صفحات العالم

الجولان في “الحرب الكونية ضد الارهاب”/ فواز طرابلسي

 

 

ثمة جديد في شأن مصير الجولان المحتلّ المحت اليه زيارة بنيامين نتنياهو الاخيرة لواشنطن. وقد أجمع المراقبون على ان رئيس الوزراء الاسرائيلي خرج من البيت الابيض في مزاج رائق عكس الحال في زياراته السابقة. اغدق مديحاً غير معتاد على اوباما لما فعله من اجل امن اسرائيل. ومع انه اعترف بوجود قضايا لا تزال عالقة بين الحكومتين، دعا إلى ضرورة التعاون من اجل فرض «الاستقرار في الشرق الاوسط… حول داعش وحزب الله».

اللافت ان نتنياهو تعاطى مع الاتفاق النووي مع ايران على اعتباره تحصيل حاصل والمهم الحرص على حسن تطبيقه. اما نجاح الدبلوماسية الأمريكية، بتواطؤ اكيد من نظيرتها الايرانية، في تحييد ترسانة السلاح النووي الاسرائيلية عن البحث طوال سنوات التفاوض ومراحله المختلفة، فلم تستأهل من رئيس الوزراء اي لفتة ناهيكم عن شكر او ثناء. غني عن القول ان ايجابية نتنياهو وثيقة الصلة بما انتزعه التعنّت الاسرائيلي على مدى السنوات الماضية في الملف النووي الايراني ذاته وفي استغلاله للازمات والحروب في المنطقة لاقفال ملفات عالقة وفتح ملفات جديدة ملفات.

اول التوقعات يتعلق بزيادة الدعم المالي الأمريكي لاسرائيل الذي وقعّه جورج بوش لعشر سنوات بقيمة ثلاثة مليارات دولار إلى 5.4 مليار عندما يحين موعد تجديد العقد بعد سنتين. فلسطينيا، اخذ نتنياهو من اوباما اكثر من المطلوب في ادانة الانتفاضة الفلسطينية الجارية، فلم يكتف الرئيس الأمريكي بادانة «العنف الفلسطيني ضد مواطنين اسرائيليين ابرياء» بل اعلن فعل ايمانه في ان «حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها» هو واجب ايضا. فردّ نتنياهو بالنفاق المعهود: انه لم يتخلّ عن السلام ولا عن الالتزام بحلّ الدولتين: دولة فلسطينية إلى جانب اسرائيل «منزوعة السلاح تعترف بدولة اسرائيل» ولكن دون اي اشارة إلى ان الاعتراف سوف يكون متبادلا! وهذا هو نيتناهو ذاته الذي يصرّ منذ سنوات على الاعتراف الفلسطيني المسبق باسرائيل بما هو «دولة اليهود» شرطاً لاستمرار المفاوضات، وهو الذي يعلن ان افضل حل لاسرائيل في النزاع الفلسطيني هو الحفاظ على الوضع القائم، اي تهويد القدس والاستمرار في القضم التدريجي لما تبقى من اراضي الضفة الغربية بواسطة المستوطنات. هذا حتى لا ننسى اعلان وزيرة العدل النازية في حكومته ان الضفة الغربية ليست اراض فلسطينية وانما هي أراض متنازع عليها.

لكن من يعرف نتنياهو سوف ينتظر الثمن الاضافي. فها هو قد المح خلال اللقاء ان اسرائيل مهتمة بنقاش موقف الولايات المتحدة من «ضم اسرائيل مرتفعات الجولان في ضوء الحرب الاهلية السورية»، على اعتبار انه من المستبعد ان يعاد توحيد سوريا في دولة فاعلة واحدة. معروف ان المجتمع الدولي يرفض الاعتراف بضم اسرائيل الجولان العام 1981. مع انه ليس معروفا بعد ما إذا كان اوباما اجاب على تلميحات نتنياهو وباي صيغة. لكن المعروف ان اوساط اليمين الاسرائيلي تضغط منذ فترة للاستحصال على ضمانة رئاسية أمريكية وتشريع في الكونغرس يكرّسان ضم اسرائيل للجولان المحتلّ.

على مرّ الفترة السابقة، كانت الادارات الأمريكية المتعاقبة تعتبر الجولان ارضا سورية محتلة وتتوسط لمفاوضات سلام حولها يضمن الانسحاب الاسرائيلي منها. وفي سلسلة المفاوضات التي عقدت بين الطرفين في شبرداتاون وواي ريفر خلال السنوات 1992-1996 والتي استؤنفت العام 1999 بوساطة من الرئيس كلنتون، دارت الابحاث على الانسحاب الاسرائيلي من الجولان مقابل اتفاقية سلام وانشاء محطة انذار مبكر وانسحابات جغرافية وتولي وحدة عسكرية أمريكية ادارة أجهزة الرادار في جبل الشيخ وما يستتبع ذلك من تبادل دبلوماسي وتطبيع. لم يبق عمليا من موضوع في تلك المفاوضات غير الخلاف على حدود الانسحاب الاسرائيل في حين كان الموقف السوري يصرّ على الانسحاب إلى ما وراء حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 متسلّحاً بـ «الوديعة» التي سلّمها اسحق رابين للرئيس الأمريكي. ومع ان الطرف السوري ارتضى بعض التعديلات على تلك الحدود التي تحاذي الشاطى الشرق لبحيرة طبرية، الا ان الخلاف حول هذا الموضوع ادى إلى انفراط عقد قمة الاسد كلنتون في جنيف يوم 26 اذار/مارس العام 2000 حين قدّم كلنتون عرضا ناقصا من ايهود باراك الذي كان مترددا في الانسحاب من الجولان اصلا. بعد اسابيع، اختار باراك الانسحاب من طرف واحد من الشريط المحتلّ في جنوب لبنان في 25 ايار/مايو من العام ذاته. ووسط فرحة اللبنانيين بهذا الانتصار وبالتحرير كان الارتباك يسود اوساط النظام السوري الذي لم يكن يتوقع الخطوة واعتبرها بمثابة سحب ورقة الضغط العسكري من يده. وسرعان ما تبيّن ان الانسحاب الاسرائيلي لم يشمل مزارع شبعا وتلال كفرشوبنا والقسم اللبناني من قرية الغجر، ما سمح لسوريا بعدم تطبيق قرار مجلس الامن القاضي بالانسحاب المتزامن لاسرائيل وسوريا من الاراضي اللبنانية، وان يضمن احتفاظ حزب الله بسلاحه بما هو قوة مقاومة لاستكمال تحرير الاراضي اللبنانية. وتوفي الرئيس السوري بعد اسبوعين من ذلك.

ما لا يذكر كثيرا ان الحرب الاسرائيلية صيف 2006 ادت إلى عقد مفاوضات سورية-اسرائيلية غير مباشرة بوساطة تركية، تبيّن خلالها ان اولمرت لم يكن اكثر تساهلا من باراك في موضوع التخلي عن المستوطنات الجولانية. واللافت في تلك المفاوضات ان الطرف السوري اعتبر نفسه صاحب الانتصار في صيف 2006 والمؤهل لقطف تضحيات المقاومين اللبنانيين واهل الجنوب وعموم اللبنانيين. وقد قالها سمير التقي، مستشار الوفد السوري خلال المفاوضات بصراحة: «المقاومات لا تنتصر. وحدها الدول هي التي تنتصر».

ومعلوم ان نتنياهو فاوض بشار الاسد من خلال مبعوث شخصي وقدّم مشروعا يقضي بعودة الجولان إلى السيادة السورية على ان يقتصر الوجود السوري المسلّح فيه على الشرطة والدرك، في مقابل حق الاسرائيليين في التواجد المدني في كامل الهضبة. لكن المفاوضات لم تثمر هنا ايضا بسبب عقبة حدود الانسحاب.

هذا استعراض موجز لمسيرة تعاطي النظام البعثي السوري مع الجولان المحتل، تبدأ بخسارته زمن حكم يساره وتصل إلى رضوخ نظام بشار الاسد لاولوية خطر الارهاب على خطر اسرائيل، على حد تعبيره، مرورا بتفويت فرصة استعادة الجولان المحتلّ بالتفاوض حين كانت سوريا تملك قوة الضغط العسكرية في لبنان والحضور الاقليمي الوازن لذلك.

ولكن الامانة تقتضي القول ان مواقف المعارضة السورية، وخصوصا معارضة الخارج، إتسمت بالاستخفاف بالموضوع على اعتبار تحرير الجولان شعارا من شعارات النظام الديماغوجية، او صدر عنها اعلان مبكرعن النية في استعادة الجولان بالوسائل السياسية والدبلوماسية، في تنازل مجاني عن الحق في اللجوء إلى السلاح لتحرير الارض والشعب، الذي تكرّسه مواثيق الامم المتحدة. هذا عندما لم تكن تلك المعارضة تتلقى النصائح من اصدقاء يوحون بتقديم المزيد من التنازلات في ملف الجولان على امل تشجيع الادارة الأمريكية على التدخل عسكريا لاسقاط نظام الاسد!

مهما يكن، ها هو بنيامين نتنياهو يسخّر «الحرب الكونية ضد الارهاب» والحروب الاهلية العربية للسعي لاقتناص مكسب جديد في النزاع العربي الاسرائيلي.

وسؤال ما العمل؟ سؤال سوري قدر ما هو عربي ودولي.

٭ كاتب وأكاديمي لبناني

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى