الجامعة سيف النظام السوري!
عبد الرحمن الراشد
خلال الأشهر الأربعة تكسرت آمال كثيرين في أن تكون الجامعة العربية هي بوابة حسم للأزمة السورية. لقد لعبت الجامعة العربية دورا سيئا، عن علم أو عن جهل، فعطلت المبادرات الدولية الفردية، وأقصت عن عمد تركيا، وأطالت إدارة الأزمة لأشهر، وأخيرا زودت نظام الأسد بتقرير براءة يلقي اللوم على القتلى وأهاليهم، تحت اسم المراقبين العرب.. كيف؟ ولماذا؟
حيرتنا مواقف الجامعة المتناقضة، كاشفة عن صراع معسكرين، مع وضد، في المسألة السورية. في البداية كان موقف الجامعة متفاعلا، حيث أظهرت استعدادها لاتخاذ أقصى عقوبة ضد النظام بعد ثمانية أشهر من الأزمة من قتل مستمر استهدف المدنيين ضمن سياسة الترهيب لوقف الاحتجاجات. الطرد هو أقصى عقوبة يمكن للجامعة أن تعاقب بها أي نظام عضو فيها. قرر مجلس وزراء الخارجية العرب في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) تعليق عضوية سوريا في الجامعة إن لم يتوقف النظام السوري عن القمع خلال أربعة أسابيع، 18 دولة أيدت التعليق ودولتان فقط عارضتا. رد عليها بشتائم ساخرا بأنها أصبحت ألعوبة في يد الغرب.
لم يكن في أروقة الجامعة سوى بضعة سفراء قالوا بدعم الأسد، مثل اليمن والجزائر والسودان، في مشهد نادر ضد نظام عربي كبير. لاحقا انتقل القمع السوري للجامعة علنيا.. تحدث سفير الأسد على الإعلام بكلام بذيء ضد الجامعة والدول المضادة. وقيل حينها إنه طلب من دمشق تغيير سفيرها بسبب إساءاته لكن الأسد تحداهم وأبقى عليه.
تساءلنا: إذا كانت قيادة الجامعة عاجزة حتى عن طرد سفير وقح، فكيف تقدر على نظام شرس؟ لم يطرد السفير ولم تعلق عضوية سوريا. ثم تبين لاحقا أن الأسديين تمكنوا من اختراق الجامعة حيث تراخت مواقفها، ولغتها، وأفكارها. وذات مرة تجرأ أحد كبار موظفي الجامعة العربية واتصل بقناة «العربية» مستنكرا وصارخا على الهاتف: «هل تريدون أن تجعلوا سوريا ليبيا أخرى؟!»، كان ذلك حديثا خارج البث. هكذا يفكر موظفو الجامعة وبينهم محسوبون على دمشق!
والطامة الكبرى ميل الأمين العام الجديد لدمشق! هل هذا حقا موقف نبيل العربي أم موقف السلطة المصرية، تاريخيا صاحبة اليد الطولى في مواقف الأمين العام؟ ولماذا مصر الثورة تقف مع أبشع الأنظمة العربية، وأكثرها وحشية في أيام ملطخة بالدم؟ الحقيقة لم نجد دليلا يؤكد ذلك. ثم حامت الشكوك حول مصاهراته، خاصة أنه موقف مقارب لموقف المفكر المعروف محمد حسنين هيكل، بأن ما حدث في ليبيا، ويحدث في سوريا، جزء من مؤامرة غربية، بما يعني ذلك من تحقير لشعبين عاشا ظلما تحت نظامين لا مثيل لهما في العالم العربي. لكن من الصعب أن نجزم بالموقف الفكري الشخصي، فهو محكوم بوظيفته المقيدة. وفي تصوري لا يعقل، حتى لو كان مؤمنا بفكرة المؤامرة السخيفة هذه، أن يتخذ موقفا سيسجل تاريخيا ضده لصالح نظام آيل للسقوط. لا يهمنا رأيه، أقواله وأفعاله أثارت الشارع العربي حزنا وغضبا.
فجأة ولدت فكرة غبية جدا.. إرسال مراقبين لمعرفة ما يحدث هناك، بما تعنيه من تشكيك. والأسوأ كلف بقيادتهم جنرال مخابرات ينتمي إلى نظام البشير السوداني، المتحالف مع الأسد أصلا. ولولا أن الموقف القطري، الذي يشغل منصب رئاسة المجلس الوزاري للجامعة والمتعهد بإدارة الأزمة السورية، منحاز مع انتفاضة الشعب السوري لقيل «وراء الأكمة ما وراءها». استخفافا بالجامعة زاد النظام السوري من قمعه ووحشيته، وازداد عدد القتلى. وبدل أن تكون الجامعة العربية فرس الرهان لإنقاذ الشعب السوري صارت الجامعة العربية حصان طروادة للأسد. استخدمها لتعطيل المبادرات الأوروبية، وتقسيم العالم بانقسام العرب. ثم اتضحت مهزلة المراقبين بتقرير كتبه ضابط المخابرات السوداني، فيه يزعم أن الجرائم من الطرفين، من الأهالي الضحايا والنظام! وهو التقرير الذي اتكأ عليه الروس في مجلس الأمن لاستخدام حق النقض، الذي أعاد الابتسامة إلى وجه الأسد وصدم ملايين العرب في كل مكان. كانت النتيجة متوقعة سلفا منذ أن طرحت فكرة المراقبين.
ولو لم تفعل الجامعة شيئا لكانت النتيجة أفضل، لأن المجتمع الدولي عادة يتبنى مواقف فردية، إلا أن وجود رابطة إقليمية، أي الجامعة العربية في حالتنا، اضطر الجميع إلى السير وراءها. لقد تم استخدام الجامعة لمنع التحرك الأوروبي، واستخدمت للتآمر على تركيا في اجتماع الرباط وأقصيت تحت عنوان «الحل العربي»، المعني به إبعاد الأتراك. الأتراك غضبوا وقالوا صراحة «سنترك لكم الأمر تتدبروه»، وهم عارفون أنه لا توجد دولة قادرة على التصدي للنظام السوري سوى تركيا.
الشرق الأوسط