صفحات العالم

الجولان فداء لبنان/ ساطع نور الدين

 أمام عملية الجولان الاخيرة، لا بد من توجيه التحية للمقاومة، ولحزب الله الذي فتح الجبهة السورية مع العدو الاسرائيلي، فصحح بذلك مسارا سياسيا وعسكريا خاطئا وظالماً ادى الى دمار لبنان وخرابه طوال اكثر من اربعين عاما، وأعاد الامور الى نصابها الطبيعي الذي كان النظام السوري يمانعه.

يمكن الجدال في ان قرار فتح تلك الجبهة تأخر كثيرا، وأملته الظروف السورية الداخلية اكثر مما استدعته استراتيجية المقاومة وخططها للرد على الاعتداءات الاسرائيلية الاخيرة على قوافل الصواريخ الاتية من سوريا. لكن المهم الان انه عمل عسكري نوعي ضد العدو، لم ينطلق من الجنوب اللبناني، ولم يستدرج ردا اسرائيليا على البلدات والقرى الجنوبية او على المخيمات الفلسطينية في لبنان، على ما كان دأب الجبهة اللبنانية المفتوحة على مصراعيها طوال العقود الاربعة الماضية.. دون سواها من بقية الجبهات العربية.

إزاء هذه العملية المفاجئة، طرح اكثر من سؤال لبناني خبيث: ترى ماذا كان يمكن ان تكون عليه صورة لبنان اليوم لو ان النظام السوري ( الحالي) سمح في منتصف السبعينات بان يتحول الجولان الى جبهة المقاومة الرئيسية مع العدو؟ وهل اكتشفت المقاومة اخيرا ان استمرار العمل العسكري من الجنوب اللبناني بات مكلفاً جداً، وخطيراً جداً، فقررت صرف النظر عن محاولة خرق الخط الازرق الحدودي وتفادي تعريض لبنان للمزيد من الاذى والضرر، واختارت نقل عملياتها من الان فصاعدا الى الجبهة السورية؟

لكن السؤال الذي لا يتطلب طرحه الكثير من الخبث هو : لماذا اعطى النظام السوري الضوء الاخضر لتنفيذ هذه العملية في الجولان في هذا الوقت بالذات؟ وما الذي اغضبه في السلوك الاسرائيلي الاخير لكي يقرر ابلاغ العدو ان هذه الجبهة قد فتحت، او هي على وشك ان تفتح تماما على غرار الجبهة اللبنانية؟

قبل تلك العملية كان النظام، وربما لا يزال، مطمئنا تمام الاطمئنان الى ان اسرائيل لا ترغب ولا تتمنى سقوطه، وهي متفاهمة كليا مع واشنطن على هذا الموقف.. وهو ما اتاح للقوات السورية الجوية والبرية التحرك اكثر من مرة طوال الاعوام الثلاثة الماضية ضد المعارضة السورية في مناطق قريبة من خط الحدود في الجولان، كانت محرّمة وفق اتفاق فصل القوات الموقع بعد حرب تشرين العام 1973. لكن هذه العمليات العسكرية السورية لم تفلح في تغيير موازين القوى مع المعارضين السوريين، الذين تمسكوا بالارض الخاضعة لسيطرتهم اكثر مما فعل اخوانهم على بقية جبهات الحرب السورية، بل وتمكنوا اخيرا من تحقيق مكاسب مهمة على الجبهة الجنوبية، التي كانت وستبقى واحدة من اهم جبهات الصراع في سوريا، لانها تختزل جميع عناصره المحلية والعربية والدولية، وتعتبر مؤشرا مهما للاحجام والادوار والخطط.. فضلا عن كونها مقياسا للموقف الاسرائيلي، ومنفذا لعدد من الاختراقات الاسرائيلية الخطيرة، التي تتعدى فتح الحدود والمستشفيات الاسرائيلية امام الجرحى السوريين.

يمكن ان تحال العملية او بالاحرى القرار بفتح جبهة الجولان الى التحذير الاول الذي وجهه النظام عبر أحد رموزه الى اسرائيل في بداية الازمة من مغبة المساهمة في اسقاطه. لكن الاسرائيليين، والاميركيين معهم، جددوا التطمينات لدمشق وعبروا عن اعتراض صريح وواضح على الخطط العربية الجدية التي كانت تعد في الاونة الاخيرة لفتح الجبهة الجنوبية امام المعارضين السوريين وتمكينهم بالسلاح المتقدم من الزحف باتجاه دمشق.

مهما يكن، فان العملية تستحق الثناء، ويستحق منفذوها التقدير والتشجيع على المضي قدما في استهداف العدو من الجبهة التي كان صمتها المريب ، ولوذها بالممانعة بدل المقاومة، علامة من علامات الكارثة اللبنانية المقيمة منذ اكثر من اربعين عاما.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى