطا لها وفق محاور ثلاثة
الآليات الإجرائية
المبادئ الأساسية
المضامين ومكونات
تحددها أبعاد ثلاثة:
احترام الحقوق الأساسية
المواطنة أو المواطنية
الصفة التمثيلية للزعماء
” لا وجود للديمقراطية إذا كان قسم كبير من المحكومين لا يملك حق التصويت – مجموع النساء –
– الديمقراطية سعي للتوفيق ما بين الحرية الخاصة والاندماج الاجتماعي. أو بين الذات والعقل في حال المجتمعات الحديثة
– – الشأن الأكبر للديمقراطية في أن تحمي التنوع وتنتجه داخل ثقافة جماهيرية
– – لا يسع فكرة الديمقراطية أن تكون منفصلة عن فكرة الحقوق ولا يمكن لها بالتالي أن تقتصر على مسألة حكومة الأغلبية .. إذن لا يسع الديمقراطية أن تقتصر على أنظمة عامة وتعريف للسلطات أو حتى على مبدأ انتخاب القادة انتخابات حرة في فترات منتظمة فهي لا تقبل الفصل عن نظرية للقانون وعن تطبيق له
– – المساواة السياسية التي لا يسع الديمقراطية أن توجد بدونها، ليست فقط منح نفس الحقوق لكافة المواطنين إنها وسيلة لمقاصة التباينات الاجتماعية باسم الحقوق الأخلاقية
– – الديمقراطية يغدو لها وجود حين ينشأ مدى سياسي يحمي حقوق المواطنين من جبروت الدولة… حتى يجري الاعتراف بالمسافة الفاصلة ما بين الدولة و الحياة الخاصة ويجري ضمانها عبر مؤسسات سياسية وقانونية” – *-
– توصيف الأفكار و المبادئ وتصنيفها تبعا للأديان أو الأعراق فضيلة أولية وجسر عبور للارتقاء بها لتصبح قيما إنسانية و أخلاقية وكلما ضاق خناق التحديد والتوصيف طبقا لانتماءات وجدانية وتاريخية غدت خاصة بعقيدة وقوم، انتقلت لتصبح مزايا فخرية وحقوق ذاتية تملى على الآخرين ويطلب منهم تمثلها والخضوع لها. الأفكار الإنسانية ليست ملكا لأحد ولا وصاية لدين أو قوم عليها ولا يستطيع أحد حصرها أو تحديد مصدرها، من هنا كانت إشكالية الفكر الديني مع الإنسان والقيم. ويصعب كثيرا تحرير العقل ليحلق في فضاءات الحكمة و الحقيقة طالما أثقل بمرجعيات تاريخية ملزمة ووصائية.
– للديمقراطية استحقاقات رئيسة لا وجود لها بدونها. وتتحول آلياتها التي هي محل قبول ورضا عند أكثرية الحركات السياسية الدينية إلى وسيلة عبور تدمر النظام الديمقراطي وتستبدله بأوليغاريشية ذات مرجعية انتخابية، وإذا كانت تلك النقطة من عيوب الديمقراطية تاريخيا فان بيان مواصفات النظام الديمقراطي وكيف يمكن أن يكفل حقوق الإنسان إلى جانب ضمان حقوق الأقليات بين الثقافة الدينية السائدة ومتطلبات الدولة الحديثة وكفالة حقوق المرأة وحرية الإبداع الأدبي و العلمي في ظل حكم ديمقراطي تساهم بصورة فعالة بتجنب مزالق تضيق المفهوم المسبب لانحدار حكم الأغلبية إلى استبداد الأكثرية
– إن الوصفات الغربية لأنظمة اجتماعية مفصلة حسب قياس الجماعات الدينية ذات الأكثرية الشعبية في بلدانها هدفت إلى احتواء الإسلام السياسي وتجنيب الشعوب ويلات الحكم الاستبدادي الذي عانت من طويلا، وغفلت عن طبيعة البنية العقائدية الجوهرية للتفكير الديني متجاهلة نقاط الإتلاف و الاختلاف في مسائل حوار الديمقراطية والإسلام، في مسعى سياسي لقبول الشكل دون الإقرار بالمبادئ و المضامين. واعتمدت كثيرا على تصريحات انتقائية وأجوبة مصطنعة يصدرها زعماء دينيون حسب طبيعة المكان و الزمان. ولن تدل استطلاعات الرأي عن حقيقة التوجهات الشعبية ما لم تبدأ من السؤال عن الحريات الأساسية وحقوق المرأة. لقد بينت استطلاعات حول الحرية الدينية إلى أي مدى تتجافى الثقافة الدينية السائدة مع حق الإنسان باختيار الدين وحقه أيضا في تركه. وبالرغم من التمييز الضروري بين التدين الشعبي المقترن بالتيار المشايخي الموالي لأنظمة الاستبداد تاريخيا و المتلون بما يناسب مصالحه واستمرار هيمنته على العامة، وبين حركات الإسلام السياسي المعارضة تاريخيا للأنظمة العلمانية المائل بطبيعته نحو استخدام العنف في الوصول إلى السلطة عبر صراعاته المتوالية مع أطراف النزاع حول امتلاك الحكم، وبالرغم من التطور الذي فرضته انعكاسات الانفتاح الحركي والفكري للإسلام السياسي على الخارج وممارسته الديمقراطية، فإن البنية الفكرية والحركية لأحزاب وتنظيمات إسلامية سياسية استمرت بانحيازها المبدئي لفكرة امتلاك زمام الأمور بالقوة والاستمرار بالسيطرة على سلطة تم الوصول إليها بالوسائل الديمقراطية، فمعارضة حركات وتنظيمات الإسلام السياسي للأنظمة العلمانية وشبيهتها تمت بذات الأسلوب الشمولي فتم تحريك آليات السلطة بذات الآليات الاستبدادية التي ادعت أنها تعارضها، فالانفراد بتطبيق القرارات وتخوين المخالف وتقديم مصلحة القوى الحاكمة على مصالح البلاد سمات أبرزتها الأشكال المتمكنة من الحكم طبقا لمنظومة السياسة الدينية. يبرز للمقارنة أمامنا التيار النخبوي الثقافي الديني الإصلاحي، الساعي إلى أسلمة الحداثة والنظم الاجتماعية، أي تحقيق المصالحة مع التطور والتقدم وفق عقلية أسبقية مسلمي السلف تحديدا في كافة ميادين الحضارة الإنسانية، هذا التصور يحمل في طياته ايجابية وخطوة نحو الأمام، بعدم نبذه لقيم العصرنة والتحديث، إلا أن ما يعيق تحوله لنظرية وممارسة هو إصراره على تمام وكمال الأمر أي التصديق أو محاولة إقناع الآخرين بوصول الأقدمين إلى ما بلغه الآخرون من تطور وتقدم ، هذه القناعة تشكل أزمة بين القراءة التمجيدية والانتقائية التاريخية التحليلية لمسيرة التراث الديني، وبين الحقيقة الموضوعية المتطلبة لمقاربة نقدية وتحليل علمي محايد، من هنا فإن العمل على النقد الإبداعي لبنية الفكر والثقافة المهيمنة على المجتمعات الإسلامية سيكون مفيدا للبدء في تمثل القيم الإنسانية مقترنة مع انتماءاتها القومية و الدينية، وسيكون من المضر بشدة لمحاولات دمقرطة المجتمعات المحافظة عزل أو انفصال مبادئ ومفاهيم العلمنة والعقلنة عن الموروثات التاريخية الإيمانية والثقافية، فالناس في المجتمعات المترابطة حول قيم ماضوية وتراثية أعداء لما يطرح من الخارج، فإذا ما تم طرح قيم ومبادئ حقوق الإنسان ومفاهيم ومصطلحات الديمقراطية وثقافتها كرسالة من الآخر المتباين سياسيا وثقافيا، ناهيك عن تباينه عقائديا سيتم رفض ما يعرض بصورة فورية مهما سعت المحاولة لإقناع الناس بمزايا وفضائل وحسنات تلك الرسالة، أما حين يمتلك أصحاب المشروع التقدمي الحداثي القدرة على تحميل النظريات الإنسانية ومقاربتها مقاربة داخلية، ستكون المهمة أصدق وأكثر صلة بالمجتمع و مكوناته.
– السؤال الكبير الذي يطرح ذاته هنا هو هل حقا هناك صلة في ما بين مضامين العقلنة والحداثة وما بين المنظومة الثقافية والفكرية الموروثة المتمكنة من الوعي والمسيطرة على آليات التفكير وإنتاج الثقافة في مجتمعات الربيع العربي ؟ سنترك الجواب على ذلك السؤال لما سيحقق الوعي المجتمعي الذي في تقديري يصاغ من جديد رغم ما يظهره من ارتباط وثيق بموروث مقدس يراد له أن يكون مرنا بما يكفي لتجاوز عقبات التقدم والنهضة والتنمية
* مقتطفات من كتاب آلان تورين ما الديمقراطية