“الثورة غداً تؤجّل إلى البارحة” للأخوين ملص
تفاصيل حوار بين متظاهر ورجل أمن سوري
لم يتوقع محمد وأحمد ملص حين رفعا أقلاماً في حي الميدان الدمشقي، أن يقابَلا بالهراوات والضرب العنيف على أيدي عناصر الأمن، ما أدّى لفتحة ألم في رأس أحمد ورضوض في جسد محمد، والخضوع للاعتقال مع 11 مثقفاً و39 مثقفة لأيام بعد الخروج في تظاهرة للمثقفين قبل نحو أسبوع. ولم يتوقعا أيضاً تقديم عرضهما الأخير، “الثورة غداً تؤجّل إلى البارحة”، في الزنزانة، امام المعتقلين والسجانين، علماً أنهما يمثلان شخصيتي العرض، حيث جسّد محمد شخصية المتظاهر المطالب بالحرية، وأحمد دور رجل الأمن أو الضابط.
يقول أحمد: “كانت مهمّة إقناع السجانين بعرض العمل داخل السجن صعبة، لكننا فعلناها على رغم إيقاف السجانين له مرات عدة بسبب عبارات تحمل اسم الرئيس السوري بشار الأسد”.
لم تُعجب المسرحية أحد السجانين فغادر الغرفة بعدما قال: “هذا كلام فاضي”، لكنها أعجبت سجانين آخرين، فضلاً عن السجناء الذين ضحكوا وصفقوا من دون صوت خوفاً من إغضاب السجانين الذين قد يوقفون العرض ويتعاملون بالكرابيج مع المعتقلين.
العرض الذي قدمه التوأم ملص مرتين داخل فرع الأمن؛ أمام الرجال المعتقلين مرّة وأمام النساء مرةً ثانية، حاول طرح وجهة نظرهما المحايدة تقريباً من الاحداث الأخيرة في سوريا، التي تقول إن لكل طرف أخطاءه. يبرران سبب الحياد بشهادات الخيانة المجانية التي توزع اليوم على كل من يحاول أن ينتقد، حيث “يجعلنا المدح متملقين في نظر البعض، والانتقاد يجعلنا خائنين. من هنا بدأنا البحث عن عرض يتضمّن الحقيقة فقط؛ الحقيقة العامة لا الخاصة” بحسب تعبيرهما.
وجّه العمل انتقادات لاذعة لأعضاء مجلس الشعب السوري، وشبّههم بالدمى، كما تطرّق الى خطابي الرئيس السوري والى دور موقع الـ”فايس بوك” الذي يعتبر إحدى أدوات الثورة في المنطقة، والمتنفس الأكثر أهمية للشباب السوري. سخر التوأم ملص بشدة من فكرة وجود “مندسين” من الخارج يحاولون تخريب البلاد، كما تقول الروايات الحكومية، إذ لا يعقل أن يكون نصف الشعب السوري مندساً، حين ينزل إلى الشوارع للمطالبة بالحرية: “هذه رواية مرفوضة تماماً وإن كانت صحيحة فهذا دليل على أن حكومتنا ضعيفة جداً أمنياً، وهذا الشيء الذي لا يمكن تصديقه البتة”. سخر العرض أيضاً من الإعلام السوري الذي فقد صدقيته، لأنه تجاهل آراء المواطنين الحقيقية، ولأن قنواته تحولت منابر لا تقنع حتى الأطفال.
اضطر التوأم ملص إلى تقليص مدّة العرض، وتقديمه بأدوات بسيطة اقتصرت على البطانية التي يحصل عليها كل سجين فقط. الديكور كان موفقاً، لأنهما في مكان العرض الأول، أي في غرفتهما، حاولا تقليد الزنزانة، لكن العرض الأخير كان في زنزانة، والموسيقى حقيقية هي أصوات التعذيب والكرابيج.
اضطر أحمد الى نزع الضمادات التي وضعت فوق جرح رأسه إثر تعرضه للضرب بالهراوة أثناء مشاركته في التظاهرة، لأنها لا تتوافق مع هيبة رجل الأمن الذي يمثل دوره، ووضعها على رأس شريكه الذي يلعب دور المتظاهر.
يقول محمد عن تأثير تجربة السجن على عملهما هذا وأعمالهما المقبلة: “كنا على خطأ في ما يخص الحياد، لأن التعامل الامني في سوريا هو سبب لكل المشكلات، وسبب للموت والدماء. فنحن في أول تظاهرة شاركنا فيها كنا سلميين، لكن تم التعامل معنا بلغة الهراوات التي لا يفهم الأمن غيرها”. في حين يؤكد أحمد أن “الثورة في سوريا لن تتحول إلى حرب أهلية، وستبقى سلمية لأن الشعب السوري مصر على نيل حقه في الحرية والكرامة، والطريقة التي يتم التعامل فيها مع المتظاهرين غير إنسانية”، مضيفاً: “نحن الأقوى في كل شيء، لأننا نحب الوطن أكثر، ونفكر بحرية وسلمية”.
يؤكد الأخوان ملص رغبتهما في النزول مرات جديدة إلى الشارع للتعبير عن موقفهما بشكل سلمي.
يُعد هذا العرض العبثي البسيط بأدواته وإمكاناته؛ أول العروض السورية عن الثورة، وأول عرض سوري يقدم داخل فرع للأمن. ويمكن القول إنه يندرج ضمن سياق تاريخ طويل من التمرد الذي قدمه المسرح السوري، منذ عروض رائده أبي خليل القباني، وسعد الله ونوس، وغيرهما.
يقول أحمد إن “مسارح دمشق لم تتسع في السابق لعمل “الثورة غداً تؤجل إلى البارحة”، فعرضناه في غرفة نومنا الخاصة التي لا تتجاوز مساحتها المترين المربعين، ولم يتسع قلب النظام السوري لأقلام نرفعها للتضامن مع السوريين المعتقلين فصرنا مثلهم؛ معتقلين ونحمل جروحا وإهانات كبيرة وشتائم لن ننساها أبداً”. ويؤكد الأخوان ملص أن “رجال الأمن ليسوا إنسانيين أبداً لسماحهم لنا بعرض عملنا داخل السجن، هم كانوا يبحثون عن التسلية لا أكثر، وهم وحشيون في التعامل وغير أخلاقيين أيضاً”.
يحضّر التوأم ملص لعملين سيعرضان على موقع الـ”يوتيوب” في شهر رمضان: “أبو هاملت ونجم في ظل الثورة”، و”خطيب مُن دس”.
دمشق- عامر مطر
النهار