صفحات المستقبلمالك ونوس

“الجرف الصامد” وحصاد العاصفة المتواصل/ مالك ونوس

 

 

ها قد توقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وأخذت، مع توقفه، تتوالى الخيبات في الوقوع على رأس القادة الإسرائيليين، مدنيين وعسكريين. فكما عدوان عملية “عمود السحاب” سنة 2012 الذي فشل بالتخلص من القدرة العسكرية للمقاومة الفلسطينية في القطاع، وجلب معه تداعيات لم تنتهِ فصولها فترة طويلة داخل الكيان الصهيوني وخارجه، كذلك يمكن أن يفعل فشل عدوان عملية “الجرف الصامد” الأخير، ويجر معه خيبات أخرى، سيحملها الزمن.

فعلاوة على ما أحدثه دخول الصواريخ الفلسطينية، بعيدة المدى في العدوان السابق، خصوصاً فجر 5، في المعركة، وخلقها للمرة الأولى توازن الرعب في فلسطين، ودخول صواريخ حديثة، في أثناء العدوان الأخير، وخصوصاً منها صاروخ جديد ذو قدرة تدميرية عالية من عيار 345 ميليمتراً، كانت أولى التداعيات هي السخط المنقطع النظير لشعوب العالم، وبعض حكوماته، على الكيان الصهيوني ورئيس وزرائه، بنيامين نتنياهو، الذي أمر بشن الحربين.

كذلك تكريس تغيير المجتمع الدولي نظرته للشعب الفلسطيني وقضيته، وهو تغيير تبدّى، أول ما تبدّى، بعد عدوان “عمود السحاب”، بموافقة معظم دول العالم، بما فيها الدول الأوروبية، على قبول فلسطين عضواً مراقباً في الأمم المتحدة، الأمر الذي يمكن أن ينسحب، هذه المرة، ويفتح آفاقاً أمام الدبلوماسية الفلسطينية، للبحث عن نجاحات دولية جديدة، ليس أقلها الموافقة على ضم فلسطين إلى “المحكمة الجنائية الدولية”.

ويلاحظ المراقب، في تداعي الأحداث والمواقف، بعد عدوان “عمود السحاب” سنة 2012، أن سُبحةً من الوقائع قد كرّت، كان أهمها قبول فلسطين عضواً مراقباً في الأمم المتحدة، وكانت أولى الضربات الحقيقية التي تتلقاها إسرائيل من الطرف الفلسطيني. فإن هذه الوقائع يمكن ألا تتوقف، ويمكن أن تؤدي إلى إيجاد واقع دولي جديد، تكون فيه إسرائيل طرفاً خاسراً، يعزز خسارتها دخول الشعب الفلسطيني مرحلة تحقيق حقوقه التي طالما تغاضى العالم عنها.

وإذا اعتبرنا عدم تحقيق القوات الإسرائيلية أهدافها من الحرب الأخيرة على غزة، فإننا نرى أن ميزة امتلاك الشعب الفلسطيني عنصر القوة، مهما كان حجم هذا العنصر، يعتبر عاملاً مساعداً لضمان الحقوق في الميزان الدولي الذي يرجح عندما يتعلق الأمر بمعادلة القوة.

ومن جهة أخرى، يمكن أن يعيد التاريخ نفسه في هذا العدوان. فقد خرج وزير الإسكان والبناء الإسرائيلي، قبل أيام، بخطة لتعزيز مستوطنات غلاف غزة، وهي خطة يمكن أن تحمل، في طياتها، نية زيادة الاستيطان في تلك المنطقة.

وهو ما يذكّر بخطط حكومة الاحتلال الإسرائيلي الشروع في بناء ثلاثة أهداف وحدة سكنية في مستوطناتها في الضفة الغربية مباشرة، بعد توقف عدوان “عمود السحاب”. الأمر الذي استجلب، يومها، إدانة سريعة من المسؤولين الأوروبيين الكبار وغيرهم، وأدى إلى استدعاء السفراء الإسرائيليين في عدد من الدول، أهمها بريطانيا وفرنسا والسويد وأستراليا، لتبليغهم احتجاج حكومات هذه الدول على تلك الخطط، وتلويحها بفرض عقوبات على الكيان الصهيوني، ما لم يوقف سياسة الاستيطان.

وهي خطط ظهرت عندها وكأنها رد فعل على الإجماع الدولي على ضم فلسطين إلى الأمم المتحدة. وكانت كل تلك المعطيات قد شجعت السلطة الفلسطينية على اتخاذ قرار بالتوجه إلى الأمم المتحدة، لاستصدار قرار ملزم لإسرائيل بوقف الاستيطان.

ومن الخيبات التي حصدتها إسرائيل بعد عدوان “عمود السحاب”، كان موافقة الأمم المتحدة، في تلك الفترة، على إخضاع البرنامج النووي الإسرائيلي لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومطالبتها السلطات الإسرائيلية بفتح مفاعلاتها أمام مراقبي الوكالة. وهو مطلبٌ لطالما دعت إليه منظمات دولية غير حكومية، كانت قد دعت، أيضاً، إلى إجبار الكيان الصهيوني على الانضمام إلى معاهدة الحد من الانتشار النووي.

الأمر الذي يمكن أن يتكرس، حالياً، إذا ما أعيد فتح هذا الملف، بعد توقف عدوان “الجرف الصامد” الذي أوجد حالة جديدة لدى المسؤولين الأوروبيين قد تجعلهم يولوا آذاناً صاغية للمطالب الفلسطينية.

بالطبع، لا يمكننا فصل المواقف الدولية تلك عن مواقف الشعوب الغربية وشعوب العالم وتحركاتها، التي أخذت، منذ فترة طويلة، تنظر إلى القضية الفلسطينية نظرةً تختلف عن نظرة حكوماتها. وهي مواقف يمكننا أن ننسبها إلى جهود المنظمات المستقلة، والتحركات الشعبية التي كانت تدعو، وما زالت، إلى مقاطعة الكيان الصهيوني ومنتجاته وجامعاته، عبر أشكال كثيرة من التحرك والاحتجاج والمظاهرات.

وكانت تطالب حكوماتها باتخاذ مواقف واضحة من هذا الكيان، رداً على احتلاله الأراضي الفلسطينية وسياسة الأبارتهايد التي ينتهجها في الضفة الغربية، وحصاره قطاع غزة وعدوانه المستمر على الشعب الفلسطيني.

من هنا، يمكننا القول إن الوقائع الجديدة الذي فرضت بعد عدوان “عمود السحاب” على غزة سنة 2012، في العلاقة بين إسرائيل والدول الأوروبية وغيرها من الدول، والتحولات في الموقف العربي واتجاهات المصالحة الفلسطينية (شكلت بحد ذاتها يومذاك ضربة لإسرائيل)، وعنصر القوة الذي امتلكته الفصائل الفلسطينية المقاومة، إضافة إلى النقطة الأهم، المتمثلة بارتقاء فلسطين إلى مرتبة عضو مراقب في الأمم المتحدة يومها، يمكن أن تتكرس كلها، حالياً، لتشكل خيبات ومصائب، ستضاف إلى نتائج فشل عدوان “الجرف الصامد”، لتواجه جميعها قادة الكيان الصهيوني في المستقبل القريب، تجعل من المهم استثمارها بتكريسها نجاحاتٍ، يمكن البناء عليها، لتحقيق الحلم الفلسطيني الأهم.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى