الجريح السوري
حازم الأمين
هل يمكن لإسعاف جريح ان يكون مادة ادانة سياسية؟ فقد “اتُهمت” عائلات عكارية وبقاعية باستقبال جرحى سوريين والمساعدة في علاجهم. فعلت ذلك صحافة قريبة من “حزب الله”، ناسبة معلوماتها الى مصادر أمنية رسمية! قالت أيضاً ان جهات قريبة من “14 آذار” طلبت من مدير مستشفى في البقاع تسهيل علاج جرحى سوريين، لكن مدير المستشفى رفض ذلك! قالت ذلك في سياق ادانة “14 آذار” وتمجيد “وطنية” مدير المستشفى. نقل الخبر أيضاً صحافي وردته هذه المعلومات، فلم يهله امتناع مستشفى عن استقبال جرحى، ولم يحثه ضميره المهني، لا بل ضميره كانسان، على التوجه الى ذلك المستشفى والتحقق من صحة هذا الارتكاب.
“مستشفى رفض استقبال جرحى”. ليست مهمة صحافي لبناني وصلته هذه المعلومات التوجه فوراً الى ذلك المستشفى وسؤاله عن صحة المعلومات الأمنية التي وردته، أليس هذا عاراً على الصحافة يجب ان نشعر به نحن معشر هذه المهنة.
وهذه الصحافة هي نفسها من تولت الحملة على المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي بسبب ما نُسب اليه في لجنة الأمن والدفاع اللبنانية من كلام عن تولي أمن السفارة السورية في بيروت خطف 4 مواطنين سوريين ونقلهم بسيارة السفارة الى جهة مجهولة. فكيف لريفي ان يتجرأ على فعل ذلك؟
هذه الصحافة لم تغلف ادانتها بقدر من التورية، بل فعلت ذلك بوضوح، غير مدركة أنها تدين الحق في لحظة، نادراً ما وُجد من ينحاز اليه، مثلما أدانت “14 آذار” في لحظة حق نادرة في ادائها.
والحال ان لبنان يعيش مرحلة فوضى في المعايير والأخلاق غير مسبوقة. فالإنحياز الى النظام في سورية يُعمي عقول كثيرين. يعمي عقولهم عن ضحية تنزف دماً، وعن مدني اختطف في وضح النهار، ويعمي عقولهم أيضاً عن حقيقة أنهم يقفون مع الجاني على نحو لا يقبل الشك. فهل من شيء أوضح من الدم في معادلة الجاني والضحية.
الصحافة التي من المفترض ان تكون أكثر حساسية حيال مشهد الدماء في سورية، هي اليوم منعدمة الحساسية بفعل الانقسام اللبناني. نعم انه الانقسام اللبناني ذلك الذي يعمي العيون عن مشهد الجريح السوري الهارب الى لبنان. الانقسام اللبناني الذي كان سبق ان أملى على نفس الصحافة تصوير نفسها مدافعة عن حقوق العمال السوريين في لبنان وعن ظلاماتهم في مرحلة سابقة كان فيها الجاني من “14 آذار”.