الثورة سورية : إستراتجية إيران لإنقاذ حليفها في بلاد العرب، وآخر مغامرات الأسد للمحافظة على الكرسي.
خالد ممدوح العزي
ثورة الشعب السوري السلمية:
دخلت سورية الشهر السادس وانتفاضتها مستمرة بالرغم من الحديد والنار والحصار،فالاحتجاجات لا تزال مستمرة رغما عن انف النظم وعصاباته الأمنية وقطاع طرقه ، 25 أسبوع والانتفاضة الشعبية في سورية تواجه النظام بكل وسائله الإعلامية والأمنية والمادية والعسكرية الذي يحاول قمع صوت الشعب المنادي بالحرية والديمقراطية ورحيل الأسد وإعدامه، بالرغم من الضغط الدولي المتصاعد تدرجيا بإدانة النظام السوري الذي يتجرع قوة من هذا البطء في اللهجة الموجهة للنظام الذي يزيد إمعانا بالقتل والبطش بحق الشعب الأعزل لذي يسر الأسد بأنه يحارب عصابات إرهابية تحاول العبث بالأمن ،من خلال سفك دماء السورين النقية والطاهرة متحديا العالم كله بأنه يقتل إرهابيين وليس مدنين عزل بينهم أطفال وشيوخ ونساء وشباب بعمر البدور وزهور الجنائن.
فالسورين لم يعدوا يخافون شيئا، وهم يواجهون غطرسة نظام الأسد وشبيحته الأمنية والعسكرية والإعلامية،والنظام لم يعد يصغى ويهتم لأحد في العالم من الذين ينصحوه،للحد من ظلمه وبطشه الإرهابي الذي يمارسه ضد المنتفضين،لأنه مقتنع بان القمع والقوة هما السبيل الوحيد لقمع الشعب واسكت صوته الصاخب، والمطالب بإسقاط نظامه ،وهذا الذي لا يحب سماعه النظام من المحتجين.
جمعة لن نركع إلا لله:
أتى رد تنسيقيات الثورة السورية على قمع الأسد ومحاولة تسويق نظامه الذي يحارب الإرهاب ، سريعا بالخروج في “جمعة لن نركع إلا لله “،هذه التسمية التي إرادتها تنسيقيات الثورة لإرسال رسالة داخلية للنظام، ورسالة خارجية للعالم العربي والإسلامي والغربي، ولكل الشعوب بان شعب سورية لن يركع لقوة بشار الأسد ونظامه ، مهما كان الثمن غالي، ولهذا الموقف تضحيات كثيرة “قتل وتشريد ودمار واعتقال” سوف يدفعها الشعب السوري ثمن لرحيل هذا النظام الفاشي والاستبدادي.
الشعب يؤكد مجددا للجميع ولقيادات العالم المتفرج على ذبح الشعب السوري ،في هذه الجمعة ، بأنه لا بديل أمامه سوى الاستمرار في الانتفاضة، لاحور ولا صلح مع نظام “البشار” الغاشم ،الثور هم من يصنع تاريخ سورية الجديدة وعلى الدول التي تحاول المساعدة ليس الاتفاق تحت الطاولة مع النظام إنما ممارسة الضغط السياسي والدبلوماسي والاقتصادي ،وليس البحث عن مصالحها الخاصة التي تقوم على دم الشعب وثورته.
الشعب يريد إسقاط النظام :
منذ اليوم الأول لانطلاقة الانتفاضة السورية المجيدة حدد الشعب المنتفض هدفها الأسمى لمستقبل الانتفاضة المجيدة في 15″ آذار،مارس” بإسقاط نظام الأسد ورحيله ومحاكمته العادلة، وعدم التفاوض مع قاتل الشعب السوري وسافك دماء أطفال سورية ومحتل مدنها التاريخية،من هنا كانت رسالة الثورة السورية الواضحة لكل العالم الذي بداء يكسر صمته التدرجي بوجه نظام الأسد.
“جمعة لن نركع إلا لله”، والذي خرج فيها الشعب السوري إلى الشوارع بتاريخ 12 أب “أغسطس” 2011، بالرغم من الحصار الوقح والبشع الذي يقوم بها النظام ، للمدن السورية العريقة بتاريخها ونسب أهلها العربي ، ومهاجمتها بواسطة الجيش العربي السوري،الذي يحررها من العدو الإسرائيلي. لقد أباح القتل الجماعي في شهر رمضان المبارك، وسفك الدماء الطاهرة في هذا القطر الجريح ، لقد قصفت المساجد وتم احتلالها من قبل الشبيحة وقوى الأمن،لان كلمة “الله واكبر” فالكلمة تخيف الأمن وتفزع النظام الذي يزعم بان المجموعات الإرهابية هي التي تستخدمها في المظاهرات وأضحت الكلمة السلاح الفتاك الذي يمتلكه الشعب السوري ضد عصابات الأسد، وعقابها القتل من خلال القتل العمد. لذلك على بعض الدول الانتباه لتحركها الدبلوماسي وأن لا تعمل على تسويق الأسد ونظامه، وفقا لصفقة خاصة،وتعطي مهل مجانية لمتابعة القتل و الاستمرار بالفتك والبطش، و هذا مايترتب على الأتراك توضيح موقفهم الملتبس من نظام الأسد ووعوده الكاذبة،وان لا تغرق تركيا بعيدا بهذه الوعود والعمل على تعوميه دوليا وعربيا وإسلاميا.
تضحيات الشعب السوري دفاعا عن الامة العربية:
لابد من الوقف الصريح ،أمام تضحيات الشعب السوري العظيمة التي يقدم فيها أبناءه الأبرار “شهداء وجرحى ومعتقلين”،وان ننحني للشعب السوري وصموده بوجه الآلة العسكرية التي يستعملها النظام ضد مواطنيه،لقد ضحى الشعب السوري بكل الغالي والنفيس من اجل الوقوف بوجه نظام الأسد،فالوقوف بشجاعة أمام العائلات السورية التي تقدم أبناءها الأشاوس دفاعا عن مستقبل سورية الجديدة،لان الشعب السوري هم من يقاتلون النظام السوري بصدورهم العارية دفاعا عن الأمة العربية كافة من محيطها إلى خليجها.
نعم هذه المعركة الذي يخوضها أبناء سورية العربية مع نظامها البائد، إنما هي معركة مستقبلية دفاعا عن وجود العروبة والعرب والقوميات التي تعيش منذ زمن في الأراضي العربية والتي ترفض المساومة مع نظام الأسد،لأنها مساومة على موقف العروبة الفعلية ومستقبلها الناهض في ظل الثورات العربية الجديدة ،التي ترسخ مستقبل عربي جديد متوازي مع التغيرات العالمية التي تضع العرب والعروبة في قلب العالم من جديد،بظل التكالب التركي والإيراني والإسرائيلي والأمريكي الغربي على العالم العربي ودوله وشعبه.
طبعا لقد أعطت ثورة مصر وتغير النظام فيها زخما قويا لكل الثوار في الساحات العربية قوة كبيرة على الاستمرار في تحقيق الهدف، بالرغم من أن أجاز ثورة مصر كانت بأقل الأثمان ،بعكس الثورة السورية التي تقدم شبابها الثائرين ليلا نهارا ،أغلى شباب البلد وفلذة أكباد الدولة الذين يقاتلون من اجل سورية الحرة الجديدة ذات التوجه العربي الرسمي المعتدل الغير متطرف ، لان سورية قلب العروبة النابض ،بعودة سورية إلى ربوعها العربية الطبيعية سوف يؤمن مثلت عربي رسمي قوي مؤلف من مصر والسعودية وسورية،يستطيع طرح إستراتيجية عرابية قوية تكون بحد ذاتها موقف عربي رسمي يؤثر على مصالح العديد من الجيران التي لا تريد بناء هذه القوة العربية الطبيعية الرسمية التي تفقدها دورها المستقبلي.وهذه القوة الجديدة سوف تكبح الخطر الفارسي والتركي والأمريكي وسف يضع حد فعلي للغطرسة والعنجهية الإسرائيلية ،من خلال المطالبة بتحرير الأراضي العربية المحتلة وفرض دولة فلسطينية على العالم بحدود 1967، وعاصمتها القدس ،وعودة اللاجئين.
الموقف التركي من الأسد:
يعتبر الموقف التركي موقفا ملتبسا بالنسبة للتعاطي مع الثورة السورية من خلال لغة لم يعد احد يفهمها،فإذا كانت تركيا تواكب الثورة السورية منذ البداية بالكلمات الحسنة والمواعضة في البداية ،تم بالانتقاد والإدانة لممارسة النظام الوحشية بحق المدنيين وصولا إلى ممارسة الضغوط والتلويح بمزيد من الضغوط على النظام السوري .
مما لا شك فيه بان تركيا تحاول العمل على فرض التوازن مابين النظام والمعارضة ،والممل الدؤوب على إيجاد حل لمأزق الأسد يخرجه من الورطة ويضعف قوته،ف “تركيا “التي تحاول إبقاء الأسد في السلطة مع تشكيل حكومة معارضة يكون فيها الإخوان الكافة الراجحة،تقبل ميزان القوى في سورية لصالح تركيا وإضعاف إيران ،إضافة إلى إصلاحات كثيرة يجيرها النظام السوري،وهذا الحل يخفف على تركيا كثير من المشاكل والهموم التي تأول إليها الأحداث في سورية،فسورية التي تعاني من مشاكل داخلية وتحاول ترتيب بيتها الداخلي من خلال ترتيب المؤسسة العسكرية وانهي الإرث القديم للمؤسسة العلمانية وكذلك تلطيف العلاقة مع الأكراد. وتركيا التي تخاف من تحريك ورقة القاعدة وثوار حزب العمال الكردستاني التي تحركهم دول الجوار المتحالف مع سورية إضافة إلى تدفق اللاجئين السورين لداخل الأراضي التركية، عند أي محاولة عسكرية تقام ضد سورية لذلك يتم التريث التركي بانتظار إنضاج موقف دولي كامل متكامل للتعاطي مع النظام السوري،وفي كيفية ردع النظام الإيراني والضغط عليه في أي تحرك قادم.
ومن هنا جئت الزيارة التي قام وزير الخارجية التركي احمد اغلوا نهار الثلاثاء في 9 أب “أغسطس” 20011 إلى سورية انتهى اللقاء بتصريح تركي ملتبس من خلال تصريحات كبار المسوؤلين،والتي فسرها العديد من الخبراء السياسيين والمحللين،بان تركيا أرسلت للأسد رسالتين :
1- فالأولى تقول بان نفذ صبر تركيا نفذ من تصرف النظام السوري والاستمرار بقتل الشعب السوري، وتركيا لا تريد أن ينتهي الأمر بالأسد كما حصل مع مبارك وصدام حسين وبن علي وعلي صالح، وتركيا لا تستطيع تلقي وعود من نظام الأسد ، دون تنفيذ من قبل النظام السوري،.
2- الثانية تقول بان العالم نفذ صبره من نظام الأسد وعلى النظام الانتباه جيدا لتصرفاته ووعوده بالإصلاح السريع الذي ينتظره العالم، وإلا سوف يكون الرد عليه بطريقة مختلفة، وتركيا سوف تنفذ أي قرار أممي لأنها جزاء من هذا العالم، الالتزام بعقوبات اقتصادية قاصية وشديدة تفرض على نظام الأسد أو ضربات عسكرية لسورية سوف تلتزم تركيا بها.
ومن هنا أعطت تركيا المهلة الأخيرة للنظام السوري من خلال 15 يوم لتنفيذ الإصلاحات السريعة الذي فهمها النظام بأنها فرصة أخيرة للنظام السورية قبل الدخول في حل نهائي يكاد يتبلور معلمه في الأوقات الحالية كما يفسره المحللون والخبراء بالشأن السياسي الدولي والعربي.
وهنا يقول أصحاب الشأن بان هذه الفرصة ما هي إلا فترة لتجميع المواقف الدولية الضاغطة على سورية بعد انضمام أللملكة العربية السعودية إلى دول الضاغطة على سورية ونظرا لمتمثل في العالم العربي والإسلامي، والقاضي على التالي.
-إنهاك قدرات الجيش وعدم قدرتها على الحسم مما يساهم بشقق في صفوفه يؤدي إلى انقلاب عسكري يساهم في أنقاض البلاد.
-ارتكاب النظام مجزرة كبرى تؤدي به بالسقوط الفوري من خلال الضغط الدولي .
– تشكيل قوة عسكرية دولية تقوم بتوجيه ضربة عسكرية تشل فيها قدرات الجيش السوري، وتكون تركيا رأس حربة هذه القوة، ذات الدعم الدولي والعربي.
الموقف الإيراني من الثورة السورية:
يكتب الإعلامي احمد عثمان في صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 23 ابريل نيسان 2011 مقالة بعنوان “مظاهرات الشباب السوري تهدد النفوذ الإيراني في بلاد العرب”.
بعد أن كانت إيران تتحمس لمظاهرات تونس ومصر أملا في تغيرات تتفق مع ثورتها الإسلامية ،لكنها انزعجت جدا من نشوب مظاهرات شعبية في سورية ،مما يساهم في قطع الطريق أمام القيادة الإيرانية بالاتصال بأعوانها في الدول العربية التي شكلتها طوال الفترة الماضية بمساعدة النظام السوري كأوراق ضغط لها في المنطقة وهذا ما عبرت عنه الخارجية الإيرانية بان مظاهرات سورية ما هي إلا مؤامرة خارجية “صهيونية وأمريكية ” انتقاما من إيران وسورية بسبب دعمهما للمقاومة وحلفهم الممانع والمعارض لهذه السياسة ،وإيران تقف وتدعم كل من هو ضد أمريكا.
لم يقتصر الدعم الإيراني للحليف السوري بشجب المظاهرات الاحتجاجية في سورية بل ذهبت ابعد من ذلك من خلال تقديم الدعم “الإيراني والعراقي”المادي والمعنوي واللوجستي في قمع المظاهرات وتزوده بالبترول والبترول والعتاد والخبراء والغاز المسيل للدمع،ومراقبة استخدام الانترنت والهواتف النقالة، والمشاركة الأمنية ،في حماية مصالحها الخاصة في سورية والتي لا تزال مستمرة ،و أخرها بداء إيران بتفعيل ميناء اللاذقية العسكري الذي يساعد إيران من إمداد نظام الأسد وأعوانها بطريقة مباشرة لان إيران سوف تقاتل بكل إمكانيتها التي تحول دون إسقاط نظام الأسد، وسوف تفشل أي اتفاق بين المعارضة والنظام على التنحي وتسليم السلطة كما أفشلت محاولة الملك عبدا لله من اجل عقد اتفاق طائف جديد بين المعارضة السورية والنظام ،ولن تسمح لتركيا بالوصول إلى اتفاق يحد من دور إيران في سورية ،لذلك تقود إيران معركة مبطنة في سورية، تمارس كل الضغوط الدولية والإقليمية لمنع سقوط نظام الأسد ،وهي تقود كل العمليات العسكرية والأمنية في سورية، خوفا على مصالحها ودفاعا عن نظام الأسد الحليف التاريخ ومنفذها الوحيد على اللعب بالأوراق العربية ، كما يكتب الإعلامي احمد عثمان في مقالته لان الشباب السوري يقود معركة غير مباشرة مع النظام الإيراني الذي يهدد نفوذه في الدول العربية التي تغنى بان هذه الثورات العربية هي امتداد للثورة الإيرانية الخومينية والتي وافق الأسد عليها .
إيران التي ترى نفسها محاصرة اليوم أكثر من أي وقت سابقا لن تسمح برحيل النظام السوري بسهولة وخاصة خسرت الورقة الفلسطينية التي تلاعبت فيها لعدة أعوام ،وضعف وجودها في البحرين ،لهذا السبب سوف تدفع عن تواصلها مع حزب الله في لبنان بكافة الطرق:
-ابتدأ من التلويح العسكري بوجه تركيا واستعمل ورقة الأكراد والقاعدة.
– فتح جبهة الجولان أو لبنان.
-زعزعة المنطقة كلها من خلال الضغط العسكري على القوات الأمريكية المتواجدة في العراق وأفغانستان.
-العمل على زعزعة المنطقة كلها من خلال خلاط الأوراق التي تمتلكها إيران في الدول العربية ودول الخليج العربي.
خيارات الأسد النهائية:
الشعب السوري يعرف خياره وحدد أهدافه ،بمتابعة المسيرة نحو الثورة لأنه لا مجال للشعب السوري التراجع للوراء وإعطاء ورقة بيضاء للنظام بتصفية الشعب السوري وشبابه.
فالنظام السوري لا يستطيع الحسم والقضاء على الشعب المنتفض من خلال احتلاله للمدن والنواحي السوري بالرغم من شدة إجرامه وقوة سلاحه الذي لم يستخدمه ضد إسرائيل ولا مرة منذ انتهى حرب العام 1973.
لكن اليوم بعد 25 اسبوع من عمر الانتفاضة المستمرة ومحاولة النظام لإخمادها بكل الوسائل لم يبقى لديه بظل الضغط العالمي والعربي والشعبي، سوى المزيد من ارتكاب المجازر بحق شعبه الأعزل، أو التوجه نحو فتح جبهة الجولان او لبنان لان النظام بحاجة ماسة لإغفال العالم عمى يجري وجرى في مدن سورية من ارتكاب جرائم ضد الإنسانية ،فلنظام السوري بحاجة ماسة لهذه الحرب وحكومة إسرائيل هي بأمس الحاجة لمواجهة شكلية بل تأزم الوضع الشعبي الداخلي وحركة الإضرابات الشعبية التي تطالب بعدالة اجتماعية ،وانتظار حدث أيلول القادم المطالب بإقرار دولة فلسطينية في الأمم المتحدة.فالنظام السوري والحكومة اليمنية هما بحاجة ماسة لهرب إعلامية تشكل جبهات لبنان والجولان منفذ لهم في حل مشكلهم الداخلية.
لكن استمرار الحراك السوري والمظاهرات الشعبية وتصميم الشعب السوري سوف يجبر العالم كله على الوقف إلى جانبه وسوف يكون مصير الأسد كما مصير صدام ،مبارك ،ألقذافي ،صالح وبن على ،لان النصر يصنعه الشعب والوطن باق والحكام إلى المشانق.
الحوار المتمدن