الثورة ومسألة الأكراد في سوريا
عمّار ديّوب
ليس هناك أسوأ من معارضات الأمس في فهم الثورة السورية المتصاعدة، فقد حصرت أسباب اندلاعها بفهم سياسويّ ضيقٍ، على أنّها «ثورة حرية وكرامة»، مُعرضة عن الأسباب الحقيقية لها، والمتعلقة حصراً بالسياسات الاقتصادية الليبرالية أولاً، وثانياً بطبيعة النظام الاستبدادية، وثالثاً بطريقة إدارة الصراع عبر القتل والقمع الشديد، وتجاهل حقوق الناس. الثورة، بدأها واستمر بها وطوّر بعض أشكالها وتخلف عن تطوير بعضها الآخر شباب سوريّون من مختلف القوميات والأديان والقوى السياسية؛ المفقرون والمهمّشون، والواعون لضرورة التغيير السياسي، وفي ومن مختلف المدن.
ما أراد أن يصل إليه الشباب هو إسقاط النظام بأكمله، وإسقاط كلّ معارضة لم تفهم أسباب التغيير بعد؛ فهم ليسوا معنيين بهيئة تنسيقٍ تستجدي الحوار في وقتٍ لا يعترف فيه النظام بثورة شعبية مندلعة في طول البلاد وعرضها، ولا بمجلسٍ وطنيّ مهمته المركزية إجراء اتصالات دولية، تبدأ بمخططات عن حماية مدنية ثم الحظر الجوي فالتدخل العسكري الخارجي، ولا ببحثِ القوى الكردية المملّ عن «هل الأكراد أقلية قومية ككل الأقليات، أم قومية ثانية في سوريا؟»، و«هل للأكراد الحق في تقرير مصيرهم بأنفسهم؟»، و«هل هم مكوّن رئيسي أم لا؟». تركيز الثائرين على المجلس ورفض الهيئة مثلاً، ليس متعلقاً بأهمية أي منهما، بل بضرورة الخلاص من القتل والقمع. هنا قضيّتهم … أي نجاح الثورة، وليس مناصرة المجلس مثلاً.
الشباب الكردي رفض المنطق ذاته وفق أطروحات القوى السياسية الكردية وتمييز نفسه بالضد مما تطرحه قوى عربية سورية. فقد انخرط في ثورة الشباب السوري العامة، واعياً أنّ الثورة، مهما كان شكل نظامها السياسي القادم، لن تخذل الأكراد وحقوقهم. المسألة هنا: هل سينال الأكراد حقوقهم ككلّ السوريين أم لا؟ هل سينالون حقوقهم الثقافية والتعليمية، أم لا؟
الشباب الكردي السوري جزء من ثورة سورية تذهب نحو مفهوم المواطنة، وتساوي بين المواطنين قانونياً، وتضمن حقوق الأقلية القومية لهم. هنا مربط الفرس. إنّ طرح قضايا من قبيل «الأكراد قومية ثانية»، يدفع العرب ليطرحوا أنفسهم قومية أولى، وجزء من وطن عربيّ. هنا، يجب أن نفهم عمق التخبط في هذه القضية. فمن سيتكلم من زاوية قومية سيعطي الآخرين كل الأسباب للتكلم من الزاوية نفسها. ولو كانت تلك الأحزاب الكردية فعلاً متّسقة مع الواقع الجديد لانتبهت إلى أنّ طرحها عانى وسيعاني من مشكلات غير محسومة سلفاً وتتعلق: بالأرض التي يوجد عليها الأكراد، وبالمناطق التي يتوزعون عليها، وبتقاطع المسافات بين الأماكن، وبقضية تاريخية غير محسومة لها علاقة بالمكان الجغرافي لوجود الأكراد والسريان والعرب. إذاً، هناك ممكن فعليّ، التقطه الشباب الكردي والعربي وغيرهم، وهو أنّه يثور من أجل بناء دولة مدنية حديثة يتمثل فيها كل أفراد الشعب السوري، بغض النظر عن تمايزاته القومية، وسيكون للجميع حقوقهم التي لا تتعارض مع مفهوم المواطنة، ولا تذهب نحو تمييز قوميّ حزبيّ ضيّق جديد.
بعض القضايا الواردة في البيان الختامي للمؤتمر الوطني الكردي (الواسع)، قبل عدّة أسابيع، تجعل الشباب الكردي غير معنيّين به. فمفهومهم الضيق للثورة السورية يؤكد أنّ هدفها «تغيير النظام الاستبدادي الشمولي»، بينما يصرّ الشباب على إسقاط النظام، وبناء نظام سياسي ديموقراطي يستند إلى الشعب، وإقرار بالحقوق العامة للمواطنين، وتغيير اقتصادي في طريقة التحكّم بالثروة وتوزيعها. وهذا الموضوع لم يتم التطرق إليه مطلقاً في تلك البنود. الشيء ذاته فعلته التيارات السياسية السورية (الهيئة والمجلس).
ظهر ضمن بنود البيان، والمتعلق بالموضوع الكردي: «أكد المؤتمر … على تأمين الحقوق القومية للسريان كلدو آشور والأقليات الأخرى»، وكأن الأكراد هم من سيضمن لهم تلك الحقوق! ألا يحمل هذا النص دلالات عنصرية، وعقلية تضمر تشكيل دولة كردية تحفظ لتلك الأقليات حقوقهم. والسؤل: هل فعلاً يحق لأكراد المؤتمر انتقاد العنصرية العربية حين تقول بقومية أساسية واحدة في سوريا! رأينا هنا أنّ الأكراد والسريان والعرب وغيرهم هم جزء من الشعب السوري، ومن يحفظ تلك الحقوق هي الدولة المدنية العلمانية. ولو افترضنا مستقبلاً وجود محافظ كردي في مدينة القامشلي أو غيرها، فلن يحكم لأنه كرديّ بل لأنه مواطن وممثل للدولة السورية، بكامل مؤسساتها.
في البند المتعلق بالحوار مع السلطة، يصرّ «المؤتمر الوطني الكردي» على تكرار مقولة قديمة جداً، وهي من مرحلة ما قبل الثورة، وتتناقض مع الشعار المركزي «إسقاط النظام»، وهو العمل ـــــ وحتى المشاركة بالثورة ـــــ من خلال فكرة الحوار كمدخل لحل الأزمة.
بعض الكتاب الأكراد، وبيانات بعض الأحزاب الكردية تشير إلى ضرورة أن يتضمن الدستور المقبل ضمانات تصرّ بأنّ الأكراد قومية ثانية، وليسوا ككل الأقليات القومية الأخرى؛ هذا الفهم قومي تعصبيّ نظراً إلى التباين العددي والوجود التاريخي بين العرب وبقية القوميات، فهو ينسف إمكانية بناء تحالفات جادة في اللحظة الراهنة بين القوى السياسية، من أجل توحيد العمل السياسي ضد النظام، وبالتالي الابتعاد عن العمل الجاد من أجل تطوير الثورة.
ليس هناك شروط في الثورة، بل اختلاف في السياسات، وهذا حق. هناك فرصة كبيرة، لتغيير عميق في سوريا، فهل خرج المعارضون من عرب وأكراد وبقية القوميات عن تعصبهم وضيق رؤاهم، ودخلوا فعلاً محراب العمل الثوري، بعيداً عن انتظار التدخلات الخارجية والإقليمية، وفقط عبر الثورة. بما هي ثورة شعبية عارمة؟
الأخبار