الجمهورية السورية: عبد السلام إسماعيل
عبدالسلام إسماعيل
لم يأتِ رفع علم الثورة من قرار واعٍ ومقصود بل نتيجة لاتساع زخم الثورة شعبيا، وحاجة الثوار إلى رمز يميزهم عن النظام ومريديه كنوع من المفارقة والقطيعة مع النظام ورموزه كافة. هذا معنى من معاني الثورة السورية أيضا، ترافق ذلك مع جو عام يستعيد سورية ما قبل البعث ويستذكر رجالاتها كما لو أنها محاولة لاستئناف ذلك التاريخ والقفز على مرحلة البعث ونظام الأسدين على غرار ما فعل الليبيون . . علم الاستقلال هو ما يمثل كل ذلك.
لا أنكر أنني وكثيرين لم نستسغ العلم القديم الجديد بداعي عدم الاعتياد عكس العلم الأحمر، غير أن الموقف النفسي من العلم تغير مع انتشاره ومع قوة ووضوح الرسالة التي يحملها . . سورية جديدة بعلم جديد مرتبط بذكرى الاستقلال الأول.
لم يبقى من سورية البعث على المستوى الرمزي سوى إسم الدولة: الجمهورية العربية السورية. إسم الدولة قبل البعث كان الجمهورية السورية، بعد الإنفصال بين مصر وسورية واستلام حزب البعث مقاليد الحكم بانقلاب 8 آذار تم اعتماد التسمية الحالية لسورية على اعتباره معبر عن التوجه الأيديولوجي للحزب وأيضا كنوع من المزاودة على جمال عبدالناصر كونه كان رمزا للقومية العربية في تلك الفترة. إضافة “العربية” في مسمى الدولة مسعى أيديولوجي لا يضيف للواقع شيئا. هو نوع من تعريف المعرف، أو تشغيل الغماز على طريق ذي مسار إجباري، سورية عربية بحكم واقعها الديموغرافي وإسلامية لذات السبب.
غير أن الإسم من حيث المبدأ يثير حساسيات السوريين غير العرب، ويحمل تفضيلا لسوريين على سوريين آخرين، وإذا ما ربطنا التسمية بتاريخ معتبر من الممارسات التفضيلية يصبح الأمر مشكلة حقيقية تحتاج إلى حل جذري.
الحل قدمته الثورة، الشعب السوري واحد، سورية لجميع السوريين، دستور يساوي في الحقوق والواجبات جميع السوريين ويضمن حقوقهم الثقافية والسياسية.
ألا يكفي هذا لتجريد الإسم من أي دلالة قد تكون سلبية، ويجعل من جميع السوريين مواطنين متساوين أمام القانون ؟
قطعا لا، إن كان كل السابق سيتحقق ستكون المشكلة محلولة من ناحية المضمون وعلى مستوى الممارسة، غير أن مطابقة الرمز للمرموز ليست كذلك، سورية لجميع السوريين، لكن رمز هذا الواقع المأمول لا يشير إلى ذلك، سيبقى يحمل تمييزا للعرب السوريين على حساب غيرهم من غير العرب. والثورة تسعى فيما تسعى إليه لتجاوز الانتماءات العرقية والطائفية نحو انتماء وطني يتسامى على كذلك، وهو ما نعبر عنه بالمواطنة، والمواطنة نتيجة نهائية لصيرورة اجتماعية وثقافية وسياسية. ويمكن اعتبار عقيدة القومية العربية سبباً من بين أسباب عديدة حالت دون تبلور الهوية الوطنية من جهة عدم الاعتراف بالكيان “القطري” والتعامل معه كحالة ظرفية طارئة لا ينبغي لنا الركون إليها. وقد تحدث عدد من الكتاب حول هذه المسألة واعتبروا أن الثورة الراهنة هي مقدمة للإستقلال الثاني وبناء الدولة والهوية الوطنية وفق الحدود السياسية للبلد، وأنا معهم من المعتبِرين.
ومن المعلوم أن كثير من السوريين لا يحبذون تعديل إسم الدولة لأسباب متباينة، بعضها متعلق بالاعتياد على الإسم الحالي، وبعضها الآخر يجد في التغيير تنازلا غير لازم قد يفضي إلى تنازلات أخرى من قبيل الفيدرالية وصولا إلى التقسيم، ويرفض آخرون التغيير تعصبا للقومية العربية وجكراً بالأكراد مثلاً. وثمة عدد لا بأس به من السوريين يجدون مسألة الإسم قضية هامشية وطرحها في الوقت الراهن قد يشغلنا بجدل جانبي لا معنى طالما أن النظام لم يسقط بعد. بعد أن يسقط النظام ستطرح مسألة الإسم “يبدو أن العلم قد تم حسم أمره” للإستفتاء الشعبي ليقرر الشعب بنفسه ماذا يريد.
غير أن كل هذه الآراء لا تجيب على سؤال بديهي يطرح بشكل دائم: طالما أننا نريد سورية لجميع السوريين، لماذا على السوري غير العربي أن يحمل بطاقة مدنية وجواز سفر يعرفه “بالعربي” السوري؟
وبماذا يختلف تغيير العلم عن تغيير مسمى الدولة، إذا ما أخذنا الرأي القائل بأن هذا الحديث سابق لأوانه؟ نحن في خضم ثورة والتغيير ينبغي له أن يكون ثوري بالقدر ذاته.
وإن كان الإئتلاف لا يملك الصلاحية لذلك، فالنقاش في هذا الأمر والدعوة إليه مطلوبة على الأقل لكسر حدة الآراء المتعارضة ويتيح لنا جميعا مراجعة أفكارنا في هذا الصدد وفي شؤون أخرى متعلقة به، وكما رفع الثوار علم الثورة وتم اعتماده بناء على ذلك، فلا يوجد مانع من أن يقوم الثوار أيضا بفعل ذلك مع إسم الدولة . . ومن يتعلل بالإنقسامات غير المطلوبة، عليه ألا يرفض النقاش لأن النقاش يهون من شأنها، فضلا عن أن الإنقسامات موجودة فعلا في مواطن كثيرة، والخلاف في هذا الموضوع لن يكون سوى خلاف جديد في ركام خلافات عديدة . . تغيير المسمى خطوة إضافية على طريق القطيعة مع سورية البعث نحو سورية يأملها الجميع.
خاص – صفحات سورية –