الجغرافيا السورية والتوازنات الدولية المكشوفة/ لطفي العبيدي
من المهم الإشارة إلى أن التداعيات الأخيرة حول الملف السوري كانت تؤشر لإمكانية اندلاع حرب طاحنة وشاملة، إن لم تكن عالمية، فعلى الأقل في كامل جغرافيا الشرق الأوسط، ولكن الضجيج الإعلامي يبدو أنه كان أكبر بكثير من المنجز الميداني في النهاية.
يتم توجيه ضربات جوية إلى قواعد سورية خالية تماما من أي تواجد عسكري وفق تنسيق مسبق بين أمريكا وروسيا، في إشارة واضحة لخطوات أقرب إلى المشهد الذي يُثير السخرية، مردها الأساسي رغبة ترامب في التخلص من الملف الذي يُحرجه في الداخل الأمريكي، وهو علاقة روسيا الاتحادية بالانتخابات الأمريكية، ومدى مساهمتها إلكترونيا واستخباراتيا في نجاح هذا الرجل في المنافسة الانتخابية أمام هيلاري كلينتون.
من جهة أخرى تُعتبر جولة ابن سلمان الأخيرة إلى الولايات المتحدة وفرنسا، دفعا باتجاه استجداء ثلاثة مطالب، أولها تدخل في سوريا ينهي النظام ويسقط بشار الأسد، كحل أخير بعد هزيمة الجماعات المسلحة. وثانيها رغبة في بقاء التغطية السياسية والدبلوماسية والإعلامية على جرائم السعودية في عدوانها المتواصل على اليمن، الذي وقّع الكونغرس الأمريكي بالإجماع على تواصله في نوع من إضفاء الشرعية الدولية لمثل هذه الحرب المفضوحة، التي نستغرب صمت العالم أمام كوارثها الإنسانية. أما ثالث المطالب فيكمن في تقديري حول مواصلة حصار دولة قطر، وربما التفكير في قلب النظام فيها أيضا، واحتاج الابن السعودي المدلل والمندفع إلى دفع مليارات الدولارات بطبيعة الحال للأمريكي والفرنسي المتذيل للعم سام، رفقة بريطانيا، كما هو معتاد في الحروب السابقة.
وفي هذا السياق تُحرج الجامعة العربية نفسها اختيارا، وكما هو معتاد جاء البيان هزيلا مفضوحا، وهي التي كان عنوان جلستها القدس، ولا شيء في المضمون غير إدانة الصواريخ اليمنية تجاه المملكة باصطلاحات مبتكرة من قبل عبد الفتاح السيسي الرجل الأول في المخابرات العسكرية سابقا. وبطبيعة الحال اعتادت اجتماعات الجامعة العربية أن تعكس حالة الانقسام العربي وواقعهم المتخاذل أمام قضايا الأمة ومصائر الدول المؤسسة لهذا التشكيل الضعيف والمتهاون منذ تأسيسه، والذي مازال يُصر على التمسك بمبادرة السلام العربية التي تتجاهلها إسرائيل تماما، وتواصل الاستيطان والقتل والتدمير، ومثل هذا الجمود العربي الاختياري لم يُدرك بعد أن المعسكر الاسرائيلي الأمريكي واحد، وعملية السلام التي يلوكها بعض العرب بحماسة ببغائية ما هي إلا إدارة أزمة وإطالة للمأساة، والأمريكيون متفوقون في هذه المسألة ويتقنون ادعاء الصدق والوساطة، وهم أقوى ظهير لإسرائيل وأغلب من انخرط منهم في عملية السلام الكاذبة، إنما هم مُوالون للوبي الصهيوني بشكل تام. فإسرائيل هي المعضلة الحقيقية في المنطقة، وهي التي تؤجج المشاكل دوما وتدعي أن المحيط الإقليمي يرفضها ويسعى بعضه لإفنائها، وهي على ما هي عليه فكرا وسلوكا موبوءة بالتعصب العنصري والحقد التاريخي، ويحرص كل حزب تداول على الحكم فيها على التوسع والاستيطان، ويحشد ما يحشد من أجل تدمير الرابطة القومية العربية وخلق التباعد والتنافر بين الدول العربية والإسلامية.
الرهان الحقيقي اليوم يكمن في قدرة الدول العربية والمسلمة على أن تتخلى عن وظيفتها المقتصرة على التبليغ بالانتهاكات التي تتعرض لها فلسطين أرضا وشعبا ومقدسات، إلى المنظمة الأممية أو لمنظمات حقوق الإنسان، التي لا تفعل شيئا حيال ذلك، وأن تدرك أن مثل هذه المنظمات الدولية هي التي أمنت تاريخيا غطاء من الشرعية الدولية للمشروع الصهيوني، الذي يواصل أصحابه ارتكاب الانتهاكات الجسيمة المنافية لقيم الأديان السماوية والوضعية في التعايش والتسامح، والمناقضة للمواثيق والقوانين الدولية، في الوقت الذي يتوقع فيه المواطن العربي البيان الصادر عن جامعة الدول العربية قبل إعلانه في الجلسة الختامية، نتيجة اكتفاء أعضائها باستنكار الجرائم الصهيونية طوال السنوات الماضية وقد يتقلص أمله عندما يُدرك أنه لا يمكن لأمة منقسمة ومتصارعة في ما بينها انتعش فيها التطرف السياسي والعقدي والحقد الأيديولوجي، وتضاعف لديها مزيج المشاكل الداخلية والتحديات الخارجية على المستويين الإقليمي والدولي، أن تحمل لشعوبها آمالا بمستقبل أفضل، أو أن تقدم شيئا يذكر للقضية الفلسطينية، التي كانت ستصفى نهائيا شعبا وأرضا وتاريخا، لولا مشروع المقاومة الذي واجه اسرائيل بقوة ومازال يعد العدة لها في كل حين، رغبة في استرداد ما افتُك بالقوة والتزوير التاريخي والديني.
كاتب تونسي
القدس العربي