صفحات العالم

الجامعة العربية والثورة السورية


غازي دحمان

ماذا يعني تأكيد الأمين العام للجامعة العربية، نبيل العربي، أن مهمة المراقبين العرب في سورية مستمرة رغم كل الأخطاء والخطايا التي ارتكبتها هذه البعثة في أدائها التقني؟، وفي ظل إصرار النظام السوري على الاستمرار في ثوابته تجاه الثورة: استمرار القتل، واجتياح المدن والأرياف، والمزيد من الاعتقالات !.، وماذا يعني أن تطلب اللجنة الوزارية العربية،عبر بيانها التقييمي الأول، من النظام و( الجماعات الأخرى) وقف العنف. ربما ليس لذلك سوى معنى واحد هو أن الجامعة العربية تمخضت (من سفاحها مع النظام) فولدت مصيبة.

من نافلة القول أن الجامعة العربية هيأت كل الفرص للنظام السوري كي يتشاطر عليها. أكثر من شهرين وهي تقف على أعتابه بشكل مذل تستجديه الموافقة على مبادرتها، ثم سوفت ودلست على مبادرتها ذاتها، وقبلت أن يعيد النظام السوري تفصيل أجزاء من المبادرة لتتناسب وقياسه، ورضيت بحرف مهمة بعثتها من مراقبة لتنفيذ النظام التزاماته المنصوص عليها في البروتوكول إلى مهمة تقصي للحقائق مستحيلة التحقق في ظل إمكانيات البعثة التقنية والظروف التي تعمل بها.

والحاصل أن الجامعة منحت النظام الفرصة لتهيئة مسرح عمليات البعثة بحيث يشكله بالطريقة التي تناسبه، وأعطته الوقت الكافي لينتهي من طلاء دباباته ويجهز لها مرابض في الشوارع الخلفية للمدن، ويلبس جنوده وشبيحته زي قوات حفظ النظام حيث ظهروا كمن يرتدي ملابس للسهرة، إضافة إلى الوقت الكافي ليقوم النظام بتدريب كوادر عديدة لمقابلة بعثة المراقبين، بعضهم على هيئة مؤيدين للنظام يشكون من عنف (الجماعات المسلحة)، وبعضهم على هيئة معارضين مشكلتهم مع الحكومة (وليست مع النظام) مزدوجة، إذ هي من جهة لا تؤمن مادة المازوت لهم ومن جهة أخرى لا تؤمن لهم الحماية من بطش (المجموعات المسلحة) التي تنتشر في طول البلاد وعرضها.

وزيادة على ذلك منحت، الجامعة العربية للنظام في سوريا، ميزة رسم خريطة تحركات بعثة المراقبين، بحيث يسمح لهم بدخول مناطق معينة ويمتنع عن الموافقة على دخول مناطق أخرى بحجة عدم قدرته على حمايتهم فيها باعتبارها مناطق خطرة.

لقد بات واضحاً أن مهمة النظام العربي، ممثلاً بالجامعة العربية، في سوريا تنطوي على مقاصد كثيرة، يأتي حل الأزمة على هامشها، حيث يظهر أن النظام العربي يستغل عذابات السوريين لينظف نفسه مما يعتبره خطأً كارثياً ارتكبه في معالجته للأزمة الليبية، ويعمل من جهة أخرى على إدارة صراعات أطرافه الناشبة في ظل مرحلة الربيع العربي ودخول أطياف جديدة إلى نادي الحكام العرب، أكثر من إدارته للأزمة السورية ذاتها، وذلك في ظل قناعة عدد كبير من الأنظمة العربية، التي بدأت تستعيد توازنها وقواها من صدمة الربيع العربي الأولى، بضرورة أن تكون الثورة السورية آخر عنقود الثورات العربية، بحيث يتعقد مسارها كما يصعب ضبط مآلاتها، وإن نجحت بعد ذلك فلا بأس ان تكون بثمن مرتفع تتحول معها رومانسية الربيع العربي إلى دراما شتوية مرعبة وقاسية، والهدف هو أن تتعظ الشعوب العربية وتقبل أقدارها برضاء وتأخذ من مأساة السوريين العبر.

إلى ذلك الحين، يتيح هذا المشهد الغارق بدماء السوريين، فرصة للجامعة العربية لأن تدرب طواقمها على إدارة الأزمات في سوق اللحم السوري، فثمة فائض من السوريين الذين لا لزوم لهم، وفرصة لهذه الطواقم ” الحكومية ” لأن تتسوق و”تعمل” سياحة، وتأخذ الصور التذكارية بجانب ما تبقى من تماثيل الأب الخالد والإبن القائد، ولا ضير أن تتمزق حناجر السوريين بأغنيتهم الحزينة (يا الله مإلنا غيرك)، بعد أن تمزقت أجسادهم بفعل جبروت آلة عسكرية لا ترحم وتثخن وجدانهم من هول المأساة والإحساس باليُتم.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى