صفحات العالم

الثورة والثورة المضادة/ حسام عيتاني

 

تحمل الأحداث في ليبيا ومصر وسوريا على التأمل في مصائر الثورات العربية والثورات المضادة لها والعثور على تعريف جديد للأوضاع التي وصلت إليها الصراعات في هذه البلدان.

يمكن، أولاً، مساءلة مفهوم “الثورة” ومطابقته ما اصطلح على تسميته ثورات الربيع العربي. ليس السجال هنا بجديد، ذاك أنه رافق الثورات منذ أيامها الأولى، حيث ظهر من يعترض على استخدام هذه الكلمة، معتبراً أن الثورة ينبغي أن تصل إلى تغيير عميق للنظام السياسي والاجتماعي في البلد الثائر. في حين أن أكثرية الثورات العربية لم تصل إلى هذه الجذرية. يضع البعض سوريا وليبيا في خانة الثورة التي أطاحت أو في طريقها أن تطيح النظام القديم برموزه وشخصياته وآليات حكمه، فيما يضع مصر وتونس واليمن في خانة الثورة التي هادنت البنى العميقة للدولة السابقة.

فلنقل، على سبيل حصر النقاش، أن “الربيع العربي” شمل ثورات وانتفاضات تحمل كل منها سمات مختلفة وخاصة بالدولة المعنية. ويرغب عدد من الكتاب اعتبار أن الثورات التي تستحق هذه التسمية وقعت في البلدان التي كان بناء الدولة فيها معاقاً لأسباب تاريخية عدة (سوريا وليبيا واليمن) في حين أن الانتفاضات حصلت في البلدين اللذين للدولة فيهما وجود أمتن وأرسخ قدماً (مصر وتونس)، مع ملاحظة توقف الثورة اليمنية قبل تقدمها إلى مرحلة التغيير الجذري، نظراً للبنية الاجتماعية المعقدة ودور القبائل والمحيط في منع انفجار الموقف.

ونشهد هذه الأيام ظهور قوى، تقول إنها آتية من رحم الثورات لتصحيح مساراتها أو منع انهيارها أو دفع البرامج التي حملتها الثورات في مراحلها الأولى إلى الأمام. بيد أن القوى هذه قابلة للقسمة إلى مجموعات تناهض الثورة مناهضة صريحة وعنيفة، على غرار ما يفعل تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام- داعش” في سوريا، وأخرى تعيق تقدمها مثل الجماعات المسلحة المتطرفة في ليبيا، فيما تعلن جهات مثل “حركة النهضة” التونسية حرصها على الثورة واستعدادها للتنازل من أجل فوزها وذلك بعد سقوط حكم “الإخوان المسلمين”، الشركاء الايديولوجيين “للنهضة”، في مصر.

والحال أن الثورة المضادة عنصر كامن في كل الثورات مثلها مثل الحرب الأهلية. ورغم اعتراض عدد من الكتاب السوريين، على سبيل المثال، على وصف ما يجري في بلدهم بالحرب الأهلية، إلا أن ذلك لا يلغي أن هذه امكان واقعي في كل الثورات ولا ينتقص من قيمتها مثلما يتوهم هؤلاء، بل يحدد الأطر التي بلغ فيها الصراع الذي فجرته الثورة. في المقابل، غالباً ما تحرك الثورات نوازع معاكسة لبرنامجها المعلن عند فئات اجتماعية أو سياسية متضررة، ترى نفسها ملزمة بالوقوف ضد الثورة، سراً وعلناً بل المزايدة عليها في الشعارات والممارسات أحياناً وادعاء الحرص على انتصارها.

نجد الفئات هذه مجتمعة في ليبيا وسوريا حيث تكثر قوى الثورة المضادة داخل صفوف الثورة. ولا نبتعد عن الواقع عند ادراج “داعش” و”جبهة النصرة” وعدد من الكتائب الإسلامية المتشددة في صفوف الثورة المضادة في سوريا. فالجماعات هذه تتبنى موقفاً مناهضاً للشعارات والبرامج التي نهضت عليها الثورة السورية وتطرح رؤية ماضوية وظلامية للحكم في البلاد. ويجوز تلخيص رؤيتها وبرنامجها باستبدال حكم طائفي استبدادي بآخر، ما من شيء يضمن عدم وقوعه في ذات المآزق التي وصل اليها نظام آل الأسد المتداعي.

وتصنيف هذه الجماعات في خانة الثورة المضادة يقوم في الأصل على غيابها التام عن المشهد السابق على الثورة. أما القول انها كانت مسؤولة عن عدد من التفجيرات في سوريا قبل 2011 ووجود قادتها الحاليين حينذاك في سجون بشار الأسد فيمكن الرد عليه ان ذلك كله كان يتعلق بدور هذه الجماعات في القتال في العراق. هذا القتال الذي كان يرعاه الحكم البعثي ويشجع عليه وكان يستغل المشاركين فيه كأوراق يظهرها أو يخفيها عند الحاجة، على غرار ما فعل بتنظيم “فتح الإسلام” في لبنان عام 2007. وبعد اندلاع الثورة في مارس (آذار) 2011، كان افراج النظام عن هؤلاء بمثابة الاشارة لهم بالشروع في تنفيذ برنامجهم الذي يلتقي موضوعيا مع مصلحة النظام في القضاء على الثورة، انما من الداخل. هي ثورة مضادة تامة الجوانب والتعريف.

فمقابل إنهاء الطغيان وقمع الحريات الفردية والعامة والاعتراف بالحق في التعبير عن الرأي وبناء دولة المواطن والقانون، ها هي هذه الجماعات تمارس ذات الممارسات التي تخصص بها نظام الأسد الأب والابن وتفرض على السوريين ما لا يطاق من قيود وحدود بذريعة تطبيق الشريعة الإسلامية. الكتائب المسلحة المرتبطة بتنظيم “القاعدة” في ليبيا تتشارك في هذا التوصيف. لكن يبقى على المراقب التمييز بين الثورة وبرنامجها والثورة المضادة لها.

موقع 24

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى