الحالة السورية بين الحوار كمدخل وبين اعتباره خيانة
عماد عزوز
مع اقتراب دخول الإنتفاضة السورية شهرها الثالث تصبح الأسئلة المتعلقة بمآل وحيثيات هذه الإنتفاضة ضرورية لاسيما مع سرعة المتغيرات و تعدد الإحتمالات والتي قد تتغير في أي لحظة وذلك وفقا لعوامل عديدة تحيط بهذه الإنتفاضة الآن.
بالمقارنة مع ثورات مرت بها منطقتنا العربية وحملت صبغة خاصة بكل منطقة لدرجة بدأنا نطلق المسميات الخاصة بها كأن نقول المثال المصري والمثال الليبي والمثال اليمني وربما بدأنا نقول المثال السوري لخصوصيته عن جيرانه الآخرين ولو جزئيا وذلك رغم التشابه الكبير والموحد في أسباب اندلاع الإنتفاضات في هذه المناطق.فما هي خصوصية المثال السوري وما هي أسباب قوته وضعفه بالمقارنة مع مثيلاته.
حتى هذه اللحظة نجحت تدابير النظام القمعية في عدم تمكن الإنتفاضة من التجمع في ساحات أكبر مدينتين سوريتين وهي حلب ودمشق. هذا التجمع الذي سرع في قلب نظام الحكم في تونس ومصر, يبدو أنه أكثر تعقيدا في الحالة السورية وسيكون أكثر دموية في حال التفكير به من قبل الشباب المنتفض لاسيما وأنه رأينا مافعله النظام في ساحة الساعة في حمص عندما سيطر عليها المنتفضون وكذلك درعا التي تحولت جميع ساحاتها إلى سيطرة المنتفضين, ورأينا أي قمع يستعد له النظام في محاولة من هذا القبيل.
كذلك نجح النظام في تحييد جزء مهم من الأقليات كأقليات عن طريق استغلال العامل الطائفي الذي لعب عليه طوال فترة بقائه في الحكم. التحييد الطائفي أتى بعد فشله في خلق اشتباكات بين المناطق على اساس الإنتماء الطائفي. هذا التحييد تحول في عدة حالات ولاسيما عند جزء من الطائفة العلوية إلى ليس فقط في العداء للإنتفاضة وإنما إلى الإستعداد إلى محاربتها والإشتباك معها إن لزم الأمر في حالات أخرى.
نجاح آخر للنظام هنا هو إدخاله للجيش في معركته دون أن يشكل ذلك خطورة كبيرة على وجوده وذلك رغم بعض الحوادث التي سمعناها من انفصال بعض الأفراد من الجيش وبعض الحالات التي رفضت تنفيذ أوامر إطلاق النار على المتظاهرين هنا أو هناك. إن إدخاله الجيش أو على الأقل جزء منه في المعركة بهذا الشكل كان بهدف تعزيز موقفه ورواياته أنه يخوض معركة ضد الإرهاب وبهدف الإيحاء أن المثال المصري والتونسي لايمكن تطبيقه في سوريا. ورغم انه خسر إقناع الشارع بروايته حول الإرهاب إلا أنه ربح عدم وقوع شرخ في صفوف الجيش أو انضمام له إلى صفوف الإنتفاضة أو على الأقل بقائه حياديا كما كان في مصر وتونس وحتى اليمن.
نجاحات النظام الجزئية هذه اتت مترافقة مع الإستعمال المفرط للقمع والذي لم نره ولا في اي دولة عربية شهدت انتفاضات في الفترة الأخيرة. والإستعمال المفرط ترافق مع خطة ممنهجة اشتهر بها النظام السوري منذ عهد الأب الذي استفرد بقوى المعارضة كل على حدى ليعمل على تصفيتها وليفرغ الشارع السوري من أي حراك أو من أي صوت معارض في نهاية عهده, فهل ينجح بشار ويستفيد من دروس والده في إخماد هذه الإنتفاضة.
إن مايقوم به بشار هو تماما ماقام به والده من حيث سياسة الإستفراد لتسهيل التصفية, حيث استفرد أولا بالمناطق كدرعا ودوما وبانياس واللاذقية كل على حدا وتباعا حسب تسلسل الزخم الجماهيري للمشاركين وحسب المناطق التي رفعت شعار إسقاط النظام. وفستكمال الخطة قام بمحاولة تصفية وإخفاء تلك الوجوه التي كانت أساسية في الحراك في تلك المناطق عن طريق القتل والإعتقال وكل الأساليب وبطريقة ترافقت بإخفاء آثار جريمته لتجنب الفضائح الإعلامية. ترافق هذا بمحاولة عزل هؤلاء الناشطين عن جمهور الشارع والذي كان الحاضن والرافد مع ازدياد حجم المظاهرات, والعزل هنا كان عن طريق ماسمعناه من اعتقالات لشريحة واسعة من الشارع وممن كان مستعدا للنزول إلى الشارع في اي لحظة, اعتقالات كانت في بعض الحالات لساعات وأخرى لأيام جرى فيها إجبار المعتقلين على التوقيع عل مايسمى التعهد بعدم التظاهر وذلك تحت طائلة الإعتقال مرة أخرى. إن محاولة النظام بسياسة افستفراد والتجزيئ لم تنجح كثيرا حتى الآن وهذا منشاهده على ارض الواقع.
والسؤال المطروح هنا هو هل تنجح هذه الإجراءات في إخماد الإنتفاضة.
يدرك الجميع شعبا وسلطة ان العودة إلى مرحلة ماقبل الإنتفاضة هو مستبعد وبالتالي فإن تغييرات ما اتت وستأتي في الفترة القادمة ولاسيما في وجود عامل خارجي مضطر لممارسة الضغط على النظام.
. يدرك النظام أن شروطا ما باتت مطلوبة منه كي يتم قبوله داخليا وخارجيا, لكنه يدرك أنه لم يصل بعد إلى ماوصل إليه مبارك وغيره, وبالتالي فهو سيعمل إلى المراهنة على عامل العنف لآخر لحظة يدرك فيها ان الحراك لايقترب من الخطورة على وجوده كنظام حالي وبحيث إن وجد نفسه في مرحلة البدء بالتنازلات والمفاوضات فإنه سيكون الأقوى على أرض الواقع وأنه يستطيع فرض شروطه, ومن هنا فإن العنف سيبقى هكذا وربما يزداد مالم تحصل قفزات نوعية في مسار الإنتفاضة في الفترة القريبة.
الإنتفاضة تدرك وهذا وتؤكده الوقائع أن أي توقف أوتراجع هو بمتابة إعطاء النظام وقتا إضافيا للقمع. لكنها تدرك ورغم رفع شعارات إسقاط النظام أن هذا الإسقاط أكثر تعقيدا في الفترة الحالية. وربما هذا ما أبرز إلى السطح بعض الأصوات والأفراد والتي هي على الأغلب من خارج الإنتفاضة وممن هم مستعدون ولتجنب حمامات الدم إلى الذهاب ومحاورة النظام أو على الأقل تلبية دعوات النظام للحوار.
من الطبيعي أن تظهر وجهات نظر متعددة فهي دليل عافية في المجتمع . فمنها من يصر على السير قدما في مسيرته حتى إسقاط النظام ككل مخونا أي حوار معه كونه أصبح مجرما حتى لو أدى ذلك إلى مزيد من الضحايا, ومنها من يرى أن تغييره لايمنع الحوار معه, وجهة نظر أ خرى ترى أن الحوار مع النظام هو مدخل لمنع إراقة الدماء. ومن وجهات النظر الأخرى مايفترض أن أي حل منطقي يجب أن لايستبعد النظام نفسه من المشاركة في أي حل مستقبلي لاسيما وأن مراهنة ما هنا على التناقضات التي قد توجد داخل النظام نفسه لاسيما بين هيكله السياسي وهيكله الأمني . وجهات نظر متعددة من الصعب التقدير مدى إمكانية مطابقتها لماسيحدث في الفترة القادمة لكن المؤكد أن اي وجهة نظر بصفتها مدخل للعلاقة بين النظام والإنتفاضة لاتطالب بتوقيف حمامات الدم هذه ومحاسبة مرتكبيها, وأن أي حل لاينطلق من الإصلاحات الأساسية التي انطلقت من أجلها المظاهرات والتي تتناول إجراء انتخابات حرة بعد إلغاء المادة الثامنة من الدستور وإلغاء الأحكام العرفية فعليا ومن ثم محاسبة الفاسدين, هو بمثابة الخيانة مهما كانت الذرائع الذي تنطلق منها.
عماعزوز
سوري مقيم في السويد