الجيش الحرّ والأزمة السورية
عروة الأحمد.
الإشكالية الكبرى في مسألة الجيش الحرّ اليوم هي أنّه ليس تنظيماً واضحاً ينضوي تحت لوائه كلّ مسلّحي الثورة ( من منشقين عسكريين ومدنيين مسلّحين ) تحت قواعد واحدة وأهداف مشتركة ومصدر دعم لوجستي واحد وخطة عمل مشتركة .
وبالتالي هو أقرب إلى الكتائب ( كمسلحين ) والميليشيات ( كمدنيين ) كون المقاومة العسكرية حتى اللحظة تتم على نمط حرب الشوارع ضد الجيش النظاميّ في سوريا .
الدعم المشروط بالولاء الذي يتم تقديمه اليوم للجيش الحرّ هو ما أدى مؤخراً إلى النزاعات التي نراها بين الكتائب وعدم توحّدها تحت قيادة عسركية واحدة، كالحال ما بين كتائب الفاروق ولواء الحق في حمص، وما بين لواء التوحيد وباقي الكتائب في الجيش الحر، وما بين الجيش الحر ككل والجيش الوطني السوري، الذي تم تشكيله مؤخراً , وما أدى أيضاً إلى استهجان العديد من السوريين المعارضين للنظام ما يقوم به الجيش الحر من مقاومةٍ في الأحياء المأهولة بالسّكان , ومن ثمّ الإنسحاب منها حين نفاذ الذخيرة.
من كلّ ما سبق نرى أن ما يقوم به الجيش الحرّ على الأرض السورية نابعٌ عن اجتهادات شخصيّة لقادة الكتائب , وغير مخطّط له ما بين قادة الكتائب ككلّ , مما يؤدي بالضرورة إلى استنتاج أنه لا تواصل مباشر وكامل ما بين قادة الجيش الحرّ على الأرض السورية , وكل ما سبق سببه تعدّد مصادر الدعم اللوجستي للجيش الحرّ , وبالتالي إن اختلاف الأجندات سيسبب بالضرورة ضمور الهدف المشترك وتعدّد الطرق للوصول إليه , وحين تتعدد الطرق سيسلك كلّ طرف طريقه الذي يراه صحيحاً من وجهة نظره .
المعارضة السورية بتخبّطها خلال المدة التي مضت نقلت للجيش الحرّ عدوى الإنقسام والتحزّب .
لن أطالب بالسلميّة , لأنه من الطبيعي أن يشكّل العنف عنفاً مضاداً , واستمرار العنف دون رادع له من قبل النظام أدى إلى ظهور التشكيلات المسلّحة , وهذا أمر طبيعيّ .
ولكن المشكلة الحقيقية اليوم تكمن في أن الثورة حين كانت سلميّة كان الهدف واضحاً للجميع , أما اليوم مع دخول السلاح على الساحة السورية أصبحنا لا نفرّق بين من يريد تحرير سوريا من نظامٍ يحتلّها , وما بين من لا تعنيه سوريا وشعبها ويسعى لتنفيذ مخطّطات لا تمتّ لثورة الشعب السوري بصلة .
القوى العظمى تدفع بالقضية السورية نحو حلّ سياسيّ مبنيّ على تنازلات يقدّمها رأس النظام بشار الأسد بتسليم السلطة , وتنازلات باسم الشعب السوري تضمن له عدم محاكمته مستقبلاً أو الحجز على أمواله .
وقد يسأل القارئ هل القوى العظمى عاجزة عن إقالة الأسد من منصبه دون أي تنازلات من الشعب السوري ؟
بالطبع ليست عاجزة وهذه ذريعة لتلك القوى مجتمعةً ( باختلافها ) لإضعاف الدولة السورية ككلّ والسيطرة سياسياً على الموقع السوري الإستراتيجيّ المفصلي في الشرق الأوسط , والذي بات اليوم ساحة الصراع الإقليمية الأبرز وسوق الأسلحة الدائم لحلفاء تلك القوى .
أما عن الجيش الحرّ فيتم تزويده بالأسلحة الخفيفة , واستمرار دعمه بالأسلحة الخفيفة – حصراً- لضمان استمرار الأزمة في سوريا , حيث لا مصلحة للقوى الدولية في إسقاط النظام عسكرياً الآن , ولا مصلحة لها في انتصار النظام عسكرياً على الثورة أيضاً .
حلّ الأزمة في سوريا لن يكون إلا بيد السوريين , لأنه لا مصلحة لغيرهم بحلّها , وإن كُتب للجيش الحرّ إسقاط النظام ( ولو أني أراه بعيداً جداً لأسباب عديدة منها عدم تواجد الدعم الحقيقي له ومنها شلليّته ) فلن يكون إسقاطاً عسكرياً , بل سيكون ناتجاً عن إحداث شرخٍ قويّ في بنية النظام العسكريّة بعد أن تخلخلت بنيته الأمنيّة مؤخراً .
خاص بموقع صفحات سورية.