الجريمة تجتاح السويداء.. بلا عقاب/ سالم ناصيف
بلغت معدلات انتشار الجريمة المرتكبة في محافظة السويداء حداً كبيراً ينذر باندلاع فوضى عارمة، قد تشعل حرباً مفتوحة بين جماعات مسلحة تمتهن الإجرام، بينما يدفع المدنيون وحدهم أثمان عجز السلطة القضائية عن كبح إجرام تلك الجماعات، التي تشكّلت بغطاء أمني.
وخلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، تمكن فريق من الحقوقيين من توثيق أكثر من 1000 عملية سرقة لسيارات، بالإضافة إلى مئات حالات الخطف والسلب. إلا أن جرائم القتل المتكررة تبقى الأخطر، حيث بدأت تلك الجماعات ترتكب جرائم القتل بشكل علني، ولا تخجل من الإفصاح عن هويتها لتثبت أنها قوة لا يمكن إزاحتها عن ساحة الجماعات المتنفذة الموجودة في السويداء.
القضاء العاجز والأمن المتواطئ
يقول المحامي مهند بركة، وهو من أبناء السويداء، لـ”المدن، إن “معظم مرتكبي الجرائم باتوا معروفين لأهالي المحافظة. فهم بالعموم مجموعات من المراهقين وأصحاب السوابق، سبق أن أطلق سراحهم من السجون واستخدمتهم أفرع الأمن بداية الأحداث لفض التظاهرات السلمية والاحتجاجات التي قام بها بعض من شباب المحافظة المتعاطف مع الثورة”. وأشار بركة إلى وجود العشرات من الأحكام الصادرة بحق أولئك الأشخاص لدى السلطات القضائية، فضلاً عن وجود العشرات من الدعاوى القضائية التي لم يتم الفصل بها بعد. ولكن القضاء لا يملك سلطة التنفيذ التي من المفترض أن تتولاها أجهزة الأمن والشرطة. وبالتالي، تبقى تلك الأحكام القضائية من دون أي جدوى، ويصعب تحقيق العدالة المفترضة والضرورية لطمأنة الناس نتيجة تواطؤ القوى الأمنية، التي كانت عرابة وجود تلك الجماعات الإجرامية وهيأت لها المناخ المناسب لصعودها على الساحة بهذا الشكل المقلق.
الإجرام من الخفاء إلى العلن
حصلت مؤخراً في محافظة السويداء سلسلة من جرائم القتل، كان الرابط المشترك بينها جميعاً إعلان مرتكبيها عن هويتهم، وارتكابهم للجرائم أمام العامة، متسلحين بدعم السلطات الأمنية لهم. وكان قتل الشاب ريان أبوفخر، آخر تلك الحوادث، وهو طالب في كلية الهندسة يعمل كحارس لأحد المنتزهات العائلية في مدينة السويداء، وقد أقدمت مجموعة من الشبان على قتله على مرآى من العامة، بعدما منعهم من الدخول إلى المنتزه.
تلك الجريمة أثارت الرأي العام في المحافظة، وأطلق أصدقاء وأقارب أبوفخر دعوة مفتوحة لاعتصام بدأ في اليوم التالي من تشييع جثمان الشاب ريان، في 3 آب/اغسطس، وتجمع المئات منهم أمام مبنى المحافظة، وطالبوا بإعدام الجناة بشكل فوري. وبحسب ما ذكر رائد اسماعيل، الذي تواجد في ذلك اليوم، فإن لقاء جرى بين رجال ووجهاء من آل أبوفخر، مع محافظ السويداء عامر ابراهيم العشي، أطلق الأخير وعوداً تقضي باعدام الجناة خلال 24 ساعة. وتوالت الاعتصامات بعد انقضاء المهلة التي أعلنها المحافظ، ما أدى إلى اقتحام المعتصمين لمبنى المحافظة، وكان المحافظ وعدد من المسؤولين قد خرجوا من أحد الأبواب الخلفية، لتتدخل لاحقاً قوات الأمن والمليشيات المحلية بفض التجمعات.
وبالتزامن من جريمة قتل الشاب ريان أبوفخر، كانت ملابسات اختفاء شابين من آل الأطرش وأبو حصاص تتضح، حيث وجد الأول مقتولاً في مدينة شهبا ورميت جثته من قبل خاطفيه في خزان مياة في إحدى الأراضي الزراعية، بينما وجد الثاني مقتولاً في بلدة سليم. وسبق أن تم اختطاف القتيلين على مرآى من العامة، من قبل مجموعات من العملاء الأمنيين.
المحاسبة للقاتل أم لصانعه؟
وفي ما يبدو أنها من المرات القليلة التي يلتقي فيها الموالون والمعارضون في السويداء على قضية واحدة، إلا أن خلافاً جوهرياً بينهما يقوم على مبدأ أولوية المحاسبة. ففي الوقت الذي ينادي به الموالون بضرورة محاسبة المجرمين بإنزال أقسى القصاص بهم، يعتبر المعارضون أن المحرضين على الإجرام وصناعة مرتكبيه، هم من قاموا بتنظيم الشبان وتسليحهم لجعلهم قوة محلية ضاربة يستخدمها الأمن حين يرغب.
يشير أبوأحمد، وهو أحد النشطاء، إلى ضرورة عدم الوقوع في فخ أن يكون “عراب الإجرام” هو “القاضي والحكم”، فمن شأن قيام النظام بمحاسبة قتلة الشاب أبوفخر أن يظهر السلطة بمشهد القاضي العادل. ويفضل أبوأحمد اتباع أسلوب “القضاء الاجتماعي” وتولي مجموعة من الوجهاء النزيهين أمر المحاكمة، والفصل في تلك الجرائم، فالسلطة الأمنية والتنفيذية في رأيه قد سقطت منذ أن شكلت تلك الميليشيات التي ارتكبت الجرائم.
ازدواجية أمنية فاضحة
في الوقت الذي تبدو فيه السلطات الأمنية عاجزة عن كبح جماح الجريمة والمجرمين الجدد في السويداء، تستمر السلطات الأمنية بمحاولة الظهور بموقف الحياد تجاه ما يُرتكب من جرائم يومية، بينما لاتزال تحرص على ملاحقة نشطاء المعارضة ودعاة السلم الأهلي.
في هذا السياق، يشير رضوان محمود، من أبناء السويداء، إلى وجود 130 مذكرة بحق شباب ورجال من دعاة السلم الأهلي والاجتماعي، قامت السلطات الأمنية باعتقال بعضهم، ولا زالت تلاحق الآخرين. ويقول لـ”المدن”: “نحن نعلم أن الدولة بمفهومها الوطني قد سقطت في السويداء، رغم وجود أفرع الأمن التي لم تتعدَ سلطتها حدود فرض القيود والتضييق على السكان، لكبح جماح أي احتجاجات قد تقود المحافظة إلى الثورة. وهاهم أهالي السويداء اليوم يجمعون على تحميل المسؤولية الرئيسة للإجرام المنتشر لقادة تلك الأفرع الأمنية، الذين شجعوا على الجريمة بشكل علني من خلال اتخاذ قرارات التسليح العشوائي، وكان أولئك القادة بمثابة العرابين الأساسيين لمجموعات من القتلة، وممتهني التهريب وتجارة السلاح والمخدرات”. واعتبر محمود أن ذلك السلوك الأمني يهدف إلى تفكيك مجتمع السويداء، من خلال خلق صراعات عائلية تجر الأهالي لحالة من الثأر غير المنتهية.
انتشار السلاح بيد مجموعات تتخذ من تسميات الدفاع الوطني وسواها من المليشيات المسلحة، وضع بيد تلك المجموعات قوة يصعب على الأهالي والهيئات الاجتماعية والدينية الوقوف بوجهها. وكان لدعم جماعات الأمن لها أن منحها الشعور بأنها تمتلك سلطة كبيرة، جعلتها المتحكمة بأمن المحافظة تحت مزاعم تهديد “الجماعات الإرهابية”.
وكان لمشهد القتل اليومي المرتكب في سوريا الدور الأكبر في استسهال الإجرام وانتشار ثقافة العنف على يد تلك الجماعات، فمعظم المشاكل وحالات التعرض للمدنيين كانت تحصل للأهالي أثناء مرورهم على حواجز التفتيش التي يعمل عليها عناصر من تلك المجموعات. وسجل العديد من حالات الاشتباك والقتل العمد لأشخاص على تلك الحواجز، وبقي مرتكبو الجرائم من دون أي محاسبة.
المدن