الجندي المجهول لكل كتاب: المحرر الأدبي في العالم العربي… «سكرتارية» المؤلّف/ أحمد مجدي همام
«في البداية واجهنا اعتراضات من بعض الكتّاب باعتبار ذلك تدخلًا في النص، لكن مع الوقت زادت الثقة وأصبح جميع كتّاب الدار أكثر تقبلا وحماسًا لسماع الملاحظات على نصوصهم والعمل معنا على تقبّل مختلف الاقتراحات والتعديلات، بل بالعكس أصبح الآن الكثير من الكتّاب الكبار والشباب يطلبون منّا قراءة أعمالهم قبل تسليمها بشكل رسمي للدار، وإبداء ملاحظاتنا واقتراحاتنا عليها. وقد جاءت هذه الثقة من يقين الكتّاب في ثقافة وقدرة المحرر، وأن الدار حريصة على العمل مثلها مثل الكاتب، ولا تقبل أن يخرج العمل إلى السوق إلا في أفضل صورة». نرمين رشاد، مديرة الدار المصرية اللبنانية.
في بيروت، التقيت الناشر والمحرر حسن ياغي، مدير دار «التنوير» في بيروت، فقال أنه اضطر لحذف عدد كبير من الصفحات من رواية «الطلياني» للروائي التونسي شكري المبخوت، لتخلو من الشحوم والترهلات، وتصبح مؤهلة للنشر ومن ثم المنافسة على الجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر».
لا يقتصر دور المحرر على حذف الترهلات والزيادات عن النصوص وإزالة الشوائب للإبقاء على الجوهر، وإنما يمتد ليشمل كل مراحل إنتاج الكتابة، بما في ذلك العنوان، وأحياناً الشكل والغلاف، وفي هذا السياق يُذكر أن الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز تقدم بمخطوط روايته «في ساعة نحس» لدار النشر بعنوان «بُراز»، إلا أن محرر الدار رأى أن العنوان مقزز وغير مناسب للسوق فتم تغييره إلى «في ساعة نحس».
«القدس العربي» تفرد المساحة التالية للحديث عن المحرر الأدبي وإلى أي مدى يمتد دوره في الأعمال التي توكل إليه لتحريرها.
نحن مساعدوهم
«ليس كل كاتب محرراً ناجحاً، وليس كل محرر كاتباً ناجحاً»، هذا ما يؤكد عليه أشرف يوسف، المحرر الأدبي في دار العين المصرية. ويضيف: «مؤلفو الكتب أي هؤلاء الذين من دونهم لن تقوم لصناعة الكتاب قائمة.. من المفترض في لغة حالمة أننا كعاملين في مجال النشر مساعدوهم أو سكرتارية لهم حتى يخرج الكتاب من مراحله في دار النشر والمطبعة إلى السوق أي إلى المعارض والمكتبات».
الروائي إبراهيم عبد المجيد، يحدد بعض المعايير الواجب توافرها في المحرر الأدبي: «أن يدرس الأدب بشكل ممتاز، الأمر الآخر الذي يتوجب وجوده في المحرر الأدبي هو أن تكون عينه على سوق الكتاب. دوره مهم، في حذف ما يزيد في قوام الرواية، وكم قرأنا من كتّاب الغرب إشادات بمحرريهم، الذين أنقذوا رواياتهم بنصائحهم وتدخلاتهم، على عكس المحررين في بلداننا، حيث لا تأتي الفنيات على رأس أولوياتهم، بل يأتي الاهتمام بالرقيب، لذلك، اعتدت أن أجعل بعضا من الأصدقاء الثقات يلعبون هذا الدور، فأطلعهم على مخطوطات رواياتي ليقرأوا ويشيروا إلى المواضع المحتاجة لتدخل».
الناشرة نرمين رشاد ـ الدار المصرية اللبنانية ـ تتكلم عن رسوخ مهنة «المحرر الأدبي» في الثقافة الغربية: «استقرت مهنة المحرر الأدبي في الغرب منذ سنوات طويلة، حتى أصبحت علاقة العديد من الكتّاب المعروفين بالمحرر الأدبي لأعمالهم، علاقة صداقة قوية تقوم على ثقة الكاتب الكاملة في قدرات المحرر الإبداعية واللغوية، واقتناعه بأن العمل لا يستقيم دون إبداء المحرر لملاحظاته واقتراحاته حتى يخرج العمل في أفضل صورة. ويعترف غابرييل غارسيا ماركيز بأهمية الدور الذي قام به محرره الأدبي في روايته الشهيرة «مئة عام من العزلة».. ويقول إنه لولا اقتراح المحرر بحذف مئة صفحة من الرواية لما حققت ذلك النجاح».
انتشار.. رغم الصعوبات
تقول نرمين رشاد: «في عالمنا العربي مازال بعض الكتّاب لا يعترفون بأهمية هذا الدور، ويرفضون مراجعة أعمالهم إلّا من بعض الأخطاء اللغوية، لكن لا يقبلون أي اقتراحات أو تعديلات قد يبديها المحرر على النص في دار النشر. ورغم ذلك، كانت تجربتنا مختلفة في الدار المصرية اللبنانية. فمنذ 2008 بدأت الدار تركز أكثر على نشر الإبداع رغم السنوات الطويلة للدار في مجال النشر منذ 30 عامًا. وكان ذلك بسبب التغيرات التي طرأت على السوق المصرية والعربية واتجاه القرّاء بشكل كبير إلى الرواية. ورأينا كقائمين على الدار أنه إذا أردنا أن نتميز في نشر الإبداع، فعلينا أن نُفعّل دور المحرر الأدبي. وبدأنا نقرأ الأعمال بشكل جيد ونقوم بإبداء ملاحظاتنا واقتراحاتنا دون خجل».
تقليل المصروفات يعني الاستغناء عن المحرر، هذه أزمة أخرى تواجه انتشار دور المحرر الأدبي، وعن ذلك يقول الروائي الإريتري حجي جابر: «ربما الإشكال عربياً أنّ غالب دور النشر وتقليلاً للمصروفات لا تمتلك محرراً أدبياً خاصّاً بها، بل عادة ما تعهد بالكتاب إلى لجنة قراءة يقتصر دورها على إبداء الرأي في مدى جودة الكتاب من عدمها. وهناك إشكال آخر إذ يستصعب المحرر الأدبي، إن وجد، أن يعمل على كتاب فيغربله بالكامل ويبذل فيه الكثير من الجهد دون أن يظهر اسمه على الكتاب في آخر المطاف. حالة التواري تماماً تبدو غير مستساغة عربياً حتى الآن. وربما يفاقم من هذا الوضع أنّ الكاتب لا يريد أيضاً للآخرين أن يعرفوا أن كتابه تعرّض لعملية تحرير أدبي، وأنّ شكله النهائي لم يكن إلا نتيجة تدخل كبيرة من قبل محرر أدبي محترف».
ويواصل صاحب سمراويت: لكن في المقابل ثمة مشكلة تتعلّق هذه المرة بوجود المحرر الأدبي وليس في غيابه، فقد اطلعتُ على نصّ لصديق تم تحريره بطريقة غير مرضية وأعطي عنواناً أقل جاذبية من العنوان الأصلي، وكل ذلك حتى يفرض المحرر وجهة نظره التي لم تضف للعمل بقدر ما خصمت من جودته».
«مؤخراً بدأتْ تظهر على السطح بعض الجهود الفردية في سبيل تكريس فكرة المحرر الأدبي في الوطن العربي وإن كان من الصعب الحكم عليها في الوقت الراهن، كحساب «تكوين» في الكويت الذي تشرف عليه الروائية الكويتية بثينة العيسى وحساب «المحرر الأدبي» في السعودية الذي يشرف عليه الصحافي والناقد السعودي طامي السميري. ولعلها بداية تجلب معها تجارب أخرى لتصبّ في النهاية لصالح العملية الإبداعية». لكن كل تلك العوامل لم تعطل انتشار دور المحرر الأدبي، وهو ما توضحه نرمين رشاد: «في النهاية أعتقد أن دور المحرر الأدبي ستزداد أهميته في عالمنا العربي في الفترة المقبلة، بسبب زيادة قاعدة القرّاء، والتنافس الكبير بين العديد من دور النشر في نشر الإبداع، والقناعة لدى الكثير من الكتّاب بالدور الذي قد يلعبه المحرر في تحويل العمل إلى الأفضل».
حجب المحرر عن المؤلف
تلجأ بعض دور النشر لعزل المؤلف عن المحرر، بحيث لا يعرف أحدهما الآخر، بغرض ضمان الحياد والنزاهة في تقييم وتدخل المحرر في الرواية أو النص، ووفقاً لإبراهيم عبدالمجيد، هناك أسباب عديدة تدعو دار النشر إلى عزل المحرر عن المؤلف وحجبهما عن بعضهما، يقول إبراهيم عبد المجيد صاحب «قطط العام الفائت»: «أولاً، لتفادي حساسية المؤلف المصري والعربي الذي يتعامل مع نصه بشيء من القداسة، هذا التجهيل مهم لعدم خدش «ذات» الكاتب. وثانيهما لتفادي شبهة المجاملات أو العداوات، وثالثاً لكي لا يجد المحرر حرجاً في منح المنتج سمة السوق، علينا أن لا ننسى أن «الفسح» عبء يتفرّد به المحرر الأدبي العربي عن نظيره الغربي».
القدس العربي